توصف الحرب الأهلية الصينية بأنها من أكثر الحروب دموية في التاريخ الحديث، فقد استمرت من عام 1927 إلى 1949، كان طرفاها الرئيسيان حزب الكومينتانج «KMT» القومي، والحزب الشيوعي الصيني «CCP»، كما ناضلت أقليات عرقية من أجل الاستقلال مثل سكان التبت البوذيين والقرغيز والإيجور المسلمين.

الجمهورية المضطربة

انتهى الحكم الإمبراطوري في الصين بعد ثورة 1911، وخلال حكم الجمهورية الجديدة اندلعت خلافات بين النخبة السياسية حول طريقة الحكم، وحاول رئيس الجمهورية، يوان شيكاي، إعادة الملكية، وأعلن نفسه إمبراطورًا لبعض الوقت، وأدى هذا المناخ السياسي غير المستقر إلى ظهور العديد من أمراء الحرب الذين تنافسوا على السلطة في مختلف مقاطعات الصين. 

تجمع قوميو حزب الكومينتانج تحت قيادة الرئيس صن يات سين، الذي حاول لجم الفوضى واستعاد السيطرة على البلاد بعد موت يوان شيكاي بصعوبة بالغة بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة، لكن نقص الدعم من الدول الغربية دفعه لتلقي المساعدات من الاتحاد السوفيتي بداية من عام 1923، ودعم السوفيت أيضًا الحزب الشيوعي الصيني الذي تم إنشاؤه عام 1921. 

 تسببت وفاة الرئيس صن يات سين عام 1925 في حدوث انشقاق تدريجي داخل الكومينتانج بين اليمينيين واليساريين، واستطاع القيادي شيانج كاي تشيك قيادة العناصر ذات الميول اليمينية، بينما انضم بعض اليساريين إلى صفوف الحزب الشيوعي، وشن الزعيم الجديد لحزب الكومينتانج حملة عسكرية ضخمة ضد أمراء الحرب الشماليين لتوحيد البلاد تحت رايته، وحاول القضاء على مراكز القوى المختلفة.

الحرب الأهلية 

أصدر زعيم حزب الكومينتانج شيانج كاي شيك قرارًا في الثاني عشر من أبريل/ نيسان عام 1927 بتصفية وجود الشيوعيين في شنغهاي بمجزرة مروعة، وبعد هذا الحدث ساعد الاتحاد السوفيتي الحزب الشيوعي الصيني على تنظيم نفسه عسكريًّا، وبدأت الحرب الأهلية الصينية، وتورط الطرفان في فظائع شملت في كثير من الأحيان مدنيين أبرياء، واستمرت الحرب الأهلية 22 عامًا وبحلول عام 1949، قُدر عدد الضحايا المدنيين بما يتراوح بين 1.8 مليون و3.5 مليون، لذا يصنف هذا الصراع على أنه ثالث أكثر الحروب دموية في القرن العشرين بعد الحربين العالميتين. 

 وشهدت الأشهر الأولى من الصراع هزيمة الحزب الشيوعي في معظم معاقله، وتم تنفيذ المزيد من المذابح المناهضة للشيوعية من قبل الكومينتانج، ويُقال إن القوميين قتلوا أكثر من 310 آلاف شخص عام 1928 فقط.

 وفي حين أن السنوات الأولى من الصراع كانت صعبة على الحزب الشيوعي، إلا أنه تمكن من تأكيد سلطته في بعض المناطق، مثل مقاطعات جيانغشي، وبدعم من الاتحاد السوفيتي تمكن الشيوعيون من إقامة حكومة مستقلة في المنطقة في نوفمبر 1931 أطلقت على نفسها اسم جيانغشي السوفيتية، أو جمهورية الصين السوفيتية، وشنت هذه الجمهورية الصغيرة حملات قمع عنيفة في المنطقة، فالذين انتقدوا الحزب الشيوعي أو حاولوا الفرار من المقاطعات قُتلوا بوحشية، وتمت مصادرة ممتلكات المعارضين وإجبارهم على القيام بأعمال قسرية في كتائب الأشغال الشاقة.

وتشير التقديرات إلى مقتل حوالي 700 ألف مدني على يد السلطات الشيوعية حتى عام 1934 عندما أطاح القوميون بهذه الجمهورية.

المسيرة الطويلة

بعد سقوط جمهورية الصين السوفيتية تُرك الحزب الشيوعي الصيني بدون أي معاقل، ودفعت هذه الهزيمة إلى انسحاب الشيوعيين من جنوب الصين نحو الشمال في مقاطعة شنشي، وانقسموا إلى مجموعتين: الأولى بقيادة تشانغ جوتاو، والثانية بقيادة ماو تسي تونج.

تعرض الشيوعيون المنسحبون لهجمات مستمرة من قوات الكومينتانج وأمراء الحرب المتحالفين معه، فاختار شيانج كاي شيك في البداية التركيز على جوتاو، وبعد سلسلة من المعارك تم القضاء على قواته تمامًا، بينما تمكن ماو من تجنب المعارك الرئيسية مع الكومينتانج، ووصل شنشي بحلول أكتوبر 1935 بعد أن استغرقت مسيرته الطويلة عامًا تقريبًا انخفضت فيه قواته من 69 ألف جندي في أكتوبر/تشرين الأول 1934 إلى 7 آلاف فقط في أكتوبر/تشرين الأول 1935. 

الحرب مع اليابان

كانت الحرب الصينية اليابانية الثانية (1937-1945) محنة مدمرة للصين، لكنها كانت أيضًا للمفارقة طوق النجاة للحزب الشيوعي الصيني المستنزف بشدة، فحينها كان وجوده مقتصرًا على جيب ريفي في شمال غرب الصين، لكن بسبب غزو اليابان كان كاي تشيك يريد بشدة دعم الاتحاد السوفيتي له في حربه ضد اليابان، فاعترف بقوات ماو الشيوعية كجيش شرعي، وأقر عملهم تحت قيادة مستقلة مقابل انتشارهم السريع ضد القوات اليابانية في الشمال.

وفي سبتمبر/أيلول أعلن تشكيل جبهة موحدة معترفًا بحكومة الحزب الشيوعي وسيطرته الشرعية على مناطق معينة، وقد سهل هذا الأمر إلى حد كبير التوسع اللاحق للحزب الشيوعي، إذ تُركت الأسئلة الحاسمة المتعلقة بالمناطق التي ستكون تحت السيطرة الشيوعية ونوع الدعم الذي ستقدمه الحكومة دون حل، على أساس أنه سيتم تسويتها من قبل لجنة مشتركة من الحزبين لاحقًا.

لمدة ثماني سنوات قاتل الحزب الشيوعي وحزب الكومينتانج جنبًا إلى جنب ضد طوكيو، ومع ذلك كان من الواضح لكلا الطرفين أن الحرب الأهلية أخذت هدنة مؤقتة.

خلال هذه الفترة عزز ماو موقعه كزعيم وحيد للحزب الشيوعي الصيني، وأبدى ميلًا للنأي بنفسه عن خط الاتحاد السوفيتي، وطهر الحزب من كل معارضة داخلية محتملة، وأدى هذا التطهير الداخلي إلى وفاة ما يُقدر بعشرة آلاف شخص، وتم اعتقال وتعذيب الكثيرين بحجة أنهم جواسيس إما للكومينتانج أو للجيش الياباني، وهدفت حركة الاضطهاد الجماعي هذه إلى ترسيخ الولاء المطلق للخط الماوي المنشأ حديثًا ليتبناه الحزب الشيوعي الصيني.

عودة الحرب الأهلية 

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فشلت المفاوضات بين كاي تشيك وماو لتشكيل حكومة موحدة، وتوسطت الولايات المتحدة الأمريكية مرارًا بينهما، لكن كان القتال يشتعل بين قوات الطرفين فيُفشل جهود السلام، واستؤنفت الحرب الأهلية الصينية وشن الحزب الشيوعي حملة باطشة ضد مُلاك الأراضي الزراعية، وبدأ مصادرة ممتلكات الملاك والفلاحين الأغنياء ومنحها للفقراء، وتم تقسيم سكان كل قرية تحت سيطرة الحزب الشيوعي إلى مُلاك، وأغنياء، ومتوسطين، وفقراء، ومعدمين.

 بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 1947 أصبح القمع أكثر عدوانية، إذ اعتقل الحزب الشيوعي ملاك الأراضي والأغنياء، وارتكب فظائع ومجازر مروعة، وحاول الكومينتانج الاستفادة من حملة الإعدام الهائلة هذه من خلال إنشاء فيلق مكون من المُلاك الذين تمكنوا من الفرار من المذابح، وشاركت هذه الوحدة القتالية الجديدة في العمليات العسكرية وشنت حرب عصابات ضد الحزب الشيوعي حتى نهاية الحرب الأهلية.

احتلت قوات الكومينتانج بسرعة معظم منطقة منشوريا، ومع ذلك بحلول شتاء عام 1947 بدأ المد في التحول لصالح الحزب الشيوعي، فخلال الأشهر القليلة التالية تمكن من إخراج القوميين من معظم الأماكن، وبحلول مارس/ آذار 1948 تمكن الشيوعيون من طرد القوميين من معظم منشوريا، ولم يبقَ لهم إلا عدد قليل من المعاقل.

 وفي مايو/ أيار حاصر الحزب الشيوعي القوميين في تشانغتشون فوقعت مجاعة هائلة قتلت ما بين 120 ألف و160 ألف ضحية، فغيرت كتائب عديدة ولاءها وانضمت إلى الحزب الشيوعي، وفي 19 أكتوبر 1948 استسلمت الحامية، وسقطت تشانغتشون في يد الشيوعيين، وخلال الأشهر القليلة التالية هزم الشيوعيون الكومينتانج، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1949 أعلن ماو تسي تونغ تأسيس جمهورية الصين الشعبية من بكين، وأعدم ما يقدر بعشرات الآلاف من معارضيه، ثم توسعت الحملة لاحقًا لتشمل مئات الآلاف ممن اتهموا بتأييد الكومينتانج أو المشكوك في ولائهم للحزب الشيوعي.

جمهورية الصين في تايوان 

انسحب تشيانغ كاي شيك بأكثر من مليوني جندي إلى جزيرة تايوان وأصبحت تايبيه عاصمته الجديدة، وفي ديسمبر/ كانون الأول سقط آخر معقل للقوميين في البر الرئيسي للصين في يد الحزب الشيوعي، وانتهت الحرب لكن لم يتم التوصل إلى معاهدة سلام حتى اليوم، وظل كل من الطرفين يقدم نفسه على أنه الممثل الشرعي للصين.

ولا تعترف جمهورية الصين الشعبية بجمهورية الصين في تايوان، وتخير دول العالم بين الاعتراف بها أو بتايوان، وهددت مرارًا باستعادة الجزيرة عسكريًّا وتوحيد الشعب الصيني، ومع مرور الوقت تخلت تايبيه عمليًّا عن مطالبها بضم باقي الأراضي الصينية، وظهر اتجاه قوي داخلها يدعو لإعلان استقلالها عن الصين رسميًّا، لكن بكين تهدد تايبيه باستمرار وتمنعها من اتخاذ هذه الخطوة الشكلية للحفاظ على شرعية مطالبات الحزب الشيوعي بضم الجزيرة، ولا تزال احتمالات الحرب تهدد المنطقة بسبب هذا الخلاف، إذ تقدم الولايات المتحدة دعمًا مستمرًّا لتايوان لمنع استيلاء بكين عليها.