في سبتمبر / أيلول عام 1991، قرر الزوجان الألمانيان «هليموت وإريكا سيمون»، واللذان اعتادا على تسلق الجبال، النزول من إحدى قمم جبال الألب في النمسا، والتي يبلغ ارتفاعها 3600 متر.

بعد ساعة واحدة فقط من تلك العملية، توقف الثنائي بجانب سلسلة من التلال بجوار وادٍ ضيق، والذي كان مغمورًا بالجليد الذائب من الأنهار الجليدية، إلا أنهما لاحظا وجود قطعة بنية أسفل ذلك الجليد وتحديدًا عند العقبة، والتي أصبحت فيما بعد واحدة من أعظم الاكتشافات الأثرية في تاريخ البشرية.

تلك البقعة كانت جثة لرجل الجليد «أوتزي»، الذي عاش في تلك المنطقة منذ 5300 عام. احتفظت الجثة بهيئتها الكاملة حتى الملابس التي كان يرتديها، حيث أرجع العلماء ذلك إلى انخفاض درجات الحرارة بين الثلوج.

إذا قفزنا سريعًا من حكاية «أوتزي» إلى عالم كرة القدم، فسنجد هناك قصصًا أخرى أكثر تشويقًا، وسببها انخفاض درجات الحرارة أيضًا، ولكن في كيفية استخدام الثلوج في عمليات الاستشفاء. ماذا يمكن أن يفعله هذا الانخفاض في أجساد اللاعبين؛ إذا كان لديه القدرة على الاحتفاظ برجل الجليد كل هذه المدة؟ 

برميل الثلج

في عام 2016، انتشرت صورة مثيرة للجدل كان بطلها حارس مرمى منتخب مصر السابق «عصام الحضري»، والذي كان واقفًا في «برميل» للثلج، أثناء معسكر مغلق لفريقه في ذلك الوقت وادي دجلة بالعين السخنة.

فسر الحارس الأسطوري لمنتخب مصر، لاحقًا تلك الصورة، مؤكدًا أن الوقوف في الثلج لمدة 20 دقيقة فقط عقب انتهاء التدريب، يجعله قادرًا على الشروع في تدريب كامل من جديد، ويجنبه الشعور بالإجهاد، وبطبيعة الحال يحميه من الإصابات.

لم يتعمق «الحضري» في التفاصيل العملية حول القصة وقتها، مفضلًا الاسترسال في بيان مدى تحمله لقلة الإمكانيات، من أجل تحقيق حلمه ومواصلة مشواره الذي انتهى بلعب كأس العالم في روسيا 2018؛ إلا أن تلك الصورة هي بمثابة الأساس التي بُني عليه عمليات الاستشفاء للاعبي كرة القدم بالفعل.

من يريد النجاح لا ينظر خلفه. ما فعلته أسلوب احترافي بحت للاستشفاء والمحافظة على العضلات. لست مسئولًا عن فارق الإمكانيات، لكنني مسئول عن حلمي وحلم بلدي وزي ما نحت في الصخر وأنا في دمياط علشان أوصل لحلمي هعمل أي حاجة بأي إمكانيات علشان أكمل الحلم ده.
عصام الحضري.

الكرايوثيرابي

بالنظر إلى لاعب مثل البرتغالي «كريستيانو رونالدو»، نجد أن عمليات الاستشفاء أكثر تطورًا، حيث يعتمد على تقنية تسمى «الكرايوثيرابي – Cryotherapy»، أو العلاج بالتبريد، وهو الشيء الذي يداوم عليه بانتظام منذ عام 2013.

تقوم فكرة الجهاز القائم على تلك التقنية، أن يتواجد اللاعب بكامل جسده داخل الجهاز، في درجة حرارة تصل إلى 100 درجة مئوية تحت الصفر، لمدة 3 دقائق فقط، والذي يُطلق عليه اصطلاحًا التبريد بكامل الجسم «WBC».

يمتلك الأسطورة البرتغالية غرف تبريد لعمليات الاستشفاء تبلغ تكلفتها 50 ألف جنيه استرليني للغرفة الواحدة، مثبتة في قصور إقامته بشكل دائم.
تقارير صحفية.

لا يقتصر الأمر على قائد المنتخب البرتغالي فقط، بل إن نفس الجهاز لعب دورًا حيويًّا في تتويج نادي «ليستر سيتي» الإنجليزي، بلقب البريميرليج التاريخي في موسم 2015 / 2016، وذلك بفضل إنشاء غرفة تبريد كاملة للاستشفاء في مركز تدريبهم الرئيسي.

تعرض بطل الدوري الإنجليزي في هذا الموسم، إلى أقل معدلات في الإصابات بين صفوف لاعبيه، كما أنه كان النادي الأكثر تهديفًا من الهجمات المرتدة في نفس الموسم، وهي البيانات التي تُدلل على نجاح تلك التقنية مع الثعالب.

رغم أن ليستر كان العميل الأول لشركة «cryoaction»، المصنعة للجهاز في ذلك الوقت، إلا أنه بعد نجاح تلك التجربة الفريدة؛ فتحت الباب أمام عدد من العملاء الجدد في أندية البريميرليج، إلى جانب المؤسسات الرياضية الأخرى خارج نطاق كرة القدم.

يبلغ طول وحدة التبريد في نادي ليستر سيتي 7 أمتار، وتسع 3 لاعبين في الدورة الواحدة التي تستمر 3 دقائق، في درجة حرارة 135 تحت الصفر، كما يتم تبريد الحجرة بالكامل بالنيتروجين المسال تحت إشراف الفريق الطبي.
شركة «cryoaction».

جلسات الاستشفاء

يؤدي لاعبو كرة القدم ما يقرب من 700 تغيير في اتجاه ركضهم خلال 90 دقيقة من اللعب، حيث يقطعون متوسط 10 كيلومترات خلال المباراة الواحدة؛ وهو الأمر الذي يجعلهم يشعرون بالإرهاق، نتيجة الضغط الواقع على عضلات الجسد.

لم يُعد التدريب البدني المكثف هو العامل الوحيد الذي يتحكم في أداء لاعب كرة القدم وقدرته على التحمل بخلاف الشائع؛ إذ أصبح التعافي العامل الأهم في تلك القصة، حيث يؤدي الإرهاق الشديد نتيجة تلاحم المباريات إلى الشعور بالتعب ومن ثم انخفاض الأداء، وربما الإصابة في النهاية.

تلك العلاقة شرحها «جريجوري دوبون»، الأستاذ في جامعة ليل الفرنسية، خلال قمة الإصابات الرياضية في ويمبلي عام 2013، والتي عُقدت تحت رعاية «الفيفا»، والذي أشار إلى ارتفاع معدلات الإصابة بـ 6.2 مرة أكثر في اللاعبين الذين لعبوا مباراتين في نفس الأسبوع، مقارنة بمن لعبوا مباراة واحدة في نفس المدة.

العلاجات الفردية التي يوفرها الكرايوثيرابي، يمكن أن تخفف بشكل فعال من انخفاض قوة العضلات بعد التمرين الضار لها، والذي ينتج عنه عادة تلف العضلات، وبالتالي يمكن أن يؤدي التخفيف من ذلك التلف إلى تسريع الاستشفاء.
عدنان حق، محاضر في علوم الرياضة والتمارين الرياضية في جامعة جنوب ويلز.

السر وراء الثلج

لم يستطع الباحثون معرفة حقيقة السر وراء الثلج في عمليات الاستشفاء بشكل دقيق، رغم توافر العديد من الدراسات التي ترجح بشكل مؤكد دوره الحيوي في منع الإصابات عن اللاعبين، وتقليل الضغط على العضلات نتيجة المجهود البدني.

يعتقد باحثون من قسم علم وظائف الأعضاء في المعهد الأسترالي للرياضة، أن حمام الثلج يتسبب في انقباض الأوعية الدموية؛ وهي الآلية التي تساعد في التخلص من فضلات العضلات مثل حمض اللاكتيك، والتي تنتج في الأنسجة المصابة نتيجة المجهود البدني العنيف.

وبحسب الباحثين، فإن النتائج لا تختلف كثيرًا بين حمامات الثلوج التقليدية، والأجهزة التقنية المجهزة التي تعتمد على الهواء البارد بشكل أساسي، إلا أن الأولى تتطلب تجديد الثلوج باستمرار، نظرًا لتحولها إلى مياه سائلة كما في حالة «برميل الحضري».

تلك النتائج، دعمتها دراسة أخرى لباحثتين بولنديتين من جامعة «كراكوف»، والتي أشارت إلى تأثير الثلوج على كافة العمليات الحيوية داخل الجسم، بما فيها تسكين الآلام، وحرق الدهون المسببة لزيادة الوزن، إلى جانب نضارة البشرة، وتقوية العضلات، وغيرها.

ختامًا، تُعد جلسات الاستشفاء أمرًا مهمًّا للاعبي كرة القدم عقب التدريبات والمباريات، والتي تنعكس حتمًا على أدائهم ومعدل إصاباتهم؛ إلا أن الأمر ما زال مفتوحًا للاستفادة من تلك التقنية طبيًّا على صعيد أوسع خلال المستقبل القريب.