مع تزايد الضغوط الدولية على الصين بسبب حملة إبادة مسلمي الإيجور (أو الأويغور)، سمحت بكين بزيارة المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باتشيليت، لإقليم شينجيانج (تركستان الشرقية) في مايو/أيار الجاري. ففي مارس/آذار الماضي تم الإعلان عن بدء الترتيب لهذه الزيارة بعد نحو أربع سنوات من المفاوضات بين مكتب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وحكومة الصين.

وأرسلت الأمم المتحدة فريقاً إلى الصين مكونًا من 5 أعضاء بدعوة من الحكومة، وبعد وصولهم في الخامس والعشرين من أبريل/نيسان الماضي خضع أعضاء الوفد للحجر الصحي في قوانغتشو جنوب الصين قبل أن يُسمح لهم بالتوجه إلى الإقليم المسلم.

وتكمن مهمة الوفد في ضمان أن تحظى مفوضة الأمم بفرصة مقابلة أبناء مجتمع الإيجور من دون إشراف حكومي صيني، بخاصة وأن تلك الزيارة تتم خلال وجود وباء كورونا، وفي ظل وجود قيود كثيرة على السفر والتنقل فقد يُتخذ ذلك ذريعة للتضييق على مهمة الأمم المتحدة.

وفي حال تمت تلك الزيارة ستكون الأولى من نوعها منذ عام 2005، لأنّ الحكومة الصينية تعرقل مثل هذه الأنشطة ولا تمنح المسؤولين الأمميين دعوات لمثل هذه الأغراض؛ فآخر زيارة نظمتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة كانت عام 2005، وتوصلت حينها إلى أن الدولة تمارس التعذيب ضد الأقليات العرقية، لا سيما الإيجور والمدافعين عن حقوق الإنسان، واستغرقت الزيارة آنذاك أسبوعين، وجاءت بعد عشر سنوات تقريبًا من الانتظار حتى تسمح بكين بتلك الزيارة.

وفي عيد الفطر مطلع مايو/أيار الجاري، استبقت السلطات وصول الفريق إلى مدينة كاشغر – إحدى أكبر مدن الإقليم- فنظمت تجمعًا كبيرًا للمصلين أمام أحد المساجد وهم يرقصون بشكل غريب، وبعضهم يرتدي طواقي إسلامية على الرغم من أن الحكومة منعت ارتداء مثل هذه الأشياء في الإقليم، للإيحاء بأن الحكومة تسمح للمسلمين بالاحتفال بأعيادهم، متجاهلة منع إقامة صلاة العيد من الأساس وعدم وجود طقوس راقصة في هذه المناسبة بالشكل الذي ظهر في التجمع الإجباري، حيث أفاد ناشطو الإيجور أن الأجهزة الأمنية أجبرت الإيجور على الرقص وبعضهم من كبار السن لتظهر للعالم أنهم يحيون حياة سعيدة في ظل الحزب الشيوعي، ونشر المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو ليجيان مقطع الفيديو من على موقع «تيك توك» الصيني.

وتواجه المفوضة الأممية اتهامات من نشطاء الإيجور بالخضوع لضغوط الحزب الشيوعي والتلكؤ في نشر التقرير الذي أعدته الأمم المتحدة بخصوص الجرائم التي ترتكبها بكين ضد الأقلية المسلمة، حيث ترفض باتشيليت حتى اليوم كشف محتوى التقرير منذ يوليو/تموز 2021.

ومؤخراً صدرت بيانات مفزعة تظهر انخفاض معدلات مواليد مسلمي الإيجور إلى النصف تقريبًا مما يؤكد الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية بطيئة في الإقليم الذي احتلته الصين عام 1949، كما أظهرت بيانات سرية مسرّبة حصلت عليها وكالة أسوشييتد برس ارتفاعًا شديدًا في عدد المعتقلين الإيجور في تهم تتعلّق بالإرهاب، حيث يحتل إقليم شينجيانج أعلى معدّل اعتقالات على وجه الأرض.

وتظهر القائمة التي تحققت وكالة أسوشييتد برس منها جزئيًا، أن أكثر من 10 آلاف إيجوري تم إرسالهم إلى السجن في منطقة كوناشير وحدها، وأن الضحايا استُهدفوا لمجرد انتمائهم العرقي؛ فمعدلات الاعتقال أكثر من 30 مرة من بقية الصين ولا يمكن منطقيًا تجاهل دلالات ذلك، بخاصة وأن التهم الموجهة إليهم فضفاضة على غرار «إثارة الخلافات والمتاعب» أو «الاستعداد» للقيام بأنشطة إرهابية، بينما اتضح أن هذه التهم تأتي عقب ممارسة أي نشاط ديني مثل الصلاة أو تحذير الزملاء من مشاهدة المواد الإباحية مثلًا فيتم احتساب ذلك نشاطًا إرهابيًا.

معسكرات اعتقال لكنها «تثقيفية»

في البداية أنكرت بكين تمامًا وجود أي معسكرات اعتقال عنصرية عندما أعلنت «لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري» احتجاز مليون مسلم بها في أغسطس/ آب عام 2018، ثم بعد قليل اعترف الصينيون رسمياً لكنهم برروا ذلك بأنه يأتي بهدف محاربة الإرهاب، وأخذت ماكينة الدعاية الرسمية تروج لرواية أن هذه المعتقلات مراكز تدريب لتثقيف الإيجور وتعليمهم مهارات العمل، فمثلًا في أحد البرامج التي بثتها قناة «CCTV»، ظهر مجموعة معتقلين يرتدون زيًا موحدًا يجلسون في ما يبدو أنه فصل دراسي يتعلمون فيه كيفية التصرف في المجتمع ويتلقون تعليمات تقول: «يجب أن أكون متحضرًا وصادقًا وأحترم كبار السن.. وأرتدي ملابس أنيقة، وأحب العمل»، ورددوا جميعًا في انسجام: «أنا مواطن أطيع القوانين والأنظمة» بشكل يظهر أنهم تدربوا عليها لأداء هذا المشهد أمام الكاميرات.

لكن بعد تصاعد حدّة الانتقادات الدولية، أعلنت حكومة الحزب الشيوعي في 2019 إغلاق المعسكرات مدعية أنها كانت عبارة عن مراكز تعليمية وقد تخرج جميع طلابها وانتهت مهمتها إلى أن ذلك لم يحدث أبدًا، مع أنه تم تنظيم زيارات لصحفيي وكالات أجنبية لمعسكرات تم إغلاقها أو تم تحويلها إلى منشآت أخرى.

ولا تختلف الحياة كثيرًا داخل المعسكرات عن الحياة خارجها في ما يتعلق بحرية أداء العبادات، ففي شهر رمضان من كل عام يُحظر على الإيجور الصيام ويتناولون الفطائر بالإكراه أثناء النهار.

وفي الخارج يتم إجبار الموظفين والطلبة على تناول الطعام والشراب نهارًا طيلة الشهر، وفي رمضان الماضي قيّدت سلطات شينجيانغ عدد المسموح لهم بالصيام في رمضان في كل حي، فمثلًا تحدد لجنة الحي أو القرية أسماء عشرين فردًا فقط مسموح لهم بالصيام هذا العام، ويتم اختيارهم غالبًا من المسنين أو من ليس لديهم أطفال لتجنب تنشئة الأطفال على احترام الشعائر الدينية.

القمع يطاردك أينما كنت

في تقرير مشترك صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال «مشروع الإيجور لحقوق الإنسان» (UHRP) وجمعية أوكسوس لشؤون آسيا الوسطى، وهما مجموعتان حقوقيتان مقرهما واشنطن، إن اعتداء الحكومة الصينية على حقوق الإيجور الذين يعيشون في العالم الديمقراطي توسع بشكل كبير منذ عام 2017. ففي تقرير بعنوان «عائلتك ستعاني»، تم تتبع كيف تقوم الصين بترهيب الإيجور المقيمين في الديمقراطيات الليبرالية، إذ لا تسمح الحكومات الغربية بتسليمهم لبكين، وعوضًا عن ذلك ترسل الأجهزة الأمنية الصينية تهديدات يومية لهم عبر الإنترنت وتضطهد أقاربهم وتتخذ ذلك وسيلة للضغط عليهم.

ويعول الإيجور على المهاجرين في الخارج في الحفاظ على ثقافتهم ولغتهم التي أصبح من يدرسها داخل الإقليم مجرمًا في نظر السلطات، فقد تم توثيق اختفاء المئات من أفراد النخب الثقافية والفكرية خلال الآونة الأخيرة؛ ورصد تقرير بعنوان «اختفاء النخب الفكرية والثقافية الإيجورية » نُشر في 8 ديسمبر/كانون الأول من قبل مشروع الإيجور لحقوق الإنسان ، وهو مجموعة مناصرة لحقوق الإنسان مقرها في واشنطن، أسماء 312 من العلماء والأساتذة والشعراء والموسيقيين والأطباء والكتاب، اختفوا بشكل غامض بين عامي 2016 و2021.

ويشرح صالح حديار، رئيس وزراء حكومة تركستان الشرقية في المنفى، في تصريح لمجلة «نيوزويك»، هدف الحملة فيقول، إن النخب الثقافية والفكرية والتجارية الإيجورية تختفي كعنصر من عناصر الإبادة الجماعية وشكل من أشكال الاحتلال، إذ تسعى الحكومة الصينية إلى حرمان الإيجور من القادة الثقافيين والاقتصاديين والفكريين لمنعهم من التفكير في الاستقلال مستقبلًا.