واجهونا بدون ميسي إن استطعتم.

باتت هذه الصيغة هي أحد أكثر الطرائف التي تنتهجها الفرق التي تستعد لمواجهة برشلونة. يُدرك الجميع أن لكل فريق لاعبًا ما بدونه تتحول الأمور إلى الأسوء، فامتد استخدام هذه الجملة إلى كل الفرق تقريبًا، فـ«واجهونا بدون رونالدو» أو بدون «محمد صلاح» أو بدون «أجويرو»، ربما الحالة الأخيرة تحتاج إلى مزيد من التفكير، فالأفضل ألا تواجه مانشستر سيتي كاملًا إن كان بإمكانك.

لكن هل يمكنك تخيل الوضع في الجانب الأحمر من مدينة مانشستر بدون حارسهم «دافيد دي خيا»؟ دعنا نسهل الأمر قليلًا بالأرقام.

خسارة دي خيا في موسم 2017/2018 كانت لتكلف الفريق 17 نقطة -على الأقل- تسبب فيهم بتصدياته، ولولاهم لأنهى الفريق الدوري في الترتيب الخامس، بدلًا من الثاني، ثم خسارة حوالي 85 مليون جنيه إسترليني من عقد «أديداس»، الذي ينص على قطع 25% من قيمة العقد السنوي في حالة عدم الوصول لدوري الأبطال، وكذلك 15 مليون إسترليني قيمة الشرط الجزائي لـ«جوزيه مورينيو»، الذي كان سيقال بكل تأكيد لو لم يكن هو حارس مرماه في هذا الموسم.

في الواقع، أثبت دي خيا أن الوجود على خط المرمى لحمايته، ربما هي المهمة الوحيدة التي لا يتقنها ميسي لكنها تضاهي أهميته للفريق.


الوجه الآخر لـ«دي خيا»

قرر الحارس الهولندي «فان دير سار»الاعتزال بنهاية موسم 2010/11، ليضع إدارة مانشستر يونايتد أمام مهمة البحث عن من يرتدي رقم 1 ويدافع عن مرمى الفريق من بعده. في هذه الأثناء، كان قد ظهر الألماني «مانويل نوير» -صاحب 25 عامًا آنذاك- مع فريق شالكة، ليُقرر «فيرجسون» أنه أفضل من يخلف «إدوين»، لكن لحسن الحظ، كان لـ«إيريك ستيل»، مُدرب حراس المرمى، رأي آخر.

في نفس الفترة تقريبًا، كان هناك حارس إسباني يلمع اسمه في هدوء مع أتلتيكو مدريد، «دافيد»نجل حارس خيتافي السابق «خوسيه دي خيا». كانت تربط الأخير علاقة جيدة بمدرب حراس الشياطين، حيث رغب «ستيل» في ضم نجل «خوسيه» الوحيد إلى فريقه فور السماع عنه، فلم يتوانى في توطيد علاقته بوالده ليُسهل الأمر في المستقبل.

نشأ الابن في مدرسة الأتلتي منذ كان في الـ13 عمره،مر على كل مراكز الملعب قبل أن يُقرر سلك نفس طريق والده وارتداء القفازات.

دارت مناقشات طويلة بين فيرجسون ومساعده لشئون حراسة المرمى بخصوص كلا الحارسين، وجد «أليكس» الكمال في الحارس الألماني: جسد ممشوق وطول فارع وكذلك النضج اللازم لفريق بحجم اليونايتد، وبالطبع لم يختلف «إيريك» معه في ذلك، لكنه آمن بأن دافيد -21 عامًا آنذاك- سيكون أفضل من نوير بعد 3 سنوات فقط.

وبالرغم من أن نوير أثبت فيما بعد أن رؤية مدرب الشياطين فيه لم تخِب، لكن، على أية حال، يجب أن يشكر جماهير اليونايتد القدر لأن العنيد فيرجسون، الذي له سوابق فشل في التوقيع مع حراس دون المستوى مثل: «بوسنيتش»، «كارول» و«تايبي»، قد لان عقله في آخر تجاربه لاستقدام حارس مرمى، وسمع لصوت العقل.

«إيريك ستيل» مدرب حراس مرمى مانشستر يونايتد الذي كان له الفضل في ضمه للفريق

انتقل دي خيا، المولود في السابع من نوفمبر عام 1990 بمدريد، إلى مانشستر يونايتد، بداية من موسم 2011/12. شارك للمرة الأولى في مباراة الدرع الخيرية -درع السوبر الإنجليزي- ضد الجار مان سيتي. وقبل مرور 45 دقيقة، كان قد أهداهم هدفين بأخطاء ساذجة.

وبالرغم من العودة في النتيجة، كما المعتاد من مهاجمي اليونايتد، لكنه عاد للأخطاء الساذجة من جديد، وتسبب في هدف لصالح وست بروميتش، بعد تصويبة عادية تركها تعانق الشباك في غرابة، في مباراته الأولى بالـ«بريمييرليج».

لم تكن الصحافة الإنجليزية رحيمة به أبدًا.وصفه «جيمس داكير»، الصحفي بجريدة «تايمز»، بأنه مثل «طفل فاز بمسابقة لحراسة مرمى مانشستر يونايتد». ليجد «فيرجيسون» نفسه مضطرًا للدفاع عنه مرات، وقد تفاجأ الجميع حينما أكد للصحفين أن دي خيا الذي لم يكن رغبته الأولى، يملك ما يُمّكنه من «حماية عرين اليونايتد لعشرين عامًا قادمة». لكن سُرعان ما نفذ صبره، واحتضن الحارس الشاب دكة البدلاء لتعدد الأخطاء.


لكنكم تُحبون «لاماسيا»

في غضون ست سنوات، تحول الوضع تمامًا، وبات دافيد هو «سوبرمان» الذي يجوب بقفازه المدينة، ليحمي مانشستر من كل الأخطار. لكن ما يُثير الدهشة فعلًا، هو أن أغلبية جماهير الخصوم تتعامل مع ظاهرة دي خيا واليونايتد أنها تمت بمحض الصدفة، أو للتوضيح، لا يتم التعامل مع علاقة الحارس بفريقه كما يتم التعامل مع علاقة ميسي بفريقه، أو ما شابه.

تُفضل الجماهير عند ذكر قصة الأرجنتيني مع فريق برشلونة أن تبدأ من «لاماسيا» مرورًا بتفاصيل علاجه، ثم تصعيده للفريق الأول حتى أتى بثماره وبات رقم واحد في برشلونة والعالم، وربما التاريخ. لكن لا يلاقي دي خيا نفس التعامل بشكلٍ غريب!

بعد جلوس دي خيا على دكة البدلاء، كانت إصابة الحارس البديل «ليندغارد» مفتاحًا لعودته مرة أخرى، لكنها شهدت ظهور دي خيا الجديد.

https://giphy.com/gifs/57UuEWAXIcL3e0AV9E

يحكي مدربه «ستيل» لمجلة «يونايتد وي ستاند» في عام 2013، أنه وقت أن استلم الإسباني كان وزنه 71 كجم. يكره الجيم، لأنه لم يتعود عليه في إسبانيا. كان يرغب في إنهاء التدريب سريعًا ليعود إلى المنزل، وعندما كان يُطلب منه العودة في الظهيرة، كان يتعجب. شاب كسول ينام ـ3 مرات يوميًا، لا يملك حتى الشغف ليتعلم الإنجليزية،

تغير نظام حياته وفقًا لبرنامج وُضِع له: نظام غذائي يحتوي على مشروبات بروتينية، إعادة ترتيب لساعات النوم، عدد ساعات مكثف بالصالة الرياضية من أجل الوصول إلى مستوى وزن معين. وصلوا به إلى وزن 76 كجم، وبكتلة عضلات لا تؤثر على مرونته لكنها تحافظ على اتزانه الجسدي.

بعد كل ذلك العمل الشاق، ظهر للنور بتصدياته الخرافية وأصبح أهم لاعب في فريقه أثناء أحلك الأزمات، فما دام هناك صبر وبرنامج عمل وخطة ودراسة، لما لا يستحق مانشستر يونايتد الثناء على صناعته لأسطورة دي خيا؟ الآن الفريق يجني ثماره كما يجني برشلونة ثمار ميسي، فما الفارق؟


حارس كرة يد

كانت الأشهر الستة الأولى من حياته مع اليونايتد مريعة.

أجرى موقع «فوتبول ويسبيرز» نقاشًا مع عدد من مشجعي اليونايتد بخصوص توقعهم لمركزهم بالدوري لو لم يكن دي خيا موجودًا، 46.7% توقعوا أنهم سيلحقون بالكاد بركاب الـ6 الكبار، لكن بالغ أحدهم وقال إن الشياطين الحمر سيتذيلون الترتيب بدون حارسهم الإسباني.

دفعت تلك التصريحات العاملين بالموقع لاستخدام تقنية حديثة تُسمى «Post-Shot xG» لتحديد ما هي قيمة العملاق الإسباني لفريقه.صممت تلك التقنية في الأساس لتقييم مدى جودة المهاجمين، لذا تقوم بحساب عدد الأهداف المتوقعة بعد كل تصويبة، على أن يكون: موضع التصويبة، مدى كفاءة التمريرة التي سبقتها، ونوعية وسعر المدافعين في مواجهتها ضمن عديد من الأشياء التي تحدد التوقع الصحيح لها.

بذلك، تُعطي انطباعًا أكثر دقة عن مدى جودة الحارس، فربما من تصويبة ضعيفة تحتسب كتصدٍ لأحد الحراس تساعده في التقدم خطوات عن غيره. مثلًا، يملك دافيد الرقم القياسي بإنجلترا في عدد التصديات بلقاء واحد، بـ14 تصديًا قام بهم ضد أرسنال عام 2017، لكن ليسوا جميعًا بنفس الخطورة، لأن بهم تصويبات لا ترتقي لوصف تصويبة أصلًا.

وكذلك فإن الرباعي دي خيا و «أليسون» و «أوبلاك» و «تير شتيغن»، والذين يتربعون على قمة هرم حراس المرمى في العالم منذ بداية 2018، يملكون معدل تصديات متقارب حد التطابق: يترواح بين 175%:180%. لكن وفقًا لتقنية الأهداف المتوقعة، فإن أليسون ودي خيا في القمة طوال موسم 2017/18: استقبلا 28 هدفًا طوال الموسم، من 40.6 هدفًا متوقعًا لكل منهم تقريبًا.

ولتحديد كفاءة حراس المرمى، نقوم بطرح الأهداف التي استقبلها الحارس بالفعل من الأهداف التي كان متوقعًا أن يستقبلها، لو كان الناتج موجبًا، فكلما زاد زادت كفاءة الحارس والعكس.

من هذا المنطلق، بدأ حساب رصيد اليونايتد بدون ومع دي خيا، لنجد أنه يؤمن للفريق سنويًا على الأقل 15 نقطة عن طريق حمايتهم من عديد الأهداف المتوقعة. لذا فإن خسارة دي خيا لا تعني تذيل الترتيب في الغالب، لكن الأكيد أن امتلاكه يعني الهروب منه، فلو حازت فرق فرق مثل ستوك سيتي على حارس بنفس الجودة لما كانت لتهبط بنهاية موسم 2017/18.

يعد أهم ما يميز عن منافسيه من نفس الفئة، هو تفوقه في التصدي بإحدى قدميه، حيث يملك نسبة 11% تصديات بإحداهما من 194 تصدي قام بهم حتى يناير 2019، وبمعدل لم يتخطاه سوى «بيجوفيتش» و«بين فوستر»، 14% لكل منهما.

يعتقد الأغلبية أن التصدي بالقدمين إنما هو أسلوب مُتبع في كرة اليد أو كرة قدم الصالات، لكن دي خيا يملك في فريقه عيوب كلتا الرياضتين، لذا فهو مضطر لطرق مثل هذه. ما يُجبر حراس هذه الألعاب على استخدام أقدامهم هو صغر حجم الملعب وعدد اللاعبين وكذلك وجود تعرض أكثر للتوصيبات الخطيرة.

خلال النصف الأول من موسم 2018/2019 مثلًا،تلقى دي خيا 28.91 تصويبة متوقع تحويلها لأهداف، في حين تلقى أليسون 12.32 تصويبة فقط! لذا، ووفقًا لما يعانيه فريقه، فإنه يُقدم إضافة لا يمكن لعاقل نكرانها، ربما تتخطى في بعض الأحيان ما يقدمه ميسي لبرشلونة، أو لنكن منصفين ونضعهما بالتساوي.