محتوى مترجم
المصدر
Georgetown Journal of International Affairs
التاريخ
2016/03/21
الكاتب
أوري سادوت

ظل الصراع العربي الإسرائيلي، لفترة طويلة، محل اهتمام صناع القرار والباحثين في جميع أنحاء العالم. وللمفارقة، تسبب ذلك الافتتان والتسييس الشديد للصراع في غموض جوانب بسيطة وواقعية منه. ويُعد التوازن الديموجرافي بين الإسرائيليين والفلسطينيين أحد الأمثلة على ذلك، رغم أهميته بالنسبة لكلا الشعبين.كان الهدف الأوّلي لإنشاء إسرائيل هو أن تكون دولة ووطنًا لليهود؛ وبالتالي، ومن أجل الحفاظ على ذلك الغرض، يجب أن تحافظ بداخلها على أغلبية من المواطنين اليهود. ويمثل هذا الهدف الأولي فكرة مهيمنة على العديد من السياسات الإسرائيلية داخليًا وخارجيًا، حيث طُبقت السياسات الهادفة إلى زيادة معدلات المواليد، عبر توفير استحقاقات الطفل، منذ عقود. وتعمل المنظمات المُموَلة من قبل إسرائيل حول العالم على تنفيذ برامج بهدف تشجيع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل. وعند حدود إسرائيل البرية، حظي تشييد الأسوار الحديثة وإنفاذ معايير صارمة للدخول إلى إسرائيل بدعم شعبي واسع.

قال ياسر عرفات إن أفضل أسلحته ضد الصهيونية هو «رحم المرأة الفلسطينية».

تصبح المسألة الديموغرافية أكثر بروزًا في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فقد قال ياسر عرفات، الرئيس طويل العهد لحركة التحرير الفلسطينية، إن أفضل أسلحته ضد الصهيونية هو «رحم المرأة الفلسطينية». وفي تلك الأثناء، يقول عديدون في صفوف اليمين الإسرائيلي العكس، حيث يرون أن الديموغرافية تُرجّح الكفة الإسرائيلية، فالحداثة تؤدي إلى انخفاض أعداد المواليد العرب؛ وبالتالي فإن مرور الزمن يصب في مصلحة إسرائيل.عند التطلع إلى المستقبل، يصعب تحديد أي الرؤيتين ستتحقق، خصوصًا في ضوء حقيقة أن الكثير من تنبؤات الخبراء لم تتحقق. يتضح المثال على ذلك في مقال لتوماس فريدمان بصحيفة «نيويورك تايمز» عام 1987، والذي ذكر فيه إنه بحلول مطلع الألفينات، ستفوق أعداد الفلسطينيين أعداد الإسرائيليين. ولكن توقعه لم يتحقق أبدًا، وكذلك لم تتحقق توقعات العديد من الخبراء الإقليميين والدوليين الآخرين. وبمرور الوقت، كان لتلك التنبؤات الفاشلة تأثير «الاستنفار الكاذب» على الإسرائيليين؛ ما خلق لديهم تشكيكًا عميقًا في التحذيرات من الكوارث الديموغرافية التي تلوح في الأفق.لا يمثل التكهن بالديموغرافيا المستقبلية مهمة بسيطة. فعند تحليل سبب فشل المحاولات السابقة، ندرك أن الواقع يحمل عوامل غير متوقعة قد تنمو لتصبح محورية الأهمية؛ ما يغيّر التوجهات التي كانت سائدة فيما مضى، ويبدّل تمامًا الافتراضات النهائية لأي توقعات محددة.يعد متوسط العمر المتوقع مثالًا على ذلك. فرغم اعتماد معظم التوقعات الديموغرافية بشكل رئيسي على معدلات المواليد، إلا أنه بين عامي 2000 و2010، زاد متوسط العمر المتوقع للإسرائيليين بمقدارٍ متوسط حوالي ثلاثة أعوام، رغم أن هذا النمو لم يكن متجانسًا، حيث ارتبط بعوامل مثل حجم العائلة ومستويات الدخل.وبينما سجل يهود إسرائيل تلك الزيادة في العمر المتوقع خلال تلك الفترة، نما متوسط العمر المتوقع لعرب إسرائيل بمعدل عامين فقط. يعادل ذلك الاختلاف زيادة بمقدار اثنين بالمئة للشعب اليهودي بإسرائيل على مدار العقد، أي ما يعادل وصول 128,000 مهاجر جديد.تشمل التطورات الأخرى غير المتوقعة التي أبطلت التوقعات الديموغرافية السابقة تدفق مليون يهودي سوفييتي إلى إسرائيل في العقد الذي تلا انهيار الاتحاد السوفييتي، والتحول غير المتوقع في الديموغرافيا، الذي حدث عندما انسحبت إسرائيل بشكل تام من قطاع غزة عام 2005. أدى ذلك الحدث إلى «اقتطاع» حوالي 1,7 مليون فلسطيني مقيم في غزة من التوازن الديموغرافي في إسرائيل، ونتج عن جميع تلك التغيرات طول عمرٍ غير متوقع للأغلبية اليهودية في إسرائيل، رغم انخفاض معدلات المواليد ضمن اليهود الإسرائيليين أنفسهم.

تخشى إسرائيل أن تصبح على المدى البعيد دولة ثنائية القومية أو ذات أغلبية عربية.

بينما لا يتوقع أن تستقبل إسرائيل موجات هجرة على نطاق مشابه في المستقبل، تظل العديد من العوامل الديموجرافية المؤثرة بقوة محتملةً. على سبيل المثال، تسمح إسرائيل حاليًا لمواطنيها بالتصويت فقط عندما يكونون على أراضيها. لكن وفق تقرير للكنيست عام 2012، يقيم ما يتراوح بين 230,000 و750,000 مواطن إسرائيلي في الخارج، دون احتساب عدد المواطنين الإسرائيليين الذين يسافرون خارج البلاد في أي فترة. وإن عكست قوانين التصويت الإسرائيلية نظيراتها الأمريكية والبريطانية، وسمحت للإسرائيليين بالتصويت من الخارج، فسيكون للسياسات وحدها تأثير كبير على التوازن الديموغرافي العام في إسرائيل.يتعلق موضوع آخر هام بالمواطنين العرب بإسرائيل. فحوالي 1,8 مليون إسرائيلي ينتمون إلى العرق العربي، مع تعريف البعض منهم لأنفسهم سياسيًا على أنهم فلسطينيون. وفي بعض التحليلات الديموغرافية، التي ترتكز بالكامل على الأعراق، يحتسب ذلك العدد الضخم من السكان ضمن الجانب الفلسطيني من المعادلة. ومع ذلك، جغرافيًا، يعد هؤلاء إسرائيليين وسيظلون في إسرائيل في أي سيناريو مستقبلي يتضمن التقسيم. وتكمن هنا حجة تصب في صالح إعادة التأطير المدني للمعادلة الديموغرافية. فمثل ذلك المشروع يجب أن يحتسب أعداد المواطنين الإسرائيليين والفلسطينيين، بدلًا من تقديم مجرد حصر إثني لأعداد اليهود والعرب. إن كان الخطاب الديموغرافي سيتطور في هذا السياق، فإن ذلك التطور وحده سيمثل تغييرًا مثيرًا للمعادلة الديموغرافية الحالية في المنطقة.أيًّا كان ما سيحدث في المستقبل، تظل الديموغرافيا اليوم قضية سياسية أساسية بالنسبة للإسرائيليين. ففي استطلاعات الرأي المتعاقبة، أشار عديد من الإسرائيليين إلى أنهم لا يريدون احتساب من يبلغ عددهم حوالي 2,8 مليون نسمة من الفلسطينيين في الضفة الغربية ضمن مواطني إسرائيل. وفي قمة عُقدت مؤخرًا بواشنطن، قال وزير الدفاع الإسرائيلي: «لا تريد إسرائيل أن تحكم الفلسطينيين».وعلى جانب اليسار الإسرائيلي، يدعو كثيرون إلى تبني إجراءات فورية على طريق التقسيم، حيث يخشون أنه على المدى البعيد ستصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية أو ذات أغلبية عربية، كما يرون أن معدلات المواليد المنخفضة لليهود بالمقارنة بنظيراتها العربية ستقضي على إسرائيل بصورتها الحالية. وفي ذات الأثناء، يفضّل اليمين الإسرائيلي الوضع القائم، حيث يعتقد أن التوجهات السائدة تتغير تدريجيًا لصالح إسرائيل.ولكن يبدو أن الحقيقة تكمن في مكان ما بين الرأيين. فبينما يصعب التنبؤ بالديموغرافيا المستقبلية بدقة، تشير البيانات إلى عدم توقع عبور أي خطوط فاصلة خلال السنوات القادمة. حيث ينمو الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية بمعدل أعلى من الشعب الإسرائيلي في ذات الأراضي، رغم أنه حتى وإن كان المعدل أقل لن يؤدي ذلك إلى ترجيح إحدى كفتي الميزان قريبًا. وعلى الجانب الآخر، لا تصب التوجهات الديموغرافية السائدة بشكل حاسم في مصلحة إسرائيل. فالشعب الفلسطيني في المنطقة بشكل عام ينمو بمعدلات أعلى باطراد من الشعب الإسرائيلي.أما على صعيد السياسات، حتى إن لم تكن «القنبلة الديموغرافية» على وشك الانفجار، فإن إبطال هذه القنبلة يعني تطبيق سياسات تُعزّز تقسيمًا فعليًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حتى إن تعذر التوصل إلى حل سياسي شامل للصراع. يجب أن تهدف مثل تلك السياسات إلى تعزيز وجود المواطنين الإسرائيليين داخل الأراضي التي يُرجّح أن تظل جزءًا من إسرائيل في أي اتفاق مستقبلي، مع استمرار الفلسطينيين في النمو والتوسع في المناطق التي يُرجّح أن تُشكّل فلسطين. ليس هناك مبرر لأغلب دعوات التعجل الصادرة عن المتشائمين ديموغرافيًا، ولكن هناك عدد كبير من الحجج المقنعة للتقسيم، والآن وقت مناسب للبدء.