في أكثر أيام كأس العالم سخونة، وفي خضم الحديث عن الانتقال من دور الستة عشر إلى ربع النهائي ومنه إلى نصف النهائي، بين أحاديث أخرى عن توديع البرازيل وعن خروج إسبانيا الذي سبقه وعن منشطات روسيا ومفاجآت السويد وأحلام بلجيكا وفجأة صمت الحديث عن كأس العالم وما حوله وتوجه إلى كريستيانو رونالدو. فقط لمجرد أن الأخبار التي ربطته بيوفنتوس بدأت تتزايد وتنتقل من نطاق الشائعات إلى نطاق الأخبار الموثقة.

مما سبق وجب ذكره فقط من أجل إثارة سؤال فلسفي يفتح باب الخيال، إذا كان مجرد خبر يربط اسم رونالدو بالسيدة العجوز بإمكانه فعل كل ذلك، فما بالك بوجود رونالدو نفسه في يوفنتوس آرينا، عزيزي القارئ بإمكانك أخذ دقيقة من التخيل ومن ثم العودة لاستكمال السطور القادمة حتى تستطيع التعايش مع حجم الحدث بالشكل المناسب.


لعبة الأموال

أصبحت الصفقات في عالم كرة القدم الحديثة لا تتوقف عند كونها صفقات لاعبين، فمع انتقال كرة القدم من إطارها كلعبة إلى نشاط اقتصادي من الطراز الأول، ومع انغماسها تمامًا داخل لعبة الأموال، تحول اللاعب من كونه لاعب كرة قدم إلى واجهة إعلانية ودعائية وتسويقية ومصدر ربح مادي قبل أن يكون مصدرًا لتقديم أداء جيد.

في 2009 حقق ريال مدريد ربحًا ماديًا هو الأعلى له في تاريخه من تسويق القمصان بسبب قميص كريستيانو رونالدو حين تعاقد معه في صفقة كانت الأغلى في التاريخ حينها، فضلًا عن تفضيله التعاقد مع بيكهام بدلًا من رونالدينيو عام 2003 فقط لكون بيكهام واجهة إعلانية للعديد من الشركات في الوقت الذي يتمتع فيه رونالدينيو بملامح قبيحة، وقياسًا على ذلك مرت أغلب الصفقات الكبرى لريال مدريد في عهد فلورنتينو بيريز من أجل رفع أسهم النادي بعيدًا عن أسهم التشكيل الذي يخوص غمار المنافسات.

وبين هذا وذاك يمكن الحديث عن انتقال رونالدو المحتمل إلى يوفنتوس، فبالطبع السبب وراء التعاقد مع لاعب في طريقه لعامه الرابع والثلاثين لن يكون فنيًا في المقام الأول على الأقل، وحين يكون اسمه كريستيانو رونالدو فإن تلك الأمور تزداد وضوحًا. يوفنتوس الذي تعاقد مع هيجوايين لإثبات قدرته على انتزاع نجم الغريم بدفع الشرط الجزائي، ولإثبات أن النادي الذي عانى من أزمات مادية منذ سنوات لم تكد تنقضي بعد بات قادرًا على دفع 90 مليون يورو في لاعب واحد.

بالتأكيد مع مرور السنوات وارتفاع القيمة والطموحات والوصول إلى نهائي دوري الأبطال و تحقيق الكالتشيو السابع تواليًا كان من البديهيات أن ترتفع الطموحات من هيجوايين لتصل إلى كريستيانو رونالدو لنفس الأسباب تقريبًا، دون النسيان أن كليهما أيضًا كان مهمًا على المستوى الفني ولكن ليس في المقام الأول كما أشير.


جنة كرة القدم؟

عُرف الدوري الإيطالي بأنه جنة كرة القدم بين المشجعين الطليان في فترة منذ أواخر التسعينات وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي. حينها كان هناك بافيل نيدفيد أفضل لاعب في العالم 2003 و فابيو كانافارو الأفضل في العالم 2006 و ريكاردو كاكا الأفضل في العالم 2007. كان ديربي ميلانو بين ميلان وإنتر هي قمة تجمع الظاهرة رونالدو وجهًا لوجه أمام باولو مالديني وتجمع كريسبو في مواجهة أمام زانيتي، هنالك كانت تخمة من النجوم في لاتسيو وبارما حتى ليس فقط بين الكبار أجبرت الإعلام والفيفا على الاهتمام بالكالتشيو ومحاوطته بالجوائز والألقاب والاهتمام الإعلامي لأنه يجلب الأرباح التي يبحثون عنها.

الأزمة المالية التي ضربت إيطاليا منذ 2010 وأجبرت أنديتها على بيع أغلب نجومها نظرًا لعجزها عن إغرائهم برواتب مرتفعة، وبالتبعية العجز عن إجراء تعاقدات جديدة لنفس الأسباب سحبت البساط تدريجيًا من الكالتشيو وجعلته فقيرًا خاليًا من النجوم إلا في حالات شاذة غالبًا لا تدوم ولا تصمد كثيرًا أمام الإغراءات الخارجية، تدريجيًا أيضًا قلت الموارد نظرًا لقلة المدخلات سواء من الدعاية والتسويق الإعلامي أو عوائد البث التلفزيوني أو عقود الرعاية، قبل أن يبدأ كل ذلك في الانهيار أمام مشروع يوفنتوس واستثمارات ميلانو الآسيوية.

الآن الكالتشيو أصبح بإمكانه استقطاب النجوم ولكن إلى حدٍ معين. لم يتخيل أحدهم يومًا أنه سيستيقظ على أخبار تربط كريستيانو رونالدو نفسه بيوفنتوس، حسابات أخرى تصاحب هذه الصفقة تتعلق بما تم ذكره، فإذا كان كاكا وكانافارو ونيدفيد مجتمعين حصدوا الكرة الذهبية ثلاث مرات فإن رونالدو وحده حصدها خمسًا.

مع الشعبية الهائلة المتمثلة في رونالدو والاهتمام الإعلامي بالدون ستتضاعف قيمة الكالتشيو بالنسبة للجماهير والإعلام والمعلنين والفيفا، يكفي التدليل على ذلك بأن أسهم نادي يوفنتوس في البورصة ارتفعت بنسبة 10% فقط بمجرد ربط اسم كريستيانو رونالدو باليوفي، الاسم فقط فما بالك بحضور رونالدو نفسه مرتديًا القميص.


كيف سيستفيد يوفنتوس من رونالدو فنيًا؟

في حسابات ماروتا وأنييلي فإن المشروع يسير في خطين متوازيين بين الأموال وكرة القدم. يوفنتوس ليس مؤسسة ربحية في المقام الأول وهذا ما تشهد عليه الشواهد، وبالتالي فإن كل خطوة اقتصادية تتم لأسباب تخدم النادي رياضيًا من قريب أو من بعيد، وبالعودة للحديث عن هيجوايين فإن يوفنتوس احتاج إلى مهاجم بهذه القيمة في هذا التوقيت بالذات.

بعد الفشل في نهائيين لدوري الأبطال وبعد الخروج من المسابقة بأدق التفاصيل حان وقت الفوز بها نظرًا لأنه سبع بطولات متتالية للكالتشيو تجعل الثامنة أمرًا اعتياديًا، وسبعة مواسم كان فيها اليوفي قويًا تحتاج لأن تكون بطلًا لأوروبا في ثامنتها، فإن الفوز بالأبطال خلال الموسمين المقبلين أصبح حتميًا وإلا ستبدأ خطوات اليوفي في التوجه إلى الخلف.

من الممكن اعتبار التعاقد مع الهداف التاريخي لدوري الأبطال خطوة إيجابية نحو ذلك، ولكن الاكتفاء بالأرقام يخالف المنطق كثيرًا، وإلا اعتبر التعاقد مع بنزيما خطوة نحو ذات الأذنين بصفته خامس هدافيها تاريخيًا. شخصية رونالدو وخبرته ستضيف كثيرًا ليوفنتوس، ولكنها أيضًا ليست وحدها السبب لأن بوفون هو الشخصية الأعظم هناك ومع ذلك تحتم بيعه رغمًا عن إرادة الطرفين، مع إدارة كإدارة أنييلي وماروتا يمكن الدوران حول العاطفة كثيرًا ومن ثم الدوران حول العاطفة كثيرًا ولكن بعد كل ذلك ستنتهي رحلة الدوران عند التكتيك وكرة القدم بتفاصيلها، رهان رابح دائمًا لا يمكن خسرانه لمن يعرف ماروتا وأنييلي.

خطة فريق يوفنتوس الإيطالي في الكالشيو هذا الموسم والتي تتحول أحيانًا إلى 4-4-1-1

في السنوات الأخيرة اعتمد يوفنتوس على مجموعة من الخطط جميعها لم تخلُ من ثنائي هجومي به ديبالا وهيجوايين. قضى اليوفي أغلب مباريات هذا الموسم بخطة 4-2-3-1 والتي تتحول أحيانًا إلى 4-4-1-1. كما هو واضح في الصورة. في حالة وجود ديبالا في الملعب فهو اللاعب رقم 10 وأمامه مهاجم صريح وهو جونزالو يتولى ترجمة الفرص إلى أهداف، أو إهدارها أيهما أقرب ــ مع بعض الأدوار التكتيكية التي تقتضي عودة هيجوايين إلى نصف الملعب من أجل استلام الكرة ولعب دور المحطة في تحويل مسار اللعب في المرتدات والهجمات المعاكسة وما إلى ذلك.

وبسؤال أكبر كارهي الدون وكبير عشاق هيجوايين فإن الثنائي سيجمعان على كون رونالدو هو الأفضل في تأدية هذا الدور وهو ما يحتاجه يوفنتوس مع تشكيلة كتلك التي يمتلكها. أليجري وماروتا وأنييلي ونيدفيد وجماهير يوفنتوس وعامليه والجميع يعلم أن رونالدو لا يستطيع تأدية أدوار الجناح ومتراجع كثيرًا في المراوغات وما شابه بحكم التقدم في العمر، ولكن الدور الذي المطلوب من أجله هو أفضل من يؤديه، وبالنظر إلى المكاسب الأخرى على المستوى الاقتصادي والإعلامي والجماهيري التي سيحققها يوفنتوس بمجرد التعاقد مع الدون فلا حاجة لذكر أنه اقترب من عامه الرابع والثلاثين، نظرًا لأن الاستفادة الفنية منه ليست مطالبة بتجاوز الموسمين أو الثلاثة على الأكثر.


رونالدو ماديًا

خطة فريق يوفنتوس الإيطالي في الكالشيو هذا الموسم
خطة فريق يوفنتوس الإيطالي في الكالشيو هذا الموسم

أجمعت جميع الصحف والمصادر في إيطاليا أن راتب رونالدو مع يوفنتوس سيصل إلى حوالي 30 مليون يورو، وهو ما يُعادل أربعة أضعاف أعلى راتب في يوفنتوس المقدر بـ 7.7 مليون يورو والذي يتقاضاه جونزالو هيجوايين، مع دفع 100 مليون يورو لريال مدريد كقيمة للصفقة حسب إجماع المصادر أيضًا، وهنا السؤال، أليست هذه خسارة مادية كبيرة ليوفنتوس خاصة وأن رونالدو لن يُباع حتى بنصف القيمة مستقبلًا؟

كل شيء خاضع للأخذ والرد إلا هنا، الإجابة قطعًا ستكون لا، تسويقيًا يوفنتوس قادر على كسب الملايين بمجرد إمساك رونالدو للقميص الأبيض والأسود، عقود رعاية وحقوق بث وتسويق وتوسيع لإطار شعبية النادي ورفع قيمة علامته التجارية وبيع قمصان وحضور جماهيري أكبر وكل ما يدور حول هذه الأشياء سيبدأ يوفنتوس في قطف ثمارها مع رونالدو فقط، فبالتأكيد مع ارتفاع الأسعار خلال العامين الماضيين فإن الفارق بين صفقة هيجوايين وصفقة رونالدو حين يصبح 9 ملايين فقط فإنه لا مبالغة على الإطلاق في الرقم المدفوع لجلب صاروخ ماديرا.

مع بيع محتمل لهيجوايين وتعدد مصادر الدخل لن يعاني يوفنتوس في دفع 30 مليون يورو سنويًا لرونالدو، المسألة مسألة استثمار لا أكثر، تدفع 30 مليونًا للاعب وتسترد أكثر منهم من خلال تفاصيل كثيرة تتعلق به ولن تتحقق إلا في وجوده هو فقط، هذا بالطبع فضلًا عما سيقدمه للفريق فنيًا، والذي ثبت أن الفريق بحاجة إليه وفقًا لما ذكر سلفًا.

إذًا يمكن القول بملئ الفم أن الجميع سيربح من وراء هذه الصفقة، يوفنتوس يحتاج رونالدو ورونالدو يحتاج يوفنتوس. ريال مدريد يحتاج تجربة جديدة مع نجم جديد ورونالدو كذلك يحتاج لتحدٍ جديد، وفي حال تأمل أي من مشجعي الأطراف الثلاثة في هذه الجملة ونحّى عواطفه جانبًا فإنه سيجد نفسه يعنون الصفقة بكلمتين فقط: «ربح البيع»، هذا فقط إن نحّى العواطف وتأمل.