في إطار ما تشهده الجمهورية التركية من محاولة انقلاب على الرئيس المنتخب، رجب طيب أردوغان، والذي وصل إلى السلطة مؤخرًا في الرابع عشر من أغسطس/آب 2014م. نحاول التطرق لنبذة تاريخية عن انقلابات عسكرية حدثت على الأراضي التركية نفذتها فرق من الجيش التركي للسيطرة على السلطة وإزاحة رؤساء من سدة الحكم.

فمنذ قيام الجمهورية التركية بشكلها الحالي، على أنقاض الخلافة العثمانية، عام 1924م، والجيش التركي ضالع في العديد من الأحداث السياسية المفصلية في تاريخ الأمة التركية، كانت بدايتها في السابع والعشرين من مايو/آيار 1960م، بالقيام بأول محاولة انقلابية على حكومة رئيس الوزراء «عدنان مندريس»، ترى ما قصة هذا الانقلاب؟ وما تبعه من انقلابات؟


الانقلاب الأول

http://gty.im/104420807

عدنان مندريس هذا كان واحدًا من أبناء حزب الشعب الجمهوري، والذي ظل يحكم تركيا منذ تأسيسها على يد أتاتورك، ثم خليفته عصمت إينونو، حتى قرر عدنان الانشقاق عن الحزب، وتأسيس فصيل سياسي مستقل أسماه، حزب الشعب الديموقراطي، ولم تمضِ عدة أعوام حتى كان الحزب ومؤسسه على رأس السلطة التركية، وتحديدًا في العام 1950م.

قام الرجل بالعديد من الإصلاحات في الشأن الديني، كالسماح برفع الأذان في مساجد تركيا باللغة العربية وغيرها من الشعائر الإسلامية التي كان أتاتورك حائلًا دون رفعها. كذلك، أذن بافتتاح أول معهد لتدريس علوم الشريعة الإسلامية منذ عام 1923م.

هذه الإصلاحات التي لم ترُق لقادة حزب الشعب الديموقراطي، ما دفعهم لافتعال الأزمات في وجه الرجل، واتهموه في غير مناسبة بالالتفاف على هوية الدولة التركية العلمانية، ورغم أن تركيا في عهد مندريس شهدت تقدمًا ملحوظًا في النواحي الاقتصادية، وانضمت إلى حلف شمال الأطلسي فقط بعد عامين من بداية حكمه، وتحديدًا في الثامن عشر من فبراير/شباط 1952م. لكن ذلك لم يشفع للرجل ليبقى حيث هو على سُدة الحكم. فتحالفت قوى الجيش مع بعض أحزاب المعارضة لتأليب الرأي العام التركي على مندريس، وتأججت حركات الاحتجاج في الجامعات والمدارس العسكرية، ووقعت أحداث شغب كبيرة في شوارع اسطنبول وأنقرة، وقام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجًا على سياسات الرجل.

وفي صباح السابع والعشرين من مايو/آيار 1960م، تحرك الجيش ليقوم بأول انقلاب عسكري في تاريخ تركيا، الجمهورية، الحديثة، برئاسة الجنرال «جمال جورسيل»، وتم إعلان الأحكام العرفية في البلاد، وأُحيل آلاف الضباط للتقاعد، كان من بينهم رئيس هيئة الأركان. واعتُقل رئيس الوزراء عدنان مندريس، ورئيس جمهوريته جلال بايار، وأُرسلا إلى السجن بصحبة عدد من الوزراء والسياسيين، قبل أن يُعدم مندريس بحُكم محكمة صورية أقيمت له.


الانقلاب الثاني، انقلاب المذكرة

امتازت الفترة الزمنية التي أعقبت إعدام مندريس بالاضطراب والتخبط، وتراجعت البلاد في أغلب المناحي الاقتصادية والسياسية، وتشكلت جماعات حركات طلابية وعمالية يسارية بعضها كان مسلحًا، قابلتها مجموعات يمينية وقومية مسلحة كذلك، ومنذ عام 1968م والتطرف اليساري يقابله تطرف يميني، وكأن البلاد بين شقي رحى!

هذه الاضطرابات هي من أطاحت بحكومة سليمان ديمريل 1971م، والتي كانت قد وصلت إلى السلطة في عام 1965م وأعيد انتخابها في 1969م.

كذلك ساعد على رحيل حكومة سليمان، الانشقاق الداخلي الذي أصاب حزبه، حزب العدالة، وكان وراء إسقاط حكومته للمرة الأولى انشقاق 41 عضوًا برلمانيًا من أبناء حزبه، ما أسقط حكومة الحزب في 1969م، ما اضطر سليمان لتشكيل حكومته الثانية والتي كانت هشة وضعيفة.

عُرف انقلاب 1971م، بانقلاب المذكرة، إشارةً للمذكرة التي أرسلها الجيش إلى سليماني ديميريل لمطالبته بالتنحي عن السلطة، وعلى خلفية قراءة الجيش للبيان في الإذاعة فضَّل سليمان التنحي عن السلطة، والاستقالة.


الانقلاب الثالث، الأكثر دموية

الأرضية التي أوصلت الأمور لهذا الانقلاب، بدأت بانتخابات البرلمان 1973م، إذ فاز حزب الشعب بزعامة بولنت أجاويد بأغلبية هزيلة، 158 مقعد. في المقابل، حلّ حزب العدالة ثانيًا بقيادة سليمان ديميريل، ب149 مقعدًا، فاضطر حزب الشعب لتشكيل حكومة ائتلافية، برئاسة أجاويد، بالتعاون مع حزب السلامة، ورئيسه نجم الدين أربكان، في يناير/كانون الثاني 1974م. واستمر التحالف الحكومي هذا حتى قدّم أجاويد استقالته بعد ستة أشهر فقط من تولي الأمر، وحلّت محل حكومته حكومة حزب العدالة، والتي تشكلت بمعاونة أحزاب أخرى كحزب السلامة وحزب العمل القومي واستمرت بالسلطة، حتى أُجريت الانتخابات النيابية عام 1977م. وشكّل ديميريل حكومة ائتلافية ثانية استمرت لستة أشهر، تبعتها حكومة ائتلافية لحزب الشعب بزعامة أجاويد، ثم أخرى لحزب العدالة وهي ما تمت الانقلاب عليها من الجيش!

قام الجنرال «كنعان إيفيرين» بالانقلاب على حكومة حزب العدالة في سبتمبر/أيلول من العام 1980م، علّق الدستور، وفرض الأحكام العرفية، وحل جميع الأحزاب وحظر أنشطتها، وجاءت فاتوة انقلاب إيفيرين باهظة جدًا، كلّفت الأتراك ما يزيد على نصف مليون معتقل، وأحكام بالإعدام على 517 شخص، أُعدم منهم 50، وفُصل عن العمل الحكومي ثلاثين ألفًا، كما تم تجريد 14 ألفًا من الأتراك من جنسيتهم التركية!


الانقلاب الرابع، الانقلاب الأبيض

وصل حزب الرفاه إلى السلطة ليصبح نجم الدين أربكان، أول رئيس تركي للوزراء يُعرف عنه التوجه الإسلامي، وهو ما أغار في صدر الكثير من العلمانيين والعسكريين، حتى اجتمع مجلس الأمن القومي التركي في الثامن والعشرين من فبراير/شباط 1997م، ليقرر وقف تجربة أربكان في السلطة، وقدموا له مجموعة من المطالب للتوقيع عليها، لضمان هوية الدولة التركية بزعمهم، وكان الحديث العسكري مع أربكان واضحًا، إما القبول بهذه الطلبات أو الرحيل، ومع أن أربكان فضّل القبول والتوقيع على هذه الإملاءات العسكرية، إلا أن الجيش كان قد قرر رحيل الرجل!

حُظر الحزب بقرار قضائي في 1998م، وسيق أربكان إلى السجن ومع عدد من القيادات الحزبية لحزب الرفاه، كان بينهم «رجب طيب أردوغان» الذي تجري ضده اليوم مواجهة انقلابية بغرض الإطاحة به من السلطة فهل ينجو أم يكون خامسًا لأربعة رؤساء أتراك سبقوه إلى القتل أو السجن؟!

المراجع
  1. الانقلابات العسكرية في تركيا.. عقود من الدم والظلم والتدهور الاقتصادي – ترك برس