السلطة لا تفسد الرجال. إنما الأغبياء، إن وضعوا في السلطة، فإنهم يفسدونها.
برنارد شو

يبدو الحديث عن اقتران السلطة بإثارة الجدل والفساد قديمًا قدم التاريخ، لذا فمن المنطقي تمامًا ألا يختلف النمط في عالم كرة القدم. هذا ليس معناه أن كل مسئولي كرة القدم فاسدون غريبو الأطوار، لكن في عالم كرة القدم المجنون في حد ذاته فإن مجانين السلطة يجدون مسرحًا مثاليًا وكاميرات تتبعهم وأبواق تمجد جنونهم التام.

نحن هنا بصدد الحديث عن متلازمة السلطة والجنون في عالم كرة القدم، عن عدد من رؤساء ومُلاك أندية كرة القدم يصلحون للعب دور الأشرار في السينما، إلا أننا لن نتناول قصص تخص رؤساء الأندية في مصر لأن مثل تلك القصص في مصر تظل دومًا مبتورة، بينما القصص التي نحن على وشك الحديث عنها اكتملت بشكل واضح ونال المخطئ جزاءه.

دعنا نبدأ من الرجل الأكثر خطورة على الإطلاق السيد «خيسوس جيل».

خيسوس جيل: مزيج الفساد بين الرياضة والسياسة

كون الإسباني خيسوس جيل ثروته من العقارات لكن بالطريقة سيئة السمعة، حتى إنه حكم عليه بالحبس بخمس سنوات عام 1958 إثر انهيار مجمع مبان شيدته شركة جيل ثم أثبتت التحقيقات الافتقار إلى الخطط وعدم استشارة مهندس معماري إلا أن جيلًا استطاع الخروج بشكل مريب بعد 18 شهرًا فقط حيث تم العفو عنه من قبل الديكتاتور فرانكو بنفسه.

قبل ليلتين فقط من الانتخابات الرئاسية لنادي أتلتيكو مدريد عام 1987، ظهر خيسوس مع نجم بورتو «باولو فوتري» ووعد الجماهير بأنه سيتمم انتداب اللاعب من ناديه البرتغالي في حال فوزه باللقب وبهذه الطريقة وبوعود مشابهة أصبح خيسوس رئيسًا لأتلتيكو مدريد.

كان هناك بعض النجاح المبدئي حيث حل أتلتيكو في المراكز الأربعة الأولى في المواسم الخمسة الأولى كما فاز بكأس الملك في عامي 1991 و1992، لكن سلوك الرئيس غير المألوف والغريب حول النادي العريق إلى نافذة للمواقف الكوميدية السخيفة.

عام 1991 انتُخب لمنصب رئيس بلدية «ماربيا» كممثل عن الحزب اليميني. لم يكن جيل رجل سياسة لكنه حصل على تأييد كثيرين من خلال خطاب كراهية تجاه المهاجرين والفقراء مع وعود بجعل ماربيا أكثر أمانًا. لم يكتف الرجل بالمنصب السياسي والثروة الطائلة فقرر أن يبث حماقاته من خلال النافذة التي جعلته شهيرًا وهي نادي أتليتكو مدريد.

وعد الجماهير ذات مرة بإطلاق النار على اللاعبين بمدفع رشاش إذا خسروا، ثم تم تصويره وهو يطلب نصيحة حصانه حول ما إذا كان سيقيل مدرب الفريق أم لا. وذات مرة أرسل للحكام هدايا من الملابس الداخلية قبل بدء إحدى المباريات كما احتفل بالفوز على ريال مدريد فوق ظهر فيل متجولًا في شوارع العاصمة هذا بخلاف أنه اعتاد على تقديم برنامج تلفزيوني مبتذل يظهر خلاله محدثًا الناس من الجاكوزي.

في أكتوبر 1998 داهم محامو مكافحة الفساد مبنى بلدية ماربيا ومكاتب أتلتيكو مدريد في فيسنتي كالديرون نتيجة للتحقيق في قضية تتعلق بتحويل أموال دافعي الضرائب إلى مصلحة نادي كرة قدم حيث تبين ببساطة أن بلدية ماربيا كانت الراعي الوهمي لقمصان أتلتيكو. حظر الرجل من تولي أي منصب عام حتى توفي في الأخير تاركًا الفريق الغريق مدينًا حتى الآن بسببه.

ديميتري بيترمان: رئيس ناد ومدرب ومصور

نحن الآن رفقة السيد «ديميتري بيترمان» رجل الأعمال الأوكراني المولد صاحب الجنسية الأمريكية. الذي قرر شراء نادي راسينج الإسباني عام 2003 وعلى الفور عين نفسه مديرًا فنيًا للفريق.

أوضح اتحاد كرة القدم الإسباني بشكل مهذب للسيد ديميتري أنه لا يملك الرخص اللازمة وبالتالي لن يُسمح له بالوجود على مقعد المدير الفني. لم ينل قرار مثل هذا من عزيمة الأوكراني فقرر إحضار كاميرا وعين نفسه المصور الرسمي للفريق وكل هذا بالطبع حتى يتسنى له الوجود داخل الملعب وتوجيه التعليمات من على الخط حتى ولو بزي المصور.

أما عن المديرين الفنيين الحقيقيين لنادي راسينج خلال هذه الفترة فطبعًا كانوا ألد أعداء بيترمان لأنهم لا ينفذون أوامره ولذا غير الرجل أربعة مدربين خلال عام واحد وردًا على انتقادات الصحافة أطلق تصريحًا يلخص طريقة عمله ببساطة.

كل قراراتي تكون بالإجماع. أنا شخص حريص على التوافق، والتوافق يعني اتفاق الجميع معي. إذا لم يوافقوا، فسيتم طردهم.
ديميتري بيترمان

منع جميع موظفيه من التحدث إلى الصحافة ووصف لاعبيه بالمرتزقة ونعت المديرين الفنيين بالغباء الذين يهدرون أمواله من دون جدوى ثم رحل عن النادي غير مأسوف عليه.

كين ريتشاردسون: الجريمة لا تفيد

في عام 1995 نشب حريق في ملعب بيل فيو الخاص بنادي «دونكاستر روفرز» مما تسبب في ضرر بقيمة 100 ألف جنيه إسترليني في المدرج الرئيسي، توقع الجميع أن السبب يرجع لشيء من الإهمال أو إجراءات السلامة إلا أن التحقيقات كشفت أن الحريق كان متعمدًا.

لم يتخيل أحد أن السيد «كين ريتشاردسون» رئيس النادي آنذاك هو المتسبب في الحريق بل إنه كان يهدف لحرق الملعب بأكمله. في الواقع أراد الرئيس ذلك لأنه كان يأمل في المطالبة بمبلغ تعويض ضخم من شركات التأمين والانتقال إلى ملعب جديد حيث رفض المجلس المحلي طلبه للانتقال نحو ملعب جديد في السابق.

دفع الرئيس المال لجندي سابق في الخدمة الجوية الإنجليزية لحرق الملعب إلا أنه قبض على الأخير بشكل ساذج حيث ترك هاتفه الشخصي في مكان الحادث. حُكم على السيد ريتشاردسون بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة التآمر لارتكاب حريق عمدًا، أما فريق دونكاستر روفرز فقد أخذ في الهبوط هو الآخر نحو الدرجات الأدنى من الدوري الإنجليزي.

لوسيانو جوتشي: عرض لا يمكن رفضه

يقولون إن جزءًا من سحر كرة القدم الإيطالية في الهرج والمرج الذي يحدث خارج الملعب، إلا أن حالة السيد «لوسيانو جوتشي» كانت أكثر من مجرد حالة جدل خارج الملعب.

قرر جوتشي الذي بدأ حياته سائق حافلة ثم كون ثروته من تجارة الخيول أن يقتحم عالم كرة القدم بتولي رئاسة نادي بيروجيا عام 1991 الذي كان يعاني جراء فضائح تلاعب بنتائج المباريات أطاحت به للدرجة الرابعة في الدوري الإيطالي. إلا أن جوتشي أعاد بيروجيا بعد عامين فقط إلى الدرجة الثانية.

كان جوتشي ضليعًا في قصة الخيول تلك إلا أن صفقته الأسوأ كانت بيع أحد خيوله للسيد «إيمانويل سينزاكوا» وهو الحكم الإيطالي الذي المنوط به إدارة مباراة بين بيروجيا وسيراكوزا بعد ثلاثة أيام فقط من لقائه مع جوتشي لإبرام صفقة الحصان.

انتهت المباراة بين الفريقين بالتعادل إضافة إلى عدة قرارات تحكيمية مشكوك فيها لصالح بيروجيا، وسرعان ما اشتبه أنصار سيراكوزا الغاضبون في وجود صلة بين أداء الحكم والحصان الذي سلمه جوتشي له. كانت مزاعم أنصار سيراكوزا حقيقية إزاء الصفقة المشبوهة، عوقب بيروجيا بالهبوط مرة أخرى ليندلع العنف في شوارع بيروجيا وصولًا للاشتباك مع الشرطة. هبط النادي مرة أخرى لكنه تمكن أخيرًا من العودة للكالتشيو عام 1996 لتبدأ مسيرة لوسيانو في الجنون.

حاول جوتشي الجمع بين لاعبين ذكور وإناث معًا من خلال إصراره على التعاقد مع الألمانية «بريجيت برينتس» للعب رفقة فريق بيروجيا، لا اللعب مع فريق الإناث بل للمشاركة مع فريق الرجال لأنه يؤمن أنها جميلة كفاية للعب هذا الدور.

إنها جميلة جدًا ولديها شخصية رائعة.
لوسيانو جوتشي مفسرًا محاولة التعاقد مع اللاعبة الألمانية

بعد أن فشل في قصة انتداب برينتس لتشارك غرفة اللبس مع فريق لرجال قام بانتداب أغرب لاعبي الكالتشيو في تاريخه، إنه الساعدي القذافي نجل رئيس ليبيا السابق. امتلك الساعدي حصة في أسهم يوفنتوس بالفعل لكن فكرة تقبله كلاعب لم يتحمس لها أحد إلا جوتشي، وعلى أرض الملعب فشل الساعدي في اختبار المنشطات بعد ثلاثة أشهر فقط من تلك الصفقة العجيبة ولعب قليلًا بعد ذلك رفقة بيروجيا في الدوري الإيطالي.

اعترض جوتشي على التحكيم عدة مرات وقرر بعد إحدي نوباته انسحاب نادي بيروجيا من دوري الدرجة الأولى الإيطالي، وحاول تسجيل الفريق في الدوري الإسرائيلي. أما لاعب فريقه الكروي آهن جونج فقد أعلن جوتشي أنه لن يدفع له مرتبه بعد أن سجل هدفًا ذهبيًا أقصي به منتخب إيطاليا عن كأس العالم 2002 والسبب أنه رجل قومي وأن هذا الهدف هو إهانة من جونج الذي أكرمته إيطاليا لمدة عامين.

في عام 2005 أعلن نادي بيروجيا إفلاسه ثم عوقب بالهبوط إلى دوري الدرجة الثالثة وصدر أمر اعتقال لجوتشي بتهمة الاحتيال نتيجة لعدد من المخالفات المالية. قفز جوتشي على متن رحلة إلى سانتو دومينجو حيث بقي هناك لمدة أربع سنوات بينما سُجن أبناؤه في غيابه.

ربما تتضح الصورة لنا الآن، يبدو أن متلازمة السلطة والجنون في عالم كرة القدم تفرز لنا بعض الشخصيات التي تتشابه كثيرًا في بعض القرارات المجنونه وحب الظهور والفساد أيضًا.