أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارها النهائي بعدم مشروعية تعيين ووجود وزير الداخلية والصحة ورئيس حزب شاس، أرييه درعي في منصبه، بالتالي اضطر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو إلى إعلان إقالة درعي في اجتماع الحكومة، بعد أربعة أيام من قرار المحكمة العليا، ويرى نتنياهو أن المحكمة تجاهلت إرادة الشعب، وأكد أنه يعتزم البحث عن طريقة قانونية لإعادة درعي، تداعيات الإقالة تبدو أكبر من مجرد إزاحة شخص من منصبه، بسبب قوة درعي وحزبه في ائتلاف نتنياهو اليميني، وكذلك صلته القوية برئيس حزب شاس.

بعد القرار يبرز سؤال حول تداعيات الإقالة، وهل هي صراع جديد بين الحكومة التي تسعى لإصلاحات قضائية غير مسبوقة تحت مسمى خطة ليفين، التي من شأنها نزع عديد من الصلاحيات من المحكمة، كما أن علاقة شاس بالائتلاف محل تساؤل، وكذلك شخصية درعي وأبرز محطاته السياسية ومدى أهميته كسياسي مخضرم وتبعات الإقالة من كافة الجوانب، كذلك ردود الفعل حول استبعاد درعي سواء المعارضة التي هاجمته أو أنصاره المعترضين على قرار المحكمة.

هل انسحب درعي من الحياة السياسية؟

قبل صدور قرار المحكمة العليا المتوقع، انتشرت أنباء حول احتمالية انسحاب درعي من الحياة السياسية، وهو ما نفاه زعيم شاس بنفسه أثناء جلسة الحكومة التي كانت الأخيرة بالنسبة له، التي أُقيل فيها، وقال درعي أثناء الجلسة: لا أنوي ولم يكن لدي أي نية للانسحاب من الحياة السياسية، لدي التزام صارم تجاه 400 ألف شخص صوتوا لي ولحزب شاس، لن يمنعني أي قرار قضائي من خدمتهم وتمثيلهم، وأعتزم الاستمرار في قيادة حركة شاس، والحفاظ على الهوية اليهودية لدولة إسرائيل.

وأصدر حزب شاس نفسه بيانًا حول عملية الإقالة، جاء فيه: «سقط شيء ما في إسرائيل، تخلت المحكمة العليا التي تدعي رعاية الأقليات عن أصوات 400 ألف ناخب من حركة شاس التي تمثل جمهور المستضعفين في إسرائيل، الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع قبل شهرين فقط، ومع العلم بكل شيء عن رئيس شاس، قضت المحكمة اليوم بأن الانتخابات لا معنى لها، وقرار المحكمة سياسي، قطاعات عريضة من المجتمع الإسرائيلي تشعر اليوم بأنها مستبعدة من المحكمة، الحركة برمتها مصدومة من قرار المحكمة العليا التعسفي وغير المسبوق المخالف للقانون والعدالة، وتعتبره انتهاكاً صارخاً للحق في الاختيار والترشح وهو شريان الحياة للديمقراطية».

ردود الفعل حول الإقالة

وترى المعارضة الإسرائيلية أن الحكومة الحالية فوضوية وفاسدة، وحول هذا علق رئيس المعارضة، يائير لبيد على إقالة رئيس شاس أرييه درعي من منصبه كوزير للصحة والداخلية قائلًا: «ما نراه ليس حكومة، إنه سيرك، نتنياهو ضعيف، على مواطني إسرائيل ألا يدفعوا ثمن فساد وفوضى هذه الحكومة»، وكان لابيد قد حذر من عدم تنفيذ قرار المحكمة العليا وهو ما قد يؤدي إلى أزمة دستورية في إسرائيل.

وبارك رئيس المعسكر الوطني، بيني غانتس، قرار طرد أرييه درعي من الحكومة رغم الخلافات السياسية بينهما.

وعلقت رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي على إقالة درعي بقولها: «من الواضح أن قرار المحكمة صعب على كثير من المواطنين، لكن في بلد ديمقراطي، يكون قرار المحكمة محترمًا، يمينًا ويسارًا الجميع سواسية أمام القانون، على نتنياهو ودرعي التحلي بالمسؤولية واحترام قرار المحكمة».

وساند درعي العديد من أنصار التيار الديني المتشدد ومعظمهم أعضاء في الحكومة الحالية، منهم وزير البناء والإسكان يتسحاق غولدكنوبف، الذي علق على قرار إقالة درعي بقوله: «عبّر مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين بوضوح عن ثقتهم في الحاخام درعي ورغبتهم في رؤيته وزيراً في الحكومة، قرار استبعاده هو مثال ملموس آخر على الأسباب التي خلقت أزمة الثقة بين مواطني إسرائيل والنظام القضائي، سيدعم حزب يهودية التوراة جميع الإجراءات التشريعية المطلوبة لتحقيق إرادة الشعب الذي انتخب الحاخام أرييه درعي لتمثيلهم في الحكومة، لأن إسرائيل تحتاج الحاخام أرييه درعي في القيادة».

وقال وزير المالية ورئيس الصهيونية الدينية عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش في تغريدة على حسابه بتويتر: في اليسار يزعمون أن الديمقراطية في خطر والحقيقة أنها تبدو هكذا اليوم، لا يمكن أن يقرر 10 قضاة في بلد ديمقراطي بدلاً من غالبية المواطنين الإسرائيليين من يجب أن يكون وزيرًا دون أي أساس قانوني، الحكومة لن تتفكك. بعون الله، سنواصل تعزيز إصلاح النظام القضائي لجميع مواطني إسرائيل.

وغرد الوزير ايتمار بن جابر قائلًا: «لكل من يقترحون التسويات والاتفاقات تبين اليوم أن المحكمة العليا غير المنتخبة ليست معنية بالتسويات وترغب في حكومة بلا قيود على المسؤولين المنتخبين، من قام بانقلاب شرعي دون موافقة ومفاوضات لا يستوعب أن الشعب كان له كلامه في الانتخابات الأخيرة بشكل حاسم، الإصلاح الآن!».

وهاجم حزب «علم التوراة» قرار المحكمة العليا وجاء في بيانهم: مرة أخرى ، تتدخل المحكمة في الأمور التي ليس لها سلطة عليها وتتدخل في أمور لا تخصهم، سندعم كل الإجراءات التشريعية التي يتطلبها الحاخام أرييه درعي للعمل في الحكومة.

بينما أصدر رؤساء أحزاب الائتلاف بيانا مشتركا ردًا على قرار المحكمة العليا جاء فيه: تلقينا بصدمة وألم وأسى بالغ الحكم في قضية نائب رئيس الوزراء الوزير أرييه درعي، تحتاج إسرائيل إلى قدراته غير العادية وخبرته الواسعة في هذه الأيام المعقدة أكثر من أي وقت مضى، وبغض النظر عن الظلم الشخصي الجسيم الذي لحق بالوزير درعي نفسه، فإن الحكم يعتبر ظلمًا كبيرًا لأكثر من مليوني مواطن صوتوا لصالح حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو يلعب فيها أرييه درعي دورًا مركزيًا ومهمًا، وسنتصرف بأي طريقة قانونية متاحة لنا ودون تأخير لتصحيح الظلم والضرر الجسيم الذي لحق بالقرار الديمقراطي وسيادة الشعب.

هل هو صدام جديد؟

يبدو أن قرار المحكمة العليا خطوة جديدة في التصعيد بين السلطة القضائية والتيار اليميني المتشدد الذي يسعى لتقويض النظام القضائي، تحت مسمى إصلاحات ليفين، التي بموجبها اقترح وزير العدل، ياريف ليفين عدة إصلاحات في النظام القضائي رفضها معظم شيوخ القانون الحالين والسابقين في إسرائيل، مما قد يعجل الحكومة الحالية لدفع إصلاحات ليفين للمضي قدمًا نحو إقرارها، حتى تستطيع الحكومة السيطرة التامة على القضاء، وبالتالي إزالة أي عقبات من شأنها تعطيلهم عن خططهم المرتقبة.

المشهد السابق دعمه عديد من أنصار الائتلاف الحكومي الحالي، فنجد رئيس حزب نوعم وعضو الكنيست آفي ماعوز، يعلق على الحكم بقوله: المحكمة العليا وضعت نفسها مرة أخرى فوق القانون، واليوم أكثر من أي وقت مضى يفهم الجميع بأن الإصلاح القانوني ضروري لاستمرار وجود الديمقراطية الإسرائيلية.

واستمر هجوم التيار الديني المتشدد على المحكمة العليا، فنجد «الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل» تهاجم المحكمة العليا بسبب درعي وتؤكد ضرورة التعجيل بإصلاح القضاء بكافة أجزائه فتقول في بيان لها: «إن توزيع أحكام القضاة حسب مواقفهم الأيديولوجية هو الدليل على أن طريقة تعيين القضاة يجب أن يتغير وبالتأكيد القضاء على أداة المعقولية اللامحدودة التي تسمح بالحكم وفق الرأي الخاص للقضاة وليس بحسب الرأي العام للقضاة وليس القانون».

لماذا هذه النهاية؟

أثار درعي الجدل في مواقف عديدة، تلقى تعليمه ودراسته في المدارس الدينية اليهودية، التي أثرت في شخصيته، وهو أحد مؤسسي حركة شاس المتطرفة، وفي عام 1984 تقلد منصب سكرتير مجلس حكماء التوراة للحركة، وبعدها بعام أصبح مساعدًا لوزير الداخلية، ثم عُين أمينًا عام لحركة شاس، وكل ذلك قبل أن يلتحق بالجيش الإسرائيلي عام 1986، الذي خدم فيه 3 أشهر فقط ليتم تسريحه بعدها، وفي سن السابعة والعشرين أصبح أمينًا عام لوزير الداخلية، وفي انتخابات الكنيست الـ12 أصبح أصغر وزير للداخلية الإسرائيلية في سن 29 عامًا.

استمر درعي في منصبه كوزير للداخلية في حكومة يتسحاق رابين عام 1992، واستقال من منصبه بسبب إدانته من المحكمة العليا في قضايا فساد وكذلك بسبب اتفاقيات أوسلو.

وُجهت لدرعي اتهامات بتحويل أموال من وزارة الداخلية إلى هيئات أرثوذكسية متشددة أنشأتها حركة شاس، مما يعد تضاربًا في المصالح، وأصبح متهمًا في تلقي رشوة وثلاث جرائم احتيال وخيانة الأمانة، لكنه استمر في منصبه حتى قضت المحكمة العليا بعدم إمكانية استمراره في منصبه فاستقال من منصبه، لكنه استمر في قيادة حركة شاس، ومع التقلبات المستمرة لاحقت درعي عديد من الاتهامات طيلة حقبة التسعينيات.

وفي يوليو 2000 أعلنت المحكمة العليا أن درعي تلقى رشوة قيمتها 60 ألف دولار، وعوقب بالسجن لمدة 3 سنوات، وأفرج عنه بعد قرابة عامين، وبعدها توقف نشاطه السياسي لفترة، حتى عاد من جديد عام 2011 بتأسيس حركة «تيكون»، وفي 2012 قرر الحاخام عوفاديا يوسف الأب الروحي لحركة شاس إعادة درعي للحزب قبل انتخابات الكنيست التاسعة عشرة، وبعدها بعام أصبح رئيسًا لحركة شاس، وفي حكومة إسرائيل الخامسة والثلاثين عام 2015 تقلد درعي منصب وزير الاقتصاد، وفي يناير 2016 تقلد درعي منصب وزير الداخلية، مع أداء اليمين الدستورية للحكومة الإسرائيلية رقم 36 أنهى منصبه كوزير للداخلية وعاد للكنيست حتى استقالته في 25 يناير 2022.

حتى منذ عودة درعي للحياة السياسية لم تتوقف ملاحقته في قضايا عديدة مثل التهرب من الضرائب وقضايا عقارية واحتيال وخيانة أمانة وغسيل أموال، ومع انتخابات الكنيست الأخيرة أصبح درعي وزيرًا للداخلية والصحة حتى قضت المحكمة العليا ببطلان تعيينه بسبب القضايا، وبشكل عام كان درعي محل جدل دائم ولم تتوقف ملاحقته حتى كانت هذه هي النهاية، لكن يبقى السؤال هل يستسلم زعيم شاس أم يحارب من أجل العودة من جديد؟

مكاسب وخسائر نتنياهو

اضطر نتنياهو إلى تنفيذ قرار المحكمة العليا بإقالة درعي من منصبه، ورغم علم نتنياهو السابق بأن حليفه وشريكه درعي قد يطاله حكم قضائي على خلفية القضايا المتهم بها، لكنه لم يبالِ وعينه في حكومته الجديدة تحت ضغوطات ائتلاف اليمين، لكن ثمة تساؤلًا ملحًا، حول المكاسب أو الخسائر المتوقعة لنتنياهو بعد إقالة درعي، لا يخفى على أحد أن نتنياهو نفسه متهم في قضايا فساد ورشوة وبينه وبين المحكمة العليا صراع قضائي، لذا أيّد وسعى للإصلاحات القضائية المعلنة، واعتبرها تدعم رأي الناخب الإسرائيلي وتصلح ما أفسدته الصلاحيات المطلقة للقضاء وتقلل الفجوة بين الجمهور والمنظومة القضائية، ومع إقالة درعي، ودعوة جمهور الائتلاف وقادته لضرورة سرعة إجراء الإصلاحات القضائية، فهذا يعتبر فائدة كبيرة لنتنياهو في طريق تقويض المحكمة العليا والتعجيل بتلك الإصلاحات المزعومة.

وفي المقابل يرى بعض المحللين الإسرائيليين ومنهم عودة بشارات، أن المحكمة العليا يجب أن تستمر في ملاحقة الفساد، لذا كتب بشارات في صحيفة «هآرتس» يوم 23 كانون الثاني/ يناير الجاري مقالة بعنوان «استمري يا استر حيوت إنهم يخافون» في دعوة إلى القاضية استر حيوت رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية في ملاحقة نتنياهو نفسه ووصف أنصاره بالجبناء، وأن قرار إقالة درعي هز أسس الثقة الذاتية في أوساط بنيامين نتنياهو وأمثاله واستشهد بمقولة للإمام علي بن أبي طالب «حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق» في إشارة إلى أن الحكم «سيقيد أيدي قادة النظام الجديد وسيحرجهم، وسيفكرون ألف مرة قبل اتخاذ أي خطوة قاسية»، ودعم بشارات المحكمة العليا لاسقاط المقولة «عدم سقوط أي حصن» التي شاهد اليمين الحاكم فيها نفسه.

وجهة النظر السابقة دعمها الكاتب الإسرائيلي في صحيفة «هآرتس» مردخاي غيلات في مقالته المنشورة في 18 كانون الثاني/ يناير بأن الوقت قد حان لفحص أهلية نتنياهو وأنه متهم في مخالفات وقضايا واعتبر نتنياهو «المتهم الأكبر في إسرائيل، ووالد وأم الفساد في الحكومة» ووصف درعي بأنه مجرم وأن أفعال نتنياهو أخطر منه وحان الوقت كي يتوقف ولا يتجاوز الخطوط الحمراء ويتوقف عن ترديد جملة بأن الشعب هو السيد الذي اختارني للحكم، ووصف حكم المحكمة العليا بأنه انتهاء لسقوط الأقنعة الكاذبة.