«نصيبي وقسمتك» المسلسل الأكثر مُتابعة في الآونة الأخيرة بجزأيه السابقين يُقبل من جديد بجزئه الثالث، وبمزيد من القصص التي تناقش كسور شخصية آدم، وتحدثنا عن «نصيبه»، وكيف سيكون تبعًا لشخصيته، وعن تطلعات وسقطات حواء وكيف ستقرر «قسمتها».

المسلسل لاقى نجاحًا جماهيريًا بين قطعان الشباب لأنه لامس مشكلة باتت من أخطر مشكلات شباب هذا الجيل: العلاقات بأنواعها، وعلى اختلاف مشاكلها ومنغصاتها بدءًا من أخذ قرار الارتباط وحتى تفاصيل الزواج، صولًا إلى الزواج وعقباته ومنغصات الحياة الزوجية. هنالك الكثير من نماذج الحياة الزوجية في المجتمع المصري التي سُلط الضوء عليها واحدة تلو الأخرى في كل من حلقات المسلسل وتم الوقوف على ثغرات كل نموذج منها.

المسلسل من نوعية المسلسلات ذي الحلقات المتقطعة والتي اختفت لفترة طويلة، وحتى حينما كانت تقدم كان تقدم بشكل ركيك، رتيب يجعل المشاهد يفضل المسلسلات المتصلة عليها. تنوعت موضوعات المسلسل وتنوع أبطال قصصه، ومع كل قصة نرى جانباً من واقع علاقاتنا ونرى في كل بطل من أبطاله أنفسنا أو أحداً من معارفنا.

المسلسل بقدر ما يكشف لنا عن حقائق قد تكون غابت عنا، ويُعري جوانب حساسة من واقع العلاقات في مجتمعاتنا والتي أصبحت آيلة للسقوط تمامًا؛ إلا أنه لا يجد حلولًا، بل يضعنا أمام أنفسنا وأمام واقعنا لنرى الصورة بشكل أوضح، ومن ثم يضع قرارنا بيدنا.

تأتي نهايات الحلقات صريحة وصادمة في الغالب؛ لأنه كي تعالج الأزمة يبقى أن ترى عواقبها الوخيمة، ولذلك نجد الكثير من نهايات الحلقات قاسية. قد يصف البعض النهايات بالمباشرة الفجة، وآخرون يرونها تخدم الهدف من المسلسل، إذ بنهاية كل سلسلة من الحلقات عليك أن تقرر أتود أن يكون نصيبك بهذا الشكل؟ وأنتِ أتودين أن تكون قسمتك قسمة تلك البطلة.. هذا النوع من النهايات له ما له، وعليه ما عليه، لكنه خدم الهدف المسلسل بشكل جيد.

اتفضل في الصالون

دارين بطلة قصتنا فتاة مُدللة وتثق بنفسها لأبعد حد، هي فتاة تمتلك شيئًا من كل شيء: على قدر من الجمال، وتنتمي لعائلة مرموقة، وتلقت تعليمًا جيدًا. دارين ككل فتاة على ظهر هذا الكوكب تنتظر من شريك حياتها أن يكون خارقًا للعادة، ومُختلفًا عن كل من عرفت من قبل، شخص مُستعد أن يفعل المستحيل لأجلها أن يبيع الكل ويشتريها وحدها، وإلا لن يكون حبه كافيًا ولا يستحقها.

تفيق دارين على نفسها في الثلاثين من عمرها، الرقم الذي يفزع كل فتاة مهما كانت فاتنة الجمال بالدرجة التي يخفي جمالها هذا الرقم. تكون أمنية دارين في عامها الحادي والثلاثين أن تجد ذلك الخارق الذي يستحقها ويقتحم حياتها وقلبها باختلافه عن غيره ومشاعره الفياضة نحوها، وفعلًا تتحقق أمنيتها غير بعيد وتلتقي عشية احتفالها بعيد ميلادها الثلاثين بـ(رامي).

يبدو رامي لدارين مميزًا في كل شيء: مستوى اجتماعي راق، وحضور وشخصية أسرتها منذ اللحظة الأولي، لكن يأتي الاختبار الذي لا مفر منه، عليه أن يُثبت إن كان يستحقها أم لا بأن يتخلى عن أكثر شيء يحبه فقط لأنها لا تُحبه. يقرر رامي أن يتخلى عن حبه لدارين مقابل حبه لكلبه «روميو»، وهكذا يُسدل الستار على فصل رامي بهزة أحدثها في كيان دارين وثقتها بنفسها؛ لقد اختار كلبًا عليها!

لا بأس هو الخاسر فدارين فتاة جميلة ذات حضور يُفتن بها كل من يراها، وهذا ما حدث فعلًا؛ فما هو غير قليل ويأتي أدهم ويبدي اهتمامه وإعجابه بدارين، ويخسر أصدقاءه لأجلها ويفعل كل الأشياء التي تُحبها والتي تطلبها منه حتى تأتي اللحظة التي تكتشف فيها دار ين أنه يُعاني من فوبيا مع الطيران الذي هو أكثر شيء تحبه. بين من يفرض وسيلة التنقل التي يُحب على الآخر، وتمسك دارين بـ«الأنا» وبرغبتها في أن تسير كل الأمور كما خططت لها، وبأن على من يستحقها أن يُضحي لأجلها، تنتهي قصة أدهم كثاني إنذار خطر لثقة دارين بنفسها.

في عامها الثاني والثلاثين تقرر دارين أن تجدد أمنيتها علها تفلح هذه المرة في العثور على الشريك المناسب. كانت أمنية دارين في عامها الثاني والثلاثين أن تعثر على شخص تحبه هي من النظرة الأولى وحينها سيكون يسيرًا عليها أن تُضحي لأجله؛ ما دام لا أحد يود أن يُضحي لأجلها. وبالفعل تقع دارين في حب ضابط الحراسة الخاص بوالدتها (سيف) وتنجذب له كما لم تنجذب لأحد من قبل، ويبادلها هو نفس الشعور وتسير الأمور على أفضل حال، لكن ككل مرة تصل للنقطة الجذرية التي ينتهي عندها كل شيء «على من تجب التضحية»، وينتهي كل شيء ككل مرة لأنها حتى في المرة التي أحبت فيها لم تقدر على التضحية.

تكون صدمتها هذه المرة قوية وتنطوي على نفسها حتى يقتحم حياتها الشخص الذي أحبها كما لم يحبها أحد من قبل (طارق). تجد دارين في حب طارق السعادة التي تبحث عنها؛ فها هو رجل يحبها منذ الطفولة، رجل مولع بكل تفاصيلها ويرجو رضاها بكافة السُبل. حب طارق غير المشروط يدفع دارين للطمع في المزيد؛ فتفعل معه كما فعلت في المرات السابقة وتضع علاقتهما على المحك إما أن يفعل ما يُرضيها أو تتركه، لكنها تفاجأ برد فعله المختلف عمن سبقوه وبأنه يوافق على كل شروطها، وأنه هو الآخر لديه شروط كي تستمر العلاقة وعليها أن تقبل بها كي يقبل هو بشروطها. تنتهي القصة كما كل مرة، لكن هذه المرة مختلفة؛ لم يعد بوسع دارين أن تخدع نفسها أكثر من ذلك تتجلى الحقائق أمامها شيئًا فشيئًا لتكتشف بعد فوات الأوان أن الحياة ليست على لون واحد، بل كل لون له أطياف متعددة، وأن هناك دومًا وسطًا ما بين كل شيء.

على من تجب التضحية؟

في مقولة شهيرة لهند صبري في فيلم «لعبة حب» تقول بطلة الفيلم:

زمان كنت فاكرة إن الحب ده حاجه كبيرة أوي. زي إنك تقف قدام اللي بتحبه وتاخد رصاصة مكانه مثلًا. بعدين لما كبرت عرفت إن الحب أبسط من كده بكتير. إنك تتنازل وتيجي على نفسك عشان تعرف تتفاهم مع اللي إنت بتحبه. بس بيني وبينك إنك تاخد رصاصة أسهل.

قديمًا كانت أمهاتنا وجداتنا تقدم التضحية للزوج كطبق جانبي مع الإفطار والغداء والعشاء الذي تعده له. لم تكن المرأة قديمًا يخطر ببالها عمق الفعل الذي تفعله، هكذا وجدت أمها وجدتها وهكذا النساء منذ بدء الخليقة: على المرأة أن تُضحي بكل شيء وأي شيء في سبيل إسعاد الزوج واستقرار الأسرة ولن يؤخذ ذلك على محمل البطولة -بالمناسبة- بل ستكون كغيرها من النساء وغير مسموح لإحداهن بأن تشذ عن هذه القاعدة.

تغير الزمن وأصبح لدينا جيل من الفتيات المُوقوتات كقنابل شديدة الانفجار، والتي ستفنجر في وجه أول شخص يحركها. فتيات هذا الجيل اللاتي ورثن كل شيء من أمهاتهن عدا قاعدة طاعة الزوج والتفاني في إسعاده وخدمته؛ فأصبح لدينا جيل من المُتمردات اللاتي رفضن أن يصرن نسخة من أمهاتهن لما رأين في حياتهن من بؤس وحزن. على الجانب الآخر لم يتغير شيء في الرجل الشرقي منذ أوجده الله على ظهر هذه الأرض؛ ومن هنا كانت الكارثة: الرجل ظل محتفظًا بغروره وكبريائه وتغيرت المرأة ولم تُصبح تلك المرأة القانعة الخانعة كما فيما مضى.

وهكذا أصبحت الحياة الاجتماعية في الشرق الأوسط من أسوأ ما يكون وسجلنا أعلى معدلات الطلاق عالميًا، وتقدمنا حتى على الدول الغربية التي لا تمثل فيها الأسرة قيمة عظمى كما في مجتمعاتنا الشرقية. لو استمرت الأمور على هذا النحو ستنقرض الأمة العربية عما قليل. إنها أزمة حقيقية وسؤال لن تستطيع كل نظريات علم النفس والفلسفة أن تُجيب عليه: على من تجب التضحية؟ إن قلنا على الرجل فنحن بذلك ننازعه في رجولته وكبريائه الذي هو جزء من شخصيته كرجل شرقي، وإن قلنا على المرأة ستقول لطالما ضحت أمهاتنا وجداتنا ولم يجنين شيئًا سوى التعاسة ثم إن الرجل المُحب يفعل أي شيء لأجل حبيبته. وهكذا سندخل في «حيص بيص» ولن نخرج أبدًا.

هذا السؤال لن يجيب عنه أي مخرج ولا أي كاتب، إجابة هذه السؤال يضعها كل اثنين مُقْدمين على إقامة حياة معًا، كما يتقاسمان مهام الحياة عليهما أن يتقاسما قائمة التنازلات التي تفرضها الحياة المُشتركة واختلاف الطبائع والنشأة. إذا لم يكن الشاب والفتاة المقبلان على الزواج بالوعي الذي يؤهلهما لتحمل عبء الحياة الزوجية ومشقاتها معًا وألا يُثقل أحدهما على الآخر؛ فستصبح فكرة الزواج وأن يعيش رجل وامرأة تحت سقف واحد حقبة من الزمن في سلام وأمان أسطورة من الأساطير كالعنقاء والخل الوفي!

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.