أخشى أن يُستبدل البشر بالذكاء الاصطناعي. فمثلما استطاع المبرمجون تصميم الفيروسات وتطويرها، ربما يتمكّن شخص ما في المستقبل من تصميم ذكاء اصطناعي يمكنه تطوير وتكرار نفسه، بطريقة تجعله يتفوق على البشر.
الإنجليزي ستيفن هوكينج، عالم الفيزياء النظرية عام 2016.

يبدو أن العالم وصل لطريق اللا عودة، حيث تغلغلت التكنولوجيا بكل المجالات، بشكل جعل تحقُق نبوءة «هوكينج» مسألة وقت.

وبما أنّ الرياضة عمومًا وكرة القدم خاصةً ضمن تلك المجالات التي يجب أن يشعُر عناصرها بخطر الإقصاء، يجب أن نسأل سؤالًا هامًا: كم تبقى لدينا من الوقت؟

عصر الذكاء الاصطناعي

مؤخرًا، سلكت أندية كرة القدم الكبرى طريق العلم، حيث يولي مُعظمها اهتمامًا مضاعفًا بالبيانات والإحصائيات، بعد عقود من العمل وفقًا للطريقة الكلاسيكية؛ التي تتمحور حول التقاليد الموروثة.

وربما يرجع السبب في ذلك لرغبة بعض الأندية في إيجاد نقاط قوة إضافية تُعينها على المنافسة، خاصةً وأن فكرة شراء أفضل اللاعبين لم تعد تؤتي ثمارها في الكثير من الأحيان.

ومن هذا المنطلق، بدأت أولى خطوات إقصاء البشر من المعادلة، فقد أدى ظهور البيانات إلى تغيير شامل في هيكل كرة القدم الإداري، فأصبحت البيانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي قادرة على القيام بمهام عدد لا بأس به من البشر، مثل: تقييم سوق الانتقالات والأهداف المراد بيعها أو شراؤها، التعرُّف على الجاهزية البدنية للّاعبين، وصولًا إلى جمع التقارير التكتيكية والفنية بواسطة الخوارزميات.

نحن نعيش عصر الذكاء الاصطناعي. الآن يجب على المدرب الجلوس مع مجموعة من العلماء المتخصصين في جمع البيانات، وفرز ما هو مهم.
الفرنسي آرسين فينجر، المدير الفني الأسبق لأرسنال الإنجليزي.

مساعدة أم أكثر من ذلك؟

دون شكٍ، تقلّص دور الإنسان في دورة عمل كرة القدم اليومية، إلا أنه لا يزال قائمًا، حيث يعتبر كل من لم تلحق التكنولوجيا الضرر بوظيفته أنها مجرد أداة مساعدة، تعينه على التطور، وتعفيه من انحيازات البشر العاطفية، التي قد تؤثر على نجاحه.

في يناير 2019، عيّن فريق «وينجيت أند فينشلي» الإنجليزي، الناشط بدوري الدرجة السابعة، مدربًا آليًا بالتعاون مع شركة «The Big Bang Fair»، لمساعدة الفريق على الفوز، عبر تقديم نصائح تكتيكية للطاقم الفني، إضافة لقدرته على شحذ همم اللاعبين بعبارات ملهمة.

طبقًا للشركة المُصنعة، يستطيع هذا المدرب الاصطناعي -على شكل سمّاعة ذكية- استخدام المعلومات التي يوفرها الطاقم الفني وتحويلها إلى خطة لعب وتشكيل مناسب، وفقًا لحالة الفريق وحالة الخصم، بعد طرحه لسلسلة من الأسئلة، التي تتم الإجابة عليها بواسطة الحاسوب.

لكن المدهش بشأن مدرب الذكاء الاصطناعي قدرته على التعلُّم، ما يعني إمكانية تعامله مع المتغيرات أثناء المباريات؛ كتعرض لاعب من فريقه للطرد، أو حتى على مدار الموسم حسب نتائج الفريق.

وعلى الرغم من أن اقتحام الذكاء الاصطناعي لمساحة كهذه قد يؤرق العديد من المدراء الفنيين، إلا أنّ رأي الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة يظل استشاريًا، بغرض المساعدة، وليس الإقصاء، تمامًا مثل يد العون التي يقدمها مفهوم حكم الفيديو المساعد للحُكام.

بشر وروبوتات

تعود المنافسة الفكرية بين البشر والروبوتات للقرن الماضي، تحديدًا بالعام 1997، عندما استطاع حاسوب «Deep Blue»، من إنتاج شركة «IBM» الأمريكية الفوز على بطل الشطرنج العالمي «غاري كاسباروف».

ربما وجد المجتمع العلمي في هذا الانتصار دافعًا لاقتحام مساحة أكثر تعقيدًا، يستطيع من خلالها الذكاء الاصطناعي إثبات أفضليته على البشر، فبعد مرور نحو عامٍ واحد، انطلقت بطولة «Robocup»، كتحدٍ جديد؛ وهو هزيمة البشر، لكن هذه المرة في كرة القدم.

بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، سيتمكّن فريق من لاعبي كرة القدم الآليين من الفوز على آخر بطل كأس عالم وفقًا للقواعد الرسمية للفيفا.
هدف مؤسسة «RoboCup»

بشكلٍ مُختصر، تتنافس فرق من علماء الروبوتات من مختلف بقاع العالم في هذه المسابقة العالمية سنويًا، من أجل الوقوف على مدى التقدم الذي تم التوصل إليه لتحقيق الهدف أعلاه، ومن جهة أخرى، من أجل تعزيز العمل بمجالي تصميم الروبوتات والذكاء الاصطناعي.

حاليًا، تضم المسابقة عددًا من الفئات المختلفة، مثل دوري النظام الأساسي؛ الذي تستخدم جميع الفرق خلال منافسته روبوتات من نفس الطراز، وينصب التركيز فيه على تطوير برامج الذكاء الاصطناعي لكل فريق، بينما تتنافس فئات أخرى في مسابقات «الروبوتات المشابهة للبشر»؛ حيث يتعيّن على كل فريق الاهتمام بالتصاميم المادية للروبوتات بجانب برامج الذكاء الاصطناعي.

في الواقع، تختلف منافسات القدم الخاصة بالروبوتات عن التي نعرفها قليلًا، حيث ملعب صناعي أصغر يمتد لـ9 أمتار طولًا و6 عرضًا، 10 لاعبين يبلغ طول الواحد منهم نحو 60 سنتيمترًا، إضافةً لبعض الاختلافات الأخرى، مثل عدم قدرة أي من اللاعبين الآليين للعب الكرة بالرأس، تجنبًا لتحطمه.

اتخاذ القرار

حاليًا، تستطيع الروبوتات القيام بكُل ما يقوم لاعب كرة القدم العادي، بداية من التمرير والتسديد، وصولًا للتمركز والارتداد الدفاعي، دون تدخُّل مباشر من المبرمجين أثناء سير المباراة، حيث يقتصر عملهم على إعطاء مجموعة من الأوامر للفريق عند بداية المباراة، ومثلها بين شوطي اللقاء، وهذا ما يعني أن الروبوتات تكون مستقلة تمامًا أثناء مختلف حالات اللعب.

وبغض النظر عن أنّ روبوتات كرة القدم ما زالت لا تستطيع محاكاة طريقة لعب البشر، إلا أن التطوّر الذي وصلت له قد يكون مصدرًا للقلق، حيث يمكنهُم بفضل ذكائهم الاصطناعي التحكُّم بشكل كامل في مناطق وطرق التسديد أو التمرير دون توجيه مباشر من الإنسان، حيث تعتمد هذه الاختيارات على ما تراه الكاميرات المثبتة على رؤوسهم، ومقارنته بمواقع الزملاء والخصوم والكرة نفسها.

هل علينا أن نقلق؟

المشكلة القائمة هي أن رياضة كرة القدم تتطلب مهارات بدنية وعقلية في الوقت ذاته.
بروفيسور ساندرا ووتشر، خبيرة علم الروبوتات بجامعة أوكسفورد.

في الواقع، كرة القدم الخاصة بالروبوتات ليست مناسبة لجميع الأذواق، حيث تفتقر الآلات للموهبة والديناميكية، حيث يستحيل -ولو مؤقتًا- أن تتحرّك الأجزاء الميكانيكية للروبوتات تمامًا مثل البشر.

حسب البروفسيور «بيتر ستون»، عالم الحاسوب بجامعة تكساس، في المستقبل قد يتمكن علماء الروبوت من إنتاج لاعبي كرة قدم آليين بفضل تقنية «تعلُّم الآلة»، لكن هذا يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي.

بينما يعتقد «دييغو رودريجيز»، الباحث في علم الروبوتات، أن التحدي الحقيقي الذي يعرقل تفوق الآلة على البشر في كرة القدم، هو عدم قدرة الروبوتات على قراءة الأفكار. لكن في الوقت ذاته، يجب التفكير حاليًا في بناء وبرمجة روبوتات قادرة على تنفيذ حركات رشيقة وديناميكية مماثلة للبشر.

في الغالب، على الروبوتات أن تقطع شوطًا طويلًا حتى تتغلب على البشر في كرة القدم، لكن وفقًا لقوانين الاحتمالات، وبأخذ الزخم حول تطوير الذكاء الاصطناعي في الاعتبار، يمكننا أن نؤكد على حتمية تحقق نبوءة «ستيفن هوكينج»، لكن في أي وقت تحديدًا؟ لا نعلم.