لم تكن أسوأ كوابيسهم تصل إلى تخيل الوضع الحالي، الأكثر سوءًا في التاريخ الحديث، فتحت وطأة الحرب هناك 60% من الشعب السوري نازحون عن ديارهم، نصفهم في الداخل السوري والنصف الآخر يتوزع بين دول العالم. المحنة التي لا تنتهي والشتات الذي لا يتوقف، أصبح معها وطنهم محمولًا في صدورهم بين مائة وادٍ ومدينة، إنه شتات الوطن، بل انفجاره، عندما تثاقلت به البلدان لأنه لم يعد يحتمل نفسه.

في 8 يونيو/ حزيران الجاري،تقدم المحامي المصري سمير صبري، بمذكرة قانونية للنيابة العامة، طالب فيها بالرقابة على ثروات السوريين واستثماراتهم في مصر. تبع ذلك دعم مصري كبير للشعب السوري على مواقع التواصل الاجتماعي والترحيب به ضيفًا عزيزًا.

نسعى في هذا التقرير لتقديم قراءة للوضع القانوني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي للسوريين الفارين من لهيب الحرب وممارسات الإقصاء والقتل.


الموقف السياسي والقانوني

توجد فجوة بين المفوضية السامية لشئون اللاجئين والحكومة المصرية حول أعداد السوريين المقيمين في مصر، فالمفوضية تشير إلى أن 137 ألف سوري مسجلون على قوائمها للحصول على اللجوء الإنساني، في حين تشير الحكومة المصرية إلى أن العدد قد تجاوز 550 ألف مواطن سوري فارين من أتون الحرب، كما تشير المتحدثة باسم المفوضية في مصر كريستين بشاي إلى أن العدد قد كسر حاجز 700 ألف سوري، والراجح في تلك الأرقام أنه قد يصل إلى نصف مليون سوري فار من لهيب الحرب السورية إلى مصر.

بذلك تتراجع مصر من المرتبة الثالثة إلى الخامسة في ترتيب الدول التي استقبلت النازحين السوريين، وذلك بعد قبول ألمانيا لأعداد غفيرة منهم خلال الثلاثة الأعوام الماضية، وبعد نزوح أكثر من 300 ألف من أهالي درعا إلى الأردن في يونيو/ حزيران 2018، ليصبح الترتيب كالتالي تركيا (3.3 مليون)، لبنان (1.3 مليون)، أ لمانيا (922 ألفًا)، الأردن (660 ألفًا)، مصر (500 ألف)، العراق (300 ألف).

ويمكن تناول الوضع السياسي والقانوني للسوريين في مصر في أربع مراحل رئيسية، هي كالتالي:

1. عندما استقبلتهم القاهرة بالزهور

كان قبيل تولي محمد مرسي الرئاسة هناك أكثر من 70 ألف سوري قد حطت رحالهم أرض مصر، غالبيتهم من المقتدرين ماديًّا، ساهموا في تأسيس 565 شركة، وفي سبتمبر/ أيلول 2012 قامت السلطات المصرية بترحيل 10 أشخاص إلى سوريا بسبب انتهاء إقامتهم. فجرت تلك الحادثة سيلًا من الاستهجان ضد حكومة هشام قنديل، أدت إلى اتخاذ قرارات وقوانين من قبل الرئيس الأسبق مرسي وحكومة قنديل الداعمين للثورة السورية والمعادين لنظام بشار الأسد، كانت غالبيتها تشجع الهجرة السورية إلى مصر في تلك الفترة، وخصوصًا من لبنان.

تمثلت تلك القوانين في إلغاء التأشيرات بين البلدين إعمالًا لقرارات اتخذتها حكومة نظيف سابقًا وعُلِّقت في فترة ما بعد الثورة، ومعاملة السوريين في الجامعات والمدارس والمستشفيات معاملة المصريين، شمل القرار اليمنيين ومواطني جنوب السودان، كما جرى في أوائل يونيو/ حزيران 2013 غلق السفارة السورية في مصر وخفض التمثيل الدبلوماسي.

أدت سياسة الباب المفتوح التي انتهجها مرسي حيال السوريين إلى ارتفاع أعدادهم إلى أكثر من 300 ألف سوري في البلاد، في أقل من 10 شهور، كان معظمهم يستغل الوضع التعليمي، والكلفة المعيشية المنخفضة، واتخاذ مصر كمحطة للاستعداد المالي للسفر إلى أوروبا. بلغ في حينه وجود أكثر من 30 ألفًا من رجال الأعمال والمقتدرين ماليًّا، ليأسسوا العديد من الشركات بلغت أكثر من 1245 شركة برأس مال تجاوز 201 مليون دولار. بلغت نسبة البطالة وقتها في السوريين المهاجرين إلى مصر ما يقرب من 42%، غالبيتهم من النساء والأطفال [1]، وظل 54% من السوريين المقيمين في مصر تحت خط الفقر.

2. التحريض الإعلامي

أتت تلك الفترة بُعيد الإطاحة بمرسي وحتى نهاية عام 2015، وعلى إثر اتهامات للسوريين بدعم مرسي اعْتُقِلت أعداد كبيرة منهم ورُحِّل البعض، ما أثار موجة استهجان حقوقية، كان من الواضح أن النظام المصري الجديد سيتجه لقبول سوريا بشار على حساب السوريين الفارين، ليمثل بذلك النظام المصري وقتها المثل الصارخ للثورة المضادة.

وفي يوم 8 يوليو/ تموز 2013 صدر قرار بإعادة التأشيرات بين البلدين، ورُدَّت طائرتان قادمتان من اللاذقية ودمشق لعدم حصول ركابهما على تأشيرات سفر، كذلك العديد من السوريين القادمين من الدول الأخرى مثل لبنان والأردن، وجرى التضييق على إعطاء تلك التأشيرات، كما جرى إقرار قوانين الإقامة الصارمة التي جرى فيها التساهل مع السوريين في المرحلة السابقة. كما فُرضت تصاريح أمنية وأخرى بخصوص العمل وممارسته، كانت تلك الفترة هي الأسوأ في المعاملة للسوريين في مصر، وكان أسوأ ما فيها تحريض الإعلام ضدهم، ويمكن وصم تلك الفترة بالكراهية ضد السوريين من قبل الدولة والآلة الإعلامية.

3. الاستغلال

بدأت تلك المرحلة مع نهاية عام 2015 وحتى بداية العام الحالي، تمثلت المرحلة الثالثة في استغلال وضع السوريين دوليًّا؛ ففي ظل الممارسة التركية بالضغط على أوروبا بدفق السورويين إلى أوروبا، أتت السياسة المصرية مشابهة بطلب معونات دولية قُدرت بأكثر من 104 ملايين دولار، بالإضافة للترويج لشرعية النظام السياسي خصوصًا مع تعهدات مصرية للمستشارة الألمانية ميركل بأن مصر مستعدة لاستقبال السوريين، وأنها تهتم أيضًا بالسبل الممكنة لإعادة توطينهم في سوريا. شهدت تلك المرحلة تضخم الاقتصاد السوري في مصر ليناهز مليار دولار، أي ما يشكل 1% من الاقتصاد المصري تقريبًا.

انعكس الموقف السياسي على إصدار القوانين والتشريعات، تمثلت جميعها في أنها سمحت بتدفق اللاجئين ببطء وبشكل حذر جدًّا، كانت أهم تلك القوانين قانون لم الشمل للأسر التي يقيم بعض أفرادها خارج مصر، كما عُدِّل قانون مساواة السوريين في الجامعات، فالحاصل على شهادة ثانوية مصرية يُعامل كمصري، والحاصل على شهادة سورية أو يمنية تُخفض له التكاليف بنسبة 50% من الرسوم كأجنبي، ويُعامل الحاصل على شهادة ثانوية من أي دولة أخرى كأجنبي، على أن تتم المحافظة على المساواة في المدارس.

كما تقرر رفع رسوم إقامة المرافق، ومنح السوريين حق إصدار رخصة القيادة كمصري، لكن تجدد في موعد الإقامة، فالحاصل على البطاقة الصفراء «طلب اللجوء» تجدد له كل 6 أشهر، ولو حصل على الخضراء «بطاقة اللجوء» أو الإقامة السنوية تجدد كل عام، وقوانين أخرى مثل رفع الإعفاءات الجمركية عن البرادات السورية.

4. متى تعود الطيور المهاجرة؟

المرحلة الرابعة التي تتشكل الآن نابعة من رغبة النظام المصري في قبول النظام السوري دوليًّا، وإعادة الاعتراف به، وذلك يتطلب عودة السوريين إلى موطنهم، في ظل عجز دولي عن التكفل بنفقات السوريين الفارين من الحرب الأهلية هناك.

تمثلت تلك الرغبة المصرية في دعوة المحامي المقرب للنظام سمير صبري بالتضييق على استثماراتهم، أو دفعهم نحو شراء الجنسية المصرية بعشرة آلاف دولار، أو تأمين الإقامة الدائمة بمبلغ بنكي، إلا إن تلك الخطة تخاطب ما يقرب من 35 ألف مقتدر ماليًّا فقط، وهي نسبة أقل من 10% من السوريين المقيمين في مصر، لننتقل إلى دراسة تلك المرحلة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية.


نظرة على اقتصاد الهجرة واللجوء

أغلب الدراسات المعنية بـسؤال التأثير الاقتصادي الذي يقع على البلدان جراء استضافتها لأعدادٍ كبيرة من المهاجرين، تشدد على صعوبة الخروج بإجابة حاسمة عن هذا السؤال، حتى مع توافر بيانات وافية عن اللاجئين والمهاجرين، نظرًا لوجود الكثير من العوامل المتشابكة المؤثرة على الأداء الاقتصادي في أي فترة من الفترات.

بوضع هذا في الاعتبار، فإن دراسةضخمة أجريت على 15 دولة في غرب أوروبا خلصت إلى أن تدفق المهاجرين ارتبط بتحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي في تلك الدول في غضون خمسة أعوام، إذ تنخفض معدلات البطالة ويرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ودراسة أخرى تناولت خمسة بلدان شهدت تدفقًا ضخمًا للاجئين السوريين عقب الحرب – من بينها مصر – خرجت بنتائج مشابهة، إذ وجدت ارتباطًا بين نسبة زيادة تدفق اللاجئين وتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي [2].

من العوامل المهمة التي تلعب دورًا في تحديد الأثر الاقتصادي للجوء، متوسط الوقت الذي يستغرقه اللاجئ في الانتقال من مرحلة الاعتماد على دعم الدولة المضيفة إلى ممارسة نشاطٍ اقتصادي يولد أرباحًا تزيد عن تكلفة معيشته على الخزانة العامة.

في الولايات المتحدة – على سبيل المثال –يستغرق اللاجئ في المتوسط ثمانية أعوام منذ وصوله إلى مستقره الجديد وحتى تحوله بنجاحٍ إلى مساهم إيجابي في الخزانة العامة. ومن هذه الزاوية، يمكن اعتبار المساعدات المالية التي حصل عليها اللاجئ من الإدارة الأمريكية في بداية إقامته استثمارًا، له عائد إيجابي على المدى القصير والمتوسط، ومن ثم لا يمكن اعتباره عبئًا على الاقتصاد الأمريكي.

واستطاعة اللاجئ رد المساعدات التي حصل عليها من الدولة المضيفة متوقفة على عاملين؛ أولهما سرعة اندماجه في سوق العمل، كي لا يقضي مدة طويلة تتراكم فيها تكاليف الإعانات المقدمة إليه، وهذا بدوره يتطلب فعاليةً في إنفاق المساعدات من أجل تطوير مهارات اللاجئين والمهاجرين وإعدادهم لسوق العمل في أقرب وقت. أما العامل الثاني فهو أن يولد اللاجئ عائدات ضريبية من أنشطته الاقتصادية، ما يُحتِّم أن يكون عمله جزءًا من سوق العمل الرسمية الخاضعة لرقابة الدولة المضيفة، وأن تتمتع الدولة المضيفة بنظام ضريبي على قدر عالٍ من الفعالية ومستويات عالية من الالتزام الضريبي.


هل يثقل اللاجئون السوريون كاهل الاقتصاد المصري؟

هناك هوة شاسعة بين تقدير المحامي سمير صبري لحجم الاستثمارات السورية في مصر، الذي وضعه صبري عند 23 مليار دولار أمريكي، وبين التقديرات الرسمية. وفقًا لتقرير نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 2017، فإن حجم استثمارات اللاجئين السوريين في مصر منذ بدء الحرب السورية في 2011 يصل إلى 800 مليون دولار. وفي العام نفسه، تباهى محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية بأن عدد الشركات المملوكة للسوريين في مصر وصل إلى 4100 شركة، برأس مالٍ يبلغ 1.9 مليار دولار.

وقد أفاد تقرير حكومي صدر في أواخر 2018، مستندًا إلى بيانات من وزارة الاستثمار والتعاون الدولي ووزارة التجارة والصناعة، بأن تدفق رءوس الأموال الناتج عن إنشاء مستثمرين سوريين لشركات جديدة قد زاد بنسبة 30% في التسعة الشهور الأولى من عام 2018 – مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق – برصيد 818 شركة، انفرد السوريون بربع الشركات المؤسسة بواسطة أجانب في تلك الفترة، بتدفق يقترب من 70 مليار جنيه.

قد تغرينا الأرقام والدراسات بالقفز إلى استنتاجٍ قد يبدو منطقيًّا للوهلة الأولى. بما أن الجالية السورية في مصر تُسهم إسهامًا إيجابيًّا في الاقتصاد المصري، فإن فتح الباب أمام المزيد والمزيد من اللاجئين سيؤدي إلى تدفق المزيد من رءوس الأموال والعمالة الماهرة، مما يعني عائدًا إيجابيًّا أكبر على اقتصادٍ في أمسِّ الحاجة للاستثمارات. ومن هذا المنطلق صار حجم استثمارات السوريين وأثرها البادي في تحسين قطاعاتٍ بعينها، خاصة في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الحُجة الأهم في الدفاع عن الجالية السورية واللاجئين السوريين في مصر ضد هجمات العنصرية والإقصاء.

لكننا نقع في خطأ جسيم حين نفترض أن الجالية السورية في مصر مجتمع متجانس، يتمتع جميع أفراده بالمهارات والخبرة ورأس المال اللازم لإحداث أثرٍ إيجابي في الاقتصاد المصري.

في 2015، خرجت المفوضية السامية لشئون اللاجئين بتقريرٍصادم عن حالة السوريين في مصر الذين يُفترض أنهم أفضل حالًا من أقرانهم في البلدان االأخرى كلبنان – على سبيل المثال – يقر بأن 90% من اللاجئين السوريين الذين شملهم الاستطلاع، المقدر عددهم حينها بنحو 85 ألفًا، يعيشون على أو تحت خط الفقر الذي حددته المفوضية، وشدد التقرير على أن المفوضية في حاجة ماسة إلى المساعدات المالية لتوفير احتياجاتهم الأساسية. وما زالت شكاوى المفوضية من ضعف التمويل مستمرة إلى اليوم، إذ تعمل بـ 4% فقط من الميزانية المخصصة لدعم اللاجئين في مصر، ما يحرمهم من شبكة دعمٍ بالغة الأهمية.

وتدعم نتائج التقرير دراسة نُشِرت في 2017 عن التكاليف الباهظة للرعاية الصحية التي يتحملها اللاجئون السوريون، إذ وجدت أن نصف اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن تكاليف الرعاية الصحية وغياب الاستفادة الفعلية من مظلة التأمين الصحي أدت إلى إفقارهم [3].

تجتمع تلك العوائق معًا لتحول دون الإدماج الفعال لشريحة لا يُستهان بها من اللاجئين السوريين في سوق العمل الرسمية، مع تقليص احتمالات تحقق هذا في المستقبل. لا يسري هذا بالطبع على العمالة السورية المتمتعة بمهاراتٍ متميزة في مجالات إدارة الأعمال والتسويق، والتي حققت نجاحًا ملموسًا في التكامل مع العمالة المصرية المفتقرة بشكلٍ كبير إلى المهارات نفسها، ومن ثَمَّ كان أثرها على المجتمعات المحلية في بعض مناطق القاهرة والجيزة إيجابيًّا وملحوظًا.

لكن تجدر أيضًا ملاحظة أن هجرة السوريين بعد 2011 لم يكن دافعها الرئيس تردي الأوضاع الاقتصادية، بل نشوب نزاعٍ مسلح يهدد حياة المواطنين السوريين تهديدًا بالغًا. يعني هذا أن الوافدين تتفاوت مهاراتهم ومستويات تعليمهم وحالتهم المادية تفاوتًا كبيرًا، إذ تغيب تلك الاعتبارات عادة أمام الكارثة الإنسانية المحدقة. هنا يوضع السوري – الأقل حظًّا ومهارة – في منافسة مباشرة مع أبناء المجتمعات المحلية، الذين يعانون بالفعل من وطأة برامج اقتصادية مكثفة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، شملت تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود جزئيًّا.

وأخيرًا، نظرة على الوضع الحالي للنظام الضريبي المصري كفيلة بإدراك عدم أهليته للاستفادة الكاملة من اللاجئين، فقد صرح عبد العظيم حسين، رئيس مصلحة الضرائب في مايو/ آيار أن حجم الاقتصاد غير الرسمي والتهرب الضريبي في مصر ضخم جدًّا، ويصعب بمكانٍ حصره، وألمح إلى تصريحاتٍ من مسئولين لم يسمهم تشير إلى بلوغه نسبة 40%، أو 50%، أو أكثر، من حجم الاقتصاد الكلي. علاوةً على ذلك، فإن قلة كفاءة الجهاز الضريبي وتخبطه في إصدار القوانين وإلغائها، إلى جانب الارتفاع المستمر في مستويات الضرائب، كلها تثير حفيظة المستثمرين وأصحاب الأعمال، وتدفعهم إلى الابتعاد عن الاقتصاد الرسمي إلى الاقتصاد غير الرسمي أو ممارسات التهرب الضريبي.


الوضع الاجتماعي

نسبة السوريين الذكور تتجاوز 50.8% في مقابل 49.2% للإناث [4]، 45% منهم تتراوح أعمارهم بين 18 – 39 عامًا، في حين تنتشر البطالة في الإناث بشكل كبير، حيث تتجاوز 65% من الإناث، ويعول الرجال غالبية الأسر السورية في مصر.

يمثل أكثر من 71% من الموجودين في مصر القادمين من دمشق، نظرًا لسيطرة النظام عليها، فكان المخرج الوحيد منها بالطرق الشرعية عبر المطار نحو القاهرة، كذلك فإن القاهرة مثلت فرص عمل في ظل كساد السوق في سوريا جراء الحرب، حتى إن بعض من تواصلنا معهم لم يكن هناك تهديد لحياتهم أو ظروف أمنية اضطرتهم للخروج من سوريا.

ضعف استفادة اللاجئين من منظومة الصحة المصرية يُصاحبه عجزٌ عن تحمل التكاليف غير الرسمية للتعليم المصري، فمع أن الحكومة تجدد باستمرار قرار معاملة الطلاب السوريين معاملة المصريين من حيث القبول في المدارس وسداد الرسوم، تضم المدارس المصرية بالفعل 40 ألف طالب سوري متوزعين على مراحل مختلفة من التعليم، وأكثر من 46 ألفًا في المرحلة الجامعية، ويظل مستوى الطلاب السوريين متأخرًا بين أقرانهم المصريين.

تعجز معظم أسر الطلاب عن دفع تكاليف الدروس الخصوصية، الوسيلة التي تتفادى بها الأسر المصرية التراجع الحاد في منظومة المدارس الحكومية، من فقر في الميزانية وتكدس في الفصول وغيرها. ويدفع هذا بالأسر إلى إخراج أبنائها من التعليم والدفع بهم مبكرًا إلى سوق العمل، لتصل نسبة عمالة الأطفال إلى 35% بين سن 12 – 17 عامًا، في الوقت الذي أصبحت فيه المعيشة في مصر باهظة التكلفة، وليس كما كان في الماضي نظرًا للبرامج الاقتصادية التي تطبقها مصر بالتعاون مع البنك الدولي.

وفي الأخير يشير بول كوليير [5] إلى أن العيب الأساسي الذي قد تسببه الهجرة على الدول المضيفة هو اجتماعي أكثر من كونه اقتصاديًّا، فبالرغم من المشكلات الاقتصادية إذا كانت الدولة نامية أو المكاسب الاقتصادية إذا كانت الدولة المضيفة من الدول الكبرى، فإنها جميعًا ذات نتائج تكون قريبة ومتوسطة المدى، أما المشكلات أو النتائج السلبية على الدول المضيفة فهي تلك التي تتعلق بشكل المجتمع وثقافته في تصوراته حول الآخر – من ناحية الانصهار أو الدمج أو التنوع الثقافي والعرقي – الذي يرمي بظلاله على الثقة والتعاون التي تنخفض في ظل تزايد الهجرة والشتات، وأن العامل الأساسي في ذلك إلى أي مدى تكون المجتمعات المهاجرة «الشتات» كبيرة، فكلما زاد عددها وزادت الهجرة بشكل مطرد وغير مسيطر عليه، فإن هذه المجتمعات تميل للانعزال عن المجتمع الجديد، بالطبع حواجز اللغة والثقافة والدين قد تؤدي إلى مزيد من الانعزال، وفي الحالة السورية فكل تلك التهديدات تكاد تتلاشى وتنعدم باستثناء المؤثر الاقتصادي، الذي هو – بحسب كوليير – قصير المدى.

ظلت مصر على مر تاريخها تقبل جميع الجنسيات والأعراق حتى اختلطت أعراقهم وأنسابهم حتى بأهل سوريا واليمن منذ تاريخها القديم مرورًا بالأفارقة والقوقاز والرومان والجراكسة والسلاجقة، فهل ضاقت بالسوريين ذرعًا اليوم؟


* جميع الإحصاءات الواردة في هذا التقرير لا تشمل جميع السوريين المقيمين في مصر، فقط المسجلين في المفوضية السامية للاجئين.

المراجع
  1. جميع الإحصاءات الواردة في هذا التقرير لا تشمل جميع السوريون المقيمين في مصر، فقط المسجلين في المفوضية السامية للاجئين
  2. Cansu ÜNVER ERBAŞ. (2017). Syrian Refugees In Turkey, Egypt, Iraq, Jordan And Lebanon: Facts And Figures. İktisadi ve İdari Bilimler Fakültesi Dergisi, 22
  3. HANI FARES, JAUME PUIG-JUNOY, INAS SOMBOL. (2017). Catastrophic Health Expenditure and Impoverishment of Syrian Refugees in Egypt. African Journal of Health Economics, Vol. 6 (2)
  4. Maysa Khallaf, Syrian Refugees In Egypt: Challenges of a Politically Changing Environment, AUC 2014
  5. بول كوليير، الهجرة كيف تؤثر في عالمنا، ترجمة مصطفى ناصر، عالم المعرفة 2016.ص 139