كان على فتح تقبل نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006، وتسليم الحكم لحماس التي جاءت بها الإرادة الشعبية.

لم تكن تلك النبرة الناعمة هي التي استخدمها القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان مع حركة حماس منذ توليه جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، الذي لم يدخر جهدًا للتنكيل بأعضاء الحركة، والحد من أعمال مقاومة المحتل، إلا أن دوام الحال من المحال، وتقلبات السياسة تجعل من المستحيل ممكنًا، وهذا ما شهدته العلاقات الحمساوية – الدحلانية في الآونة الأخيرة.


تاريخ من العداء

المعروف أن بداية علاقة القيادي المفصول محمد دحلان بحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، كانت علاقة حافلة بالعداء والتوتر، بدأت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما كان دحلان رئيس جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة، حيث اتهمته الحركة باعتقال وتعذيب قياداتها، واقتحام ومداهمة مئات المنازل الفلسطينية من قبل عناصر الأمن الوقائي، واعتقال الشباب الذين يشتبه بانتمائهم إلى حركة حماس.

فقد قام دحلان باعتقال نحو ألفي عضو من حماس عام 1996 في قطاع غزة، بعدما شنت الحركة موجة من العمليات الاستشهادية. وفي ذلك يقول دحلان:

عرفات هو من قرر اعتقال قادة حماس العسكريين لأنهم كانوا يعملون ضد مصالحه، وضد عملية السلام، وضد الانسحاب الإسرائيلي، وضد كل شيء. وطلب من الأجهزة الأمنية القيام بواجباتها، ولقد أديت ذلك الواجب.

وظلت حماس لسنوات عديدة تقول إن قوات دحلان كانت تقوم بتعذيب المعتقلين بصورة متكررة. ومن بين تلك الوسائل هتك أعراض المساجين باستخدام قناني الصودا.

كما أن دحلان كثيرًا ما حاول تفكيك هياكلها وأطرها التنظيمية، والاعتداء على أعضائها وتعذيب وسجن عناصرها وقادتها، حتى تجرأ على وضع الشيخ الشهيد أحمد ياسين في الإقامة الجبرية بعد مصادرة الحواسيب والبرامج والملفات من مكتبه.

ناهيك عن منع العمل الخيري في غزة، وغلق المؤسسات الخيرية ضمن سياسة «تجفيف ينابيع الحركة».

وفي 8 أغسطس/ آب 2003، نشرت صحيفة معاريف العبرية أن محمد دحلان تعهد لكوندوليزا رايس بأن يعمل على تأميم مؤسسات حماس ومصادرة سلاح منظمات (الإرهاب)، على حد تعبيره.

كما حذر دحلان عبر صحيفة «نيويورك تايمز» من أن تصبح غزة مرتعًا للمتطرفين، وأعلن للمجلة نفسها (في عددها الصادر في 3 أغسطس/آب 2004):

إن غزة يمكن أن تكون مثل كابول، ويمكن أن تكون مثل دبي. إن علينا أن نغير كل شيء.

وخلال ترؤسه هذا الجهاز، اتهمته حماس باعتقال الكثير من قادتها وعناصرها وتعذيبهم في السجون التي يديرها، فضلاً عن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بإشعال فتيل الفلتان الأمني. ولذلك فقد تحين دحلان الفرصة المناسبة للانقضاض على الحركة عقب فوزها في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006، فقد اتهمت حماس دحلان، بـ «الإشراف على خطة أمريكية تهدف إلى إفشال تجربتها في الحكم».

فقد حصلت مجلة «فانيتي فير» الأمريكية على وثائق سرية، تم إثبات صحتها من مصادر في الولايات المتحدة وفلسطين، تكشف عن خطة خفية اعتمدها بوش وتولت تنفيذها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ونائب مستشار الأمن القومي إليوت أبرامز للتحريض على حرب أهلية فلسطينية.

وقضت الخطة بأن تكون القوات التي يتزعمها دحلان، والمدعومة بأسلحة حديثة، بمنزلة القوة التي تحتاجها فتح للقضاء على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً بقيادة حماس.

ولكن ضعف وضع فتح كان مصدر قلق كبير لدحلان، فقد قال:

ومن بين ممارسات دحلان أنه ضغط على فتح بألا تشترك في أي حكومة مع حماس، حتى قيل إنه هدد بقتل أي عضو من فتح يشارك في حكومة حماس، مما أدى إلى ذهاب حماس إلى تشكيل الحكومة بمفردها.

من ناحية أخرى، أمر دحلان قادة أجهزة أمن السلطة بعدم التعاون مع وزير داخلية حكومة حماس، سعيد صيام، وسحب كل الصلاحيات منه، وهو الأمر الذي دفع حماس للتخلص من كل هذا التضييق بالحسم العسكري عام 2007 داخل قطاع غزة.


علاقة تحالف أم تقاطع مصالح

في الآونة الأخيرة قد انقلبت الأمور رأسًا على عقب، وأصبح هناك مؤشرات واضحة وصريحة للتقارب بين الطرفين، أي دحلان وحماس، وهو ما يبدو غير منطقي نظرًا لتاريخ العلاقات السيئة التي ذكرنا جزءًا منها آنفًا.

إلا أن السياسة هي لعبة مصالح بالمقام الأول، فعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم، نظرًا لتلاقي المصالح، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو مدى عمق علاقة الطرفين بعضهما البعض، هل هي علاقة تحالف أم أنها لم ترتق لهذا الحد، وأنها مجرد علاقة تقارب يحقق للطرفين مصالح ومكاسب متبادلة؟

في هذا يصف المحللون طبيعة العلاقة الحالية بين دحلان وحماس، ويرون أن هناك تقاربًا، وليس تحالفًا، فنحن أمام تقاطع مصالح بين حماس ودحلان، وأن ما يحدث الآن هو خطوات لبناء الثقة من أجل تحقيق مكاسب مشتركة. فدحلان لديه هدف العودة إلى حركة فتح والتنافس على رئاستها، تمهيدًا لانتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية، ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون حركة حماس والمرور بغزة.

أمّا حماس، فتريد تحقيق عدة أهداف، من بينها التخفيف من الحصار المفروض على قطاع غزة، والعمل على حل أزمة إغلاق معبر رفح المستمر، إضافة إلى ترميم علاقتها بمصر، التي تربطها علاقة متينة بدحلان.

ومن الواضح أيضًا أن حركة حماس سئمت من وعود رئيس السلطة الفلسطينية الحالية محمود عباس وقائد حركة فتح من تنفيذ المصالحة بين الحركتين، فربما تستخدم حماس ورقة دحلان للضغط على عباس لتحريك ملف المصالحة، والاستفادة من استحقاقاتها؛ والتي على رأسها دمج موظفي القطاع في المؤسسات الحكومية، والبالغ عددهم أكثر من أربعين ألفًا.


ماضي دحلان أفضل من حاضر عباس

هناك فريق في حركة حماس يرى أن التعاون مع دحلان في الوقت الحالي أفضل من التعامل مع عباس على الرغم من تاريخ دحلان المؤلم مع الحركة، فقد أكد القيادي في حماس «يحيى موسى»، والنائب في المجلس التشريعي، أن حركته «لا تمانع أن تحاور أي فلسطيني في صالح القضية، مهما كان ماضيه»، وأضاف: «ماضي دحلان أفضل من حاضر عباس، الذي يدير الطريق الفلسطيني بانهزام وانكسار، وينتقد المقاومة التي حمت الشعب».

كما أكد موسى: «أن حماس مطالبة في هذه المرحلة بأن تقيم تحشيدًا داخل الصف الوطني إقامة تحالف مع فريق من فتح، واستقطابًا جديدًا على الساحة الفلسطينية يتجاوز عباس، لأنّه بات عبئًا على الحركة الوطنية الفلسطينية، من خلال طرحها لمشروع سياسي يتم التوافق عليه بين الجميع، فلم يعد هناك مستقبل للشراكة مع تيار يقوده عباس».

وفي ظل تصاعد نبرة العداء بين عباس وخصمه اللدود دحلان، وعدم التوصل لأي نتيجة مجدية من المحاولات الإقليمية التي بُذلت لعمل مصالحة بين الطرفين، فقد سئم دحلان أيضًا وبدأ في تقاربه من حماس.

فالواضح أن حماس ودحلان اتفقا دون أن يتفقا على أخذ نفس الموقف من عباس، نتيجة لممارساته التي سئمها الطرفان، والتي أدت في النهاية إلى ذاك التقارب بينهما.


نفي رغم الإثبات

قمت بنشاطات عديدة لأعطي حماس الانطباع بأننا ما زلنا أقوياء ونملك القدرة على مواجهتهم، إلا أنني كنت أعرف في أعماق قلبي أن ذلك لم يكن صحيحًا.

بدا تقارب دحلان وحماس واضحًا للعيان، على إثر موافقة حماس على عودة نواب وكوادر من فتح معروفين بقربهم من دحلان، مما جعل أوساطًا سياسية وشعبية فلسطينية تتجه نحو الكثير من النقاشات التي تفيد بوجود «خط اتصال» بين الجانبين – حماس ودحلان.

والواضح أن حماس أرادت أن تستفيد من دحلان على المستوى المادي، للتخفيف من الأعباء التي يعاني منها القطاع على كافة الأصعدة، فقد أبدى مسئولون في حماس عدم معارضتهم لأي نشاط خيري أو مشاريع مدعومة من جهات عربية عن طريق دحلان، لتنفذ في القطاع.

وفي إطار ذلك، زار نائبان محسوبان على دحلان قطاع غزة، وهما ماجد أبو شمالة، وعلاء ياغي، وناقشا في غزة مع قادة حماس تنفيذ مشاريع بينها مدينة سكنية للأسرى بدعم من الإمارات.

كما شارك نواب محسوبون على تيار دحلان في لجنة «التكافل الاجتماعي»، وهي لجنة تضم ممثلين عن كافة الفصائل الفلسطينية، وسبق وأن نفذت العديد من المشاريع الخيرية في غزة، كان أبرزها إقامة حفل زفاف جماعي لمئات الشباب.

واستنادًا على المعلومات التي حصلت عليها صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، قامت الإمارات بتحويل مبالغ مالية كبيرة لمحمد دحلان، الذي يقوم بدوره بتحويلها إلى اللجنة، والهدف من ذلك هو تعزيز تأثير دحلان في قطاع غزة.

وقد لمح دحلان في ذكرى انطلاقة فتح الـ50، إلى أنه يرحب بالتواصل مع حركة حماس. وقال في تصريح مكتوب: «أحقاد وتشويهات الفاسدين عن طبيعة التواصل بيني وبين قيادة حماس لا تربكني، ولن تزعزع قناعتي في ضرورة بذل كل جهد مستطاع لتخفيف الحصار والتجويع والتهميش بحق قطاع غزة الصامد».

وكان من أبرز أشكال التقارب بين الجانبين، هي الخطوات الأخيرة التي اتخذت لتبرز ذلك التقارب، وكان أهمها الإفراج عن القيادي في كتائب شهداء الاقصى الذراع المسلحة لحركة فتح، زكي السكني، الذي سجنته حماس في سجونها بغزة لمدة ثماني سنوات ونصف. إلى جانب تصريحات دحلان التي أشادت بحركة حماس، واعتبرتها مكونًا مهمًا في النظام السياسي الفلسطيني، إضافة إلى السماح لبعض أنصار دحلان بالخروج من معبر رفح لحضور مؤتمر «العين السخنة»، الذي دعا إليه مركز دراسات مصري.

وعلى الرغم من كل تلك المؤشرات التي تنم عن تقارب واضح بين الطرفين، إلا أنهما ينفيان أي تقارب، حيث تزعم حماس أن هناك جبهة معارضة داخل الحركة ترفض أي تقارب مع دحلان. ويزعم البعض أن دحلان يخشى أن يخسر بعضًا من مؤيديه الذين يرفضون تقاربه مع حماس.

وأخيرًا، يدرك الطرفان أنهما يلعبان بورقة التقارب من منطلق الضغط على أبو مازن لتحقيق تطلعاتهما وأهدافهما، ولا أحد يعلم إذا كان الأخير يمتلك في جعبته أوراقًا جديدة أم لا، مما جعل دحلان وحماس يتكتمان على مسار أي تقارب بينهما.