نحفظ جميعًا عن ظهر قلب عبارة «الوقاية خيرٌ من العلاج» ونكرر الاستشهاد بها مرارًا وتكرارًا حتى نصل إلى حد الابتذال. لكن رغم ذلك، لا تفقد تلك العبارة رونقَها أبدًا، وأصبح الطب الوقائي من أبرز أعمدة الطب الحديث.

تخبرنا إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 55 مليون إنسان حول العالم يعانون من مرض الخرَف العقلي Dementia وهو ببساطة ضعف مفاجئ أو تدريجي في وظائف المخ العليا ومن أبرزها الذاكرة والتفكير المنطقي، مما يؤثر سلبًا على استقلالية المريض وأنشطة حياته الأساسية، وفاعليته في محيطه. وتزداد فرص الإصابة بالخرف العقلي مع كبر السن، لكن تمثل حالات الخرف العقلي تحت 65 عامًا ما يقارب 10% من المجموع الكلي.

ويُصاب أكثر من 10 مليون مريض جديد سنويًا بالخرف العقلي، والذي أضحى سابع أكثر أسباب الوفاة حول العالم. وداء ألزهايمر Alzheimer ‘s disease الشهير، والذي طغت شهرته على المستوى الشعبي على الخرف العقلي نفسه، فصارت كل حالاته تسمى بين عامة الناس بالزهايمر، مسئول عما يقارب ثلثي حالات الخرف العقلي. ومن المتوقع بحلول عام 2050، أن يقترب عدد المصابين به حول العالم من حاجز المائة مليون إنسان.

إزاء تلك الإحصاءات المرعبة، فقد ركَّزت الجهود البحثية في السنوات الأخيرة على كيفية الوقاية من الإصابة بهذا الداء الخبيث والذي لا يوجد له علاج جذري فعَّال حتى اليوم، ولا يُعرف السبب القطعي المباشر للإصابة به. ومن أمثلة تلك الأبحاث الوقائية الطموحة الجارية الآن، محاولة اكتشاف بعض الأجسام المضادة المناعية التي يمكن بحقنها للمرضى أن توقف أو على الأقل تُبطئ الإصابة بالألزهايمر، لا سيَّما لدى من يمتلكون عوامل وراثية تسهل إصابتهم بالمرض. لكن ما تزال تلك الأبحاث بحاجة للمزيد من الجهد والوقت حتى تصل إلى نتيجة ملموسة يمكن تعميمها.

في عدة نقاط سريعة، سنركز على أهم ما يمكن أن يساعد في الوقاية من الألزهايمر، وسنركزُ على الخطوات التي يمكن للجميع القيام بها على اختلاف مستويات ثقافتهم ووعيهم الصحي، وسنجد أن تلك الخطوات متشابكة ومتقاطعة، ويكمل بعضها بعضًا.

لكن قبل أن نبدأ، يجب المصارحة بأننا لا نملك حتى اللحظة أدلة علمية قاطعة على أن القيام بأمرٍ صحي ما، كفيل بالوقاية التامة من الألزهايمر، وإنما ما سنذكره هو ترجيحات وفق الأدلة المتاحة حتى اللحظة. وإذا تعذَّرت الوقاية الأكيدة من الإصابة بالألزهايمر، فعلى الأقل نحاول تقليل فرص حدوثه، وتأخير الإصابة، وكذلك إبطاء تقدم المرض ومضاعفاته.

1. الوقاية من أمراض القلب والشرايين

وجدت الإحصاءات أن أكثر من ثلاثة أرباع مرضى الزهايمر مصابون بأمراض القلب أو الشرايين. ويرجح العلماء أن عوامل الخطر المُتلفة للقلب وللشرايين مثل السكر والضغط وارتفاع الكولسترول والتدخين… إلخ، تتلف أيضًا شرايين المخ تدريجيًا التي تغذيه بالأكسجين والوقود الحيوي له، مما يقلل من حصانة المخ في العموم أمام تمدد العُقد والتشابكات المرضية التي تغزو أنسجة المخ وتسبب الإصابة بالألزهايمر.

2. الإقلاع عن التدخين

مللنا جميعًا من تكرار الحديث عن فوائد الإقلاع عن التدخين، حتى ظنَّ بعض المرضى والجمهور أن الأطباء إذا عجزوا عن تفسير أية ظاهرة مرضية، ألصقوا حقًّا وباطلًا بالتدخين. لكن يكاد يجمع أطباء أمراض المخ على التأكيد على ضرورة الإقلاع عن التدخين، وذلك لأنه من أخطر عوامل الخطر التي تتلف الشرايين وتسبب جلطات المخ، والتي تتلف أنسجة المخ، وتُسرَّع الإصابة بالالزهايمر أو تفاقمه بأن تضيف إليه ما يُعرف بالخرف العقلي الوعائي، والذي ينتج مباشرة من تلف الشرايين أو انسدادها، وبالتالي تضرر المناطق التي تتغذى بها في المخ.

ولأنَّ الشيء بالشيء يُذكر، فتجنب إدمان الكحوليات وتعاطي المخدرات بمختلف أنواعها، من ركائز العادات الصحية التي تقي من الإصابة بالألزهايمر.

اقرأ: 6 خطوات للإقلاع عن التدخين: الإرادة ليست منها.

اقرأ: التدخين والصحة: لا داعي للمبالغة

3. مجهود رياضي معتدل

تشير العديد من التوصيات الطبية المرموقة، مثل الخدمة الصحية الوطنية الإنجليزية NHS، إلى مركزية المواظبة على الرياضة المعتدلة من أجل الوقاية من الألزهايمر، والحد الأدنى الواجب، هو 150 دقيقة أسبوعيًا (بواقع نصف ساعة يوميًا لمدة 5 أيام في الأسبوع) من الأنشطة التي ترفع ضربات القلب، وتحسن اللياقة البدنية، مثل ركوب الدراجات، والجري، وأضعف الإيمان المشي بالخطوة السريعة.

تنشط الرياضة المعتدلة خلايا المخ، حيث تزيد من تدفق الدم، وما يحمله من مغذيات وأكسجين، إلى خلايا وأنسجة المخ أولًا بأول، فتكون في أفضل كفاءة ومناعة، مما يقلل فرص الإصابة بالألزهايمر، ويبطئ تقدمه في حالة وقوعه.

4. عادات غذائية صحية

الطعام الصحي المتوازن الغني بالمغذيات المفيدة، والذي لا يسبب زيادة الوزن، ويقلل فرص الإصابة بالسكر والضغط وأمراض القلب، هو نفسه الذي يساهم في تقليل فرص الإصابة بالألزهايمر. وأشهر الأنماط الصحية التي كثُر الحديث عنها في مجال الوقاية من الألزهايمر، هو وجبة البحر الأبيض المتوسط، والتي ثبتت فاعليتها أيضًا في تقليل ارتفاع ضغط الدم والوقاية من أمراض القلب. ومن أبرز عناصرها الاعتماد على الفواكه والخضروات والأسماك والألبان قليلة أو منزوعة الدسم والحبوب الكاملة مثل الشوفان، والدهون المفيدة غير المشبعة مثل الموجودة في زيت الزيتون وبعض أنواع المكسرات، إلى جانب التقليل من تناول السكريات والحلويات والدهون المشبعة كالموجودة في السمن والزبد.

اقرأ: كيف تقهر الكولسترول قبل أن يقهرَ صحتَّك؟

اقرأ: دليلك لحمية غذائية غير مؤلمة.

5. علاج الاكتئاب بشكل فعَّال

علاقة الاكتئاب بالألزهايمر أشبه بالحلقة المفرغة، فالاكتئابُ يزيد فرص الإصابة بالألزهايمر، والألزهايمر وما يسببه من تعرض المريض للإهمال والعجز عن ممارسة حياته بشكلٍ فعال، يزيد فرص الإصابة بالاكتئاب. ومن أبرز ما يسبب الاكتئاب لمرضى الألزهايمر العزلة الاجتماعية، وإهمال المقربين منهم لهم، وحبسهم في المنازل خوفًا من تعرضهم للأذى بالخارج.

 والواجب إحاطتهم بالدفء الأسري والمجتمعي، ومساعدتهم على الاحتكاك بالحياة والانطلاق الرشيد المُحاط بالرعاية اللائقة المناسبة لكل حالة. وبالطبع طلب المشورة الطبية المتخصصة من الطبيب النفسي في حالة وقوع الإصابة بمرض الاكتئاب.

6. تنشيط الذهن

الأمر هنا أشبه بقاعدة أن العضو المستخدم ينمو ويزداد حيوية، مثلما تنمو العضلات وتقوى مع المواظبة على التمرين. من المهم للغاية للحفاظ على الصحة العقلية لكبار السن الأكثر عرضة للإصابة بالألزهايمر، تنشيط أذهانهم وذاكرتهم أولًا بأول، عن طريق الاحتكاك المستمر بالأهل والأقارب والمعارف، والتفاعل مع المجتمع، والمناقشة في مختلف القضايا والآراء، والحفاظ على حدٍ أدنى من الهوايات الذهنية المفيدة مثل القراءة والتفكير والتأمل والتدبر.

7. تجنب إصابات الرأس

تزيد إصابات الرأس، لا سيَّما المتوسطة والشديدة، من خطر تضرر أنسجة المخ، وتفاقم فرص الإصابة بمرض الألزهايمر، والخرف العقلي بوجهٍ عام. وكبار السن للأسف أكثر عرضة للتعرض لها، لا سيما مع سهولة تعرضهم للسقوط أرضًا، والاصطدام بالرأس من جراء ذلك، ولذا يجب توفير مساحة آمنة لهم للحركة داخل المنزل، بتوسيع ممرات المشي، ورفع كل ما يمكن أن يعرقل حركتهم من قطع الأثاث أو غيرها، والتأكيد على ارتداء الملابس الواقية مثل الخوذات أثناء ممارسة الرياضة.

8. تطعيمات الإنفلوانزا الموسمية والالتهاب الرئوي

أحد نظريات تفسير الإصابة بالألزهايمر، تُرجعه إلى عملية التهابية تحدث بالمخ. وبناء على ذلك، فإن تجنب التعرض للالتهاب بوجهٍ عام، ومن أمثلته الشائعة لا سيما في كبار السن، إصابات الإنفلوانزا الموسمية المتكررة، والالتهاب الرئوي البكتيري، ولدينا نتائج بحثية مبدئية ظهرت عام 2020 ترجح تعاطي التطعيمات ضد تلك الأمراض الشائعة يقلل خطر الإصابة المستقبلة بالألزهايمر.

اقرأ: لهذه الأسباب عليك الحصول على لقاح الإنفلوانزا الموسمية.

9. المتابعة الطبية الدورية مع الطبيب المختص

لا سيما للمصابين بالأمراض المزمنة مثل ارتفاع الضغط والسكر والكولسترول، وأمراض القلب… إلخ، وذلك للتيقن من أنها تحت السيطرة، والاطمئنان على صحة المريض بوجهٍ عام، لا سيَّما كبار السن. وقد ذكرنا آنفًا أهمية الوقاية من أمراض القلب والسيطرة على عوامل الخطر المسببة لها، من أجل جهود الوقاية الفاعلة من الإصابة بالألزهايمر وتسارع أعراضه ومضاعفاته.