صباح اليوم، الجمعة، أصدرت المحكمة العليا الباكستانية قرارها بعدم أهلية رئيس الوزراء «نواز شريف»، لتضع حزبه الحاكم «الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف» أمام خيارٍ أوحد، وهو اختيار خليفةٍ له حتى موعد الانتخابات العامة، المزمع انعقادها في 2018.

ويأتي القرار بأغلبية أعضاء المحكمة، الخمسة، بعدما وُجهت لنواز وعائلته تهم تتعلق بالفساد المالي، على إثر تسريب وثائق بنما 2015، التي ربطت أبناء رئيس الوزراء بشركات مُسجّلة خارج باكستان. وكانت قد نشرت نحو 11 مليون وثيقة سرية مسربة من وثائق شركة «موساك فونسيكا» للمحاماة، أنشطة مالية في الخارج لسياسيين ورجال أعمال وزعماء، وأثرياء من الصفوة في أرجاء العالم.

وجدير بالذكر أن المحكمة ذاتها قضت في أبريل/نيسان الماضي بعدم وجود أدلة كافية للفساد لعزل نواز شريف من منصبه كرئيس للوزراء، و أمرت بمزيد من التحقيقات، وهو القرار الذي اعتبره في حينه، حزب شريف وعائلته نصرًا مؤزرًا ما لبث أن تبدل في غضون أشهر قليلة.

وتورط في تهم الفساد هذه أبناء نواز الثلاثة، ابنته مريم «التي بدأ نجمها يلمع مؤخرًا في عالم السياسة، ويُعتقد أنها وريثة أبيها في عالم السياسة»، وولداه حسن وحُسين، وأوصت المحكمة اليوم بعد قرارها بعدم الأهلية، بضرورة فتح تحقيقات جنائية مع أبنائه الثلاثة لتورطهم في الانتهاكات المالية محل المباشرة.

وكانت أسرة شريف في الأشهر القليلة الماضية تجادل عن الأغراض السياسية لهذا الهجوم على رئيس الوزراء، لاسيما مع تصدر زعيم المعارضة عمران خان للهجوم، ومواصلته ملاحقة نواز في الإعلام وتهديده إذا ما تم تجاوز الأمر بالدعوة لاحتجاجات شعبية لا تبقي ولا تذر. وعليه تُعد الإطاحة بشريف صباح اليوم انتصارًا كبيرًا لقوى المعارضة، التي ما عليها سوى الإعداد الجيد للانتخابات العامة لعام 2018.

وكانت لشريف محاولاتٌ سابقة لتجاوز الأزمة عقب التسريبات، ربما هي ما أودت بمستقبله السياسي إذ ما قدرها الرجل حق قدرها؛ حيث شكل بنفسه في أبريل/نيسان من العام الماضي لجنة لتقصي الحقائق حول ما نُشر عن عائلته، وقال في مقابلة تلفزيونية «لقد قررت تشكيل لجنة قضائية عالية المستوى برئاسة قاضٍ متقاعد من المحكمة العليا. وستقرر بعد التحقيق ما هو الحقيقي في هذه المزاعم وما هو مدى الاهتمام الذي تستحقه»

وواصل حديثه بأن هذه الخطوة أتت بعدما نصحه أحد أصدقائه بأن يبقى بعيدًا عن القضية لأنه ليس متورطًا فيها، فأولاده راشدون مسؤولون عن تصرفاتهم، وطالب نواز في حينها معارضيه بالذهاب لهذه اللجنة وتقديم ما لديهم من مستندات، ليعلم كل باكستاني حقيقة الأمر، لكن جاءت الرياح بما لا يشتهي نواز.

وجدير بالذكر كذلك أن شريف أزيح من السلطة، كرئيس للوزراء، ثلاث مرات،المرة الأولى حين وصل للسلطة نوفمبر/تشرين الثاني 1990 وأزيح بعدها بسنوات ثلاث بحجة أن وكالة الاستخبارات الباكستانية زورت لصالحه الانتخابات، لكنه عاود الترشح فبراير/شباط 1997 وأزيح بانقلاب عسكري ونفي إلى السعودية 1999م، وألغي معهما منصب رئيس الوزراء إلى أن أُعيد في 2002.

وتكون هذه هي المرة الثالثة التي يُستبعد فيها شريف من منصبه، بعدما حققه من إنجازات على أرض الواقع؛ خفف من أزمة الكهرباء، وساهم في تطوير البُنى التحتية، وخفف إلى حدٍ كبير التوترات مع الهند، مما جلب نقمة المؤسسة العسكرية عليه، و لا يُستبعد أن تكون المحكمة العليا قد تلقت الضوء الأخضر لعزله من قِبل الجنرالات، لتدخل البلاد في نفقٍ من الفوضى السياسية على عادتها، إذ لم يُتم أي من رؤساء الوزراء الباكستانيين فترة حكمه الخمس سنوات منذ الاستقلال في 1947، ويُعتبر أول رئيس للوزراء بعد الاستقلال (لياقت علي خان) أكثرهم مكوثًا في السلطة، لكنه في النهاية أُغتيل ولم يُتم مدته كاملةً.

غير مُتخيل اليوم في إسلام آباد أن الرجل القوي وأسرته قد سقطوا للأبد، كورق الشجر في خريف العام، و يشير أكثر المحللين إلى أن الرجل المخضرم سيقود حزبه للفوز بالانتخابات العامة القادمة، متخطيًا حاجز الهزيمة الشخصية ومتمتعًا بما حققه من إنجازات مشهودة، ولهذا يصر معارضوه على الإمعان في هزيمته بملاحقة أفراد أسرته جنائيًا، فأي خريفٍ هذا الذي تُقبل عليه إسلام آباد بصدرها العاري!