محتوى مترجم
المصدر
Revolution
التاريخ
2023/6/26
الكاتب
دانيال مورلي

في السنوات الأخيرة أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) موضوع الكثير من الجدل والتكهنات. ازدادت هذه المناقشات في الأشهر الأخيرة مع ظهور تطبيقات مثل ChatGPT أو Dall-E، القادرة على إنتاج نصوص متماسكة أو صور معقدة بناءً على طلبات بسيطة للغاية. هذا ما أدى إلى إعلان بعض المعلقين أن الذكاء الاصطناعي قد خلق كائنات «حساسة» أو حتى «واعية»، أو على الأقل ستصبح كذلك.

منذ ظهورها أثارت ميكنة الإنتاج أحلامًا كبيرة حول إمكاناتها التحررية، ولكن أثارت أيضًا الخوف من أن الآلات ستحل محلنا في النهاية. إن تطوير آلات «ذكية» وحتى «فائقة الذكاء» اليوم يأخذ هذه الأحلام والكوابيس إلى مستويات أخرى.

حتى وقت قريب كانت الآلات «الذكية» محض خيال. ولكن منذ عام 2012 قطعت «الشبكات العصبية الاصطناعية» القادرة على استخدام تقنية تسمى «التعلم العميق» خطوات كبيرة، وبدأت في تحقيق نتائج مبهرة. دفعت هذه الثورة التقنية البعض إلى إعلان المجيء الوشيك لذكاء اصطناعي فائق الذكاء سوف يحل جميع مشاكل البشرية، تمامًا كما تعلن الطوائف الألفية (المسيحية) بانتظام عن عودة يسوع المسيح.

بشكل عام، فإن احتمال ظهور ذكاء اصطناعي فائق الذكاء يسبب مخاوف أكثر من الإثارة. يخشى الكثير من أن يؤدي الاستخدام الضخم للذكاء الاصطناعي إلى توقف ملايين الأشخاص عن العمل، بينما يتصور آخرون أن تطورهم يمكن أن يؤدي إلى استعباد مباشر للبشر بواسطة الآلات كما هو الحال في فيلم Matrix وTerminator. على سبيل المثال، في نهاية شهر مارس، وقَّع عدة آلاف من الأشخاص من قطاع التكنولوجيا بما في ذلك المؤسس المشارك لشركة Apple ستيف وزنياك دعوة لتعليق جميع الأبحاث حول الذكاء الاصطناعي لمدة ستة أشهر لأنها ستمثل «مخاطر عميقة على المجتمع والإنسانية».

تتخطى هذه المخاوف قطاع الاقتصاد؛ لأنها ليست متجذرة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في حد ذاتها، ولكن في المجتمع الرأسمالي نفسه. في ظل الرأسمالية، تمنع فوضى السوق البشرية من التحكم في تطور التكنولوجيا التي لا تستخدم في المقام الأول لتلبية احتياجات المجتمع، ولكن لتوليد الأرباح. إن الذكاء الاصطناعي بالطبع ليس استثناءً من هذه القاعدة.

الذكاء الاصطناعي والوعي

تستند فكرة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح «واعيًا» إلى مفهوم أحادي الجانب لماهية الوعي. وفقًا لهذا المفهوم، فإن الاختلاف الوحيد بين الكمبيوتر والإنسان هو أن عقلنا أقوى وأكثر تعقيدًا من الكمبيوتر. بناءً على ذلك، ومن خلال تطوير أجهزة كمبيوتر متزايدة التعقيد، ستصبح في النهاية على الأقل بنفس كفاءة الدماغ البشري. استنتاج هذه الفكرة هو أن الآلات ستصبح «واعية»، إذا لم تكن قد صارت كذلك بالفعل.

لكن في الواقع، تختلف طريقة تفكير الإنسان اختلافًا كبيرًا عن طريقة معالجة الذكاء الاصطناعي للمعلومات. تطور الفكر الإنساني – ولا يزال يتطور – على أساس الأنشطة والعلاقات الاجتماعية التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات. نحن نشكل أفكارًا تصف وتحلل العلاقات بيننا وبين الأشياء، وعند القيام بذلك نولي أهمية خاصة لما هو مفيد أو مهم في هذه العلاقات من وجهة نظرنا، لأننا يجب أن نفهم العالم لنعيش فيه.

هذا هو بالضبط ما تفتقر إليه حتى أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورًا. إنها مفيدة جدًّا لجمع وتحليل البيانات، لتحديد الأنماط المتكررة بين هذه البيانات، وحتى لإعادة إنتاج هذه الأنماط في شكل رسم أو سلسلة من الكلمات من الآن فصاعدًا كما يفعل ChatGPT أو Dall-E. لكن تلك البرامج ليس لها أي فكرة عن البيانات التي تحللها أو العلاقات المتبادلة بينهما، كما أنها لا تفهم أصل ومعنى الأنماط المتكررة التي تمكنت من التعرف عليها.

بالتأكيد، تتفوق أحدث أنظمة الذكاء الاصطناعي على البشر في تنفيذ مهام معينة، لكن أتت هذه النجاحات على وجه التحديد لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه ليست واعية ولا حية. على سبيل المثال في عام 2016، دخل برنامج AlphaGo التاريخ بفوزه على أحد أفضل لاعبي غو (Go) في العالم. لكن للوصول إلى هذه النتيجة كان على AlphaGo أن «يلعب 30 مليون لعبة، وهو أكثر مما يمكن لأي إنسان أن يلعبه في حياته»[1].

هذا العنصر مهم للغاية، حيث إذا لم يكن الإنسان قادرًا على لعب الكثير من ألعاب جو، فهذا ليس فقط لأن حياته ليست طويلة بما يكفي لذلك، ولكن أيضًا لأنه سيمل أو لأنه سيحتاج إلى تناول الطعام والنوم، كسب المال لدفع إيجاره، التحدث إلى الناس حتى لا يصاب بالجنون، وما إلى ذلك. تتفوق برامج مثل AlphaGo على وجه التحديد لأنه من الممكن برمجتها لتجربة نفس الأشياء مرارًا وتكرارًا.

هناك أيضًا عنصر أساسي آخر للوعي لا يزال بعيدًا عن متناول الذكاء الاصطناعي، وهو فهم العلاقات الموجودة بين المفاهيم المختلفة. على سبيل المثال، إذا طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يرسم دراجة فعادة سيرسم دراجة بنجاح، وإذا طلبت منه رسم عجلة دراجة، فسيفعل ذلك مرة أخرى بسهولة. لكن إذا طلبت منه رسم دراجة وتسمية العجلات بتسمية توضيحية، فسوف ينتج عنه رسم دراجة محاطة بتعليقات موضوعة بشكل عشوائي، لأن الذكاء الاصطناعي لا يفهم العلاقة بين الكل والأجزاء المكونة له.

بالنسبة للذكاء الاصطناعي، إن «العجلة» هي فكرة متكررة محددة ليس لها علاقة خاصة بهذا الشكل الآخر (أي «الدراجة»)، بينما بالنسبة للإنسان، تعتبر العجلة شيئًا مميزًا ومكونًا أساسيًّا لأي دراجة.

يؤدي أيضًا عدم قدرة الذكاء الإصطناعي على فهم العلاقة بين الكل وأجزائه إلى قدرته على القيام بمهمة محددة، ولكنه غير مناسب تمامًا لمهمة أخرى قريبة جدًّا من الأولى. تبين مثلًا أن الذكاء الاصطناعي الذي تم برمجته ليتفوق في لعبة فيديو غير كفء تمامًا عندما تم تغيير تلك اللعبة ببضع وحدات البكسل. لم يستطع إدراك أنها كانت نفس اللعبة بشكل عام. وبالمثل منذ فوز AlphaGo في عام 2016، هُزمت أنظمة الذكاء الاصطناعي بانتظام من قبل لاعبين هواة تعلموا «نصب الفخاخ» للذكاء الاصطناعي. لكن كانت تلك الفخاخ واضحة لدرجة أن تم رصدها وإحباطها بشكل منهجي من قبل لاعبين بشريين متواضعي المستوى. هذا لأن برنامج AlphaGo ليس لديه فكرة عن ماهية لعبة Go نفسها. إنه دُرب فقط على تطبيق سلسلة من التكتيكات والحسابات، دون فهم الغرض منها.

في النهاية، إن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تم اختراعها لتتجاوز القدرات البشرية في مهمات محددة، لكن هذا ليس دليلًا على ذكائه المتفوق. الذكاء الاصطناعي مثل جميع الآلات، صُمم ليكون أكثر قوة أو أكثر دقة أو أسرع من البشر. تنتج المطرقة البخارية قوة بدنية أكثر من العامل، وقد تجاوزت الآلات الحاسبة منذ فترة طويلة القدرات الحسابية الذهنية لأفضل علماء الرياضيات. لكن هذا لم يجعل هذه الأدوات «ذكية» أو «واعية».

إمكانات ثورية

حقق الذكاء الاصطناعي تقدمًا ملحوظًا على مدى العقد الماضي خاصة أن التقدم التكنولوجي جعل من الممكن استخدام تقنيات التعلم المتعمق (deep learning) على نطاق واسع، ودمجها مع شبكات «من خلايا مخ الاصطناعية» (التي تشبه بعض خلايا المخ البشرية) لمعالجة كميات كبيرة من البيانات. لن نشرح هنا كيف تعمل هذه التقنيات، لكن سنكتفي بالقول إن الذكاء الاصطناعي بشكل عام يتعلم «من تلقاء نفسه» إذا جاز التعبير، بناءً على المبادئ المنطقية التي طورها مبرمجوها في الأصل.

تكمن الميزة الرئيسية لهذه الطريقة في استقلاليتها النسبية، مما يسمح بتطبيقها على مشاكل محددة في فترة زمنية قصيرة جدًّا بينما كانت تتطلب في السابق فترة طويلة من البرمجة والتجريب. من خلال معالجة كميات هائلة من البيانات، من الممكن للذكاء الاصطناعي تحديد الأنماط المتكررة على عكس الإنسان الذي لن يكون قادرًا على ذلك إلا بعد فترة طويلة جدًّا من التحضير.

يتم بالفعل استخدام هذه القدرات في مجموعة من المجالات، من تصميم الطائرات إلى فك رموز النصوص القديمة والبحث الطبي. يستخدم علماء الأحياء على سبيل المثال أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحديد أشكال ووظائف الأحماض الأمينية. هذا يجعل من الممكن تطوير الأدوية بسرعة أكبر وفهم أداء بعض الأمراض بشكل أفضل، وفي ذلك Covid-19. يأمل الباحثون أيضًا في استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير تقنيات جديدة. على سبيل المثال، تم إجراء العديد من التجارب في مجال الاندماج النووي. نظريًّا، يمكن لتلك الطريقة إنتاج كميات كبيرة من الطاقة بدون أي نفايات نووية تقريبًا، لكن تتطلب تلك الطريقة إبقاء المفاعل في درجات حرارة عالية جدًّا ومستقرة نسبيًّا، مما يتطلب اهتمامًا مستمرًّا بالعديد من الإعدادات المختلفة. تبدو مثل هذه المهمة مناسبة تمامًا للذكاء الاصطناعي، ويُقال إن الاختبارات الأولى كانت واعدة[2].

تفتح هذه التقنيات أيضًا آفاقًا رائعة في مجال الإبداع البشري. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي مثل Dall-E إنشاء صور عند الطلب من خلال الاستفادة من الكمية الهائلة من البيانات المرئية المتاحة على الإنترنت. هناك إمكانات حقيقية للذكاء الاصطناعي، إذا تم استخدامها بحكمة.

الذكاء الاصطناعي والرأسمالية

أوضح ماركس أن أي نظام اقتصادي واجتماعي معين يوفر إطارًا لتطور قوى الإنتاج، ولكن تتجاوز هذه القوى الإنتاجية هذا الإطار (أي علاقات الإنتاج التي تطورت مع الوقت) في مرحلة معينة. هنا، تصبح علاقات الإنتاج عقبة أمام تطور قوى الإنتاج. هذا ينطبق على نمط الإنتاج الرأسمالي أيضًا الذي سمح بتطور غير مسبوق لقوى الإنتاج قبل أن يصبح عائقًا هائلًا لهذا التطور نفسه. هذا ما يفسر لماذا لا تزال الاستثمارات والمكاسب الإنتاجية منخفضة للغاية على الرغم من تطوير تقنيات جديدة لا تصدق في السنوات الأخيرة.

يعد الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية الأخرى (مثل الإنترنت) من الأدوات المتقدمة جدًّا بحيث لا يمكن استخدامها بشكل صحيح على أساس الرأسمالية. ينتج هذا النظام من أجل الربح فقط، لذلك لن يتحقق الاستثمار إذا لم يكن مربحًا. لكن الطريقة الوحيدة للرأسماليين لتحقيق ربح هي استغلال قوة عمل الأجراء وبيع منتج عملهم. تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي تتحدى هذه العملية برمتها. على سبيل المثال، يتيح الإنترنت إمكانية نسخ كميات كبيرة من المعلومات ومشاركتها بسرعة كبيرة مع قدر ضئيل جدًّا من العمل، ويمكن لأي شخص مشاركة الموسيقى أو الأفلام بسهولة. لذلك، مجرد وجود الإنترنت يهدد فرعًا كاملًا من صناعة الموسيقى والسينما (وهو فرع إنتاج التسجيلات وتوزيعها).

بالنسبة للرأسماليين الذين يعملون في هذه الصنعة، طرح وجود إنترنت المشكلة التالية: كيف يمكن الاستمرار في جني الأرباح عندما يمكن لأي شخص الوصول إلى فيلم أو ألبوم مجانًا؟ لقد حاولوا حلها من ناحية بجعل مشاركة الملفات عبر الإنترنت جريمة، ومن ناحية أخرى عن طريق إنشاء خدمات بث مدفوعة. من وجهة نظر الدفاع عن الأرباح الرأسمالية، كان هذا الحل فعالًا نسبيًّا. من ناحية أخرى من وجهة نظر إنتاج وتوزيع الأعمال، فهي طريقة شاذة للحد بشكل مصطنع من القدرات التي توفرها التكنولوجيا.

ينطبق نفس المنطق على أحدث أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث إذا كان بإمكانه إنتاج الكثير من النصوص والأعمال الفنية على الفور اللازمة لكتاب ما أو إنتاج المسودات الأولى من السيناريو بناءً على فكرة واحدة في غمضة عين، فستنخفض منطقيًّا قيمة عمل الرسامين وكتاب السيناريو بشكل كبير.

في مجتمع ألغى الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، لن يكون التطور التكنولوجي سلبيًّا بالضرورة، ولن يكون لدى الفنانين والرسامين أي سبب للخوف من الذكاء الاصطناعي القادر على إنتاج «عمل فني» في لحظات لأنه في الواقع، لن يتم إنتاج الفن بهدف تحقيق ربح أو كسب لقمة العيش. ستكون الروابط التي تربط الفن بالملكية الخاصة قد اختفت، وسيتم إنتاج هذا الفن لنفسه أو بالأحرى لصالح المجتمع بأسره. سيصبح الإبداع الفني تعبيرًا حقيقيًّا عن أفكار ومواهب الأفراد، بالإضافة إلى شكل من أشكال التواصل. على هذا الأساس، لن تشكل أنظمة الذكاء الاصطناعي تهديدًا بل أداة أخرى متاحة للفنانين. هذا على نقيض النظام الرأسمالي، حيث إن وجود الفنانين غير مستقر وخاضع لتقلبات السوق. إنهم ملزمون بالدفاع عن حقهم في بيع أعمالهم الفنية وحماية دخلهم وظروفهم المعيشية.

المراقبة والاستغلال

في ظل الرأسمالية، سيؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم الميول الاحتكارية وتزايد عدم المساواة. يتم تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة وسيتم تطويرها بواسطة احتكارات ضخمة مثل Google أو Microsoft، لأنها تمتلك أفضل الأجهزة وأفضل المهندسين ولديها إمكانية الوصول إلى معظم البيانات. تستخدم هذه الشركات الكبرى موقعها الاحتكاري لتحقيق أرباح ضخمة.

علاوة على ذلك، بقدر ما تسهل هذه التقنيات الإنتاج وتجعله أرخص، فسوف تستخدمها الشركات الرأسمالية لتسريح بعض العمال وخفض أجور الآخرين. لقد تم استخدامها بالفعل لمراقبة العمال باستمرار وإجبارهم على إنتاج المزيد (بنفس الأجر). في هذا المجال، أصبحت أمازون مشهورة حيث إنه «في عام 2018، قدمت الشركة براءتي اختراع لسوار متصل يصدر نبضات بالموجات فوق الصوتية والراديو، مما يجعل من الممكن متابعة يد العمال وفقًا لقائمة الطلبات، وذلك لاستخدام المنبهات الحسية لإرشادهم إلى الشيء المراد التقاطه»[3].

لقد وضعت الرأسمالية يديها على تقنية ثورية يمكن أن تساعد في تنسيق الإنتاج وتبسيطه مع تحفيز الإبداع البشري. بدلًا من ذلك، تستخدمه لمراقبة العمال أو فصلهم وتجعل وجود الفنانين أكثر هشاشة وتزيد قوة الاحتكارات الرأسمالية. من خلال تعزيز الطابع الاحتكاري للاقتصاد، وخفض الأجور وتركيز الثروة بشكل متزايد في أيدي عدد أقل من أي وقت مضى، سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم فوضى السوق الرأسمالية. نحن نشهد بالفعل هذا اليوم. على سبيل المثال، من أجل التخطيط لتطويرها واستثماراتها، تعتمد شركة أمازون على الذكاء الاصطناعي في «تقنيات تحسين سلسلة التوريد» (Supply Chain Optimization Technologies ، أو SCOT).

خلال جائحة Covid-19، تغيرت أنماط الاستهلاك وزاد التسوق عبر الإنترنت من خلال شركات مثل أمازون بشكل كبير. أخذ برنامج SCOT هذا التغيير في الاستهلاك في الاعتبار، ولكن دون أن يفهم أنه كان ناتجًا عن حجز الناس في المنازل بشكل متكرر بسبب الوباء. اعتبر الذكاء الاصطناعي هذا اتجاهًا طويل الأجل، وبالتالي أوصت بأن تستثمر شركة أمازون مليارات الدولارات لزيادة سعات التخزين إلى المستوى الذي يتطلبه نموذج الاستهلاك الجديد هذا. كانت تتوافق هذه النصيحة تمامًا مع طموحات قادة أمازون واتبعوها. بمجرد انتهاء الجائحة، انخفضت طلبات أمازون بشكل كبير ووجدت الشركة نفسها مع مستودعات ضخمة والعديد من المنتجات غير المبيعة، مما أدى إلى تسريح العمال والمبيعات المحمومة. بدلًا من القضاء على الهدر والإفراط في الإنتاج كما يفعل النظام الرأسمالي، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الاحتكارات يزيد الأمر سوءًا وعشوائية.

في هذا السياق، الخوف من الذكاء الاصطناعي ليس مفاجئًا وهو أمر مفهوم. لكن هذا الخوف لا علاقة له بالتكنولوجيا نفسها، بل إنه يكشف التناقضات المتأصلة في نمط الإنتاج الرأسمالي. ففي ظل الرأسمالية، أعلى إنجازات الفكر الإنساني وأهم التقنيات القادرة على القضاء على الفقر والجهل هي التي تهدد بتوليد المزيد من الفقر.

نحن نخشى أن نكون مستعبدين بواسطة ذكاء اصطناعي بارد ومهيب. ولكن في الواقع، نحن خاضعون بالفعل لقوى السوق العمياء الباردة، على الرغم من أنها ليست «ذكية» ولا عقلانية.

الذكاء الاصطناعي والتخطيط

يعد استخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة الاستغلال الرأسمالي إهدارًا إجراميًّا. لذلك، تخطيط الاقتصاد سوف يلبي احتياجات السكان. كما أثبتت أمازون، من الممكن بالفعل أتمتة سلاسل التوريد بالكامل تقريبًا. في مجمعات المستودعات الضخمة الخاصة بها، تستخدم أمازون الروبوتات والذكاء الاصطناعي للتخطيط بشكل أفضل مكان طلب السلع وبأي كميات. سيكون من الممكن تمامًا دمج هذا النوع من التكنولوجيا في الاقتصاد ككل لتوفير بيانات في الوقت الفعلي عن الاستهلاك، وأيضًا عن تلف الآلات والمعدات.

طور صانع البرامج SAP تطبيقًا مدعومًا بالذكاء الاصطناعي يسمى HANA، والذي تستخدمه شركات مثل Walmart لتخطيط لوجستياتها والطلب على سلعها باستخدام البيانات. من خلال إعطاء مثل هذه البيانات لأجهزة الذكاء الاصطناعي التي تعمل بالـ deep learning، سوف يمكن أن تساعد في تطوير خطط الإنتاج الاقتصادي طويلة الأجل. وهذا من شأنه أن يجعل من الممكن تحقيق أفضل استخدام للموارد لتلبية احتياجات السكان مع التخلص من قدر كبير من الهدر وتقليل وقت العمل المطلوب.

بالطبع يجب أن يشرف البشر على أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه. في نمط إنتاج اشتراكي، ستكون تلك الأجهزة فقط أداة في خدمة الإنساس. على سبيل المثال، لن تساهم تلك الآلات والأجهزة في نوع الهندسة المعمارية التي يجب تطويرها أو الشكل الذي يجب أن تبدو عليه مدننا. لكن مساهماتها في إدارة الاقتصاد ستكون مهمة.

هذه هي إمكانات هذه التقنيات الجديدة. تلك الإمكانات في متناول أيدينا لكنها تفلت منا لأنه على عكس ما يتخيله الكثيرون، لا يتم تحديد استخدامها تلقائيًّا من خلال التكنولوجيا نفسها ولكن من خلال نمط الإنتاج الذي نعيش فيه. طالما أننا نعيش في ظل الرأسمالية، فإنها ستحدد كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي. هذا هو السبب في أن هذه التكنولوجيا لا تستطيع من تلقاء نفسها أن تحل مشاكل الرأسمالية والكوارث التي تنتجها.

هذه هي الضرورة الحيوية، من أجل بقاء جنسنا البشري، التي أكدها تروتسكي بالفعل في عام 1932: «لقد حررت التكنولوجيا الإنسان من استبداد العناصر القديمة مثل الأرض والماء والنار والهواء، لتخضعه على الفور لاستبدادها. تحرر الإنسان من الطبيعة وأصبح عبدًا للآلة، بل الأسوأ من ذلك، أن أصبح عبدًا للعرض والطلب. تشهد الأزمة العالمية الحالية بطريقة مأساوية بشكل خاص على مدى بقاء حاكم الطبيعة الفخور والجريء هذا عبدًا للقوى العمياء لاقتصاده. تتمثل المهمة التاريخية لعصرنا في الاستبدال بعشوائية السوق تخطيطًا اقتصاديًّا أكثر عقلانية من أجل ضبط القوى المنتجة وإجبارها على العمل بانسجام في خدمة احتياجات الإنسان بطاعة»[4].

المراجع
  1. G. Marcus, E Davis, Rebooting AI: Building Artificial Intelligence We Can Trust, Pantheon Books, 2019.
  2. A. Katwala, « DeepMind Has Trained an AI to Control Nuclear Fusion », Wired, 16 February 2022
  3. N. Dyer-Witheford, A. Mikkola Kjosen, J. Steinhoff, Inhuman Power: Artificial Intelligence and the Future of Capitalism, Pluto Press, 2019.
  4. تروتسكي، خطاب عن ثورة أكتوبر، 1932