122 ألف حالة زواج أطفال حدثت في مصر في عام 2017، لا تتضمن زيجات القاصرات من الأجانب، أسفرت عن 1200 مطلق ومطلقة… و117 ألف حالة زواج لأطفال في مصر أيضًا خلال العام الحالي 2018، خلّفت 1000 طفلة مطلقة.

إحصاءان يكشفان الجانب الأقبح من «استغلال الأطفال جنسيًا» بغطاء شرعي، يتخطى كثيرًا أزمة (خطوبة فارس وندى) التي أثارت الكثير من الجدل مؤخرًا.

فقبل يومين ثار الكثير من الجدل عقب تداول مقاطع فيديو وصور تظهر خطبة طفلين، 14 و15 عامًا، من محافظة كفر الشيخ، في أجواء «لا تتناسب أبدًا مع أعمارهم»، بدايةً من لبس العروس ومساحيق التجميل المبالغ بها، مرورًا بالأحضان والرقص بين الطفلين العروسين، وانتهاءً بالاندماج الكبير من الحضور وكأن ما يحدث «أمرًا عاديًا».

تسبب هذا الحدث في موجة غضب واسعة في المجتمع المصري على المستويين الرسمي والشعبي، حيث تدخلت عزة العشماوي رئيس المجلس القومي للأمومة والطفولة، وأعلنت رصد الحالة عقب بلاغ رسمي على خط نجدة الأطفال، مؤكدةً التواصل مع الأهل وأخذ تعهد منهم بعدم إتمام الزواج قبل أن يصل الطفلان للسن القانوني، معتبرةً ما حدث «انتهاكًا صارخًا للطفولة»، ومناشدةً الجميع التوقف عن «التشهير» بالطفلين بتداول المزيد من الصور والفيديوهات.

ومع إصرار الأهل على أنهم لم يرتكبوا أي جرم، وأن ما أقدموا عليه أمر معتاد وشائع ويتكرر بشكل قومي في كفر الشيخ وغيرها، تدخل النائب العام، نبيل أحمد صادق، ووجه رسالة رسمية للأهل مفادها «الابتعاد عما لا يتناسب مع أعمار الطفلين»، فيما بدأت النيابة العامة التحقيق واستدعاء الأهل.


ماذا يعني زواج الأطفال؟ ولماذا يحدث؟

بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فإن زواج الأطفال هو أي حالة زواج رسمي أو اقتران غير رسمي قبل بلوغ سن 18 عامًا، ورغم أنه حقيقة واقعة بالنسبة للفتيان والفتيات، إلا أن الفتيات أكثر تضررًا منه بشكل غير متناسب، وتكشف الإحصاءات العالمية أنه تم تزويج نحو ثلث النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عامًا في العالم النامي في مرحلة الطفولة، وهذا الزواج أكثر شيوعًا في مناطق جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مع وجود اختلافات كبيرة في انتشاره بين البلدان المختلفة.

وتلفت اليونيسيف إلى أنه من أبرز أسباب حدوث زيجات الأطفال الموروث الثقافي حيث يعتبر «عادة اجتماعية» في كثير من المجتمعات، كما تعتبره من أشكال التمييز بين الجنسين وتفضيل الذكور على الإناث، وتفضيل تعليم الأولاد على البنات أيضًا، بجانب كونه «إستراتيجية للبقاء الاقتصادي»، إذ تُزوِّج الأسر بناتها في سن مبكرة للحد من الأعباء الاقتصادية عليها في كثير من الأحيان.

ومن المخاطر العديدة المترتبة عليه، بحسب المنظمة الأممية، أن الفتيات اللائي يتزوجن في سن مبكر غالبًا ما يتركن التعليم ويصبحن حوامل، ما يسبب الكثير من الوفيات «النفاسية» التي تعد سببًا هامًا لوفيات الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين (15-19) عامًا في جميع أنحاء العالم، وتتسبب في 70 ألف حالة وفاة سنويًا. بجانب ارتفاع احتمالات وفيات الأطفال المولودين لأمهات تقل عن 18 عامًا إلى 60%، وما تتعرض له الفتيات عند زواجهن في مرحلة الطفولة من أشكال العنف والاعتداء والاستغلال، وزيادة احتمالات الإصابة بالأمراض النفسية والبدنية.


زواج الأطفال في مصر

زواج الأطفال منتشر في مصر خاصة في الريف، وهذا ما تؤكده الإحصاءات التي تم ذكرها في افتتاحية هذا المقال.وتؤكد المنظمة المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان أنه من بين 39 مليون طفل قاصر رصدهم التقرير، يوجد 18.3 مليون طفل متزوج في الفئة العمرية من (16 -18) عامًا، وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن زيجات الأطفال تسفر عن ميلاد 250 ألف طفل سنويًا.

وتتقاطع هذه الإحصاءات المرعبة مع تجريم القانون لزواج الأطفال، حيث تُحدد المادة رقم 80 من الدستور المصري سن الطفولة بـ 18 عامًا، وهو ما أكدته المادة 2 من القانون 12 لعام 1996 المعدل بالقانون 126 لعام 2008، والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر كالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته لعام 1990.

ولعل هذا ما دفع وزارة العدل المصرية في مايو/آيار 2018، إلى إحالة مشروع قانون «تجريم الزواج المبكر» إلى مجلس الوزراء تمهيدًا لإحالته للبرلمان وإقراره، وبموجبه تغلظ العقوبة ضد من يشترك في زواج القاصر حتى 7 أعوام وغرامة، سواء كان أحد أقارب الزوجة أو الزوج أو المأذون نفسه.


«بيدوفيليا» مقنعة

قد يظن البعض أن جميع هذه الحالات تقتصر على الخطبة ولا ضرر فيها طالما لن يُتمَّم الزواج قبيل السن القانوني، لكن آثار انتشار مثل هذه الحالات مرعبة بحسب الباحثة بسمة محمود، أخصائية الصحة النفسية والمشاكل الأسرية، التي تؤكد:

حاربنا كثيرًا حتى يقبل المجتمع بتأخير سن زواج الفتيات خصوصًا حتى 25 -30 عامًا، والآن يحدث تراجع كبير بفعل مثل هذه الحالات، فالأهل مع ارتفاع معدلات العنوسة وتدهور الأحوال الاقتصادية وانتشار مثل هذه الخطبة أصبحوا في رعب من عدم زواج فتياتهم، فالجميع يبحث عن الأصغر التي بإمكانه أن يربيها على يديه ويضمن أخلاقها، ما يشجع المزيد على الإقدام على نفس الفعل.

وتضيف: «ظهور فتيات صغيرات بملابس عرس ووسط أجواء مشابهة لما شاهدناه أمر يُعزز النظرة والمطامع الجنسية في الأطفال دون شك، خاصة لدى الرجال الكبار الذين يعانون من العجز الجنسي، هم يريدون فتاة ساذجة لا تكتشف عجزهم أو تستجيب لممارساتهم الوحشية اعتقادًا منها –عن جهل- بأن هذا هو الطبيعي».

و يؤكد الأب شاي كولين، مُؤسِس منظمة «بريدا» المعنية بحقوق الشعب الفلبيني وخاصة النساء والأطفال، على المعنى ذاته، قائلاً:

ويضيف شاي: «عندما يريد رجل عجوز ممارسة الجنس مع طفلة ربما تبلغ 9 سنوات. ما هي الحالة العقلية والحث الجنسي لدى هذا الشخص؟ لابد أن هذا اضطرابًا نفسيًا وتشخيصه المنطقي هو البيدوفيليا، والورقة التي تعتبره زواجًا لجعله قانونيًا لا تعني أنه أمر صائب أن يحدث لأي طفل، لا تكفي لأن يتعرض إلى الإساءة الجنسية الوحشية وفقدان الطفولة والتعليم والحياة الكريمة».


مخاطر أخرى مرعبة

إن ما يسمى زواج الأطفال ما هو إلا مجرد غطاء للهوس الجنسي بالأطفال، وهو أمر غير أخلاقي وغير مقبول… إنه واجهة لتبرير ممارسة الجنس مع الأطفال والهروب من عقوبة القوانين التي تمنعه. اغتُصبت معظم الفتيات الصغيرات تحت ستار هذا المسمى زواج.

جانب آخر من المخاطر كشفت عنه تعليقات الكثير من الشباب على خطبة الطفلين عبر مواقع التواصل، وهو «الإحباط» الذي أصاب الكثير من الشباب الذين تأخر زواجهم إلى ما بعد الثلاثين بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، وعدم القدرة على مجاراة الأسعار المرتفعة لكل شيء، ومن بينها شروط الزواج من توفير مسكن وأثاث وشبكة وغيرها من المتطلبات، وتتمثل خطورة هذا الإحباط في لجوء البعض إلى العلاقات غير المشروعة أو التحرش والاعتداءات الجنسية، في ظل عدم احتمال حدوث تحسن وشيك في الظروف المادية لهؤلاء الشباب.

الطلاق أيضًا أحد الآثار المحتملة لزيجات الأطفال، وفي حين تعتبر مصر الثالثة عالميًا في معدلات الطلاق المرتفع (190 ألف حالة في 2017 وحدها)، تؤكد الباحثة النفسية أن زواج الأطفال أحد أبرز الأسباب خلف هذا بجانب العوامل الاقتصادية، حيث يكون الزوجان غير مؤهلين للعيش المشترك ومواجهة مسئوليات الحياة، بجانب تأثير «التوترات في العلاقة الجنسية» بين الاثنين بسبب قلة الوعي.

وبجانب الأضرار الصحية الناجمة عن زواج الفتيات في مرحلة الطفولة،مثل تأخر الحمل واضطرابات الدورة الشهرية وهشاشة العظام وكثرة وفيات الأطفال والإجهاض وزيادة معدلات وفاة الأم أثناء الولادة، تبرز احتمالات الإصابة بالعديد من الأمراض النفسية أيضًا، ومن بينها الاكتئاب والفصام والهيستيريا والقلق واضطرابات الشخصية، واضطرابات العلاقة الجنسية مع الشريك، وغيرها الكثير.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.