قطعتا بيتزا بسعر 78 مليون دولار أمريكي!

في 22 مايو/آيار عام 2010، قام المُطوِّر لازلو هانيتش بشراء قطعتي بيتزا مقابل 10 آلاف وحدة من العملة الرقمية بتكوين، مما يجعل قيمة 10 آلاف وحدة منها بقيمة 78.50 مليون دولار أمريكي بسعر صرف اليوم.

صرّح هانيتش لصحيفة «نيويورك تايمز» عام 2013:

لم يكن للبتكوين أي قيمة في ذلك الوقت، لذلك كان تداولها مقابل البيتزا، فكرة رائعة.

تعكس لنا هذه القصة مدى التغير واسع النطاق الذي طرأ على العملة الرقمية بيتكوين منذ جرى استخدامها للمرة الأولى، وذلك بعد ما وصلت اليوم قيمة الوحدة من البيتكوين إلى 7850 دولاراً أمريكياً.

كما تعكس لنا حجم التغيرات التي حدثت في شكل ووظيفة النقود، بداية من الفراء وجلود الحيوانات إلى سبائك الذهب والعملات الورقية، ووصولاً للعملات الرقمية، واليوم أصبح تعريف النقود أكثر ضبابية وأكثر تعقيداً مما كان عليه سابقاً، فأصبح بإمكانك وبكل سهولة استخدام ما يُعرف بالـ Blockchain Technology لصناعة العملة المشفرة الخاصة بك.

كيفية رؤيتنا وتصورنا وتعريفنا للنقود يتغير ويتطور من وقت لآخر، وهو عامل مهم جداً ومؤثر بشكل كبير في مستقبل الاقتصاد، وفيما يلي نتناول أهم هذه العوامل، والتي ستشكل مستقبل الاقتصاد العالمي.

1. احتمالية حدوث ركود اقتصادي عالمي

العشر سنوات الأخيرة كانت مليئة بالأحداث، تم تشكيلها بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، ومع بداية عقد جديد فلا تتوقع تعافي الاقتصاد بشكل طبيعي، في ظل وجود معدلات فائدة في مستويات منخفضة بشكل غير مسبوق، وضغوط انكماشية في كل مكان، وما إلى ذلك من أحداث تعيق تقدم الاقتصاد بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.

يتوقع الاقتصاديون أن يواجه الاقتصاد العالمي ركودًا في الأعوام المقبلة، وسط حالة من الضبابية وعدم التيقن في جميع أنحاء العالم حيال العديد من الأحداث الرئيسية، كالحرب التجارية بين الصين وترامب، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أحداث مثل هذه تقود الشركات لأن تصبح في حالة من الترقب لتطور الأحداث، بدلاً من المضي قدماً في الاستثمار، وهو الأمر الذي يتسبب بدوره في تباطؤ النمو الاقتصادي.

وهنا، من المهم أولاً أن نُعرِّف ما هو الركود الاقتصادي. هو مصطلح يعبر عن انخفاض في المؤشرات الاقتصاديّة بشكل كبير لمدة زمنيّة متواصلة – ستة أشهر على الأقل – وتشمل هذه المؤشرات الاقتصادية: (الدخل، والعمالة، والتصنيع، ومبيعات التجزئة، وإجمالي الناتج المحلي).

كما يمكن تعريفه أيضاً بأنه هبوط في النمو الاقتصادي لمنطقة أو لسوق معين، وعادةً ما يكون سبب هذا الهبوط نابع من أن الإنتاج يفوق الاستهلاك، الأمر الذي يؤدي إلى كساد البضاعة وانخفاض الأسعار، والذي بدوره يُصعِّب على المنتجين بيع المخزون، لذلك ينخفض معدل الإنتاج، مما يعني أيادي عاملة أقل، وارتفاعاً في نسبة البطالة، ثم انخفاضاً في مستوى المعيشة والرفاهية والانفاق على مستوى الفرد، إضافةً للضرر الحاصل للمؤسسات والشركات، وخاصة الشركات الصغيرة، ويظهر هذا في انخفاض معدلات التدفق النقدي لها، وفقدان العملاء والمستهلكين، وانخفاض الطلب على منتجاتها وخدماتها، والذي يؤدي بدوره لتسريح العمال والموظفين.

وفي حالة تزايد الركود الاقتصادي، فإن ذلك يؤدي إلى كساد، والذي تكون نتائجه أقوى وأخطر من الركود الاقتصادي، مثل الكساد الذي شهده القرن العشرين عام 1929، والمعروف بالكساد الكبير، وكانت أضخم فترة ركود اقتصادي شهدها التاريخ.

2. تغيّر المناخ

هناك توقعات بزيادة في عدد سكان العالم تصل إلى مليار شخص، تزامناً مع انتهاءً العقد الجديد، وهي زيادة من شأنها استهلاك كمّ كبير من موارد الكوكب المتناهية والمحدودة، بالإضافة لكونها تضيف كماً هائلاً لميزانية الكربون العالمية، والتي بدورها تُعجِّل من وتيرة الاحتباس الحراري وتدفع درجات الحرارة إلى ما وراء نقطة حرجة حيث العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الوخيمة والمدمرة.

وتشير بعض التقارير إلى أنه بحلول عام 2030، قد يدفع تغير المناخ أكثر من 100 مليون شخص في البلدان النامية إلى ما دون خط الفقر.

ومن المتوقع أن يطول التأثير السلبي لتغير المناخ كافة الأصعدة؛ البيئي والاجتماعي والاقتصادي، ولكن ما يعنينا هنا هو التأثيرات التي قد تصيب الاقتصاد العالمي:

  • يتأثر الإنتاج الزراعي سلباً وبشكل مباشر بالتغير طويل المدى في درجات الحرارة، فتزيد أسعار المواد الغذائية مُسببةً زيادة في معدلات التضخم، ومن ثَمَّ تضعف القدرة الشرائية ومعدلات الاستهلاك، فنصل في نهاية المطاف الى ركود اقتصادي.
  • تتأثر الأوضاع المالية والاقتصادية سلباً بسبب زيادة الإنفاق الموجه لتخفيف هذا التغير في المناخ والتقليل من نسب انبعاث الغازات السامة.
  • التغير في المناخ يسبب كوارث طبيعية، والتي بدورها تُشكِّل خطراً بالغ الأهمية على البلدان الصغيرة ذات الدخل المنخفض، فتسبب خسارة فادحة في الممتلكات والأرواح، لأنه يمكن أن تقضي بسرعة على نسبة كبيرة من إجمالي ناتجها المحلي.

فعلي سبيل المقال تسبّب إعصاري كاترينا وساندي معاً في الولايات المتحدة في خسائر قيمتها 193 مليار دولار تقريباً. كما أن هناك عقارات في لويزيانا وفلوريدا قيمتها تُقدر بنحو 68 مليار دولار مُعرضة لخطر الغمر بالمياه تحت مستوى البحر بحلول عام 2050.

وتشير إحصاءات إلى أن تغير المناخ يُهدد خسارة 5% من الناتج الاقتصادي العالمي سنوياً، وبالنسبة للفرضيات الأكثر تشاؤماً يمكن أن ترتفع الخسارة إلى 20% أو أكثر كما جاء في تقرير للخبير الاقتصادي «نيكولاس ستيرن» بعنوان «مراجعة ستيرن حول اقتصاديات تغير المناخ». ويتوقع صندوق النقد الدولي أنه مع كل ارتفاع لدرجة حرارة الأرض بمقدار 3 درجات مئوية، يتعرض الناتج المحلي الإجمالي إلى الانخفاض بمعدل 2%.

3. غزو التكنولوجيا

في الأول من شهر أبريل/نيسان عام 1976 وقّع ثلاثة رجال عقداً لإنشاء شركة Apple، وهم: «ستيف جوبز»، و«ستيف وزنياك»، و«رونالد واين»، جميعهم من سكان مقاطعة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا. ولكن في 12 أبريل/نيسان، أي بعد أسبوعين تقريباً من بدء العمل، حدث أمر مفاجئ وقرّر رونالد واين التخلي عن مكانته كشريك، وحصل ستيف وزنياك على حصته والتي كانت تبلغ آنذاك 10% مقابل 800 دولار، وتم إعطاؤه 1500 دولار فيما بعد، ليفقد وأين حوالي 35 مليار دولار.

الجدير بالذكر أن مبيعات أبل وصلت في العام الأول (1976) إلى 174 ألف دولار، ثم زادت في العام التالي لتصل إلى 2.7 مليون دولار، ثم 7.8 مليون دولار عام 1978، حتى وصلت إلى مليارها الأول عام 1988، وفي عام 2012 تم التصريح بأن قيمة شركة أبل وصلت إلى 626 مليار دولا أمريكي. وفي لقاء لاحقاً جرى مع رونالد واين صرَّح بأنه غير نادم على بيعه لحصته بالشركة وصرّح بالقول: «كان أفضل قرار قمت باتخاذه وفقاً للمعلومات المتوفرة لدي في ذلك الوقت».

نعلم جميعاً بأن الصناعة هي توجه كل المستثمرين ورواد الأعمال على مر التاريخ، روادا ومستكشفين أمثال توماس إيديسون ابتكروا المجال الفيزيائي باستخدام الذرات، جاءوا بأفكار جديدة وغير مألوفة ليعيدوا تنظيم هذه الذرات لخلق وصناعة المصابيح المتوهجة، وبعد ذلك قامت الشركات باستثمار مبالغ ضخمة لبناء المصانع وتوظيف آلاف العمال بها لبناء هذه المصابيح وتقديمها في صيغة منتج للمستهلك.

وللتوضيح معظم الشركات الضخمة أمثال IBM وUS Steel وGeneral Electric وFord، تم بناؤهم بنفس النهج، ولكن واقع عالم الأعمال والاستثمار اليوم مختلف تماماً، فأصبحنا نعيش في «عالم البايت» وتكنولوجيا المعلومات، ولأول مرة تتصادم التجارة مع التكنولوجيا بطريقة تجعل من البيانات أكثر قيمة من الأشياء المادية. فشركات التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، أمثال Amazon وApple وMicrosoft، سيطرت على عالم الأعمال وتجاوزت في حجم استثماراتها سائر الأعمال التجارية والصناعية الأخرى، وهو ما عزّز من قدرات تكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي، وأحدث توجهاً غير مسبوق لإنشاء منصات عالمية من المستحيل أن تتم منافستها. فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه الذرة أكثر قيمة من البايت مرة أخرى؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.