ظهر فيروس كورونا كأحد أبرز التهديدات التي واجهت البشرية، حاملًا معه تغيرات عدة في آليات عمل المجتمعات. وانطلاقًا من تأثيره على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلدان العالم، فإن من الواضح أن له أثرًا كبيرًا على حالة السلم الدولي. من هنا كان إصدار معهد الاقتصاد والسلام تقريرًا خاصًا تحت عنوان «كوفيد-19 والسلام»، يعالج التأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة، وآليات وفرص التعافي. وهو ما نعرض له في هذا التقرير.

نظرة عامة

بدأ وباء كورونا في ووهان الصينية أواخر 2019، وانتشر عالميًا أوائل 2020، ولجأت حكومات العالم لتدابير احتوائية كالعزلة الاجتماعية والإغلاق مما أدى إلى تراجع اقتصادي حاد. وقد أثّر الفيروس على جميع دول العالم بغض النظر عن مستويات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، على عكس الأوبئة الأخرى في هذا القرن، حيث قد اقتصر 11 من أصل 18 وباءً شديدًا على المناطق ذات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة إلى المتوسطة.

وعن سبب انتشار الفيروس بسرعة كبيرة في الدول الأكثر تقدمًا كالولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة، يشير التقرير إلى محورية دور معدلات السفر الجوي المرتفعة في تسهيل انتقال العدوى وارتفاع أعداد الإصابات وانتشار الفيروس في شهوره الأولى. كما يرى التقرير باحتمالية أن يكون معدل الوفيات المعلن أقل من الحقيقي بسبب معدلات الاختبار المنخفضة في الفترة الأولى للوباء، مما سمح بوفاة العديد من الحالات دون اكتشاف إصابتهم.

وقد سلّطت الجائحة الضوء على مدى ترابط وتعقيد النظام الاجتماعي والاقتصادي العالمي وهشاشته، حيث انهارت في غضون أسابيع أنظمة السفر والتجارة العالمية وتم إلغاء حقوق وحريات كانت تعتبر أمورًا مفروغًا منها كحرية التنقل.

وسعى المواطنون بشدة وخوف للحصول على الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، حتى شهدت بعض المدن طوابير طويلة لشراء المواد الغذائية التي شاع اكتنازها أيضًا.

وقد واجهت الحكومات الحاجة للاختيار بين الصحة والاقتصاد، وفي وقت سجّلت فيه الدول معدلات عالية للعدوى، انصب تركيز حكومات على دفع عجلة الاقتصاد. ويرى التقرير أن فكرة انتشار العدوى ستظل ذات تأثير كبير على الاقتصاد حتى يتم العثور على علاج أو لقاح.

كورونا: تأثيرات سياسية واجتماعية

ستعاني الدول الهشة بشدة جراء الجائحة بسبب الانكماش الاقتصادي الذي سيرفع معدلات الفقر والبطالة بالإضافة إلى حظر السفر الذي أوقف السياحة وعطّل عمليات الإغاثة العلاجية والغذائية، مما قد يدفع بهذه البلدان نحو صراعات أهلية، كما سيضغط تخفيض ميزانيات المساعدات الخارجية على البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات والتي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية كـ ليبيريا وأفغانستان وبوروندي وجنوب السودان.

وقد حذّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من أن بعض المجتمعات ستواجه «أزمة داخل أزمة»، حيث يُضاف إلى خطر الإصابة بـالفيروس خطر المجاعة بفضل عمليات الإغلاق التي تمنع الناس من كسب المال اللازم لإطعام أسرهم، فيشير التقرير إلى أن العديد من البلدان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية كانت تواجه بالفعل انعدام الأمن الغذائي قبل الجائحة التي من المتوقع أن تفاقم من هذا الوضع. وستشهد دول مثل فنزويلا وبوروندي واليمن نقصًا حادًا في الغذاء.

وستجد دول العالم صعوبة أكبر في سداد ديونها جراء الانكماش الاقتصادي الذي سبّبه الوباء، ويرجح التقرير أن يؤدي الجمع بين المديونية وضعف النشاط الاقتصادي إلى تزايد الفقر والانهيار الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والمظاهرات العنيفة والاشتباكات على غرار الحالة اللبنانية. أمّا البلدان ذات التصنيف الائتماني الضعيف كـ البرازيل وباكستان والأرجنتين وفنزويلا قد لا تتمكن من الاقتراض بما يكفي للحفاظ على تعافيها الاقتصادي، مما يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار السياسي وأعمال الشغب والعنف.

وستعاني بعض البدان على مستوى الأمن الداخلي، فقد أدى الوباء وضعف أسواق النفط إلى تفاقم أزمة الأمن الداخلي والأزمة الإنسانية في فنزويلا، وأغلقت كولومبيا والبرازيل ودول أخرى حدودها مع فنزويلا مما تسبّب في تزايد مصاعب الفنزويليين. كما حذّرت إيران من أن تأثيرات الوباء تشكل تهديدًا للأمن الداخلي في ظل العقوبات الأمريكية.

بالإضافة إلى رصد حالات شغب بسجون فنزويلا والبرازيل وإيطاليا نتيجة غضب السجناء من القيود الجديدة المرتبطة بكورونا. وشهدت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبولندا احتجاجات ضد إجراءات الإغلاق، بينما تظاهر ملايين البرازيليين ضد التعامل الحكومي –الذي رأوه دون المستوى- مع الوباء.

ورغم أن القيود المفروضة على حركة المواطنين قد حدّت من الاحتجاجات في العالم، إلا أنه من المرجح تزايد التظاهرات وأعمال الشغب والإضرابات في السنوات العشر القادمة نتيجة للتوترات السياسية والاجتماعية التي أحدثها الوباء وتداعياته الاقتصادية وحالة الإحباط التي سبّبها بفقدان سبل العيش والحد من الحركة، بما يؤثر سلبًا على الاستقرار السياسي.

وسيؤثر هبوط أسعار النفط على الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط كـ السعودية والعراق وإيران، كما قد يحد الوباء من قدرة العراق على مكافحة داعش. وستجد دول عديدة صعوبة في توفير التمويل اللازم لتدخلاتها الخارجية كـ الدعم السعودي للحكومة اليمنية، والدعم التركي والروسي للأطراف في سوريا، والدعم الإيراني للميليشيات الشيعية المسلحة. كما أن الانكماش الاقتصادي لدول منظمة التعاون والتنمية يمكن أن يخفِّض مساهمات حفظ السلام.

كما زاد الوباء من التوترات الدولية -خاصة بين الولايات المتحدة والصين- مما يؤثر على عمل المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية –التي كانت أحد نقاط الخلاف الصيني الأمريكي- ومنظمة التجارة العالمية ومجلس الأمن الذي لم ينجح في صياغة وقف عالمي لإطلاق النار خلال الوباء. لكن جدير بالذكر أن الوباء قد خفِّض من معدلات الوفيات الناتجة عن المعارك والصراعات المسلحة بانخفاض معدلات المعارك في النصف الثاني من 2020، مع اتجاهات إلى وقف مؤقت لإطلاق النار واستغلال الأزمة في دفع الأطراف نحو التفاوض.

وبينما شهد الاتجار بالمخدرات وأنواع أخرى من الجرائم كالسرقة والاعتداء والقتل انخفاضًا مؤقتًا نتيجة للعزلة الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، إلا أن هناك تزايدًا ملحوظًا في العنف المنزلي والانتحار والأمراض العقلية والنفسية، بالإضافة إلى تزايد الجرائم السيبرانية خلال فترة الوباء نتيجة تزايد استخدام المزيد من الأشخاص –خاصة الأقل مهارة وخبرة على الإنترنت- للشبكة المعلوماتية للتسوق أو البحث أو للترفيه وغير ذلك، فقد أبلغت Google عن زيادة بنسبة 350% في مواقع «التصيد الاحتيالي الإلكتروني» عقب ظهور الفيروس. كما أنه من المحتمل أن ترتفع معدلات الجريمة وأعمال الشغب مرة أخرى بمجرد تخفيف إجراءات العزلة الإجبارية.

وقد أدى الوباء في أمريكا اللاتينية إلى توطيد سلطة عصابات المخدرات في الأماكن التي تسيطر عليها العصابات وتغيب عنها الدولة، حيث قامت هذه العصابات في البرازيل بتشديد الإجراءات وتطبيق العزلة الاجتماعية وإجراءات الحظر. كما وافقت عصابات المخدرات في الولايات المتحدة على وقف إطلاق النار من أجل الحفاظ على أسرة المستشفيات.

وستتأثر بعض مقومات السلام الإيجابي جرّاء الجائحة، حيث يشير التقرير إلى تدهور في العلاقات الدولية وتراجع مستوى السياحة الدولية، وتراجع مستويات التكامل الإقليمي سواء عبر انخفاض معدلات التجارة الإقليمية نتيجة تعطل السفر وانخفاض الاستهلاك أو عبر العقوبات التجارية أو عبر تدهور التعاون الدولي في المنظمات الدولية كالضغوط التي تتعرض لها منظمة التجارة العالمية أو الصراع الأمريكي مع منظمة الصحة العالمية.

ورغم أن قرارات حظر السفر كانت ضرورة صحية وليست نتاج عداء عنصري واجتماعي، إلا أن بعض الدول شهدت زيادة في حالات كراهية الأجانب والتنميط، نتاج بروز تصور على كون العناصر الأجنبية خطرة وغير مرغوب فيها.

كما أشار التقرير إلى جهود حكومية لمنع وسائل الإعلام من الكشف عن خطورة الأزمة في بعض الدول، وإلى وجود حالات قمع لحرية الصحافة، بما يؤثر على قوة وكفاءة الاستجابات بفعل انخفاض المساءلة.

كورونا والاقتصاد

سجلت الاقتصادات الرئيسية انخفاضات كبيرة في الإنتاج في الربع الأول من عام 2020. وتأثر الإنتاج الصناعي بشكل كبير بالوباء، حيث أعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي هبوط الإنتاج الصناعي الأمريكي لأدنى مستوياته منذ عام 1946.

وانخفضت أسعار النفط نتيجة أزمة الإنتاج الصناعي والنشاط التجاري وزيادة المعروض النفطي من روسيا والسعودية، وعدم التوصل لاتفاق، مما دفع سعر النفط الخام ليصبح سلبيًا لأول مرة في التاريخ في 20 إبريل/نيسان 2020، حيث انهار الطلب بسرعة كبيرة جعلت المنتجين على استعداد لدفع المال للمشترين للتخلص من المخزون الزائد. وهو ما قد يؤدي إلى انهيار صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة ما لم تعد أسعار النفط إلى مستوياتها السابقة.

كما انخفض سعر المعادن والمواد الخام الأخرى نتيجة الوباء. ففي مارس/أذار 2020 انخفضت بشكل حاد المعادن الثمينة كالفضة والبلاتين والبلاديوم والذهب، رغم انتعاش الأخير مرة أخرى. وتعطل السفر الجوي الدولي بشدة نتيجة قرارات حظر السفر، فانخفضت قدرة السفر العالمية في مايو/أيار 2020 بنسبة 70% مقارنة بـ ديسمبر/كانون الأول 2019.

كما ارتفعت بشكل حاد معدلات البطالة في جميع أنحاء العالم نتيجة الإغلاق والعزلة. وفي هذا الصدد يشير التقرير إلى تضرر الدول التي كان لديها قبل الجائحة معدلات بطالة مرتفعة حيث ستزداد البطالة في الوقت الذي تكون فيه اقتصاداتها هشة بالفعل. بينما قد يسهل نسبيًا استيعاب آثار الآزمة وإعادة تأهيل وتخصيص العاملين في الدول التي كانت تحظى بمعدلات بطالة منخفضة قبل الجائحة.

ومع أن جميع القطاعات الاقتصادية تقريبًا تأثرت بالجائحة، إلا أن هناك قطاعات تأثرت بشكل أكبر كالطيران والنفط، كما أن هناك قطاعات كانت أقل تأثرًا أو استفادت من الأزمة كالقطاع الطبي –خاصة البحثي- الذي حقق أداءً جيدًا نتيجة الاستثمارات في البحث عن علاج ولقاح للفيروس، وكذلك قطاع تجارة التجزئة –خاصة المنتجات الغذائية- حيث عوّض بعض التجار انخفاض المبيعات المباشرة بالتسوق عبر الإنترنت وخدمات التوصيل.

وانخفضت عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل لارتفاع أسعارها، مقابل ارتفاع عائدات سندات الشركات. كما زادت فروق أسعار مقايضة التخلف عن سداد الائتمان زيادة حادة في بعض المجالات كالنفط والغاز والسفر الجوي. وانخفضت مؤشرات الأسهم العالمية في فبراير/شباط ومارس/أذار نتيجة إدراك تفشي الفيروس خارج منطقة شرق آسيا، ثم حققت انتعاشًا جزئيًا في إبريل/نيسان ومايو/أيار بفضل حزم التحفيز وخفض أسعار الفائدة. وحققت الأسواق المالية استقرارًا لا ينفي احتمالية معاودة الانخفاض. وبشكل عام كان رد فعل أسواق الأسهم على الفيروس أقل حدة من الأزمات الأخرى.

ويتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضات حادة في النشاط الاقتصادي لمعظم دول العالم في عام 2020، حيث ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 3% قبل أن ينتعش في عام 2021، وذلك إذا تمت السيطرة على الوباء وزاد المعروض النقدي وحل التوترات التجارية بسرعة.

وتعد الصين والهند من الاقتصادات الرئيسية القليلة التي لا يُتَوقع انكماشها خلال عام 2020. كما سيتراجع الناتج المحلي الإجمالي في الدول النامية بدرجة أقل من الدول المتقدمة، إلا أن هذا التراجع سيدفع في الدول النامية عددًا كبيرًا من الأسر تحت خط الفقر.

ولن تتأثر قطاعات الأعمال بالدرجة ذاتها، حيث ستتأثر بشدة قطاعات الطيران والضيافة والسياحة والترفيه والسفر والتجزئة والطاقة والموارد المعدنية والشحن والتعليم والخدمات المصرفية والمالية، بينما قد تتجنب قطاعات الرعاية الصحية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وإنتاج الغذاء حدوث اضطرابات كبيرة، كما يرجح التقرير انتعاش قطاع البناء والآلات الصناعية بمجرد أن تخف حدة الوباء، نتاج شروع الدول في تنفيذ مشروعات بنية تحتية تنعش الاقتصاد وتنشطه.

ومن المتوقع أن ترتفع مستويات الفقر هذا العام، مما سيدفع حكومات الدول التي كان وضعها المالي جيدًا قبل الأزمة إلى الاقتراض من أجل زيادة مدفوعات الرعاية ودعم الشركات بما يخفف من تأثير الوباء على معدلات الفقر فيها. بينما في البلدان التي كانت مُثقلة بالديون بالفعل قبل الوباء، فإن القدرة على دعم النشاط الاقتصادي ستكون محدودة.

سبل إدارة الأزمة وشروط التعافي

توجد عدة ركائز تساعد على الإدارة الجيدة للجائحة منها الإدارة الحكومية الجيدة، ومعدلات الاختبار المرتفعة، ومدى تغطية النظام الصحي للسكان، والتدفق الحر للمعلومات، والعلاقات الجيدة مع البدان المجاورة. وقد تمكنت دول منظمة التعاون والتنمية بفضل الإدارة الحكومية الجيدة من تحقيق أعلى نسب من اختبارات السكان.

كما ستحظى الدول التي تتمتع بانخفاض الديون والضرائب بفرص تعافي أفضل من غيرها، كما أن وجود قطاع أعمال -بما في ذلك صناعات البحث والتطوير- قوي سيكون حاسمًا لجهود الانتعاش الاقتصادي.

وقد حدد التقرير عاملين رئيسيين لمساعدة الدول على التعافي بعد الجائحة، هما: مدى التمتع بمستويات عالية من السلام الإيجابي بوجود مؤسسات فعالة وحكومات تمثيلية على درجة عالية من الشفافية بالإضافة إلى التماسك الاجتماعي. أمّا العامل الثاني فهو مدى التمتع بظروف اقتصادية مواتية قبل الوباء، ويحدد التقرير أربعة مؤشرات للظروف الاقتصادية المقصودة وهي:

  1. انخفاض الدين الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بما يساعد على الاقتراض لتخفيف حدة الانكماش الاقتصادي.
  2. انخفاض الإيرادات الضريبية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي بما يسمح بزيادة الضرائب لتمويل عجز الميزانية.
  3. انخفاض الاعتماد على التجارة الدولية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
  4. انخفاض معدلات البطالة ومرونة سوق العمل بما يسمح بإعادة تأهيل وتخصيص العمال.

ووفقًا للتقرير فإن الصين وإندونيسيا وروسيا والمكسيك وأستراليا هي الدول التي تمتلك فرص انتعاش أفضل بفضل ظروفها الاقتصادية.

ما بعد الجائحة

سلّطت أزمة كورونا الضوء على هشاشة وتعقيد النظام الاجتماعي والاقتصادي العالمي، وستمنح فرصًا لإعادة التفكير في نقاط ضعف الاقتصاد الدولي، وبناء نظام أكثر مرونة وإنتاجية.

فمع أن التجارة الدولية لعبت دورًا حاسمًا في الاقتصاد العالمي، بالاستفادة من المزايا النسبية للبدان المختلفة، إلا أن هناك أهمية لمراعاة الاضطرابات التجارية، فقد أبرزت الأزمة أفضلية في التغلب على صدمات الجائحة للدول التي تتمتع بسيادة اقتصادية مرتفعة، حيث ستكون أقل تأثرًا بأزمات التجارة الدولية.

وأوضحت الأزمة مخاطر الاعتماد على سلاسل توريد متعددة الأطراف لتصنيع وتوريد مكونات المنتج قبل تجميعه، وهو ما دفع بعض الحكومات لإدراج اعتبارات السيادة الاقتصادية في خطط الإنعاش بعد الجائحة، حيث أطلقت اليابان والهند برنامجًا لمساعدة الشركات على تحويل التصنيع من الصين إلى الداخل محليًا أو إلى دول أخرى، كما ناقشت الحكومة والشركات في الولايات المتحدة كيفية إعادة بعض المصانع إلى داخل البلاد، وتعهدت شركات تصنيع الرقائق الإلكترونية الأمريكية مثل Intel ببناء المزيد من المصانع في الولايات المتحدة.

كما سلّطت الجائحة -وعدم قدرة الصين على التصنيع أثناء إغلاقها- الضوء على مخاطر الاعتماد العالمي على الصين لتوريد العديد من المنتجات، ومن المرجح أن تستفيد الدول الآسيوية المجاورة للصين من هذا التوجه. لكن من المهم توضيح أن عمليات نقل سلاسل التوريد ستستغرق وقتًا طويلًا ربما يستمر سنوات أو عقودًا.

في النهاية، فإن الإصدار الذي قمنا بعرضه في السطور السابقة قد عالج العديد من المسائل المرتبطة بجائحة كورونا مُستعرضًا سياق الوباء، والمخاطر والفرص التي طرحها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ومُحدِّدًا لشروط التعافي، وطارحًا بعض الآفاق المستقبلية، في محاولة لفهم ما يعيشه العالم الآن وما سيعيشه عقب الوباء. ولا شك أن وباء كورونا وما يطرحه من آفاق وتغيرات مستقبلية يحتاج إلى الكثير من الكتابات التي تستشرف آثاره على مختلف القطاعات وفي مختلف الدول.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.