لطالما كانت الصين رائدة في المجال الرياضي على مستوى العالم، في آخر دورة ألعاب أوليمبية على سبيل المثال، حصد لاعبو الصين 26 ميدالية ذهبية، ومثلها برونزية، و18 ميدالية فضية. أرقام تدعو إلى الانبهار حقاً. ورغم ذلك، هناك رياضة واحدة لم تستطع الدولة صاحبة أكبر تعداد سكاني بالعالم أن تفرض هيمنتها عليها، وهي اللعبة الأكثر شعبية؛ كرة القدم.

فقط تخيل عدد أساطير اللعبة الذين كانت ستنتهي أسماؤهم بـ«تشونج» أو «يانج» وما شابهها من المقاطع، إذا كان مليار ونصف المليار صيني قد اهتموا بها مثلما اهتموا بتنس الطاولة والجمباز وفنون القتال وغيرها في الـ50 سنة الماضية، ببساطة كانت ستفقد اللعبة تنافسيتها التي تتمتع بها اليوم. لكن يبدو أن ذلك العصر يوشك على الانتهاء، ونريد أن نضعك معنا بالصورة لنفهم كيف سيحدث ذلك؟

يحدث في الصين

في مارس/آذار عام 2014، أصدر الرئيس الصيني «شي جين بينج» المعروف بعشقه لكرة القدم، خارطة طريقة مكونة من 50 بندًا؛ تهدف لجعل الصين قوة عظمى باللعبة بحلول عام 2050. وفي أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، أصدر رئيس مجلس الدولة «لي كيكيانج» وثيقة بعنوان «مقترحات مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية لتسريع تطوير صناعة الرياضة وتشجيع الاستهلاك الرياضي»، لتتحول الرياضة من مجرد أسلوب حياة للمواطن الصيني، إلى استراتيجية قومية تهدف إلى زيادة النمو الاقتصادي لرأس المال السياسي في البلاد.

في مايو/أيار من عام 2016، نصت الخطة الخمسية الصينية رقم 13 على أنه يجب أن تصل نسبة مشاركة الصناعة الرياضية بالاقتصاد المحلي إلى 1% بحلول عام 2020، أي بزيادة قدرها 0.63%. كان الهدف النهائي لكل ذلك، زيادة المكاسب من الصناعة الرياضية من 50 مليار دولار أمريكي في عام 2016، إلى ما يتراوح بين الـ750 و800 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026.

وهي طموح مشروع بالطبع، بل ومن السهل الوصول إليها أيضاً، خاصةً إذا علمت أن متوسط دخل الفرد السنوي بالصين يزيد قليلاً على الـ3000 دولار أمريكي في عام 2008. ثم قفز الرقم قفزة هائلة في غضون ثماني سنوات فقط ووصل إلى ما يزيد على الـ7000 دولار أمريكي، كل ذلك يعطي مؤشراته إلى قدرة الشعب وخاصة الفئة المتوسطة منه على الإنفاق في الجانب الرياضي والترفيهي بسهولة.

لذا، كان من السهل أن تتحول بلاد الأرز إلى أكبر مورد للمستلزمات الرياضية في العالم. مع ضرورة التذكير بأننا هنا نتحدث عن دولة يعيش بها أكثر من خمس سكان العالم، من بينهم حوالي 600 ملياردير، كان حلم رئيس الدولة الكبير قابلاً للتحقيق.

فساد كبير

مما سبق، أصبح جلياً أن مشروع سيطرة الصين على السوق الرياضي العالمي بات غاية وطنية عليا، مدعومة برغبة الرئيس الصيني، وعليه تسارع رجال الأعمال الصينيون لتلبية النداء؛ ساعين للحصول على ما يمكن من الامتيازات جراء تلبية نداء الوطن ورئيسه. من امتيازات سياسية إلى تسهيل خروج الأموال خارج البلاد بمباركة أجهزة الدولة، مما سهل عليهم القيام بعمليات غسيل الأموال والكثير من الصفقات المشبوهة.

وفي ذلك النطاق، دعنا نعد لعام 2007 حيث أول خبر سمعناه بهذا الشأن؛ عندما قرر رجل الأعمال الصيني «كارسون يانج» شراء نادي بيرمينجهام سيتي، بمبلغ وصل إلى 81 مليون جنيه إسترليني، رغم أن قيمة النادي الحقيقية آنذاك كانت 24 مليوناً فقط!

بالطبع يمكنك التنبؤ بما حدث بعد ذلك، أربعة أعوام فقط كانت كفيلة بالقبض عليه. وبعد مرور سبعة أعوام، كان يواجه يانج حكماً من المحاكم الصينية بإلزامية قضائه ستة أعوام خلف القضبان، بعد اتهامه بقضايا غسيل أموال وتهرب ضريبي، وتم الحجز على أمواله وإلزامه ببيع النادي.

ثم توالت الحالات المشابهة، والتي كان أبرزها نادي ميلان الإيطالي ومديره السابق «يونج هونج لي»؛ الذي أعلن إفلاسه واضطر للاقتراض من شركة «إليوت» الأمريكية، التي أتمت وضع يدها على النادي بسبب تخلف الصيني عن الدفع. ولن تنتهي القصة هنا، بل تفاجأ الجميع بعد رحيله، أن ثروته كاملة بالصين تقدر بـ700 مليون يورو فقط، ولم يكن مصنفاً حتى ضمن قائمة أغنى 400 شخص في الصين!

الزحف نحو أوروبا

الآن لننتقل إلى الخطوات الأكثر جدية بعيدًا عن الفساد. في عام 2016، استحوذت شركة «China Everbright» وهي شركة رائدة في مجال الخدمات المالية، بالاشتراك مع شركة «Beijing Baofeng» وهي شركة متخصصة في مجال الواقع الافتراضي والترفيه الرقمي – على غالبية أسهم شركة «MP & Silva» وهي واحدة من أكبر شركات حقوق الوسائط في العالم.

في العام ذاته، حصلت شركة «Hisense» الرائدة في مجال الإلكترونيات، على حق رعاية بطولة أمم أوروبا لعام 2016. وعزا أحد المصادر بالشركة زيادة مبيعات منتجاتها بسبب تلك الرعاية، بنسبة 9% داخل الصين، و بنسبة وصلت لـ6% في مناطق أخرى بالعالم. ثم حصلت الشركة على حق الرعاية الرسمية لكأس العالم روسيا 2018.

حدث ذلك بالتوازي مع مساعٍ حقيقية أخرى للفت نظر العالم للدوري الصيني، عن طريق التعاقد مع عدد كبير من اللاعبين والمدربين العالميين، أمثال: أوسكار، راميريز، تيكسيرا وتيفيز صاحب أغلى راتب في العالم سابقاً، بجانب مارشيلو ليبي وفابيو كابيلو وغيرهم من العناصر.

ومن الدوري المحلي إلى الدوريات العالمية، حيث عمليات شراء أسهم الكثير من الأندية الأوروبية. بين عامي 2015 و2017، تم إنفاق ما يقارب الـ2.5 مليار دولار أمريكي على عمليات شراء أندية مثل: وولفرهامبتون، أستون فيلا – الذي بيع فيما بعد إلى الملياردير المصري ناصف ساويرس، إنتر ميلان، إي سي ميلان، إسبانيول، وأندية أخرى متفرقة بين إنجلترا وهولندا وفرنسا. بجانب شراء حصص من أندية عملاقة مثل مانشستر سيتي وأتلتيكو مدريد.

ولا تنسَ ما ذكرناه سلفًا حول ريادة الصين في مجال صناعة المنتجات الرياضية، والذي تم دعمه بالاستحواذ على كثير من الأندية حول العالم لزيادة عمليات بيع المنتجات الصينية على ظهر الكوكب، وبذلك تكتمل عملية الانتشار كما خطِط لها.

استغلال أفريقي

حتى القارة السمراء، لم تسلم من خطتهم. قبيل انطلاق كأس الأمم الأفريقية 2017 بالجابون، تم تصميم وإنشاء عدة ملاعب من قبل الصين لاستضافة البطولة الكبرى، واحد في مدينة «أوييم» والآخر في مدينة «بورت جينتل».

وإذا عدنا للوراء قليلاً، وتحديدًا عام 2012، حيث أقيمت نفس البطولة بتنظيم مشترك بين غينيا الاستوائية والجابون، وقامت الصين أيضًا ببناء ملعب آخر لاستضافة البطولة بالعاصمة «ليبرافيل» عبر شركة «Shanghai General Construction».

أنت الآن تتساءل، ما الذي جعل الصين تقوم بكل ذلك الهراء فجأة مع الجابون؟ ببساطة لأن هناك شيئاً ما ستحصل عليه، وهو نسبة 14% من صادرات الجابون من النفط الخام والمنجنيز الذي يستخدَم في عمليات إنتاج الحديد والصلب، وهو ثمن أكثر من العادل.

لكن دعني أصحح جملتي السابقة، «ذلك الهراء فجأة» لأن ببساطة تلك الاستثمارات الصينية مقابل المواد الخام بأفريقيا موجودة داخل القارة منذ أكثر من عقد من الزمان وبنفس الطريقة. ففي بطولة أمم أفريقيا 2008 التي أقيمت بغانا، أنشأت الصين ملعبين جديدين، وقامت بصيانة اثنين آخرين بتكلفة وصلت إلى 200 مليون دولار.

كل ذلك مقابل ماذا؟ نعم كما توقعت، النفط الخام الذي سيحصلون عليه جراء تلك عمليات البناء، نفس الأمر حدث بعدها بعامين في بطولة 2010 التي أقيمت بأنجولا، عندما قاموا بإنشاء الأربعة ملاعب التي أقيمت عليها البطولة، بقيمة مالية وصلت إلى 500 مليون دولار؛ في مقابل صادرات بقيمة 27 مليون دولار سنوياً من النفط الخام إلى الصين، وهي كمية تعادل خمس أضعاف ما تصدره الكاميرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

رغم كل ما سبق، نحن لسنا هنا لإدانة الصين في شيء، بل ربما وجودنا هنا بالأساس غرضه التعجب من قدرتهم على استغلال قوة ناعمة مثل كرة القدم للقيام بتوسع اقتصادي مهول مثل الذي يقومون به، لكن لا يجب أن ننسى أن الرئيس الصيني شي جين بينج يريد أن يجعل بلاده قوة عظمى باللعبة بحلول عام 2050، لذلك يبقى السؤال الغامض مطروحًا، هل يجب أن يساورنا القلق حول شكل خريطة الكرة العالمية بعد 30 عاماً من الآن؟