المساعي السلمية لمدينة درنة استمرت أكثر من ثلاث سنوات لتجنيبها ويلات الحرب حتى بلغت طريقًا مسدودًا.. نمد أيدينا للسلام والحرب، نحن رجالها والشعب الليبي هم رجال الحرب وقت الحرب.. ساعة الصفر دقت لتحرير درنة.

الجنرال خليفة حفتر – الإعلان عن بدء العملية العسكرية على درنة – 7 مايو/ آيار 2018.

بعد 45 يومًا من المعارك العنيفة تقترب قوات الجنرال خليفة حفتر من إحكام سيطرتها على مدينة درنة (شرقي ليبيا). فما هي هذه المدينة التي عرقلت سيطرة حفتر على كامل شرق ليبيا لمدة 3 سنوات؟ ومن يسيطر عليها؟ وما دلالة سقوطها؟


درنة: آخر قلاع الشرق المستعصية

تقع درنة على بعد 270 كيلومترًا من الحدود المصرية – الليبية، وعلى بعد نحو 1250 كيلومترًا شرق طرابلس. وهي مدينة جبلية صغيرة تمتد على ساحل البحر المتوسط، مساحتها 5 آلاف كيلومتر مربع، ويسكنها نحو 125 ألف نسمة يعملون في الصيد والزراعة.

بدأت قصة درنة عام 2011 عقب الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، إذ سيطرت عليها بشكل شبه كامل جماعة «أنصار الشريعة» المرتبطة بتنظيم القاعدة، وكان آمر الجماعة في درنة سفيان بن قمو، السائق السابق لـ«أسامة بن لادن» والمعتقل السابق في غوانتنامو.

استمرت سيطرة الأنصار على درنة حتى أواخر العام 2014، عندما بايع «مجلس شورى شباب الإسلام» تنظيم «داعش» وسعى للسيطرة على المدينة لإقامة ولاية للخلافة في ليبيا باسم «ولاية برقة». وسرعان ما نجح عناصر الدولة في السيطرة على مناطق واسعة من درنة، بعد انشقاق عدد كبير من مقاتلي «أنصار الشريعة» ومبايعتهم لأبي بكر البغدادي، أمير «داعش»، وانشغال فرع الأنصار في بنغازي بقتال قوات حفتر.

في هذه الأثناء، تأسس «مجلس شورى مجاهدي درنة» وهو خليط من مقاتلين إسلاميين يرفضون «داعش» وعناصر محلية، اجتمعوا من أجل الاستعداد لقتال قوات حفتر التي كانت تخوض معارك شرسة للسيطرة على مدينة بنغازي القريبة من درنة.

مهمة «مجلس شورى درنة» الأولى لم يكن لها علاقة بهدفه الذي أسس لأجله، ولكن كانت تتعلق بقتال تنظيم «داعش» الذي استفحل خطره في المدينة، وأصبح يشكل الذريعة التي يبرر بها حفتر هجومه عليها. دخل «شورى درنة» في معارك طاحنة مع «داعش» انتهت بطرد عناصر الأخير إلى أطراف المدينة في يوليو/ تموز 2015، وكانت هذه فاتحة هزائم التنظيم في ليبيا.

حاول عناصر الخلافة المهزومون استعادة المدينة مرة أخرى عبر العمليات الانتحارية، لكنهم فشلوا واضطروا، في أبريل/ نيسان 2016، إلى الانسحاب من تمركزاتهم والتوجه نحو معقلهم في مدينة سرت (على بعد 750 كيلومترًا من درنة).

وتخضع درنة لحصار فرضته قوات حفتر منذ منتصف العام 2015، وتم تشديده في أغسطس/ آب الماضي من أجل الاستعداد للسيطرة على المدينة، وهو ما أدى إلى معاناة السكان من نقص حاد في إمدادات الغذاء والوقود والدواء، فمعظم المخابز أغلقت أبوابها منذ ما يقرب العام، ومحطات التزود بالوقود مغلقة منذ مطلع العام 2017 تقريبًا.

بدأت قوات حفتر الإعداد لاقتحام درنة منذ فبراير/ شباط الماضي، إذ بدأت الاحتشاد على تخوم المدينة وكثفت نيران مدفعيتها، ثم أتت ساعة الصفر في مطلع مايو الماضي، وبدأت العمليات العسكرية الموسعة التي آلت حتى الآن إلى سيطرة قوات حفتر على أغلب أجزاء المدينة، بحسب مصادر متعددة.


اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان

تواجه قوات الجيش الوطني الليبي –تسمية قوات لحفتر- منذ حملة بنغازي العسكرية اتهامات بتنفيذ عمليات إعدام وقتل دون محاكمة وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، من بينها نبش قبور المعارضين والتمثيل بجثثهم.

ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو فيها ما يبدو أنه قوات الجيش الوطني الليبي وهي تنفذ عمليات إعدام في درنة، إذ ظهر في الفيديو مسلحون يطلبون من شخص ملقى على الأرض خلع حذائه وملابسه، ثم انهالوا عليه ركلًا وضربًا ببنادقهم بعنف، ولاحقًا أطلقوا عليه النار بشكل جماعي. ودعا أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات حفتر، إلى إجراء تحقيق شامل في الصور، وقال إن القوات تلقت أوامر بتسليم المعتقلين للسلطات المعنية.


الدور المصري في درنة

تدعم مصر بكل قوتها الجنرال خليفة حفتر، ويُعتقد أن لها مساهمة قوية في عملية درنة، إذ قالت مصادر قريبة من حفتر إن فرقًا من القوات الخاصة المصرية موجودة في معسكر «لملودة»، القريب من درنة والتابع لحفتر، ونفذت العديد من العمليات في الفتائح، وحي باب طبرق. بالإضافة إلى وجود ضباط من الجيش المصري يشاركون في عمليات قيادة معارك حفتر للسيطرة على المدينة، بل شاركوا في التخطيط للعمليات قبل بدئها.

الموقف المصري لا يهدف إلى دعم حفتر فقط، بل يهدف إلى تصفية أي وجود للمسلحين الإسلاميين قرب الحدود المصرية. وتعتقد مصر أن عشرات المتطرفين المصريين التابعين لتنظيم القاعدة تلقوا تدريباتهم في معسكرات داخل درنة، وبعضهم ما زال مقيمًا فيها حتى الآن. ومن أبرزهم قائد تنظيم «مرابطون» ضابط الصاعقة المفصول هشام عشماوي والجهادي القاعدي عمر رفاعي سرور (هناك أنباء شبه مؤكدة عن مقتله في المعارك). وتأمل مصر أن يتم القبض على بعضهم خلال العمليات الجارية الآن.

وسبق للطيران المصري أن قصف درنة بشكل علني مرتين (يعتقد أن هناك هجمات غير معلنة)، الأولى في أعقاب ذبح تنظيم «داعش» الإرهابي مصريين مسيحيين في مدينة سرت الليبية في العام 2015، والثانية بعدما ذبح مسلحون يتبعون «داعش» مسيحيين في صحراء المنيا في العام 2017. وبحسب التحليلات المتوفرة فهذه الضربات الجوية كانت لدعم حفتر وليس لمعاقبة من قاموا بالعمليات الإرهابية، لأن المسئول عن الهجمات «داعش»، والموجودون في درنة يتبعون «القاعدة».


أهمية أن تسقط درنة

السيطرة على درنة تجعل حفتر جنرال الشرق الليبي بالكامل وتعزز موقفه في مفاوضته مع حكومة طرابلس التي يقودها فايز السراج. وحتى لو تطور الأمر وفشلت مفاوضات الطرفين، فسيكون حفتر قادرًا على القيام بعمليات عسكرية ضد قوات السراج دون القلق من ترك جيب خلفه غير مسيطر عليه. أضف إلى هذا أن معركة درنة معركة سهلة ولن تكلف الكثير، فلماذا لا يخوضها؟

من المهم أيضًا الوضع في الاعتبار أن مصر التي تدعم حفتر بكل قوتها كانت تدفع في طريق إنجاز معركة درنة من أجل التخلص من آخر معاقل الإسلاميين الراديكاليين في شرق ليبيا، تأمينًا لحدودها الغربية التي شهدت العديد من الاختراقات، والتي كان آخرها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما نصب تنظيم عشماوي كمينًا لقوات الشرطة وقتل فيه نحو 16 ضابطًا وجنديًا.