مرّ القرآن بعدة مراحل ساهمت في تغير شكله، من بداية كتابته في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وحتى وصل إلى الشكل الحالي الموجود بين أيدينا. في السطور القادمة، نتعرّف على أهم مراحل جمع القرآن.

أولًا: مرحلة كتابة القرآن في عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم)

كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يُوصي الصحابة الكرام بكتابة الآيات التي تنزّل عليه، بعد النزول مباشرة، وكان له كُتّاب متخصصون في الكتابة في مجالات مختلفة، وأحد أهم هذه المجالات هي كتابة النص القرآني. ومثال ذلك الحديث المذكور في صحيح البخاري [عن البراء بن عازب]:

لَمّا نَزَلَتْ: {لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبيلِ اللَّهِ}، قالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): ادْعُ لي زَيْدًا ولْيَجِئْ باللَّوْحِ والدَّواةِ والكَتِفِ -أوِ الكَتِفِ والدَّواةِ- ثُمَّ قالَ: اكْتُبْ.

أي أن الرسول كان يأمر بعض الصحابة بأسمائهم ليتولوا مسئولية كتابة الوحي، ومن هؤلاء: (زيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبّي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء… وآخرون).

ثانيًا: جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق

بدأت هذه المرحلة عندما اقترح عمر بن الخطاب على أبي بكر أن يقوموا بجمع القرآن في مصحف واحد، يكون هو المصحف الرسمي للمسلمين، كي لا يتم الاعتماد على حفظ الصحابة نظرًا لتعرّضهم للقتل أثناء معارك الرِدة، والتي كان يخوضها الصحابة في تلك الفترة.

بعد فترة من النقاش بين أبي بكر وعمر وزيد بن ثابت، الذي تم تكليفه بمهمة كتابة المصحف الأول، استطاع زيد جمع القرآن من صحابة المدينة عن طريق طلبه ممّن كتب القرآن بين يدي النبي أن يأتي به إليه ومعه اثنين من الشهود على ذلك. واحتفظ أبو بكر بالمصحف في بيته إلى أن استلمه عمر بن الخطاب بعد وفاته.

ثالثًا: كتابة المصاحف الستة في عهد عثمان

الشائع بين الناس أن المصحف الحالي يسمى بالمصحف العثماني أو مكتوب بالخط العثماني؛ نظرًا لأن عثمان بن عفان هو منْ كتبه، وهذه المعلومة ليست صحيحة تمامًا.

بدأت هذه المرحلة باقتراح قدّمه حذيفة بن اليمان للخليفة عثمان لكي يقوم بإيجاد حل يجعل المسلمين يقرؤون القرآن بطريقة واحدة كي لا يختلفوا وتحدث فتنة بين الأمة. وكان قرار الخليفة بتشكيل لجنة تقوم بكتابة عدة مصاحف تكون مرجعًا لكل بقاع المسلمين في الكتابة والقراءة، وليزيد من الاطمئنان لهذا الحل أمر بإرسال قارئ مع كل مصحف لكي يقوم بتعليم الناس القراءة الصحيحة كما سمعها من النبي وأصحابه.

وقد تكوّنت لجنة كتابة المصحف من: (زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام). وهؤلاء الثلاثة المساعدون لزيد إنما هم من أبناء مكة الذين وضعهم عثمان في تلك اللجنة حتى يتأكدوا من كتابة المصحف بطريقة كتابة مكة للحروف، تلك الحروف التي تم تسميتها فيما بعد بالكتابة العثمانية.

رابعًا: كتابة النقاط والتشكيل في عهد عبد الملك بن مروان

بدأت هذه المرحلة باقتراح على «أبي الأسود الدؤلي» تلميذ علي بن أبي طالب، والذي وافق على وضع تشكيل للحروف (ضمة وفتحة وكسرة)، وكانت هذه أول سابقة في اللغة العربية، حيث كانت الحروف تُكتب بلا نقاط أو علامات تشكيل.

وبالفعل انتهى أبو الأسود من وضع تشكيل القرآن كاملًا، وبعد وفاته جاء تلميذان من تلامذته ليُكمِلوا مسيرته ويضعوا النقاط المحددة لفروقات، الفاء والقاف، والسين والشين… إلخ. وانتهت هذه المرحلة بـ «الخليل بن أحمد الفراهيدي» الذي أعاد صياغة التشكيل ليكون بالشكل الحالي.

خامسًا: طباعة المصحف وترجمته وإتاحته بأعداد كبيرة

كان المصحف في السابق، وبالتحديد قبل اختراع الطباعة محدودًا لا يملكه إلا فئة قليلة من الناس، وعادةً يكون هناك نُسخ في المساجد ونُسخ مع العلماء الذين يُدرِّسونه للناس، ونُسخ مع أغنياء المسلمين، وذلك نظرًا لتكلفة المصحف العالية، لأنه كان يُكتب يدويًا بواسطة الخطّاطين المعروفين بـ «خطّاطي المصاحف».

لكن في الفترة الأخيرة، وتحديدًا بعد اختراع الطباعة، قامت مصر في عهد محمد علي وما تلاه بطباعة بعض النسخ من المصاحف، لكنها كانت بأعداد محدودة، إلى أن تم افتتاح مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، في المدينة المنورة، والذي عُدّ أكبر مطبعة في العالم لطباعة المصحف.

وقد وضع الملك فهد بن عبد العزيز حجر الأساس للمجمع عام 1403هـ وافتتحه عام 1405هـ. وتبلغ طاقة المجمع الإنتاجية 18 مليون نسخة سنويًا مُوزعة بين مصاحف كاملة وأجزاء وترجمات وتسجيلات وكتبٍ لعلوم القرآن وغيرها. وقد أنتج أكثر من 361 إصدارًا و300 مليون نسخة حتى عام 2019.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.