تقارب مصري إيراني أضحت معالمه تترسم يومًا بعد آخر بعد عقود طويلة من الفتور والتوتر فى العلاقات بلغت ذروتها فى بعض الأحيان إلى حالة من تبادل الاتهامات والتصريحات العدائية بين البلدين. تقارب وتطور فى العلاقات تتلمس فيه الدولتان (المصرية والإيرانية) خطواتهما المشتركة نحو تفاهمات وتنسيقات في الرؤى والمواقف فيما يخص القضايا الإقليمية المشتركة، لاسيما الملفين السوري واليمني.بدا التقارب واضحًا بعدما أعلنت مصر انحيازها للرؤية الروسية-الإيرانية تجاه القضية السورية في جلسة مجلس الأمن التي انعقدت مؤخرًا، ما أثار أزمة دبلوماسية كبرى بين نظام الثالث من يوليو/تموز وشريكه وحليفه الاستراتيجي (المملكة العربية السعودية)، لتظهر بعدها لافتة إعلانية ضخمة فى وسط العاصمة المصرية (القاهرة) تحمل صورة لمرشد الثورة الإيرانية الحالي آية الله علي خامنئي وفي خلفيته الخليج العربي، في إشارة للأطماع الإيرانية في منطقة الخليج العربي. وهو الأمر الذى فجر عاصفةً من الغضب وعلامات استفهام في الخليج حول تقارب مصري إيراني يلوح في الأفق.تزامنت هذه الأحداث أيضًا مع تحقيق نشرته جريدة الجارديان البريطانية حول ضغوط دبلوماسية مارستها إيران لأجل أن تحضر مصر مفاوضات لوزان بسويسرا لبحث الأزمة السورية.نستعرض في هذا التقرير موجزًا لأبرز ملامح العلاقات المصرية الإيرانية المتأزمة تاريخيًا، ومراحل تطورها مؤخرًا. أوجه التجاذب والتنافر في وجهات النظر. سيناريوهات ومآلات المستقبل للعلاقة بين البلدين. أبرز التحديات أمام البلدين والتي من الممكن أن تحول دون تقارب حقيقي.


موجات من التجاذب والتباعد

1. يعود تاريخ العلاقات المصرية الإيرانية لعهد الملك فاروق، بعلاقة نسب بين الأمير رضا بهلوي -نُصب شاه لإيران بعد ذلك- و(فوزية) أخت الملك فاروق، لكن سرعان ما بدأت أولى مراحل الخلاف والتوتر بعد طلاق الأميرة من الشاه في 1945م.ازدادت الخلافات واتسعت الهوة بين البلدين في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي قام بدعم رئيس الوزراء محمد مصدَّق في سياساته المعارضة لنفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل الداعمتين للشاه، والذي سرعان ما بسط سيطرته ونفوذه على السلطة بعد سقوط حكومة مصدق 1953م.

2. شهدت العلاقات تحسنًا كبيرًا بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973م بعد أن وجه الرئيس الراحل أنور السادات قبلته السياسية صوب واشنطن وهو الأمر الذى انعكس على العلاقات بين مصر ونظام الشاه الصديق للولايات المتحدة، ولكن ما لبثت تلك العلاقات حتى أخذت منحنًا سلبيًا مرة أخرى بعد سقوط نظام الشاه في 1979، واستضافة مصر للشاه الهارب، لتعلن إيران قطع العلاقات مع مصر، وتقوم بعدها بعامين في 1981م بإطلاق اسم قاتل السادات (خالد الإسلامبولي) على أحد شوارع العاصمة الإيرانية (طهران).3. استمر تدهور العلاقات المصرية الإيرانية في عهد مبارك بعد مساندة مصر للعراق في حرب الخليج الأولى ضد نظام الثورة الإسلامية في إيران، ثم اتخاذ مصر موقفًا معاديًا للعراق في غزوها للكويت وترحيبها بالقوات الدولية التي حشدتها الولايات المتحدة لإخراج العراق من الكويت، وقد اعتبرت إيران بقاء هذه القوات والاتفاقات الأمنية التي وقعتها مع دول الخليج لحمايتها وإقامة قواعد عسكرية في تلك الدول تهديدًا لأمنها القومي.

4. في عهد محمد مرسي، أخذت العلاقات المصرية الايرانية منحنًا ايجابيًا، تمثَّل ذلك في زيارة محمد مرسي إلى طهران لحضور قمة عدم الانحياز في أغسطس/آب 2012م،وهي أول زيارة لرئيس مصري إلى إيران منذ الثورة الإسلامية، لتوقع الدولتان بعدها بشهرين أول برتوكول تعاون بينهما منذ قطع العلاقات الدبلوماسية، يقضي باستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة وطهران بمعدل 28 رحلة جوية أسبوعيًا، تلتها زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لمصر في فبراير/شباط 2013م واستقباله استقبال كريمًا ولقائه بشيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب.


العلاقات المصرية الإيرانية في عهد السيسي

http://gty.im/462516282

اتخذت إيران موقفًا محايدًا ومتذبذبًا وتباينت آراء و تصريحات الساسة الإيرانيين حول سقوط حكم الإخوان المسلمين وعزل الرئيس المصري محمد مرسى من منصبه في يوليو/تموز 2013م برعاية خليجية مباشرة. فبينما قام البعض بتأييد السلطة الجديدة التي أطاحت بمرسي ونظامه الذى دعا علانية إلى (الجهاد) في سوريا وإنهاء حكم الأسد -الحليف الاستراتيجي لإيران- قبل أسبوعين من سقوطه في 3 يوليو/تموز.

تخوّف آخرون من الرعاية الخليجية للانقلاب المصري، المخاوف التي تبددت بعد أن تخلت أنظمة الحكم في الخليج عن قناعتها التاريخية نحو طهران باعتبارها العدو الأول لهذه الأنظمة، لاسيما بعد توقيع طهران اتفاقها التاريخي مع الغرب، فقد اعتبرت تلك الأنظمة منذ قيام ثورات الربيع العربي أن جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين هي المهدد الأكبر لأمنها واستقرارها.

تحسن العلاقات في تلك الفترة بين إيران والخليج من جهة وبينها وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى، انعكس على فرصة تطوير العلاقات المصرية الإيرانية في بداية عهد السيسي، فقامت مصر بخطب ود إيران عن طريق دعوة روحاني لحضور حفل تنصيب السيسي رئيسا للجمهورية.

العلاقة مع إيران تمر عبر الخليج العربي.. أمن مصر لا ينفصل عن أمن الخليج، (هُم) أهلنا ويهمنا أن يعيشوا بسلام.. كل ما نسعى إليه مع إيران هو علاقة عادلة.
عبد الفتاح السيسي في حديثه لقناة سكاي نيوز مايو/أيار 2014م

يلخص السيسي في هذه الجُملة رؤيته للعلاقات بين طهران والقاهرة بأنها مشروطة بتحسن العلاقات بين الخليج وإيران. تميزت العلاقات المصرية الإيرانية في النصف الأول من عام 2015م بالجمود، بعد تولي الملك سلمان الحكم في السعودية في يناير/كانون الثاني 2015م خلفًا للملك الراحل.

شهدت السعودية تغيرات في سياستها الخارجية، وعادت إلى إعطاء مواجهة النفوذ والتمدد الإيراني في المنطقة أولوية على مواجهة تيارات الإسلام السياسي، عزز من هذا التوجه التمدد الحوثي في اليمن وسقوط العاصمة صنعاء في يدهم في سبتمبر/أيلول 2014م، وانهيار جماعة الإخوان في مصر بفعل الضربات الأمنية المتلاحقة.

تزامن كل هذا مع تقارب مصري سعودي في ظل حاجة القاهرة الملحة لدعم خليجي في المؤتمر الاقتصادي مارس/آذار 2015م، وهو ما حصلت عليه القاهرة في صورة استثمارات وودائع لدى البنك المركزي بقيمة 12 مليار دولار مقابل دعم عسكري مصري للعمليات العسكرية في اليمن

شهدت العلاقات المصرية السعودية منذ نهايات عام 2015م توترًا وخلافًا في الكثير من وجهات النظر في الملفات الإقليمية المشتركة، لاسيما ملفي سوريا وليبيا. الأمر الذي جعل الباب مفتوحًا لاستئناف العلاقات المصرية الإيرانية مرة أخرى في ظل وجود العديد من أوجه التقارب والتفاهم بين البلدين فيما يخص القضيتين السورية واليمنية

بدأ الحديث عن التفاهم المصري الإيراني يتكشف علانية عقب اللقاء الأخير الذي جمع وزير الخارجية المصري سامح شكري بنظيره الإيراني جواد ظريف، في نيويورك نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو اللقاء الذي أعقبه تصويت مصر للرؤية الروسية فيما يخص القضية السورية في مجلس الأمن، ثم كشفت صحيفة الجارديان البريطانية عن رسائل إيميل، تفيد بأن وزير خارجية إيران، طلب من نظيره الأمريكي جون كيري السماح لفريق القاهرة بحضور محادثات لوزان. في حين اقترح كيري عقد محادثات تشارك فيها ست دول حتى «نرى ما إذا كانت المعقولية ستظهر للعيان في سوريا». أجاب ظريف: «ولم لا تدعو مصر أيضًا؟».


النقاط التي تلاقت فيها الأمزجة المصرية-الإيرانية

الأزمة اليمنية

الموقف المصري من الأزمة اليمنية يمتاز بالازدواجية الفجّة، وكـأن نظام الثالث من يوليو/تموز غير قادر على تحديد بوصلته السياسية في هذه المرحلة!

يتميز الموقف المصري تجاه الملف اليمني منذ بداية الأزمة بالتضارب والازدواجية، وكأن النظام غير قادر على حسم موقفه من الأزمة، أو بمعنى أكثر دقة هو يسعى لاستنزاف كل الأطراف. فتارةً يدور في فَلَك السعودية (الداعم الاقتصادي للنظام)، وتارة أخرى يسير في ركاب الحوثيين.

فبينما وجهت مصر رسميًا دعوتها في بداية الأزمة للأطراف اليمنية المختلفة بضرورة الالتزام بالمبادرة الخليجية وتأكيدها الدائم على شرعية الرئيس عبدربه منصور هادى مع مشاركتها المحدودة جدًا في عاصفة الحزم، في المقابل ثمة تفاهمات تتم بين مصر ورجال الحوثي،تظهر في استقبال الحوثيين في القاهرة 2015م،والسماح لهم بإقامة معرض وندوة، يهاجمون فيها عاصفة الحزم التي من المفترض أن تكون مصر مشاركة فيها، مع أنباء تدور الآن حول استقبال مصر لوفد أخر من الحوثيين نهاية الشهر الجاري بعد الأزمة المصرية السعودية الأخيرة في ظل تكرار السيسي قوله بأن الحل السلمي هو الأفضل لليمنيين وسط إشادة كبيرة من إيران التي تبذل جهودًا حثيثة لوقف عملية عاصفة الحزم وبدء حوار مع الحوثيين دون شروط.

الأزمة السورية

ترى مصر أن حل القضية السورية ينبغي أن يكون في الأطر السياسية دون العسكرية. فمصر تسعى في عهد السيسي، للتوصل إلى حل سياسي يضمن بقاء الدولة السورية موحدة، ويؤدي إلى الانتقال الآمن للسلطة، بحيث لا ينتصر فيها طرف بالقوة المسلحة، لاسيما وأن نظام الأسد متجذرًا بقوة داخل بنية الدولة، حسب الرؤية المصرية الحالية، وهو الأمر الذي شكَّل عنصر قوة للنظام وعلى ذلك يقترب الموقف المصري من الرؤية الإيرانية في دعم النظام السوري على حساب الثورة السورية.


مستقبل هذا التقارب

تتميز سياسة مصر الخارجية بعد 3 يوليو/تموز 2013م بالتخبط والتناقض، كون هذه السياسات تتشكل عبر منطلقات ليس لها علاقة بالسياسة الخارجية في حد ذاتها، كونها مرتبطة بمصالح النظام الحاكم الذي يعاني من حساسية مُفرطة تجاه شرعيته حتى بعد مرور أكثر من 3 أعوام على تواجده في الحكم، وهذه السياسة تقوم في الغالب على استرضاء جميع الأطراف الإقليمية والدولية في آن واحد، وهو الأمر الذي ظهر جليًا في تصويت مصر للقرارين الفرنسي والروسي في جلسة مجلس الأمن الأخيرة.

هذا الأمر الذي يجعل الحديث عن التقارب المصري الإيراني في موضع الشك والتساؤل، هل يمكن اعتبار هذا التفاعلات المتزايدة بين البلدين رغبة حقيقية من القاهرة لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أم أنها مجرد ورقة ضغط تستعملها مصر ضد حليفتها الخليجية للإسراع في تقديم حزمة جديدة من المساعدات المالية قبل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟

ولذلك فإن ليس من السهل تحديد طبيعة سيناريوهات مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية ومآلات التقارب بينهما في ملفي سوريا واليمن، فهذا الأمر مرهون بدرجة كبيرة بطبيعة العلاقات المصرية الخليجية ومستقبلها وإلى أي مدى يمكن لمصر أن تحول وجهتها السياسية إلى محور إيران-روسيا، وتقف في وجه الضغوط السعودية والأمريكية».


سيناريوهات

التقارب المصري الإيراني يبقى مرهونًا بمدى جدية الدولة المصرية تخليها عن داعميها الاقتصاديين في ظل أزماتها الخانقة!

يمكن توقع احتمالين في ذلك السياق:

الأول: أن تقتصر العلاقات المصرية الإيرانية على التقارب في وجهات النظر دون الحديث عن مزيد من التقدم في العلاقات الثنائية، بل ويبقى هذا التقارب محفوفًا بالمخاطر في ظل تقلب القاهرة الدائم في مواقفها الإقليمية، وهذا الأمر مرهون بعودة التحسن للعلاقات المصرية الخليجية متضمنةً إما تفاهم سعودي للتباينات بين البلدين في سياستهما الخارجية تجاه بعض الملفات، أو تراجع مصري عن موقفها تجاه بعض الملفات كالملف السوري.

المملكة العربية السعودية ستجد نفسها مضطرة لتحييد القاهرة بمزيد من المساعدات المالية، في إطار الظرف الاستثنائي الذي تعانيه الأولى حاليًا

الثاني: استمرار التقارب والتفاهم وتطور العلاقات بين البلدين، وهذا معقود على استمرار حالة التوتر والخلاف بين مصر والسعودية.

ويبقى الاحتمال الأول هو الأرجح والأقرب للواقع، فمصر لا يمكنها أن تضحي بعلاقاتها الاستراتيجية والدعم المالي والسياسي الخليجي لها فى ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة وحاجتها الملحة للدعم الخليجي.

وفى المقابل أيضًا لا تستطيع السعودية التخلي عن مصر في استراتيجيتها الاقليمية كعامل موازن للدور الإيراني في المنطقة، حتى لو لم تكن هناك جدية من السيسي في دعم السعودية عسكرياً بالأخص في اليمن.

فكحد أدنى، إن لم تحاول السعودية كسب مصر في صفها، فإنها ستحيدها بحيث لا تقترب من المحور الإيراني، خاصة مع الظروف السياسية والاقتصادية الاستثنائية التي تمر بها المملكة، من تراجع أسعار النفط واستنزاف في اليمن وقانون جاستا ودلالاته وفشل السعودية في إيجاد بديل عسكري قوى عن مصر حتى الآن.

ويظل هذا الاختيار هو الأرجح أيضًا في حال فشلت المساعي لإعادة العلاقات المصرية الخليجية لسابق عهدها، فالتقارب المصري الإيراني في ملفي سوريا واليمن يواجه تحديًا صعبًا أمام منحنى القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل، فإسرائيل – التي باتت حليفا استراتيجيا لمصر في ظل علاقات أكثر دفئا بينهما، لا يمكن أن تسمح بتطوير تقارب في وجهات النظر المصرية الإيرانية إلى علاقة دبلوماسية وثيقة.

المراجع
  1. Iran 'wanted Egypt at Syria talks' as Middle Eastern alliances shift
  2. التقارب المصري الايراني على حساب السعودية، مسائية دويتش فيله عربي
  3. العلاقات المصرية الإيرانية: هل من جديد؟ – عبدالرحمن ناصر
  4. تطور العلاقات المصرية-الإيرانية ومآلاتها بعد الاتفاق النووي، جمال نصار، مركز الجزيرة للدراسات
  5. موقف السيسى من اليمن "مسافة السكة" مدى مصر
  6. الموقف المصري والتدخل العسكري في اليمن ، د إيمان أحمد / المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية
  7. وتر العلاقات المصرية ـ السعودية: الأبعاد والمسارات / المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية-طارق دياب