إذا كنا نتكلم عن العسكرة في شرق آسيا والمحيط الهادئ؛ فما هي إذا لم تكن ما تفعله الولايات المتحدة؟

فو ينج، نائبة الرئيس الصيني للشئون الخارجية، عن قرار الولايات المتحدة زيادة تواجدها العسكري هناك بنسبة 60%


بؤرة الصراع الأكثر اشتعالا

تبدو الدوافع لنشوب حرب إقليمية بين الدول المطلة بسواحلها على بحر الصين الجنوبي متعددة وجديرة بذلك، وبينما يبدو النزاع على جزر خالية لا تتعدى بعضها كونها مجرد صخور عائمة على الماء أمراً مثيراً للسخرية، إلا أن هذه الدهشة تتلاشى بمجرد اكتشاف الأهمية الإستراتيجية الكبيرة التي يمثلها هذا المسطح المائي.

يضمن البحر إذاً لمن يملكه من دول الساحل الستة «الصين، تايوان، سنغافورة، فيتنام، الفلبين، ماليزيا» أمن الطاقة والغذاء وعائد الشحنات التجارية.

تتنازع الدول الساحلية لهذا المجرى الملاحي فيما بينها على أحقية التحكم والإنتفاع به، وكذلك السلطة على الجزر الكثيرة المتناثرة في البحر والتي تقدر بالمئات، وأغلبها غير مأهول بالسكان حتى أن بعضها لا يعدو كونه حجرا أو صخرة ملقاة في مياه البحر. إلا أن بعض هذه الجزر تحتل مواقع استراتيجية على طرق التجارة الملاحية بمياهه، وتضمن لمن يسيطر عليها التحكم في تلك الطرق.

ومن الطرائف المتعلقة بهذا النزاع على الجزر، ما حدث في عام 2011، حيث هبط محموعة من الفلبينيين جواً على إحدى هذه الجزر الخاوية ورفعوا علم بلادهم معلنين ملكيتهم لهذه الجزيرة!


الحرب الباردة في شرق آسيا: من في مواجهة من؟

وتتنازع على هذه الجزر كل من الفلبين وفيتنام وماليزيا وتايوان وسنغافورة والصين، وتسيطر الصين بأسطولها على مياه المجرى الملاحي الأهم في العالم؛ إلا أن المحادثات في اتجاه التسوية السلمية بين الأطراف استمرت لعقود بواسطة أممية ودولية. وتدعي الصين ملكيتها لـ 90% من الجزر المتناثرة في البحر.وفي خطوة أحادية تتحدّى الدبلوماسية الدولية، زرع جيش التحرير الصيني -والذي يُعد واحداً من أهم القوى العسكرية في العالم- منصات لإطلاق صورايخ سام أرض-جو على إحدى الجزر المتنازع عليها. هذه الخطوة شكلت في ذاتها إعلانا واضحا عن نية الجمهورية الشعبية في السيطرة التي لا تقبل الجدل على جزر البحر الصيني الجنوبي، كما أنها تمثل تحدياً واضحاً للإرادة الأمريكية في الحل الدبلوماسي للأزمة!

ويعكس إقدام بيجين على مثل هذه الخطوة رغبةً كبيرة منها في الظهور أمام منافسيها كقوة لا يمكن هزيمتها وإرغام هؤلاء المنافسين على تسوية لا يريدونها. وهو ما بدا جليّاً بالفعل في إعلان وزارة الدفاع الوطني لجزيرة تايوان -والمستقلة عن الجمهورية الشعبية- عن اكتشافهاأيضا بطاريتين تحملان ثمان صواريخ من نوع HQ-9 لكل واحدة على إحدى الجزر.كذلك أكد الجنرال أدميرال هاريس -قائد قيادة المحيط الهادي ومركزها هاواي الأمريكية- على التقرير الصادر من الحكومة في تايوان وأدان بدوره ما أسماها «عسكرة الصين لمياه البحر المتنازع عليها» لاسيما وأنه ذكر تعهدا سابقا من الرئيس الصيني شي جين بينج بأن لا يُقدم على مثل هذا!هذه البطاريات التي نشرتها الصين على إحدى الجزر المتنازع عليها من شأنها إعاقة حركة الملاحة الجوية أعلى هذه الجزر، إذ يبلغ مدى الصاروخ HQ-9 قرابة الـ 200 كيلو متر، ما يعني تشكيل تهديد حقيقي لدول الساحل الأخرى والتي تستشعر المظلومية في حضرة القوة الصينية. ولا يمكن النظر في أمر الصورايخ الـ 16 برعونة بأي حال من الأحوال، فهي وحدها -دون بقية المعدات العسكرية الصينية- تشكل رادعاً كبيراً لدول الشرق الآسيوي كافةً، لاسيما وأن أغلبها يمتلك أنظمة دفاع جوي عتيقة: فعلى سبيل المثال فيتنام -والتي هي أقرب نقطة لتمركز الصواريخ- تتمتع بقوة جوية كبيرة مقارنة بدول الجوار، إذ تملك قرابة 217 طائرة مقاتلة روسية الصنع من نوع ميج وسوخوي، 144 منها من طراز MiG-21 والتي كان استخدامها لأول مرة عام 1955م، ويُتوقع لهذه المقاتلات العتيقة أن تكون عصافير سهلة الصيد في السماء إذا ما وقعت حرب كانت فيتنام أحد أطرافها. فهي في كل الأحوال في مجال الصورايخ الصينية!من الجدير بالذكر كذلك، أن صورايخ الـ HQ-9 تعتبر الأخ الشقيق للصواريخ الروسية S-300 -والتي في حد ذاتها تؤرق مضاجع الأمريكان وحلفائهم- مضافا إليها تعديلات مستمدة من الباتريوت الأمريكية. وكانت الصين قد تحصلت عليها من الاحتلال الإسرائيلي في وقت سابق إبّان حرب الخليج الأولى. وبهذا تجمع منظومة الصورايخ الصينية تحديثات نظامي الصواريخ الروسية والأمريكية.غير أن التدخل الصيني لن يقف عند هذا الحد، فقادة جيش التحرير الشعبي الصيني يتطلعون للوقت الذي تصبح فيه أغلب ممرات المياه الملاحية تحت نيرانهم ما يجعل قادة المنطقة واللاعبين الدوليين في المنطقة أكثر توخياً للحذر قبل الإقدام على أي عمل عسكري معادي، وبالتأكيد سيدفعهم هذا للعدول عن قرار الحرب بأي حال. وبهذا تكون الصين قد ثبتت أقدامها في البحر ومن شأنها بعد ذلك أن تفرض قواعد المرور الملاحية خلاله.وفي سبيل تحقيق ما سبق فإن الصين تنشر على شواطئها الرئيسية منصات لإطلاق صواريخ مضادة للسفن، يصل مداها لعمق البحر والممرات الملاحية بداخله.


الموقف الأمريكي من الصراع المتنامي

«يتحدثون عن العسكرة، فإذا ما دققنا النظر في المقاتلات الجوية والبحرية داخل وخارج الحدود البحرية لمحل النزاع، ألم تُوطن بأيدٍ أمريكية؟ لقد اتخذت الولايات المتحدة قراراً في غاية الأهمية وهو أن تزيد تواجدها العسكري لأكثر من 60% في منطقة آسيا-المحيط الهادئ، واختارت أن تساند حلفاءها بالقوة، إذا كنا نتكلم عن العسكرة، فما هي إذاً إذا لم تكن هي ما تفعله الولايات المتحدة؟» هكذا صرّحت نائبة الرئيس الصيني للشئون الخارجية، فو ينج، ردا على الأدميرال هاريس.

«تظهر الصورة تدريبات مشتركة للأسطول الأمريكي ونظيره الفلبيني في إطار تقوية المنافسين الإقليميين للصين»

في يناير الماضي، تمكنت مقاتلات الأسطول الأمريكي -والمتمركز في المحيط الهادئ ومقر قيادته ولاية هاواي- من الاحتشاد في مياه البحر في خطوة كانت قد جربتها في وقت سابق -في أكتوبر الماضي-، في رسالة واضحة للعسكريين والسياسيين في جمهورية الصين الشعبية، بأن الولايات المتحدة لن تسمح لهم بالتغول أكثر فأكثر في مجرى ملاحي بأهمية بحر الصين، ولن تسمح بالتأكيد لقوة دولية كبرى مثل الصين أن تتداخل معها في إدارة الملاحة العالمية.وأعلنت الحكومة الأمريكية صراحةً وقوفها جنباً إلى جنب مع نظرائها اليابانيين والهنود المنافسين الإقليميين للصين.وفي شأن الصراع على بحر الصين الجنوبي، فإنها تدعم الفلبينيين وجيرانهم الأربعة الآخرين، ما استفز فو ينج لتقول أن:

«الشعب الصيني استفزه كثيراً استعراض السفن الحربية الأمريكية لقوتها بالقرب من سواحل الجزر محل النزاع» واستطردت أن «أمريكا وعدت قبل ذلك أن تقف على الحياد من الأطراف المتنازعة، فماذا عساها تفعل الآن؟ لدينا الكثير من الأسئلة حول الدور الذي تود أمريكا لعبه في الصراع الإقليمي هذا؟»


وإجمالاً، فعلى الولايات المتحدة أن تدرك أن الأمر بالنسبة للصين حيوي للدرجة التي لن تسمح فيها لأحد بمنازعتها فيه، الأمر أشبه بأهمية قناة السويس والقرن الإفريقي للبلدان المطلة عليهم، لم لا و80% من استيراد الصين للبترول يُنقل بحرياً؟! علاوةً على ما يتوقع اكتشافه من غاز طبيعي وبترول في قاع البحر. صحيح أن الولايات المتحدة لم تسمح من قبل لأحد أن يشاركها تسيير حركة الملاحة العالمية، لكن الأمر بات ضرورياً أمام الإصرار الصيني الذي يستند على قوة عسكرية مدمّرة.

كذلك أكدت نائبة وزير الخارجية في الرابع من الشهر الحالي، أن بلادها لا تسعى فعلاً لعسكرة الصراع على بحر الصين الجنوبي، وإنما ترغب فقط في تدعيم سبل النفوذ لصالحها. جاء ذلك في ردها على الإدانات الدولية الواسعة إزاء تحركات بلادها الممريبة في المياه والجزر محل النزاع.

المراجع
  1. What makes just 16 missiles such a deadly threat in the South China Sea – Reuters
  2. Rising Tensions in the South China Sea – NBR
  3. China Accuses the U.S. of ‘Militarizing’ the South China Sea – TIME