من خلال متابعتنا اليومية للعبة وأخبارها نسمع ونقرأ الكثير من المعلومات التي يرسخ بعضها في ذاكرتنا، وبعضها الآخر يمر مرور الكرام دون أن يلقى آذانًا مُصغِية، وإحدى هذه المعلومات هي الأسماء المستعارة للأندية والمنتخبات التي نرددها ونسمعها بشكل أسبوعي، منها ما نفهمه بشكل مباشر، ومنها ما نستغربه ويحتاج للتفسير والإيضاح.

بشكل أو بآخر أصبح إطلاق الأسماء المستعارة جزءًا لا يتجزأ من الرياضات بشكل عام وكرة القدم بدورها كان لها نصيب من ذلك، فظاهرة الأسماء المستعارة أصبحت أكثر انتشارًا في الآونة الأخيرة، فهذه الأسماء تخبرنا قصة ما ربما تكون عاطفية متأصلة مع تاريخ النادي، أو مجرد تقليد تم نسخه من أندية أخرى وليس لها دلالة خاصة بالنادي، وبعضها تم إطلاقه لأسباب ترفيهية، وأخرى لها معانٍ تعكس الإرث الحضاري والثقافي عبر الأزمنة، ومن الواضح أن هذه الأسماء لم تعد حكرًا على الكيان كنادٍ أو منتخب، بل امتدت للأفراد أو لمجموعة من اللاعبين أمثال MSN وBBC .

من البيانكونيري إلى الخفافيش وصولًا إلى السيليساو والديوك، اليوم سنلقي الضوء على أشهر الألقاب شيوعًا وأكثرها استخدامًا في كرة القدم، فالكثير من الأندية والمنتخبات تستخدم أو يُطلق عليها أسماء مستعارة يمكن تفسير بعضها بشكل بديهي، وأخرى نراها غريبة أو مجهولة السبب. عديد الأندية والمنتخبات تعتمد هذه الأسماء بسبب ألوان القمصان «بلاوجرانا – العنابي القطري»، وأخرى اتخذت ألقابها عن خلفية اجتماعية أو تاريخية أو دينية أو طبقية «القديسين – عيال زايد»، ومنها اعتمدت النباتات رموزًا لها «الكرز بورنماوث – منتخب الأرز»، أو الحيوانات التي تعد الأكثر استخدامًا بين جميع الأسماء «القطط السوداء – ثعالب الصحراء»، وبالطبع هناك بعض التسميات الغامضة التي لا يُعرف أصلها والكثير منها لا يعكس قوة أداء الفرق أو مكانتها العالمية.


توضيح الواضحات من الفاضحات

بعض الأسماء المستعارة لا تحتاج للتفكير المُطول ولا الإسهاب في شرح أصولها ومعانيها، فاستنتاجها يعد أمرًا بديهيًا أو سهل التأويل، فهذه التسميات كانت إما انعكاسًا للألوان التي ترتديها الفرق مثل البلوز والريدز، أو كانت رمزًا وطنيًا للبلاد ومصدرًا للفخر بسبب الإرث الحضاري والثقافي مثل منتخب الفراعنة، أو تم اقتباسها من إحدى العلامات المميزة للدولة؛ مثل منتخب الكناجر الأسترالي بسبب تواجد الكنجر وانتشاره بشكل أساسي هناك، أو حتى التانجو كدلالة على الرقصة المشهورة في الأرجنتين على الرغم أنه ليس اللقب الرسمي لمنتخب الأرجنتين، بل يطلق عليهم «ألبيسيليستي» وترجمتها الحرفية للعربية تعني الأبيض والأزرق السماوي.


هوية الإنسان والمكان

في الكثير من الأحيان يتم ربط الاسم المستعار بالمنشأ والمدينة التي انطلق منها النادي، فالتسميات هنا تدل على ارتباط وثيق بالمكان وخلفيته التاريخية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو حتى الدينية، وبالطبع هذه الأسماء لها طابع عاطفي عند أهالي المدينة أو المشجعين؛ لأن المدينة بشكل عام تعبر عن مفهوم الوطن أو الانتماء المادي والمعنوي للمكان.

أحد أقدم الأسماء المستعارة يعود إلى نادي ستوك سيتي والذي يُكنى بالخزَّافين أو صانعي الخزف، حيث اشتهرت المدينة منذ القرن السابع عشر بهذه الصناعة، واعتمد النادي هذا اللقب بعد تأسيسه في عام 1863 للتعبير عن طبيعة النشاط الاقتصادي المُميز للمدينة.

وأشهر الأمثلة على ذلك هو شالكة الألماني الذي يُلقب بعمال المناجم، ليس السبب هو شهرة مدينة «غيلزينكيرشن» الألمانية بكثرة المناجم فيما مضى، بل لأن أغلب اللاعبين كانوا عمالاً في هذه المناجم وأشهرهم على الإطلاق «إرنست كوزورا» الذي مَثَّلَ المنتخب الألماني في عدة مناسبات، وقام النادي منذ سنوات بتحويل النفق المؤدي من غرف الملابس إلى أرض الملعب إلى جدران أشبه بالمناجم مع إضاءة خافتة، حتى إن النادي يرسل لاعبيه أحيانًا إلى المناجم لمعرفة تاريخ النادي عن كثب، ولبناء علاقة عاطفية مع النادي و الجماهير.

نادي ليخيا وارسو البولندي يطلقون على أنفسهم لقب العسكريين أو المحاربين، وذلك لأن النادي تم تشكيله خلال عملية عسكرية إِبّان الحرب العالمية الأولى وتم اعتماده كناد رئيسي للجيش البولندي، وعلى الرغم من انتقال ملكيته لعدة شركات منذ بداية الألفية، لكن ما زال يُعرف بنفس اللقب وملعبه يُسمى بملعب الجيش البولندي، حتى إنه في الذكرى المئوية لتأسيس النادي أطلقت أديداس بالاتفاق مع إدارة الفريق زيًا خاصًا باللون العسكري. أما بالنسبة للقديسين «ساوثهامبتون»، فلقد تم تأسيس النادي من قبل أعضاء في كنيسة سانت ماري في المدينة، واستمر النادي بنفس اللقب واعتمد اسم الكنيسة التي انطلق منها أول فريق كاسم لملعبهم.


الحيوانات مصدر للفخر والاعتزاز

الكثير من الأندية و المنتخبات اعتمدت الحيوانات كرموز وألقاب لها، فأغلب المنتخبات الأفريقية لقبت نفسها بأسماء حيوانات الغابة، كدلالة على القوة والشجاعة والسرعة التي يمتلكها عناصر المنتخبات الإفريقية، وأيضًا لعكس طبيعة الحياة في الصحاري والأدغال. وعديد الأندية حول العالم اعتمدت رموزًا مختلفة مثل الماعز لنادي كولن، والحمير الوحشية في أودينيزي. لكن أكثر الحيوانات شيوعًا في الاستخدام هي الطيور، كالبجعات في سوانزي، الكناري في نوريتش، الببغاء في نادي إسبانيول، وأخيرًا الديك كرمز خاص للمنتخب الفرنسي. أما الطائر الأكثر تمثيلاً واختيارًا هو النسر، ويصل عدد الأندية والمنتخبات التي تستخدم النسر كلقب لها ما يقارب 30 فريقًا.

لاتسيو، بنفيكا، انتراخت فرانكفورت، كريستال بالاس، بيشكتاش، لودوجورتس، وفيرينس فاروش المجري، بالإضافة للمنتخبين السوري والتونسي، كل نسر له دلالته الخاصة ويروي قصصًا مختلفة مستمدة من حِقَب معينة.

نسور قاسيون وقرطاج

قاسيون هو اسم الجبل الذي يطل على العاصمة السورية دمشق، ويُعتبر رمزًا تَغنَّى به الشعراء في كثير من القصائد، أما النسر فهو شعار سوريا ومستمد من التاريخ العربي. أما نسر قرطاج فهو شعار للحضارة القرطاجية والتي كانت امتدادًا للحضارة الفينيقية، والنسر يرمز للتفوق والسمّو وسرعة الحركة والطموح.

نسور الأندية.. أسماء وعادات خاصة

الأندية لم تختزل الأمر بالاسم المستعار فقط، بل حولت الأمر لواقع تعيشه الجماهير لكي تشعر بمصدر القوة والتفوق بشكل ملموس، ولكل نسر اسمه الخاص وحكايته التاريخية. حيث يُدعى نسر لاتسيو باسم «أولمبيا»، «بنفيكا – فيتوريا»، «اينتراخت – أتيلا»، «كريستال- كايلا»، «لودوجورتس – فورتونا».

تستخدم هذه الأندية نفس التقاليد خلال مبارياتها على أرضها، حيث تقوم بإطلاق النسر في سماء الملعب لعدة دقائق قبل بداية المباراة. لكن في إينتراخت اتخذ الأمر منحى مختلفا في أحد المواسم، حيث لم يرتبط بالاستعراض والتحليق فقط، بل قام مدرب الفريق كلاوس توب مولر بإدخال النسر لغرفة خلع الملابس لإشعال الحماس في نفوس اللاعبين، ومن أجل تحقيق نتيجة أفضل في المباراة، وفي مباراة أخرى قام المهاجم السويسري «هاريس سيفيروفيتش» بأخذ ريشة من أتيلا قبل بداية المباراة، وأنهى فريقه اللقاء منتصرًا.

لاتسيو استمد شعاره من آلهة السماء والرعد بالأساطير اليونانية وتدعى «زيوس» والمعروف باسم النسر، أما لودوجورتس اعتمد النسر مؤخرًا بعد لقاء بين رئيس نادي لاتسيو ورئيس لودوجورتس، وأول نسر طار هناك كان هو النسر الخاص بلاتسيو، وحدث ذلك في مباراة فالنسيا في الدوري الأوروبي، وتم لاحقًا جلب النسر وطرح تصويت على موقع النادي وتم اعتماد اسم فورتونا .

إينتراخت استمد شعاره من النسر الإمبراطوري في القرن الـ١٣ والذي يرمز إلى النبالة، أما بنفيكا فنسره يرمز للتطلعات العالية والارتباط بين عناصر الفريق، وكريستال بالاس اعتمد النسر في السبعينات وكان تقليدًا لأجواء بنفيكا ولم يكن من تقاليد النادي الإنجليزي.

أما فيرنس فاروش فاتخذ النسر شعارا له نسبة إلى أحد الحكام في الإمبراطورية الهونية ويدعى أتيلا، وكانت عاصمة الإمبراطورية هي بودابست عاصمة المجر الحالية، ويرمز النسر إلى قوة الآلهة وإرادتها، ويُعتقد أيضا أنها ترمز إلى الحرية و الإرادة.

الجدير بالذكر أن جميع هذه النسور إناث؛ لأنها أكبر حجمًا من الذكور، وتمتلك قدرة أكبر على التحليق بسبب أجنحتها الكبيرة، وبإمكان الجميع معرفة المزيد عن أصلها وأسمائها الحقيقية وأول مشاركة رسمية لها مع النادي من خلال قراءة السيرة الذاتية على الإنترنت.


طرائف وعجائب

أكبر تمثال لطير في أوروبا - خارج ملعب جروباما ستاديوم الخاص بنادي (فيرنس فاروش المجري)
أكبر تمثال لطير في أوروبا – خارج ملعب جروباما ستاديوم الخاص بنادي (فيرنس فاروش المجري)

جميعنا يعرف أتلتيكو مدريد بلقب روخي بلانكوس أي الأبيض والأحمر، وهو مستمد من ألوان شعار النادي وزيه الرسمي، لكن هناك لقبا آخر لا ينتشر في الإعلام العربي لكنه معروف للجماهير الإسبانية وهو كولشينيروس أو صانعو الفِراش، لكن هذا الاسم ليس له علاقة بصناعة تُميز مدينة مدريد، بل كان نوعاً من الترفيه؛ لأن ألوان الفَراش فيما مضى كانت تتميز بلونها الخارجي من الأبيض و الأحمر.

و بالانتقال إلى مدينة ميدلزبره الإنجليزية، يتم تسمية ناديها بـ«Smoggie» كإشارة للأجواء الملوثة بالدخان المنبعث من مصانع البتروكيماويات في المدينة،وأول من أطلق عليهم هذا اللقب هم جماهير سندرلاند كنوع من الاستهزاء، لكن أصبح مع الوقت مصدرًا للفخر لجماهير النادي.

تميمة نادي هارتيلبول الإنجليزي على شكل قرد
تميمة نادي هارتيلبول الإنجليزي على شكل قرد

أما هارتيلبول يونايتد الإنجليزي الذي يعتمد لقب «شانقي القرود Monkey hanger» واستمده من واقعة تاريخية يعتبرها البعض طريفة، والبعض الآخر يعتبرها وصمة عار في تاريخ إنجلترا. أثناء الحروب النابليونية والتي سيطر فيها نابليون على عدة دول أوروبية، بقيت إنجلتر في منأى عن هذه الاعتداءات لأنها جزيرة منعزلة جغرافيًا عن قارة أوروبا، وفي إحدى المرات تحطمت واحدة من السفن الفرنسية على شواطئ مدينة هارتيلبول الإنجليزية، وبحسب الرواية كان الناجي الوحيد من تلك السفينة قرد، هذا القرد كان يرتدي زي البحرية الفرنسية؛ لذلك قام سكان هارتيلبول بشنق القرد واعتبروه جاسوسًا فرنسيًا، وعلى ما يبدو أن سكان المدينة أدركوا بشاعة فعلتهم بعد مدة واتخذوا من القرد شعارًا لهم.

المراجع
  1. مدينة ستوك و شهرتها في صناعة الخزف
  2. شالكة و مناجم الفحم
  3. تاريخ نادي ليخيا وارسو البولندي
  4. تاريخ نادي القديسين
  5. أولمبيا نسر نادي لاتسيو
  6. أتيلا نسر نادي اينتراخت فرانكفورت
  7. شانقي القرد هارتلبول