هذه الحيوات تطبع أثرًا رمال تسير في شِرَّة نحو القلب. والرغبة في الركض خوفًا تسبقها. لكي تمس ضوء عائد يَسْرِي. لا تزعج اللهب المحترق ليبقى.

هل تخاف الكولسترول المرتفع؟ هل تتجنب الأطعمة الدهنية؟ ربما تكون على حق لكن الأمر يحتاج إلى عدم المبالغة.

«الكولسترول» كثيرًا ما تم نعته بالقاتل الصامت، يتسلل خلال تيار الدم عبر الطعام الغني بالدهون، يضع لمسته القاتلة في طريق القلب وهو يبتسم.


خرافة «خالٍ من الكولسترول»

قد تخدعك الدعاية التجارية وتظن أن الكولسترول هو مادة سامة توجد في الطعام كالاعتقاد الشائع، لا ترتكب هذا الخطأ. إن الكولسترول مكون حيوي أساسي في الحيوان والنبات.


ضروري للحياة

قبل أن تحرك رأسك متعجبًا أو رافضًا عليك أن تعلم أن 23% من الكولسترول الذي يحويه جسدك يوجد في الدماغ وهو يمثل عشر المادة الصلبة للمخ.

  • خلايا الجسم تحتاج إلى الكولسترول لبناء الغشاء الضروري للقيام بوظيفتها واستقرارها.
  • لن تستطيع هضم الدهون في طعامك دون وجود أحماض الصفراء (Bile acids) التي يدخل الكولسترول كمكون رئيسي في بنائها.
  • كذلك هو مهم لتكوين المخ في الأطفال ولقيام الأعصاب بوظيفتها.
  • يتحول بيوكيميائيًا داخل أعضاء الجسم بتحفيز من الإنزيمات.

يعتبر بادرة (percursor) للعديد من المواد الحيوية التي يحتاجها جسم الإنسان للقيام بعملياته الحيوية؛ مثال: المواد الستيرودية (steroids)

الهرمونات الستيرودية

أهم المواد الستيرودية التي تعتمد على الكولسترول كبادئة هي الهرمونات الستيرودية. هذه الهرمونات التي تتحكم وتنظم الوظائف الجنسية والإنجابية وفي تنظيم مستوى السكر في الدم وعمليات أيض المعادن.

مثال:

  • الإنزيمات في الخصية تقوم بتحويله إلى testesterone.
  • الإنزيمات في المبيض تقوم بتحوله إلى estrogen.
  • يدخل الكولسترول في بناء هرمون الكورتيزول الذي يفرز من قشرة الغدة الكظرية عندما نكون في حالة التوتر.

فيتامين د (D)

أُطلِق عليه اسم فيتامين أشعة الشمس.

يعدّ الكولسترول بادرة أيضًا لبناء فيتامين د (vitamin D) الضروري لامتصاص الكالسيوم والحفاظ على بنية العظام.

لاحظ روزنهيم (Rosenheim) أنه بعد تعرض العينة التي تحوي الكولسترول لأشعة الشمس فوق البنفسجية فإنها منعت إصابة فئران التجارب بالكساح.

عند تعرض الجلد لأشعة الشمس يتحول الكولسترول إلى مركب وسيط يسمى (7-Dehydrocholesterol) ثم يتحول إلى كوليكالسيفيرول 3(vitamin D).


حصوات صفراوية لا تتصبن

خدعته ببريقها اللامع، اعتقد في البداية أنها مادة شمعية تسمى عنبرية (spermaceti).

بعد أن فصل الكيميائي فرنسوا بولتير (François Poulletier) الكولسترول من الجزء الذائب من الحصوات الصفراوية المستخرجة من الحويصلة المرارية لحيوان التجارب، لم يتمكن من تمييزه عن المادة الشمعية.

بعد ثلاثين عامًا وبينما الكيميائي الفرنسي شيفيرول (chevreul) يقوم بإجراء تجاربه عليها لاحظ أن لها خواصًا مختلفة عن شمع العنبرية (السبيرماسيتي):

  1. لا تتغير بعد الغليان مع البوتاسيوم هيدروكسيد (لا تتصبن).
  2. لها درجة ذوبان مختلفة عن الشمع.

أطلق شيفيرول عليها التسمية المعروفة اليوم الكولسترول (cholesterol)، وهي كلمة إغريقية تتألف من شقين «chole» بمعنى الصفراء والشق الآخر «sterol» بمعنى صلب.


التركيب المعقد

في الطريق لكشف أسرار الكولسترول سحر خاص، ثلاث عشرة جائزة نوبل حازها الباحثون في الكشف عن بنيته وخواصه المميزة.

جزيء الكولسترول عبارة عن أربع حلقات هيدروكربونية و27 ذرة كربون يتصل بها مجموعة هيدروكسيد. كان عالم النبات النمساوي (Reinitzer) رينيتزر هو أول من نشر الصيغة الجزيئية له.

المركب الذي يبدو معقدًا جذب الباحثين للكشف عن تركيبه الصحيح والتنقيب عن مشتقاته، ساعد تطور أدوات البحث الطيفي في دفع أبحاث الكولسترول للأمام، عدة محاولات قام بها كل من وايلاند و وينداس(Wieland and Windaus) حتى تمكن وينداس عام 1945 بواسطة بيانات حيود أشعة إكس من إثبات البناء الصحيح لجزيء الكولسترول، كما أن البريطانية دوروثي هودكنج ساهمت أيضًا في كشف التفاعلات البنائية للكولسترول. أما العالمان روبنسون وبرنز فقد قدما البناء الكامل لجزيء الكولسترول في المعمل (complete synthesis).

خلال الحرب العالمية الثانية

لجأ الحلفاء من أجل تصنيع الهرمونات الستيرودية إلى استخلاص مادة السولانين (solanine) من براعم البطاطا ثم قاموا بتحويل السولانين إلى كولسترول.

كان لكشف تأثير الكورتيزون المشتق من الكولسترول في علاج الروماتويد أثر كبير في دفع الأبحاث البيوكيميائية عن الكولسترول داخل الجسم. بعد كشف التركيب الجزيئي والبنائي وكشف العلاقة بين الكولسترول والسترويدات، بدأت شركة ميرك بأبحاث لتصنيع الكورتيزون لعلاج الروماتويد.


يصنع في الكبد

ربما تفاجأ أن 70% من الكولسترول الموجود في الجسم يصنع في الكبد بما يعادل أربعة أضعاف ما نتناوله في الغذاء.

في عام 1933م، قام شونيمر Schoenheimer بتغذية الفئران بغذاء خالٍ من الكولسترول، توصل إلى أن الحيوانات تصنع الكولسترول في أجسامها وأن هذا التصنيع يقل تلقائيًا عند حصولهم عليه من الدهون في الغذاء.


المكتشِف المجهول

اكتشاف العلاقة بين الكولسترول وتصلب الشرايين يعد من من أعظم قصص الطب الحيوي في القرن العشرين.

نيكولاي أنتشكوف (N. Anitschkov) طبيب الجيش الروسي المغمور أول من ربط بين الكولسترول وتصلب الشرايين. قام أنتشيكوف بتجارب على الأرانب ولاحظ زيادة نسبة الكولسترول في الدم وزيادة معدل الإصابة بتصلب الشرايين بعد تناولها الدهون المشبعة، وتم تجاهل أبحاثه فترة طويلة.


وجهان معكوسان

حيث أن الكولسترول هو عبارة عن مادة دهنية كارهة للماء فإنها تحتاج إلى ناقل عبر تيار الدم، ينزلق الكولسترول داخل البروتين ويكونان معًا البروتين الدهني (liporptein)، يمثل فيه الكوليسترول الجزء الدهني.

نتيجة الأنواع المختلفة للبروتين يختلف نوع البروتين الدهني طبقًا لها.

الأنواع:

  • الكولسترول منخفض الكثافة (LDL):

هو النوع من البروتين الدهني الذي يتخذه الكولسترول في تيار الدم الذي يصل إلى خلايا الجسد، يسمى الكولسترول السيئ bad cholesterol، وهو الكولسترول السيئ لأنه يساعد على تكوين الترسبات (plaque) في داخل الشرايين، و هي عبارة عن ترسبات صلبة تتسبب في انسداد الشرايين وبالتالي تعرض الإنسان للإصابة بأمراض القلب.

وكالة الصحة الأمريكية توصي بأن يكون تركيز LDL في الدم أقل من 100mg|dl .

  • الكولسترول عالي الكثافة (HDL):

هو النوع من البروتين الدهني الذي ينتقل بواسطته الكولسترول بعيدًا عن الشرايين نحو الكبد، يطلق عليه الكولسترول الجيد لأنه يعمل على إزالة (LDL) من الشرايين ويعيده إلى الكبد ويحمي من أزمات القلب والجلطات، كلما زادت نسبته في الدم كان أفضل للقلب.

تزداد نسبة (HDL) في النساء عن الرجال نتيجة وجود هرمون الإستروجين لديهن وينخفض مع زيادة تعرضهن لأمراض القلب بعد توقف الطمث.


يترسب في الشرايين

كان يجيد عزف التشيللو فاختاره أستاذه المحب للموسيقى لدراسة الكولسترول.

الألماني كونراد بلوخ (Konrad Bloch) تمكن من التعرف على بناء الكولسترول، وكشف أي جزء من الكولسترول هو ناتج من أي ذرة من حمض الأسيتيك باستخدام نظير الديوتريم المشع، توصل بلوخ إلى تفاعل التصنيع الحيوي للكولسترول داخل الجسم كما الشكل التالي:

(Acetic acid → squalene→cholesterol )

عندما قام الفيزيائي جون جوفمان عن طريق Ultracentrifuge بفصل البروتين الدهني الحامل للكولسترول من البلازما طبقًا لكثافته، لاحظ انخفاض نسبة HDL وارتفاع نسبة LDL في مرضى الأزمات القلبية.

هناك عدة دراسات على عينات بشرية يستند إليها كمصدر في بيان أثر زيادة الدهون في الغذاء ونسبة الكولسترول في الدم وتسببها في أمراض القلب أهمها:

  1. دراسة الفسيولوجي الأمريكي Ancel Keys.
  2. والدراسة الأخرى تسمى (The Framingham study).

توصلت الدراستان إلى أن نسبة LDL في الدم تتناسب طرديًا مع كمية الدهون في الطعام وخاصة الدهون المشبعة وبزيادتها يزداد معدل الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب. وهناك عوامل أخرى تسرع من تكون الترسبات plaques مثل التدخين، ارتفاع ضغط الدم، مرض السكر وعوامل الوراثة.


Atherosclerosis تصلب الشرايين

أطلق على تصلب الشرايين المسمى (Atherosclerosis) بالإغريقية (Atheros) التي تعني عصيدة.

تتسبب أمراض القلب الناتجة عن تصلب الشرايين في ربع الوفيات بين البالغين في الدول الصناعية.

تبدأ على هيئة ترسبات (plaque) من الدهون وعديديات السكاريد في بطانة الشرايين وأخطرها الشرايين التاجية (سميت التاجية لأنها تطوق القلب كالتاج) المغذية للقلب. لاحظ العالم الألماني وينداس وجود الكولسترول في ترسبات داخل الشريان الأورطي.

العامل المتحكم في مرور البروتين الدهني إلى جدار الأوعية الدموية هو حجم البروتين، كلما زاد حجمه يصعب نفاذه إلى جدار الوعاء الدموي.

يتطور الترسب إلى نسيج ليفي (fibrous tissue) من الكالسيوم وخلايا الالتهاب (Inflamatory cells) وLDL المؤكسد. التي بدورها تجذب نوعًا من كرات الدم البيضاء تسمى البلعم (Macrophage) وتكون الخلية الرغوية Foam cell التي تفرز Cytokines، الذي يحفز تفاعل الالتهاب ويحفز الكبد لزيادة إفراز مزيد من LDL.

الترسب يتضخم و عندما ينفجر Rupture يكوّن تجمعًا دمويًا يسبب انسداد الوعاء الدموي، يمكن أن يشكل عائقًا لمرور الدم للأعضاء الحيوية كالقلب والدماغ مما يؤدي إلى أزمات قلبية.


ارتفاع الكولسترول العائلي (Family Hypercholestermia)

هذا الانحرف الوراثي يوجد في أقل من نصف في المائة من البشر.

يعاني المصاب منذ الصغر من ارتفاع كبير في معدل الكولسترول في الدم ويكون عرضة للموت المبكر بأمراض القلب.

وجد الطبيبان (برون و جولدشتين) أن السبب وراء هذا المرض هو غياب المستقبل الوظيفي (LDL receptor) وهو المسئول عن إزالة LDL من الدم. استنتجا أن LDL هو المتسبب في ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم وتصلب الشرايين.


رواية أخرى

ظهرت بعض الدراسات التي تشكك في النتائج البحثية عن خطر الكولسترول على القلب، وقدمت بعض الحجج أهمها:

  1. أهمية البروتين الدهني في عمل الجهاز المناعي وأن نقص الكولسترول هو الخطر الذي يعرض الإنسان للإصابة بالعدوى.
  2. لم تعبأ أبحاث الكولسترول بالحالات التي رصدت في الطبيعة مثل الحيوانات البرية، التي تقل فيها نسبة الكولسترول عن الطيور رغم أن نوع الغذاء يفترض العكس، كحيوان Swine الذي لا يتناول الدهون ويصاب بتصلب الشرايين.

بحث (carl thummel ) ذبابة الفاكهة وجد أن نسبة الكولسترول في الدم شبيهة بالإنسان رغم الاختلاف الكبير بينهما.

  1. افترضت أن يكون ارتفاع LDL هو عرض مصاحب وليس السبب الحقيقي الذي قد يكون عدوى ميكروبية أو خللًا في عوامل التجلط كتغير في مستوى الفيبرينوجين و factor VIII أو البروثرومبين.

الكثير جدًا من الشيء المفيد قد يضر

الكولسترول كأي شيء آخر، الكثير من الشيء النافع يمكن أن يكون ضارًا، فهو يشبه يانوس (حارس البوابات وراعي البدايات والنهايات في الميثولوجيا الرومانية وكان يرمز له برأس لها وجهان)، حيث أن الكولسترول يتميز بصفة الثنائية من حيث التأثير على الجسم والتركيب والنوع والجدل المثار حوله.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. Triumph of the Heart: The Story of Statins: The Story of Statins by Jie Jack Li
  2. Robert P. Cook (Eds.)-Cholesterol. Chemistry، Biochemistry، and Pathology (1958)
  3. A century of cholesterol and coronaries: from plaques to genes to statins.
  4. [Uffe_Ravnskov]_Ignore_the_Awkward._How_the_Chole
  5. Watch A Fruit Fly's Heart Beat