محتوى مترجم
المصدر
مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية
التاريخ
2016/12/07
الكاتب
أرئيل بن سلومون

ينصب تركيز القادة وصناع القرار والخبراء في مجال الطاقة في الآونة الأخيرة على منطقة شرق البحر المتوسط بعد اكتشاف وجود احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي تحت مياهه في المنطقة الممتدة بين لبنان وقبرص ومصر وفلسطين. وستكون إدارة عمليات تصدير هذا الغاز مثار تساؤلات كثيرة في الفترة القادمة، بالإضافة إلى أنه سيكون أحد المحاور الرئيسية للعلاقات الدولية والسياسة الخارجية لدول المنطقة ولأمد بعيد، خاصة في ظل تشابك العلاقات بين دول المنطقة المختلفة والتوازنات الإقليمية التي تتغير يومًا بعد يوم.

وفي مقاله التحليلي المنشور على موقع مركز «بيجن-السادات للدراسات الإستراتيجية»، يبحث الكاتب الإسرائيلي أرئيل بن سلومون عن احتمالات التعاون بين الدول المختلفة في المنطقة في مجال تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا. ويدور المقال حول فكرة أنه على إسرائيل إلغاء فكرة إقامة خط أنابيب للغاز الطبيعي إلى تركيا بسبب المخاطر السياسية المحتملة، وأنها بدلًا من ذلك يجب أن تركز على استخدام تكنولوجيا الغاز المُسال للتصدير عن طريق قبرص، وعلى الرغم من أن ذلك سيكون باهظ التكاليف، إلا أنه سيتضمن نسبة أقل من المخاطر، كما أنه يُعد خيارًا قابلًا للاستمرار على المدى الطويل.

ينبغي لإسرائيل بحسب الكاتب أن تتجنب إلزام نفسها بأي اتفاق مكلف طويل المدى مع تركيا لإقامة خط أنابيب على حساب حلفائها: قبرص أو اليونان أو مصر.

كما ذكر المقال أن ذلك سيكون بالتوازي مع التصدير إلى الأردن، وربما مصر التي يظهر المقال مدى تقاربها مع إسرائيل سواء وجهات النظر السياسية أو في إمكانية إقامة الشراكة التجارية معها. ويقول بن سلومون إنه بينما تبدأ إسرائيل في إنهاء الاتفاقات الخاصة بالغاز الطبيعي، ينبغي لها أن تتجنب إلزام نفسها بأي اتفاق مكلف طويل المدى مع تركيا لإقامة خط أنابيب على حساب حلفائها: قبرص أو اليونان أو مصر.

فعلى الرغم من أن التوترات بين البلدين تمر بحالة من الهدوء حاليًا، إلا أنه لا يمكن لإسرائيل أن تضع ثقتها في النظام الإسلامي لرجب طيب أردوغان كمحور من محاور إستراتيجيتها لتصدير الغاز. فقد تندلع أزمة جديدة في أي لحظة مما قد يدفع أردوغان -غريب الأطوار المعادي للسامية، وفقًا للكاتب- إلى إيقاف تدفق الغاز؛ مما يجعل إسرائيل رهينة في يده. قد يكون الدافع لذلك حرب جديدة مع قطاع غزة الذي تحكمه حماس المتحالفة مع تركيا، أو حدوث تصعيد عام في العنف مع الفلسطينيين، أو أي حدث غير متوقع آخر، فتدهور العلاقات الهادئة حاليًا مجرد مسألة وقت.

ويحذر المقال من أن تحسن العلاقات الحالي بين إسرائيل وتركيا يجب أن يُنظر إليه في سياق علاقات أنقرة السيئة بروسيا ودول أخرى في ذلك الوقت، ولا ينبغي أن ينظر إليه على أنه يعكس تغييرًا حقيقيًا في توجهات أردوغان ناحية إسرائيل، حيث تعاني تركيا الآن من أزمة في علاقاتها مع روسيا بعد إسقاط القوات الجوية التركية لطائرة مقاتلة روسية بالقرب من حدودها مع سوريا في نوفمبر الماضي 2015. لقد جعلت الأزمة تركيا تمر بحالة من التخبط، حيث أنها تعتمد على روسيا في توفير ما يزيد عن نصف احتياجاتها من الغاز، وما يزيد عن 12% من احتياجاتها من النفط، كما تعاني تركيا من علاقات متوترة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى بعض الدول العربية التي تعارض دعم تركيا للإسلاميين في بلادهم.

وقد غيّر التقارب اللاحق بين تركيا وروسيا الصورة تمامًا، وأطلق يد أردوغان في التصرف في علاقته مع إسرائيل كما يحلو له. وعلاوة على ذلك، توجد كثير من الدول التي يمكن لتركيا الحصول منها على الغاز من بينها روسيا وإيران، ومن ثَمَّ، سيكون لتركيا اليد العليا في أي اتفاق للغاز بينها وبين إسرائيل. وقد أوضح المقال أن خط أنابيب الغاز المقترح إلى تركيا سيتكلف حوالي 5 مليار دولار أمريكي، وسيحتاج من سبعة إلى ثمانية أعوام لإقامته. وبالنسبة للكاتب، يُعد التعاون مع مصر أو اليونان في تصدير الغاز الطبيعي خيارًا أفضل من تركيا.

ويفاضل المقال بين الخيارات المتاحة، حيث يوضح أنه على الرغم من أن القاهرة تقيم علاقات طيبة مع القدس، إلا أن مصر تعاني من عدم الاستقرار السياسي والإرهاب. وحتى بدون هذه المشاكل، لا تمثل مصر البديل الأمثل؛ لأنها تملك احتياطاتها الخاصة من الغاز ولن تحتاج إلى الغاز الإسرائيلي على المدى الطويل. وبينما يمكن لليونان أن تكون جزءًا من خطة تصدير الغاز إلى أوروبا، ستشمل تلك الخطة قبرص كمحطة على الطريق.

ويشير المقال إلى أنه في 26 سبتمبر/أيلول 2016، أنهى المستثمرون في حقل الغاز الطبيعي الضخم «ليفياثان» صفقة تقدر بعشرة مليار دولار أمريكي لتصدير الغاز إلى الأردن، على الرغم من أن الإنتاج لن يبدأ إلا بعد بضع سنوات. وما زال خط الأنابيب بين البلدين قيد الإنشاء. ومع ذلك، تركت الصفقة مع الأردن الكثير من الغاز الطبيعي ليُباع في أماكن أخرى، وهذا يترك لإسرائيل خيارًا أكثر أمانًا وتكلفة وهو تطوير محطة الغاز الطبيعي المسال في قبرص، حيث تُحوّل تكنولوجيا الغاز المسال الغاز الطبيعي إلى سائل لتيسير عملية نقله.

وأضاف المقال أنه سيكون من الحكمة بالنسبة لإسرائيل أن تُركّز إستراتيجيتها طويلة المدى الخاصة بالغاز على قبرص. فمن شأن حقل «أفروديت» للغاز الواقع جنوب سواحل قبرص، وحقل «ليفياثان» الواقع بالقرب من إسرائيل، أن يُحوّلا قبرص إلى مركز لتصدير الغاز إلى أوروبا وآسيا، وسيكون من الضروري بناء مرفق إسالة الغاز الطبيعي على الساحل، والذي قُدرت تكلفة بنائه في قبرص لتبلغ 20 مليار دولار.

وبالسؤال عن إمكانية بناء إسرائيل لمرفق إسالة للغاز الطبيعي مملوك لها في إيلات أو في أي موقع آخر على الساحل الإسرائيلي، صرح مصدر متخصص في إسالة الغاز الطبيعي في إسرائيل لكاتب المقال أن ذلك لن يحدث لأن أنصار البيئة ومؤيديهم السياسيين سيمنعون إقامة المشروع. وقد أوضح المصدر أن «قبرص هي الرهان الأسلم؛ فهي مستقرة على المدى الطويل، وإذا اكتشفت لبنان الغاز في سواحلها فيمكنها أن تنقلها إلى قبرص».

ومن الأفكار الأخرى الخاضعة للمناقشة إقامة خط للغاز من إسرائيل إلى قبرص ثم إلى اليونان، ولكن بعض الخبراء يرون هذا الأمر غير واقعي. فقد أوضح تقرير في جريدة «جلوبز» الإسرائيلية المختصة بشئون الأعمال في إبريل 2016 أنه عندما كان المسئولون من الدول الثلاث يناقشون هذا الأمر، وجدوا أن هذا الخط يحتاج إلى 1100 كيلومتر على الأقل من الأنابيب، وستمر بعض تلك الأنابيب في أعماق تصل إلى 3000 متر؛ مما يجعله خيارًا معقدًا ومكلفًا.

وأجاب مصدر مطلع آخر في المجال، بعد سؤاله عن فرص بناء مرفق لإسالة الغاز في قبرص، بأن ذلك يعتمد على الشأن السياسي وعلى حجم الغاز الموجود وتوافر زبائنه. وأضاف أن هناك مشكلة الأسعار، ولكن إذا كانت الحسابات صحيحة ولم تكن السياسة عائقًا في الأمر، فإن هذا المشروع سيحصل على التمويل اللازم.

ويضيف المقال أن البعض ما زال يرى مصر خيارًا صالحًا. وقد أفاد جورج بابادوبلوس، مستشار السياسة الخارجية لمرشح الرئاسة الأمريكي دونالد ترامب، أن مصر «تواجه أسوأ أزمة للطاقة منذ عقود نتيجة لعدم الكفاءة طويل الأمد في قطاع الغاز، وهي في أشد الحاجة إلى الغاز المستورد حتى تعود مستويات إنتاجها إلى سابق عهدها». وأضاف: «تملك حقول غاز ليفياثان وتامار في إسرائيل، وشروق في مصر، وأفروديت في قبرص، الإمكانية في أن تكون المحاور التي تحول المنطقة إلى منطقة طاقة متكاملة».

وقد انتهى المقال إلى أن العلاقة الإستراتيجية بين اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر قد تشهد تعاونًا في الطاقة تكون قبرص المركز المحتمل له، حيث إن جميع تلك البلاد معارضة أيديولوجيًا للأجندة الإسلامية لتركيا، خاصة قبرص واليونان لأسبابهما التاريخي، وبالتالي قد يفضلون التعاون مع إسرائيل عن تركيا.