تعرضت النقود للتزييف في مراحل وحقب عديدة من التاريخ الإسلامي، مما ألقى بتداعياته السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد، ووصل الأمر إلى إعلان الناس حالة العصيان ضد الدولة، وتهديد سلطتها.

وأطلق العرب على المغشوش من الدينار والدرهم أسماء مختلفة، أشهرها لفظة «الزيف» و«الزائف» و«المزيف»، والتي تعني المردودة غير المقبولة، وكانت تُطلق على كل مسكوكة رديئة.

ومنها أيضًا لفظة «المبهرج» أو «البهرج»، وهي مشابهة في معناها للزيف، أي الرديء والمردود، أي كل ما هو مردود وباطل، وقيل عنها إنها لفظة فارسية معربة.

غش النقود في صدر الإسلام

يذكر كرم عبد الله النوايسة في دراسته «زيف النقود في عصر دولة المماليك البرجية 784 – 922هـ / 1383 – 1517م»، أن العرب اعتمدوا قبل ظهور الإسلام وبعده على التعامل بالنقود التي كانت سائدة، وهي من ضرب الروم والفرس، إلا أن هذه النقود لحقها الغش والتزييف في بعض الأحيان، وبعضها كان يُرد إلى بيت المال وهي زائفة.

وما يؤكد ذلك أن عبد الله بن مسعود عندما كان واليًا على بيت مال المسلمين بالكوفة في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب كان إذا وجد نقودًا زائفة أمر بكسرها، وقال: «تلك زيوف ضربها الأعاجم وغشوا فيها».

كما كانت تتعرض النقود للتزييف بواسطة «المقاريض»، فقد كان يقوم الناس بقصها وأخذ جزء منها والانتفاع به، لأنها كانت تستخدم بالعدد وليس بالوزن، وكان ذلك في بداية ظهور الإسلام، فقد نهى الرسول محمد عن كسر سكة المسلمين لاتخاذها حليًّا وزينة أو أواني، لأنها بذلك تصبح أموالًا مجمدة لا تستفيد الأمة منها.

ورُوي عن الخليفة عمر بن الخطاب أنه قال «من زافت عليه دراهمه فليأتِ بها السوق ليشتري سحق ثوب، ولا يخالف الناس عليها أنها جياد»، وقد قُصد بـ «سحق ثوب» أي الثوب القديم غير الجيد، وهو بذلك تعبير عن قيمة النقود المزيفة بأنها رديئة.

الأمويون: مواجهة زيف النقود بالتعريب

من الدنانير المزيفة ما تم ضربها في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، فقد وقع منها دينار مزيف في يد شيخ المجندين، فأتى به إلى الخليفة معاوية، وقال: «يا معاوية إنا وجدنا ضربك شر ضرب»، فقال له معاوية: «لأحرمنك عطاءك ولأكسونك القطيفة». و«القطيفة» استخدمها معاوية من باب الدهاء لكي يُسكت هذا الشيخ، باعتبارها أجزل من العطاء، بحسب «النوايسة».

وتورد المصادر أن الحجاج بن يوسف الثقفي عندما ضرب نقوده بالعراق بأمر من الخليفة عبد الملك بن مروان قبل التعريب الرسمي للنقود، كان يضربها مما تبقى من خلاصة الفضة المتبقية من دار الضرب، والتي لا تصلح لسك النقود وتُعد زيوفًا. وقد أُطلق على هذه النقود «المكروهة»، بسبب نقصان وزنها وانخفاض عيارها، وليس لذكر الله عليها كما تزعم بعض المصادر الأخرى.

ولم تصل النقود التي استخدمها العرب في الجاهلية وصدر الإسلام إلى الحد المطلوب من الاطمئنان لسلامتها في بعض الأحيان من الغش والزيف، فقد كان جزء كبير من الدراهم رديئة المعدن، أي إن عيارها منخفض، لذا اندفع الخلفاء والولاة في ضبط عيار نقودهم وتخليصها من الشوائب قدر المستطاع، ونجحوا في ذلك نجاحًا باهرًا، مثلما قام به عمر بن هبيرة الذي كان متوليًا دار الإمارة في الكوفة، فقد تشدد في ضرب دراهم ذات عيار مرتفع حتى اشتهرت دراهمه باسم «الهبيرية».

ويذكر «النوايسة» أن الدراهم ذات العيار المرتفع اشتهرت باسم من كان قائمًا على سكها، فنجد «الهبيرية» نسبة إلى عمر بن هبيرة، و«الخالدية» نسبة إلى خالد القسري عندما كان متوليًا الإمارة في العراق في عهد هشام بن عبد الملك، و«اليوسفية» وهي التي ضربها يوسف بن عمر الذي تولى إمارة العراق بعد خالد القسري.

العباسيون: تزييف النقود في دور الضرب السلطانية

أراد العباسيون إظهار تفوقهم على أسلافهم الأمويين، فتشددوا إبان عصرهم الأول في ضبط عيار السكة، فجعلوا ضرب النقود تحت إشراف الخلفاء أنفسهم، وهو أمر يبدو أنه لم يكن معروفًا في عصر بني أمية. فعبد الملك بن مروان الذي يُنسب له تعريب السكة لم يشرف بنفسه على دور الضرب، بل عهد إلى قبيصة بن ذويب الإشراف عليها، وإن كان هذا لا يعني أن خلفاء بني أمية لم يتدخلوا إذا حدث ما يسيء إلى تلك الدور، حسبما ذكر الدكتور عبد العزيز حميد في دراسته «المسكوكات المزيفة في العصر العباسي».

ولم ينتهِ إشراف خلفاء بني العباس المباشر على دور الضرب إلا أيام الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد (170 – 193هـ / 786 – 809م)، عندما عهد بها إلى وزيره جعفر بن يحيى في السنوات الأولى من خلافته من باب التشريف والتكريم.

وبحسب «حميد»، ضعفَ الإشراف على السكة بعض الشيء بعد انتقال مركز الخلافة العباسية إلى سامراء (221 – 279هـ / 836 – 892م) عندما عُهد بالأمر إلى أولياء العهد، فالخليفة المتوكل عندما خصَّ ولاية العهد بولديه المنتصر والمعتز سنة 240هـ / 854م عهد إلى المعتز بالإشراف على دور الضرب.

ثم تراخى الإشراف على دور الضرب إلى درجة كبيرة في العصر البويهي، فعُهد بها إلى أشخاص غير أكْفاء، مما كان يتسبب في كثير من الأحيان في التلاعب في عياري الدرهم والدينار، ووصل الأمر إلى أن مسكوكات كاملة التزييف كانت تخرج من دور الضرب السلطانية.

ويكتب ابن الأثير عند عرضه لحوادث سنة 267هـ في كتابه «الكامل في التاريخ» أن الضرابين في سامراء نُفوا منها، وهو إجراء لا شك أنه لم لكن ليُتخذ لو لم يعمد الضرابون إلى الغش والتلاعب في عيار النقد المسكوك. وبحسب «حميد» ازداد الأمر سوءًا في الحقبة الزمنية التي عقبت انتقال كرسي الخلافة مجددًا إلى بغداد، خاصة في الدولة السلجوقية.

وكرد فعل طبيعي لتفشي غِش المسكوكات، ازداد وعي الجماهير، فحرصوا جاهدين لتجنب الوقوع في أحاييل المزيفين، وحاول الكثير منهم بطرق شتى أن يكونوا على دراية وبصيرة نافذة في التمييز بين المغشوش والسليم من المسكوكات الذهبية والفضية التي يتعاملون بها في أمورهم التجارية المختلفة.

ويستدل «حميد» على ذلك من بعض وثائق البردي المصرية في العصر العباسي، أنه بات من جملة الشروط الرئيسية في كثير من معاملات البيع والشراء، وحتى في بعض عقود الزواج، أن تكون الدنانير جيدة كاملة الوزن لا غش فيها.

غير أن بعض أعمال الزيف كانت تتم خارج دور الضرب الرسمية، وعلى يد أشخاص ماهرين في النقش، وهم الذين سماهم ابن بعرة في كتابه «كشف الأسرار العلمية بدار الضرب المصرية» بـ«الزغليين»، وقد كان يُختم على أيدي غير الأمناء من نقاشي المسكوكات الرسميين، وربما السبب في ذلك هو منعهم من ممارسة أعمال مشابهة لعملهم خارج دور الضرب الرسمية.

الفاطميون: الخليفة يأمر بتزييف النقود

في الدولة الفاطمية ظهر التزييف والتلاعب في النقود عام (359هـ / 969م)، عندما قام القائد جوهر الصقلي بالقضاء على ما يسمى بالدينار الأبيض، وسمي بهذا الاسم ربما لأنه مصنوع من معدن الفضة ومطلي بمعدن الذهب، وكانت قيمته عشرة دراهم، فأمر جوهر بأن تكون قيمته ستة دراهم فخسر الناس أموالهم وساءت أحوالهم، وفقًا لما رواه «النوايسة» في دراسته المذكورة آنفًا.

وفي عام 363هـ / 973م طلب الخليفة المعز الفاطمي من حسان بن الجراح، زعيم قبيلة الجراحين في فلسطين والشام، التخلي عن الوقوف بجانب القرامطة الذين هاجموا مصر وحاصروا القاهرة، مقابل أن يدفع له مائة ألف دينار. ولما نفذ ابن الجراح ما طُلب منه أراد الخليفة إرسال المال له، فلما رأوه استكثروه، فقاموا بتزييف نسبة كبيرة منه، وذلك بضرب دنانير من النحاس وتمويهها بالذهب، وجعلوه في الجزء الأسفل من الأكياس التي وُضعت فيها حتى يتم نقلها إلى ابن الجراح.

وفي آخر عهد الفاطميين ضُربت الدراهم المعروفة بـ «السوداء»، وهي الدراهم ذات العيار المنخفض التي يغلب عليها النحاس، وبلغت نسبة الفضة بها 30%، في حين استحوذ معدن النحاس على النصيب الأكبر بنسبة 70%.

الأيوبيون: معادن رخيصة ودراهم زيوف

أما العصر الأيوبي (567 – 648هـ / 1171 – 1250م) فقد ابتدئ بما قام به السلطان صلاح الدين الأيوبي (564- 589هـ / 1169 – 1193م) من ضرب درهم أُطلق عليها «الدراهم الناصرية»، وكانت مزيفة، حيث احتوت على المعادن الرخيصة بنسبة 50%، وكانت قيمتها الاسمية تتفوق على قيمتها الفعيلة، مما ألحق بالناس ضررًا بالغًا، وأطلقوا عليها «الدراهم الزيوف»، حسبما ذكر «النوايسة».

وفي عام (630هـ / 1232م) في فترة حكم الملك الكامل (615- 636هـ/ 1218 – 1238م) حدثت أزمة نقدية، وذلك لدخول الزيف إلى النقود، مما أدى إلى انخفاض قيمة الدينار إلى عشرة دراهم من الفضة وثمانية عشر درهمًا من الفلوس النحاسية، وتقلصت الدراهم الفضية وحلت محلها في الرواج دراهم الفلوس، وهذا النقص في الدراهم الفضية فتح الطريق واسعًا أمام النقود الفضية الأجنبية مثل النقود البندقية والفلورية (نسبة إلى فلورنسا)، وقد عملت المدن الإيطالية من خلال تجارها على تهريب الفضة من البلاد المصرية لمد دار الضرب الإيطالية لسكها نقودًا فضية.

المماليك: ضرب نقود ناقصة الوزن

وفي دولة المماليك البحرية (648- 784هـ /1250 – 1382م) تعرضت النقود، خاصة الفلوس النحاسية التي أصبحت النقود الرسمية للدولة، لعمليات تزييف وإفساد متنوعة، فقد ضرب السلطان العادل كتبغا (694 – 696هـ / 1294 – 1296م) فلوسًا ناقصة الوزن، مما دعا ولأول مرة منذ استخدام الفلوس إلى أن يتم التعامل بها بالوزن وليس بالعدد، وكل رطل منها تم صرفه بدرهمين من الفضة.

ويروي «النوايسة» أنه في عام (720هـ / 1320م) ساءت أحوال الناس بسبب كثرة التزييف في الفلوس، وكان يتم التعامل بها عددًا عن كل درهم من الفضة بثمانية وأربعين فلسًا من الفلوس التي تُضرب بدار الضرب الرسمية، وعمل «الزُّغل»، أي «المزيفين»، على ضرب فلوس خفيفة الوزن خارج دور الضرب على غرار الفلوس الرسمية.

نفاد مناجم الذهب وتهريب الفضة

يرى ضيف الله بن يحيى الزهراني في كتابه «زيف النقود الإسلامية» أن أسبابًا عديدة متداخلة أدت إلى فساد العملة وإتاحة المجال لغشها وتزييفها والتلاعب في عيارها وأوزانها في مراحل عديدة من التاريخ الإسلامي، منها قلة المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة، وكذلك النحاس الذي أصبح عملة رسمية في العصر المملوكي.

ويشرح بأن انخفاض استغلال مناجم الذهب بمصر في أواخر العصر الفاطمي كان له أثر كبير في تدهور صناعة السكة، فقد نفذ تعدين الذهب من الصحراء الشرقية لمصر، ومن الجهات القريبة الأخرى داخل نطاق إشراف الحكومة، كما تخلت الدولة عن الإشراف على تلك المناجم وتُرك أمرها للوزراء، واضطر المُعدِّنون إلى الذهاب لاستخراج المعادن من أماكن نائية قليلة الأمن، هذا فضلًا عن هروب الذهب إلى الغرب عن طريق المدن الشامية.

ولعبت الظروف السياسية والعسكرية دورًا في نضوب مخزونات الذهب، ومن ثم زيادة وتيرة غش النقود، مثلما حدث أثناء الحروب الصليبية في العصر الأيوبي، حيث تم تخفيض قيمة الدينار، واحتوت الدراهم على 50% من الفضة، وهذا يعني أن الذهب أصبح تقريبًا معدوم الوجود، وهو ما أرجعه «الزهراني» إلى عاملين رئيسيين، هما الاكتناز الذي لجأ إليه سلاطين الدولة الأيوبية للاحتفاظ بالنقود الجيدة فقط من الدنانير الذهبية دون غيرها، ثم تسرب الذهب من البلاد خلال العمليات الحربية التي ارتبطت بها مصر والشام منذ أواخر العصر الفاطمي وأوائل العصر الأيوبي.

ولم يكن العصر المملوكي بأحسن حال في نضوب المعادن الثمينة من غيره، فقد تردى وضع النقود في مصر بسبب ذلك، ففي عام 759هـ / 1357م في عهد السلطان حسن، حدث الزيف في العملة النحاسية بسبب عدم وجود المعدن الخام، ثم غلو النحاس، وقلة الواصل منه.

وفي بداية القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي قلَّت الفضة لدرجة بطل معها ضرب الدراهم إلا في القليل النادر، وذلك بسبب انقطاع وصولها إلى الديار المصرية من بلاد الإفرنج وغيرها، ثم الطلب الشديد في إيطاليا عليها، حيث ارتفعت قيمتها ارتفاعًا كبيرًا.

ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، قل وارد الذهب من أفريقيا إلى مصر بسبب وصول البرتغاليين إلى ساحل غانا عام 864هـ/ 1459م، ومقايضة الأهالي بسلعهم، وأثَّر ذلك على مخزون الذهب في مصر، ومن ثم على العملة النقدية، مما حمل السلاطين على ضرب القطع النقدية الفضية المغشوشة والتعامل بها، مما تسبب في خسارة كبيرة للناس.

وبسبب قلة مخزون الذهب اضطر الأشرف برسباي في عام 829هـ / 1425م إلى إنقاص الوزن الشرعي للدينار، واستمر الحال على ذلك طيلة العصر المملوكي، مما نتج عنه ظهور نظام المقايضة في المعاملات التجارية، بحسب ما روى «الزهراني».

ومن أسباب غش النقود أيضًا رغبة بعض الحكام في الحصول على الأموال لسد العجز في ميزانيات دولهم. يذكر «الزهراني» أنه بعد موت الخليفة العباسي المتوكل على الله سنة 247هـ / 861م ضعفت الدولة الإسلامية سياسيًّا واقتصاديًّا، فقلَّت الواردات المالية وازدادت النفقات العامة، وتم غش الدراهم.

وأمام الأخطار المحدقة بالدولة قام الخلفاء والولاة بضرب العملات المغشوشة لمواجهة العجز، حتى تستطيع الجهة المسئولة عن ضرب المسكوكات أن تكسب الفرق بين القيمة المعدنية الحقيقية التي يُفترض أن تكون، وبين القيمة الاسمية التي تحددها الجهة المستفيدة.

طُبِّق هذا المبدأ بشكل واضح خلال خلافة الحاكم بأمر الله الفاطمي (386 – 411 هـ/ 996 – 1030م) عندما حصلت أزمة اقتصادية في عام 395هـ / 1004م، فتدخلت الدولة وافتلعت أزمة لكي تحقق من خلالها الأرباح المرجوة، فضربت دراهم جديدة وباعت كلًّا منها بـ 4 دراهم من التي يتم التعامل بها، ما يعني أن الحكومة حققت ربحًا في هذه العملية بنسبة 25%، وهذه الإجراءات ترتب عليها زيادة في الأسعار، وحتى لا تنكشف هذه الحيلة، أمر الخليفة ببعض الأمور لإخفاء إجراءاته التعسفية، مثل تسعير المواد الغذائية.

كذلك من الأسباب التي ساعدت أيضًا على التزييف ضرب النقود خارج دور الضرب الرسمية، وكانت تقوم به فئة متخصصة في أعمال التزييف، خاصة إذا توافرت القدرات الفنية. ويروي «الزهراني»، أنه في عام 720هـ / 1320م أقدم بعض الصيارفة على تزييف النقود خارج دار الضرب المصرية لتحقيق مزيد من الربح الشخصي، كما سُمح للناس في دمشق بضرب النقود القرطاسية (نوع من النقود) خارج دار الضرب، فتزايدت ظاهرة الغش في النقد، مما جعل الناصر محمد (709- 741هـ / 1309 – 1341م) يعمد إلى إلغاء هذه النقود، ويعمل على توحيد العملة في مصر والشام.

وأدى السماح لمحمود بن علي الاستادار من قبل السلطان الظاهر برقوق (784 – 791هـ / 1382 – 1389) بفتح دار جديدة لضرب النقود النحاسية إلى تفشي الغش، وظهر ذلك عن طريق الكميات الكبيرة التي ضربها وأنزلها إلى الأسواق، فامتنع الناس من قبولها لكثرة ما فيها من الزغل (الغش)، فلجأ الاستادار إلى زيادة وزنها برءوس المسامير وقطع الرصاص والنحاس.

النفي والتشهير عقوبة المزيفين

خلال فترات عديدة، لجأ الحكام المسلمون إلى العديد من الوسائل والإجراءات للقضاء على غش النقود وتزييفها، ومنها فرض عقوبات شديدة على المزيفين. يروي عاطف منصور رمضان في كتابه «النقود الإسلامية وأهميتها في دراسة التاريخ والآثار والحضارة الإسلامية»، أنه عندما دخل عبد الله بن الزبير مكة سنة 64هـ / 683م وجد انتشار ظاهرة غش النقود وتزييفها، فأنكر ذلك ولم يسكت عليه، وقطع يد رجل كان يقطع الدنانير والدراهم، وكانت حجة هذا الرجل في ذلك أن الدراهم كانت تؤخذ برءوسها بغير وزن، فعده سارقًا.

كما أمر عمر بن عبد العزيز بسجن أحد الأشخاص كان يضرب النقود خارج دار سك الدولة، فأحرق أدواته في النار. كما شملت عقوبات المزيفين أيضًا النفي والقتل والتشهير.

غير أن أهم الوسائل التي لجأت إليها الدولة لمواجهة ظاهرة غش النقود وتزييفها هي النقود نفسها، حيث نُقشت عليها كتابات تحذر الناس من العقاب في الدنيا والآخرة إذا ما أقدموا على غش هذه النقود وتزييفها.

وبحسب «رمضان»، كان أول من فعل ذلك عبد الله بن الزبير حين دخل مكة فوجد هذه الظاهرة فأمر بسك الدراهم وسجل عليها عبارة «أمر الله بالوفاء والعدل»، ليذكِّر الناس بأوامر الله ورسوله في هذا الشأن من حيث الحفاظ على أوزان النقود وعدم كسرها، لأن في ذلك بخس لحقوق الناس، وإفساد لسكة المسلمين المتداولة. وقد استحسن عمر بن عبد العزيز هذه العبارة، فسجلها على نقوده أيضًا لمواجهة ظاهرة غش النقود التي انتشرت في عصره، لكنها لم تكن الحل النهائي لتلك الظاهرة التي شاعت في أغلب البلاد الإسلامية.