عزيزي «بيرلو»: أكتب إليك في ظروف عصيبة، مباراة اعتزالك. أعلم أنك أردت الاستمرار كلاعب إلى الـ«ما لا نهاية»، لكنه العمر. رفاق الأمس يتساقطون واحدًا تلو الآخر، من قبلك «فرانشيسكو» و«أليكس»، وها هو «جيجي» يدرك أنه ربما حان الوقت للاعتراف بأن الحياة قاسية، لا سيما كرة القدم.

وأنت لست مختلفًا عن الحياة، ولا عن الكرة، كنت قاسيًا كثيرًا عليّ، رغم أنك لا تعرفني، والأرجح أن هناك الآلاف غيري قسوت عليهم أيضًا، بصراحتك تارة، وبنجاحاتك مع الفريق الأبيض والأسود تارات أخرى، حتى يوم مباراة اعتزالك، اخترت القسوة من جديد؛ لماذا «سان سيرو»؟ هل لأنه بيتك الذي قضيت فيه عشر سنوات جعلتك ما أنت عليه اليوم، أم لأنه شهد الفترة الأنجح في مسيرتك؟ وددت لو أفصحت ملامحك عن الإجابة، لكنني أعرفك، قليل الكلام، بارد المشاعر، ولا أستطيع تصديق أي إجابة سوى هذه: «سأعتزل في السان سيرو، أمام أنظارهم، حتى يعضوا أناملهم ندمًا عليّ مجددًا، أنا بيرلو، الذي هزمت ميلان – فريقًا وإدارة- بمفردي!»


ليت ظني كاذب يا «بيرلو»

ليت ظني كاذبٌ يا أندريا، فأنا أكره أن أقسو عليك، كما أكره الاعتراف بأنني اعتبرتك خائنًا بعد الانتقال لليوفي، وأقسمت على طردك خارج قائمة اللاعبين المفضلين لديّ، لكنني كنت خائنًا مثلك، وخنت القسم في كل مرة رأيت دموعك تذرف، حتى لو كانت تمثل لي أكبر لذة. هل يوجد شيء أفضل من الشماتة بفريقك الأبيض والأسود، وبك شخصيًا بعد الخسارة بنهائي الأبطال عام 2015؟ إنه رد الاعتبار، بيرلو لن يفوز بذات الأذنين إلا مع ميلان، فرحة أفسدتها دموعك، لماذا لم تكن بارد المشاعر يومها كعادتك؟ إنني لم أرَ هذه العواطف داخلك في كارثة إسطنبول التي كادت أن تتسبب في اعتزالك، فلماذا بكيت، لتبكيني، ولتؤكد ظني الذي كذبته: أنك لم تلعب بقلبك سوى مع السيدة العجوز؟

الجميع انهال عليك بالإطراب والثناء، يوم حققت السكوديتو مع يوفنتوس بمفردك تقريبًا، لكنني أعرف، كما تعرف أنت، أن أفضل مستوياتك كانت مع الروسونيري، والسحر الذي نثرته في جنبات تورينو، لم يكن أبرع مما قدمته بالسان سيرو، لو فقط هؤلاء الحمقى اهتموا بك، كما فعلوا بعد أن رحلت، لكنك ومع ذلك، تصمت، وأمام هذه التعليقات التي تختزل مسيرتك في أربع سنوات لم تفز فيها أكثر مما فزت في ميلانو، تصمت وتبتسم ابتسامتك الباردة، وتظهر فجأة في مدرجات ملعب اليوفي، لتؤازر لاعبيه أمام الريال، وأنت الذي لم يصرح ولو بكلمة عن حال ميلان، أأدركت بعد مدى جفائك وقسوتك؟


أين قلبك وعقلك؟

لم ينتهِ الأمر هنا، لقد ذكرت في كتابك أنك أردت الرحيل إلى الريال عام 2006، وأنك بقيت بعد تدخل «جالياني»، وأطلقت تصريحات تجميلية للإعلام بأمر من الإدارة بعد فشل الصفقة: «إن ذلك كانت مجرد تصريحات للإعلام لتبرير فشل الصفقة، لكن في الواقع كنت أقول اللعنة على كل شيء لأنني لم أذهب إلى ريال مدريد». حقًا؟ أليست اللعنة أنك لو انتقلت لشاهدت زملاءك يحملون كأس الأبطال، في المقابل تفشل مع فريقك الجديد في تخطي دور الـ16 من البطولة؟ حتى بعد ذلك بسنوات، أردت تلبية رغبة «جواريولا» بضمك للبرسا، ولم تمانع الانتقال إلى تشيلسي بعد وصول «كارلو»، لولا الاختلاف على العرض المالي، وأخشى البحث في دفاتر أخرى، لأجد أنك لم تتألم لهزيمةٍ أو لم تطر فرحًا لتحقيق بطولة، فالشيئان عندك سواء، لأن قلبك ليس هنا، ولا أحد يعرف أين هو بالضبط.


خيانة مشروعة!

دعني أغلب مشاعري هذه المرة، وأنتصر لفريقي الذي لم يعد كما كان بعدك، أنسيتَ من الذي غيّر مركزك وجعلك تتوهج؟ نعم، إنه أبوك الروحي كما تطلق عليه دائمًا، كارلو أنشيلوتي، الذي كنت لتتبعه إلى تشيلسي، لأنه أهم عندك من ميلان ربما، لكن ألا يجدر بك – مع كل قسوتك- أن تعترف بفضله عليك؟ وأن فضله هذا لم يكن ليتم لولا وجودكما بالفريق معًا؟ لم تكن بارعًا في المركز رقم عشرة «تريكواريستا»، وتراجعت قليلًا لتشغل مركز أمام المدافعين «ريجيستا»، لا يبدو أنك تتذكر أن ذلك بدأ واستمر في سان سيرو، لكنك حتمًا تتذكر أن من نفس هذا المركز الذي ترعرعت وتألقت فيه، قتلت منه فريقك السابق وقتها، إنها الخيانة المشروعة الذي لا أجد لومًا عليك فيها – تألقك وليس انتقالك لليوفي-. لسوء الحظ أنت لم تكن بحاجة لمدرب يخبرك ماذا تفعل، في الواقع لقد كنت المدرب داخل أرض الملعب.


البكاء مع الخائن!

ليت قسوتك تجلت فقط في التألق مع اليوفي، فهي على صعوبتها كانت أهون من كل ما ذكرته لك، ليتني ظللت مخدوعًا بأنك أردت الاستمرار مع الفريق، وأنك رحلت رغم إرادتك بسبب الإدارة. لا يخفى عليك ما نشرته الصحف قبل مباراة اعتزالك، أن جماهير ميلان تريد إفساد الليلة التي لطالما انتظرتها، وأنها تجهز لك أبشع الألفاظ وصافرات الاستهجان، لأنها لم تسامحك يومًا على ذهابك إلى تورينو، وأنا مثلهم يا أندريا، لم أسامحك.

اقرأ أيضًا:أنا «أندريا بيرلو» – أفضل لاعب في العالم

لم أسامحك لكنني تألمت لرؤيتك تبكي بحرقة في نهائي يورو 2012، بعد أن حملت إيطاليا على كتفيك كما حملت بطلها، وأشهد أنني خنت عهدًا قطعته على نفسي، بألا أحتفظ بصورك، واعتصرني الألم في نفس السنة لعدم ترشيحك إلى القائمة الثلاثية لاختيار أفضل لاعب في العالم، هل تدرك طبيعة مشاعر مشجعٍ حزين على عدم تكليل إنجازات لاعب خان فريقه المفضل وهزمه في الدوري؟


الاستثناء الوحيد

كل هذا وأكثر مرتبط بك يا أندريا، فأنا أطلق اللعنات ضدك في كل مكان، وبمجرد رؤيتك في الملعب بأي قميص؛ أصمت لأذوب في سحر من عشقت لعبه مبكرًا قبل كثيرين من الحمقى الذين أعطوك ما تستحقه في أواخر أيامك، هؤلاء لم يعرفوك كما عرفتك أنا، فلتسامح قسوتي بحقك يا أندريا، ولتجعلها استثناءً كما كنت استثنائي الوحيد. إن «ليوناردو» أفنى حياته في ميلان، ودرب الفريق بعدها، لكنه انتقل لإنتر، لينتهي على الفور رصيده داخلي وداخل كل ميلانيستا، أما أنت فمنذ الخيانة، لم أستطع أن أكرهك، حتى جاء يوم اعتزالك، لتقسو عليّ من جديد، وأنا كعادتي، لا أستطيع أن أكرهك.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.