العالم العربي هو ذلك العالم الذي توجد به مختلف الجنسيات والديانات، أولئك الذين يعيشون في بقعة جغرافية ذات تاريخ ولغة وثقافة عربية مشتركة. لن أتكلم عن ذلك العالم العربي في تلك الحقبة السابقة للعرب قبل الإسلام، فلم يكن للعرب آنذاك ذلك التأثير الذي أحدثوه بعد الإسلام. عندما جاء الإسلام كانت العرب قبائل متناحرة يقتل بعضها الآخر، لكن الإسلام جاء وجعل للعرب الاسم البارق واللامع، وما كان سبب ذكري لمجيء الإسلام وبداياته إلا لكي أبيّن نقطة تغير دالة العالم العربي والإسلامي آنذاك حيث أخذ العرب قوة وملك ومجد فارس والروم، وأصبح العرب قوة لا يستهان بها، وطرفًا في معادلة العالم، بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وموت الخلفاء الراشدين، والتي بدأت فيها الفتن في بلاد العرب عامة وفي المسلمين خاصة بمقتل الخليفتين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعًا بطريقة غادرة، وتعد هاتين العمليتين اول عمليتي قتل غدر بعد مجيء الإسلام.

بعد مقتل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) سنة 40هـ تهيأت الظروف للأمويين لكي يبسطوا سلطانهم. وفي عهد الدولة الأموية (نسبةً إلى أمية بن عبد شمس) حدثت حادثة كربلاء الشهيرة حيث خرج الحسين رضي الله عنه في جماعة من قومه، ومع أهله من نسائه وأطفاله قاصدًا الكوفة، فالتقى فريق الحسين وجيش يزيد بن معاوية فسالت الدماء وسقط الحسين شهيدًا. بعد يزيد جاء العديد من الخلفاء وكان آخر أربعة خلفاء عاجزين عن ممارسة السلطان، فبعد الملك هشام بن عبد الملك جاء ملوك ضعفاء يجاهرون بالمعاصي ويهمهم اللهو، وقد تركوا أمر المشورة وأصبح الحكم وراثيًا، فانتهز العباسيون هذه الفرصة من التفكك والتصدع فراحوا يعملون على إسقاط الدولة الأموية.

وقع اشتباك بين قوة بني أمية وقوة بني العباس في خرسان، وانتصر فيها أبو مسلم على قوات نصر بن سيار، توترت الأحداث، وبعث مروان بن محمد في طلب إبراهيم بن محمد الإمام فقيدوه وأرسلوه إلى الخليفة بدمشق فسُجن. وفي سنة 131 هـ ازداد تمكن أبي مسلم من الأمر، وفر نصر بن سيار وتوفي، فدانت خراسان كلها لأبي مسلم. وفي سنة 132 هـ انتصرت قوات أبي مسلم على قوات العراق، ثم توجه إلى الكوفة والتي كان قد خرج بها محمد بن خالد بن عبد الله القسري داعيًا لبني عباس. وفي سنة 132 هـ مات إبراهيم بن محمد في سجن مروان بن محمد، وأوصى بالخلافة بعده لأخيه عبد الله بن محمد واُختير أول خليفة لبني العباس في ربيع الآخر سنة 132هـ.

وفي 11 جمادى الآخر أرسل عبد الله بن محمد الجيوش لمنازلة الأمويين فسحقهم واستتب الوضع لبني عباس. كان أول خلفاء الدولة العباسية هو أبو العباس السفاح، وقد سمي بلقب «السفاح» عندما قام يوم الجمعة بإلقاء خطبته، وختم خطبته قائلًا: «أنا السفاح المبيح، والثائر المبيد». قضى السفاح معظم عهده في محاربة قوات العرب الذين ناصروا الدولة الأموية. خلف السفاح الخليفة أبو جعفر المنصور. جاء بعد أبي جعفر المنصور ابنه المهدي، وخلف المهدي ابنه موسى الهادي، بعدها جاء الخليفة هارون الرشيد فكانت الدولة العباسية في أوج قوتها، فلم تكن هناك دولة تضارعها في عظمة السلطان. عهِد هارون الرشيد لأبنائه: الأمين، ثم المأمون، ثم المعتصم، وأخذ عليهم العهود بألا يغيروا هذا الترتيب. توفي المأمون في آخر معاركه وعهد بالخلافة إلى أخيه المعتصم، فأراد المعتصم أن يكبح جموح جيشه، فكوَّن جيشًا من الأتراك يقودهم ضباط بينهم تحت إمرة الخليفة مباشرة. بعد وفاة المعتصم تولى ابنه الواثق بالله الحكم، وبعد موت الواثق بالله، انقضى عهد عظمة العباسيين، إذ لم يخلفه إلا رجال يرتقون الخلافة ولا حول لهم ولا قوة. ومن أسباب سقوط الدولة العباسية:

1. تفوق العناصر غير العربية: كان الأمويون يعتمدون على العرب، ويولونهم المناصب العالية كلها؛ فجاءت الدولة العباسية فارسية الصبغة. وقد عمل الفرس على إقصاء العصبية العربية عن الخلفاء بحجة أن العرب يطمحون إلى الخلافة، فأصبح الفرس يحكمون الدولة، كما نرى في سطوة البرامكة. ولما خشي المستعصم مغبة الأمر استعان من المماليك الأتراك واتخذ منهم جندًا استعان بهم على الفرس والعرب.

2. سوء الحالة الاقتصادية: بعد أن وطد خلفاء العصر العباسي الأول أركان الملك، جاء من بعدهم حكام أخلدوا إلى الدعة، وأمعنوا في الترف، وجر ذلك إلى زيادة الضرائب وكثرة النفقات، وهناك الكثير.

في عهد الخلافة العباسية نشط الدعاة الإسماعيليون في إذكاء الجذوة الحُسينية ودعوة الناس إلى القتال باسم الإمام المهدي المنتظر فأصابوا بذلك نجاحًا في الأقاليم البعيدة عن مركز الحكم خصوصًا بسبب مطاردة العباسيين لهم واضطهادهم في المشرق العربي، فانتقلوا إلى المغرب حيث تمكنوا من استقطاب الجماهير وأعلنوا قيام الخلافة بعد حين وسميت بالدولة الفاطمية، وكانت في صراع مع الدولة العباسية. لكن الدولة الفاطمية سقطت أيضًا لأسباب هامة منها:

1. المغالاة في التعصب للتشيع مما جعل العامة في مصر يؤيدون أية حركة تعيدهم للفكر السني.

2. ترك الخلفاء السلطة لما يعرف بالوزراء العِظام الذين كان أولهم بدر الجمالي فتحكموا حتى في اختيار الخلفاء وتنافسوا على السلطة، واستنجدوا بأعداد الدولة. فقد استنجد الوزير ضرغام بالصليبيين، وغيرها.

من خلال التاريخ وهذه الدول التي قامت ونهضت نجد أن الكون بكله يمر في نظرية «مثلث الحضارة» التي تقول بإن الحضارة تبدأ ببدايات بسيطة، ثم تتعاظم إلى أن توصل ذروة مجدها، ثم تنتهي ليبقى لها أفراد يحاولون إعادتها. إن العرب خلال التاريخ قد مروا بصراعات عنيفة، واقتتال بينهم بيِّن.


الدولة العثمانية والثورة العربية

الدولة العثمانية هي الدولة الأخيرة التي سوف ندخل بعدها في سياق التاريخ الحديث، ومنها إلى التاريخ المعاصر، فهي الدولة التي شهدت الحرب العالمية الأولى. الدولة العثمانية هي إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة لما يقارب 600 سنة. بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها، وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم. كانت الدولة العثمانية دولة قوية، وذات كيان لا يمكن كسره. لقد شاركت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى مع دول المركز، والتي كانت تتكون من: الدولة العثمانية، الإمبراطورية النمساوية، الإمبراطورية المجرية، ومملكة بلغاريا، ضد قوات الحلفاء والتي تتكون من: المملكة المتحدة البريطانية العظمى، أيرلندا، فرنسا، والإمبراطورية الروسية. كانت دول أوروبا تتصارع من أجل الدولة العثمانية؛ فمنها من أرادت تقسيمها، ومنها من أرادت الحفاظ على سلامة أملاكها، لكن التقارب العثماني الألماني زاد الخلاف بين الدولة العثمانية وبريطانيا، وفرنسا، فانحازت الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا بسبب العلاقة الحميمة بينهما، وكان ذلك بسبب التقارب الألماني العثماني؛ فدخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى بعد اشتباك أسطولها مع الأسطول الروسي في البحر الأسود.

وقد كانت هناك جملة من الأسباب التي دفعت الدولة العثمانية في الدخول في الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا:

1. الصدام المسلح بين الأسطول التركي والأسطول الروسي.

2. رغبة الدولة العثمانية في التحرر من الوصاية عليها، والتخلص من الامتيازات الأجنبية التي فرضت عليها في فترات سابقة.

3. التقارب الألماني العثماني.

4. عدم وجود أطماع استعمارية ألمانية في الدولة العثمانية بخلاف باقي دول أوروبا.

5. وعود ألمانيا للدولة العثمانية باستعادة أملاكها التي فقدتها في شمال أفريقيا (تونس، ليبيا، الجزائر)، وإرجاع مصر تحت سيطرتها فعليًا، وأيضًا سوف تحصل على المناطق التي احتلتها روسيا (القوقاز وتركستان).

كان في عضوية مجلس النواب العثماني رجل يسمى «الشريف حسين بن علي الهاشمي». لم يتم تعيين الشريف حسين أميرًا على مكة إلا بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني، وتولى قيادة الاتحاد والترقي والحكم. رغم أن رجال الاتحاد والترقي هم الذين عملوا على إرجاع الشريف حسين لإمرة مكة، ومن ثم الحجاز؛ إلا أنه كان على خلاف دائم معهم فلم يكن معجبًا بهم، خاصةً أن معظمهم صغار السن وهو شيخ بالنسبة لهم، ولقسوة وشدة الاتحاد والترقي على رجال القومية العربية، وكان جمال باشا أشدهم. وقد قبض على بعض عملاء الإنجليز من العرب بالشام أيام الحرب العالمية الأولى، وحاول الشريف حسين التوسط لهم، فأرسل ولده فيصل للقاء جمال باشا الذي أعدم هؤلاء العملاء، وكاد أن يقتل فيصل لولا أنه هرب مما جعل الشريف حسين شديد البغض للاتحاد والترقي خاصةً والدولة العثمانية عامةً. لقد كانت رغبة الإنجليز في الشريف حسين، لعدة أسباب:

1. النسب الشريف الذي يرجع إليه الشريف حسن.

2. طموح الشريف حسين ورغبته في الزعامة على العالم الإسلامي.

3. بغض الشريف حسين للعثمانيين عمومًا وللاتحاديين خصوصًا.

4. ظهور تيار القومية العربية كتيار مضاد للقومية التركية، وتأثر الشريف حسين بها.

في الوقت الذي كانت فيه الدولة العثمانية متحالفة مع دول المركز، ووعد ألمانيا للدولة العثمانية باستعادة أملاكها، كان الشريف حسين متحالفًا مع الإنجليز. في الوقت الذي كانت إنجلترا تخدع الشريف حسين، وتستدرجه لفك عرى المسلمين، وتعطيه الآمال بتوليه خلافة المسلمين، كانت على الجانب الآخر تعقد اتفاقية سايكس- بيكو مع فرنسا لتمزيق العالم الإسلامي وتقسيم تركة الخلافة بينهم. قام الانقلاب الشيوعي الروسي في عام 1917م بإماطة اللثام عن المؤامرة الإنجليزية الفرنسية الروسية. أرسل الشريف حسين إلى الإنجليز يستفسر منهم عن حقيقة هذه الاتفاقية، فجاء رد الخارجية الإنجليزية بالإنكار، لكن الشريف حسين أفاق على صدمة هائلة جاءت في صورة وعد بلفور وإعراض الإنجليز عنه وتحولهم إلى ابنه فيصل، تقسم بعدها الوطن العربي.

وعد بلفور سمح بإقامة وطن قومي لليهود، ودخل اليهود أرض فلسطين أو كما يسميها اليهود: «أرض الميعاد»، وكان هو أول طعنة في قلب وجناح الوطن العربي، بل كانت وما زالت بؤرة الصراعات العربية. تقسم الوطن العربي على المستعمِرين. بعد فترة من الاستعمار والاضطهاد بدأت حركات التحرر ضد الاستعمار.


نشأة الدول العربية الحديثة

في عام 15 يناير/كانون الثاني 1902م بدأت الدولة السعودية الثالثة والتي هي وريثة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، حيث قامت الدولة السعودية الأولى عام 1744م في الدرعية وشملت أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية، وكان أول أمير فيها: محمد بن سعود بن محمد آل مقرن، وانتهت الدولة السعودية الأولى بسقوط عاصمتها الدرعية بيد القوات المصرية تحت قيادة إبراهيم باشا عام 1818م. أنشأ الدولة السعودية الثانية: تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود في سنة 1818م، ولكن العاصمة تغيرت من الدرعية إلى الرياض وتوسعت بشكل محدود على عكس سابقتها، إلا أن الصراع والحروب الداخلية أضرت بها، حيث تسبب اختلاف أبناء (فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود) في إضعاف الدولة وسقوطها على يد آل رشيد حكام إمارة جبل شمر سنة 1891م. ثم قامت الدولة السعودية الثالثة في 15 يناير/كانون الثاني 1902م على يد مؤسسها عبد العزيز آل سعود، في جهود لتوحيد البلاد في إطار دولة سعودية تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولى والثانية. ظلت الدولة السعودية الثالثة قائمة حتى عقد مؤتمر في الرياض حضره العلماء، والرؤساء وقرروا أن يتخذ حكم نجد الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. وكتب الأمير عبد العزيز آل سعود كتابًا إلى المفوض السامي البريطاني، واعترفت بها الحكومة البريطانية في 2 سبتمبر/أيلول 1921م. بقيت الدولة السعودية قائمة حتى إعلان قيام المملكة السعودية عام 1932م.

في نفس العام من إعلان قيام المملكة السعودية نالت المملكة العراقية الاستقلال لتكون من أوائل الدول العربية التي استقالت عن الوصاية الأوروبية، وتحديدًا الانتداب البريطاني. المملكة العراقية مثلت أول حكم عراقي في العهد الحديث، وقد بدأت رسميًا منذ تعيين الملك فيصل الأول ملكًا في عام 1921م. تعاقب الرؤساء، حتى تولى الرئيس صدام حسين سدة الحكم عام 1979م بعد تنازل أحمد حسن البكر عن السلطة. في 22 مايو/آيار 2003م صدَّق مجلس الأمن على قرار يعطي الشرعية للاحتلال الامريكي للعراق. في 1 يونيو/حزيران 2004م تم تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة التي تم حلَّها، وكانت من مهامها الرئيسة تهيئة الانتخابات العراقية لاختيار مجلس النواب العراقي والتصديق على الدستور العراقي الدائم.

كانت معظم الدول العربية تحت الاحتلال، ولكن ثورات التحرر قامت وأنهت ذلك الاستعمار والاحتلال على أراضيها، فهذه لبنان قد تحررت من الاحتلال الفرنسي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943م.

في فلسطين نشبت حرب عام 1948م بين مصر والأردن والعراق وسوريا ولبنان والسعودية ضد إسرائيل، وانتهت الحرب بانتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، وكان هذا استقلالاً جزئيًا حيث انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين، وبحل ما يسمى «الدولتين».

في 10 فبراير/شباط 1947م تحررت ليبيا من الاستعمار الإيطالي، ثم في 24 ديسمبر/كانون الأول 1951م تخلصت من مجلس الوصاية البريطاني الفرنسي وتأسست المملكة الليبية وعاصمتها مدينتا طرابلس وبنغازي حتى عام 1963م، ثم البيضاء 1963م حتى 1969م. سميت في البداية باسم المملكة الليبية المتحدة حتى 26 إبريل/نيسان 1963م حين عُدِّل إلى المملكة الليبية. استمرت تلك المملكة حتى الانقلاب الذي قاده العقيد معمر القذافي في 1 سبتمبر/أيلول 1969م الذي أنهى حكم إدريس الأول، وألغى الملكية وأنشأ الجمهورية العربية الليبية. وفي نفس العام من التحرر الليبي من مجلس الوصاية البريطاني الفرنسي تحررت عمان من الاحتلال البريطاني.

وفي 23/ يوليو/ 1952م قامت ثورة وحركة الضباط الأحرار في مصر بواسطة مجموعة من الضباط أطلقوا على أنفسهم: «تنظيم الضباط الأحرار»، وأطلق على الثورة في البداية «حركة الجيش»، وأسفرت تلك الحركة عن طرد الملك فاروق، وإنهاء الحكم الملكي وإعلان الجمهورية، بعدها تكون مجلس القيادة وكان يتكون من 11 عضوًا برئاسة أركان الحرب محمد نجيب وجمال عبد الناصر. وتتلخص أسباب قيام ثورة 23 يوليو في الآتي:

1. استمرار الملك فاروق في تجاهله للأغلبية واعتماده على أحزاب الأقلية.

2. قيام صراعات داخلية وصراع دموي بين الإخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبد الهادي.

3. قيام حرب فلسطين، وتوريط الملك للبلاد فيها دون استعداد مناسب ثم الهزيمة.

يُتبع