رعب من السماء، مأساة إنسانية تحيط بالجميع، صرخة أطفال أبرياء تجعل الأصم يرتد إليه سمعه المفقود، وفي قلب الظلام أم ثكلى تنوح: الأولاد ماتوا من دون ما ياكلوا!

تحكي الحروب قصة مؤلمة لا يمكن إنكارها، تلك التي تجتاح أرضاً محاطة بالألم والمعاناة. تمثل الحروب في فلسطين بين الحين والآخر نقطة تحول مؤلمة في تاريخ الشعب، حيث يدفع الأطفال الثمن الباهظ لصراع لا يفهمونه، بينما تتمزق طفولتهم وحلمهم في لحظة، ويتحولون هم أنفسهم إلى أشلاء.

إنَّ الصور المؤلمة التي تتناقلها وسائل الإعلام جرّاء الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني المحتل، تكشف عن الأطفال الأبرياء الذين تفجعت نفوسهم بوجه القتل والدمار، حيث يظهر في عيونهم الخوف والحزن العميق، ورغم كل هذا الدمار مازالت ترتسم على وجوههم البراءة التي ابتزها الظلم والظروف القاسية وطغيان عدو غاشم لا يرحم إنساناً أو طيراً أو حيواناً.

يتعاظم الشعور بالألم والحسرة عند رؤية أطفال يفقدون حقوقهم الأساسية بشكل فظيع، حقوق الطفولة التي يجب أن تكون محمية ومحفوظة في كل زمان ومكان وبموجب القوانين الدولية، ولكن السؤال منْ يُطبِّق تلك القوانين؟ ومنْ يُنفذها ويعمل على حمايتها من الاختراق؟

تتداخل الكلمات والعبارات في محاولة يائسة لوصف الجحيم الذي يعيشه هؤلاء الأطفال في غزة؛ حيث يضيق صدري وتعجز أحرفي عن التعبير، عجزاً كسائر شعوبنا العربية المغلوب على أمرها والمكبلة.

في الحرب تتحول الحياة إلى كابوس حقيقي

بينما أتابع الأحداث وأشاهد الركام والرماد والحطام الذي يحيط بالجميع، كانت صرختها المدوية لها وقعها المميت في قلبي، عبارة الأم الفلسطينية الثكلى التي اخترقت أذني وهي ترثي أطفالها ضحايا القصف الصهيوني الغاشم: «الأولاد ماتوا من دون ما ياكلوا». يا الله كم مؤلمة عبارتها، قاسية، وغريبة في آنٍ واحد.

وددت لو استطعت الوصول إلى تلك الأم لأربت على كتفها وأهمس في أذنها باكية: أكان الطعام سيحميهم من الموت يا أمي؟ وددت كلما تكرر صدى هذه الجملة في أذني أن أسأل حُكّامنا العرب الذين يُكرِّسون كل جهودهم في جمع حفنة من المساعدات الغذائية لإرسالها لأهلنا في غزة، مالكم كيف تحكمون؟

هل غزة وأهلها يحتاجون في هذا الوقت العصيب إلى مثل هذه المساعدات؟ هل يحتاج الفلسطينيون الأحرار والمجاهدون بأرواحهم وأموالهم وأبنائهم إلى علبة حليب أو قطعة خبز؟

وددت أن أسألهم أيضاً أين جيوشكم، وأين الأسلحة التي تدخرونها منذ زمان طويل، أما آن لها أن تخرج من مخابئها، أما آن لها أن تُسهِم في رفع يد الظلم والبطش والطغيان، أما آن لكم يا عرب أن تستفيقوا من غفلة أهل الكهف هذه، وتنتفضون لنصرة حقٍ مغتصب من أهله أمام أعينكم؟

تتحول الحياة خلال الحرب إلى كابوس حقيقي، كابوس يطرد الفرح والأمان من الأرواح فلا يتبقى سوى المشاهد المروعة، والأحداث المرعبة، والمفاجآت القاتلة.

على الرغم من هذه المآساة الكبيرة، التي تواجه الصحفي الفلسطيني «معتز العزايزة»، لينقلها للعالم بكاميرته ويُسلِّط الضوء على قصف العدو الإسرائيلي للأبرياء في مدينته بجنوب غزة، يجد بانتظاره مآساة أكبر، فاجعة تُدمي القلوب وتُشعل النيران في الروح، فكيف وهي عائلته؟ (عيلتي يا الله، عيلتي أشلاء). ربط الله على قلبك يا «معتز» ورحم أهلك الشهداء وأسكنهم فسيح جناته.

لأهل غزة رب يحميهم

في غزة يُصارع الفلسطينيون وحدهم بلا مُعين سوى الله -عز وجل- ورغم أن المعاناة التي يتعرض لها الأطفال في غزة تُحتِّم على كافة الدول العربية الوقوف كجماعة إنسانية والتحرك بسرعة لحمايتهم وتوفير الدعم لهم بكل أنواعه، فإن العرب لا يزالون عاجزين، مكتوفي الأيدي، ولسان حالهم يقول لأهل غزة رب يحميهم.

بالطبع لأهل غزة رب بصير سينصرهم ويحميهم، فهو الذي وعد بالنصر وإن موعده لحق، وعندئذٍ تتحقق آمالهم في استعادة كرامتهم وحقوقهم المسلوبة، ولكن في ظل هذا الوضع الإنساني الصادم، تبرز الحاجة الملحة للتضامن والعمل الإنساني الشامل، لإنقاذ أهل غزة ومنع تهجيرهم من أراضيهم ودعمهم نصرة الحق، لذا أذكركم ونفسي بحديث رسولنا الكريم (صلّى الله عليه وسلّم):

ما من امرئٍ يَخذُلُ امرءًا مسلماً في موضعٍ تُنتهكُ فيهِ حُرمتهُ، ويُنتقصُ فيهِ من عِرْضِهِ، إلا خذلهُ اللهُ في موطنٍ يحبُّ فيهِ نُصرتَهُ، وما من امرئٍ ينصرُ مسلمًا في موضعٍ يُنتقصُ فيهِ من عِرْضِهِ، ويُنتهكُ فيهِ من حُرْمَتِهِ، إلا نصرهُ اللهُ في موطنٍ يحبُّ نُصرتَه.

وفي الختام، يجدر بنا أن نؤكد على أن الإنسان الحق سواء كان حاكماً أو محكوماً لا يجوز له أبداً أن يخدل أمة كإخوتنا في فلسطين، لذا أدعوكم لبذل كل الجهود لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية الدامية وحماية أهل غزة وتمكينهم لبناء عالم أفضل وأكثر سلاماً للجميع.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.