لا تملك عملية الاستيطان التي تقوم بها إسرائيل أي مشروعية قانونية، وتمثل انتهاكًا عنيفًا للقانون الدولي، لذا يجب الوقف الفوري والتام لكل أشكال الاستيطان بالأراضي الفلسطينية المحتلة والقدس الشرقية.

مساء يوم الأربعاء 21 ديسمبر/كانون الأول 2016، تقدمت مصر بمشروع قانون يُدين كافة أشكال الاستيطان، التي تنفذها إسرائيل بأراضي الضفة المحتلة و القدس الشرقية. سبق وأن قامت سوزان رايس، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع مشابه عام 2011. وحينها صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تتم عبر مشاريع تقرها الأمم المتحدة ولكن من خلال تفاوض فعال بين الطرفين.

عند هذا الحد يبدو الحال دبلوماسية مملة اعتدنا عليها منذ عشرات السنين. يتقدم العرب بمشروع لحفظ ماء الوجه، ثم توقفه أمريكا في مجلس الأمن. لذا لم يُثر هذا المشروع قلقًا إسرائيليًا، حيث كان متوقعًا -كما هي العادة- أن تقوم الولايات المتحدة بوقفه باستخدام حق النقض (الفيتو)، ولكن في سابقة غير معهودة على السياسة الأمريكية، خرج تسريب على شبكة رويترز و شبكة (NBC) الإخبارية من مسئولين رسميين، يُفيد بأن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما لا ينوي وقف مشروع القانون ولكنه ينوي الامتناع عن التصويت.

سابقة لم تحدث من قبلُ في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، أن تمتنع عن دعم إسرائيل في أروقة الأمم المتحدة باستخدام حق الفيتو. الأمر الذي يمثل ضربة سياسية قاسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وحينها انقلبت الأمور رأسًا على عقب.

أشارت بعض التقارير إلى فشل نتنياهو في التواصل هاتفيًا مع أوباما، ولكن لم تقف إسرائيل صامتةً إزاء الأمر. إذ خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي في كلمة مصورة قال فيها: «تُقدّر إسرائيل وبشدة الركن العظيم الذي يستند إليه التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وهو استعداد أمريكا لاستخدام الفيتو ضد أي مشروع قرار مضاد لإسرائيل بالأمم المتحدة، وأرجو ألا تتخلى الولايات المتحدة الأمريكية عن هذه السياسة».

تواصلت إسرائيل مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب داعيةً إياه إلى التدخل لوقف مشروع القانون. تجاوب ترامب سريعًا مع الدعوة الإسرائيلية، حيث قال في تصريح عام علي مواقع التواصل الإجتماعي: «هذا المشروع يضع إسرائيل في موقف تفاوضي ضعيف للغاية، وهو غير عادل بحقها» ودعا باراك أوباما إلى استخدام حق الفيتو ضد المشروع.

The resolution being considered at the United Nations Security Council regarding Israel should be vetoed.As the United…

Gepostet von Donald J. Trump am Donnerstag, 22. Dezember 2016

حدث في هذين اليومين مجموعة من السوابق السياسية والديبلوماسية نستعرضها ونفسر بعضها في هذا التقرير.


أولا: لماذا تخلى أوباما عن حلفائه المعهودين؟

مع بداية الفترة الرئاسية الأولى لباراك أوباما، لم تتسم علاقته مع الجانب الإسرائيلي بالود المعهود بين الطرفين؛ ففي أول لقاء جمع أوباما بنتنياهو، تحدث الرئيس الأمريكي عن ضرورة وقف أو تجميد عملية الاستيطان بهدف بناء الثقة بين الجانب العربي وإسرائيل. رفع الرئيس الأمريكي توقعات العرب في هذا السياق فيما رفض الجانب الإسرائيلي هذا الأمر، سواء الوقف التام أو التجميد الرأسي أو الأفقي لعملية الاستيطان. حينها تحدث الإسرائيليون عن جهود أمريكية لإزاحة حكومة نتنياهو على خلفية اللقاء الصادم الأول بين الرئيسين، وأخذت العلاقة بينهما منذ ذلك اللقاء منحى سيئًا.تعمقت هوة الخلاف الأمريكي-الإسرائيلي أيضًا على خلفية الاتفاق النووي مع إيران، ورفض الجانب الإسرائيلي هذا الاتفاق واعتبره تهديدًا واضحًا وصريحًا لأمن إسرائيل، واستخدمت إسرائيل نفوذها داخل الولايات المتحدة للضغط على الإدارة والكونجرس الأمريكي لوقف تمرير الاتفاق. تعامل باراك أوباما بمزيد من الحزم في وجه التدخل الإسرائيلي، حيث قال: «لا أذكر أن زعيم دولة أجنبية تدخَّل يومًا ما في شؤون السياسة الأمريكية بطريقة نتنياهو الذي يبذل جهودًا لمنع الاتفاق النووي مع طهران».


ثانيًا: بداية العهد الجديد للإدارة الأمريكية

في سابقة غير معهودة أيضًا على السياسة الأمريكية، وهي أن يتدخل رئيس منتخب غير متوج في أمور السياسة الخارجية، اندفع ترامب ضاغطًا على كل من الإدارة الأمريكية والمصرية بهدف تحقيق المصلحة الإسرائيلية.

تأتي هذه البادرة متوافقة للغاية مع ملامح العصر الجديد، فمن المتوقع أن يتخذ دونالد ترامب منحى متطرفًا في دعمه لإسرائيل، وكان قد بدأ ذلك بتعهده أثناء حملته الانتخابية بنقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في سابقة خطيرة تعترف بها أمريكا بأحقية إسرائيل بالقدس.

تلا ذلك اختيار ترامب لمتطرف يميني، وهو ديفيد فريدمان، سفيرًا لأمريكا في إسرائيل، وهو محام يميني يرتبط بعلاقات وثيقة مع اللوبي الصهيوني. فريدمان لا يؤمن بحل الدولتين، ولا يرى مُشكلة في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. وفي مقالة سابقة له وصف اليهود الليبراليين والمؤمنين بحل الدولتين بأنهم أشبه باليهود المتعاونين مع النازية.

يبدو دونالد ترامب إذن عازمًا على الانخراط بفعالية في أزمات الشرق الأوسط وخاصة في صالح حليفه الأوثق «إسرائيل».


ثالثًا: تراجع للدور المصري

أثار الموقف المصري عاصفةً من الاستياء، فمصر بوصفها الدولة الأكبر عربيًا، كان من المنتظر أن تتحمل المسئولية الملقاة على عاتقها منذ بداية طريق التحرر الفلسطيني وإلى الآن.

أثار التراجع المصري موجة تساؤلات عن طبيعة الضغوطات التي مارسها كلٌ من نتنياهو و دونالد ترامب علي الرئيس المصري. فمصر تمتلك العديد من الملفات المشتركة مع الجانب الإسرائيلي، أهمها ملف الإرهاب في شبه جزيرة سيناء التي تشير التقارير إلى تعاون مثمر بين الطرفين بخصوصه، وثانيًا ترغب مصر في الاستفادة من العلاقات الدبلوماسية التي تملكها إسرائيل، وخاصة مع دول حوض النيل في ظل الأزمة الدائرة حول هذا الأمر.

كما أرادت مصر تقديم بادرة حسن نية إلى الإدارة الأمريكية الجديدة في ظل الود المشهود بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ودونالد ترامب، هذا في ظل ظروف اقتصادية وسياسية عاصفة تشهدها مصر هذه الأيام، وتأمل الإدارة المصرية في الحصول على الدعم من إدارة ترامب على عكس الإدارة السابقة.

حتي هذه اللحظة، لم يُقتل مشروع القرار تمامًا، حيث ورد أن أربعة من الدول الأعضاء وهم نيوزيلندا، فنزويلا، ماليزيا، السنغال، أعطت إنذارًا لمصر، مهددةً بتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي حول نشاطات الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية إذا لم تُعد مصر تقديم نسختها، وقالت هذه المذكرة أن هذه الدول تريد تحرير مصر من من الحمل الدبلوماسي لتقديم المشروع، الذي تم تأليفه بالشراكة مع الفلسطينيين. وبالفعل، أعادت الدول الأربعة طرح المشروع للتصويت، الذي من المنتظر أن يكون الليلة في التاسعة مساءً. وفي حال تم تمرير القرار هذه المرة، سيبدو الأمر محرِجًا للإدارة المصرية، ومثيرًا للتشكك في أولوياتها الإقليمية والعربية وتحيزاتها في الصراع العربي الإسرائيلي.

أما إسرائيل فتدرك أن مشروع القرار ما زال في حيز الممكن، حيث قال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة أن «تأجيل التصويت هو خطوة هامة»، لكنه أضاف: «ولكننا ندرك أنه لم يتم حل هذه المسألة بعد. نحن نتابع بمساعينا الدبلوماسية في جميع الجبهات، لضمان عدم مرور مشروع القرار المخزي هذا في مجلس الأمن».