أطاح انقلاب عسكري برئيس النيجر محمد بازوم من السلطة، بعد ساعات من احتجازه في القصر الرئاسي، وظهر العقيد أمادو عبد الرحمن على التلفزيون الوطني في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء، وكان جالسًا إلى جانب تسعة ضباط آخرين، وهو يقرأ من بيان، وقال إن قوات الدفاع والأمن قررت «وضع حد للنظام الذي تعرفونه بسبب تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة»، وأعلن إغلاق حدود البلاد، وحظر تجول في كل أراضيها، وتعليق عمل جميع مؤسسات الجمهورية، وحذر من أي تدخل أجنبي، وفيما أكد قادة القوات أنهم سيحترمون وضع بازوم، نقلت وكالة فرانس برس عن مصدر مقرب من الرئيس قوله: «إن الحرس الذين رفضوا الإفراج عن الرئيس تلقوا إنذارًا من الجيش».

وأفادت تقارير بأن قوات موالية للرئيس تتمركز حول القصر ومقر الإذاعة، وقال مكتب الرئيس على مواقع التواصل الاجتماعي إن بازوم وعائلته «بخير» ووصف تصرفات الحرس الرئاسي بأنها محاولة فاشلة للاستيلاء على السلطة، وقال في تغريدة تم حذفها «عناصر من الحرس الرئاسي انخرطت في تحرك مناهض للجمهورية وحاولت عبثًا الحصول على دعم القوات المسلحة الوطنية والحرس الوطني».

وتجمع مئات المتظاهرين، مساء الأربعاء أمام البرلمان الوطني وهم يهتفون «حرروا بازوم» قبل أن يتوجهوا إلى القصر الرئاسي، بعد ذلك بوقت قصير، أفاد صحفيون في الموقع أنهم سمعوا إطلاق نار من الحرس الرئاسي على ما يبدو وكان موجهًا نحو المتظاهرين، وندد الاتحاد الأفريقي والكتلة الإقليمية لغرب إفريقيا (إيكواس) في وقت سابق اليوم الأربعاء بما وصفوه بمحاولة انقلاب.

وطالبت الولايات المتحدة بإطلاق سراح الرئيس المحتجز، وأدان الاتحاد الأوروبي وفرنسا ماحدث وقالوا إنهم يتابعون الأحداث بقلق، وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، الذي تحدث مع بازوم أثناء احتجازه في القصر، إن الشراكة الاقتصادية والأمنية مع النيجر تعتمد على استمرار الحكم الديمقراطي.

وأدانت الأمم المتحدة ما حدث، وأعلن الأمين العام للمنظمة، أنطونيو غوتيريش، أنه تحدث إلى الرئيس وعرض دعم الأمم المتحدة الكامل له.

وتوجه باتريس تالون، رئيس دولة بنين المجاورة، إلى النيجر بعد ظهر الأربعاء لتقييم الوضع بعد اجتماعه مع الرئيس النيجيري ورئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بولا تينوبو، وقال تالون للصحفيين في العاصمة النيجيرية أبوجا «سنستخدم كل الوسائل إذا لزم الأمر لاستعادة النظام الدستوري في النيجر» مبينًا أنه يفضل أن يتم ذلك بطريقة سلمية.

ويعيش في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا 24 مليون نسمة، وتعد من أفقر الدول، وتعاني من الجفاف والفيضانات وانفلات الوضع الأمني وسوء الأحوال المعيشية.

حزام الانقلابات

تمت الإطاحة بالرئيس على يد قائد الحرس الرئاسي، الجنرال عمر تشياني، الموجود منذ عهد الرئيس السابق محمدو إيسوفو، والذي أبقاه بازوم في منصبه عندما تولى السلطة عام 2021، لكنه في الأيام الأخيرة كان بصدد إقالته، فاستبق تشياني القرار المرتقب وأطاح برئيس الدولة التي كانت إحدى آخر الدول في منطقة الساحل التي تتمتع بحكم مدني، ووسط صراع النفوذ بين الرئيس السابق محمد إيسوفو وبازوم، حاول الأخير تقليص نفوذ خصمه بإقالة عناصر الموالين له، ومنهم قائد الحرس الرئاسي.

كان بازوم نفسه من بين رجال عهد إيسوفو (2011 – 2021)، حيث تنقل بازوم بين أهم المناصب كوزارتي الداخلية والخارجية، لكنه فاز في 21 فبراير/ شباط 2021 بالانتخابات الرئاسية بعد حصوله على 55 بالمئة من الأصوات في مواجهة الرئيس الأسبق ماهامان عثمان (1993 – 1996) الذي لم يعترف بهزيمته ودعا إلى التظاهر السلمي لرفض نتيجة الانتخابات.

بازوم هو أول رئيس للنيجر من أصول عربية؛ حيث يرجع أصله إلى قبائل بني سليم القادمة من نجد بالجزيرة العربية، وتعد عملية انتقال السلطة سلميًا بين إيسوفو وبازوم الأولى من نوعها في تاريخ النيجر بين رئيسين منتخبين بطريقة ديمقراطية، وخلال عهده واجه بازوم تحدي انتشار تنظيمي القاعدة وداعش غربًا على الحدود مع مالي وبوركينا فاسو.

شهدت النيجر أربعة انقلابات عسكرية منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، ومحاولات عديدة للانقلاب تم إحباطها، كان آخرها في مارس/آذار 2021 ، عندما حاولت وحدة عسكرية الاستيلاء على القصر الرئاسي قبل أيام من أداء بازوم اليمين الدستورية، بعد نجاحه في الانتخابات.

وأتت تلك الأحداث ضمن سياق إقليمي شهد حدوث انقلابين في مالي واثنين في بوركينا فاسو منذ عام 2020، كما انتزع المجلس العسكري السلطة في غينيا في عام 2021، مما ساهم في عدم الاستقرار في منطقة بدأ يُنظر إليها كـ «حزام انقلابات»، وأدت الإحباطات بشأن إخفاق هذه الدول في التنمية وعجزها عن وقف الهجمات الإرهابية إلى إفشال الحكومات السابقة وتمهيد وقوع الانقلابات ضدها.

روسيا: المستفيد المفترض

يمكن اعتبار نجاح الانقلاب بمثابة سقوط آخر قلاع فرنسا في منطقة الساحل والصحراء، بعد أن طُردت قواتها من مالي وخسرت نفوذها في بوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، ووثقت هذه الدول علاقاتها مع موسكو، مما دعا المتابعين لتوقع وجود دور روسي في محاولة الانقلاب بمجرد وقوعه بالنظر إلى السياق الإقليمي العام.

ويعتبر المحللون الغربيون أن بازوم كان الأمل الأخير للغرب في منطقة الساحل، فقد أنفقت فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أموالًا كثيرة لدعم نفوذهم في النيجر، وتقول الولايات المتحدة إنها أنفقت نحو نصف مليار دولار خلال العقد الأخير تقريبًا على النيجر التي تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية وأربع قواعد فرنسية، وتعد مركزًا لقوات حلف الناتو في منطقة الساحل، لذا من المتوقع أن يؤدي الانقلاب -الذي يعد السابع في منطقة غرب ووسط القارة منذ عام 2020- إلى تقليص النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وتوسع النفوذ الروسي على حساب الوجود الغربي، فموسكو شكلت الراعي الدولي للانقلابات السابقة ووفرت لها الدعم.

فحتى وقت قريب كان الغرب يعتبر الصين المنافس الرئيسي في أفريقيا، لكن في الآونة الأخيرة بات يُنظر بقلق عميق إلى دور روسيا التي تنشر مرتزقة فاجنر في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وغيرها من الدول، ورغم خروجه من روسيا بعد تمرده الأخير، فإن رئيس ميليشيات فاجنر، يفجيني بريجوجين، دعا رجاله مؤخرًا للتركيز على أفريقيا.

ويفتتح الخميس الرئيس فلاديمير بوتين القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبرج، حيث يستضيف 17 زعيمًا أفريقيًا، وهي قمة بات حضورها له دلالات مقلقة للغرب، برغم تراجع عدد الرؤساء الحاضرين مقارنة بالقمة السابقة عام 2019، التي حضرها 43 زعيمًا أفريقيًا، إذ يكرس بوتين نفوذه في القارة السمراء على حساب النفوذ الغربي المتراجع.