عندما هبت رياح التغيير في المنطقة العربية، كان لليمن نصيبٌ فيها، فكما في تونس ومصر، كان التنديد بالبطالة والفساد الحكومي أبرز دوافع الثورة اليمنية، في ثورته التي انطلقت شرارتها من جامعة صنعاء، في الخامس عشر من يناير عام 2011، وبينما كانت مصرتُسقط رئيسها في الخامس والعشرين من يناير 2011، كان اليمنيون يَرقُبون تلك اللحظات بإعجاب، وعيونهم تَرقُب إسقاط نظام الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، الذي حكم البلاد أكثر من 33 عامًا.

بدأت شرارة الثورة في يناير بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي في تونس، ولكنها اندلعت في صنعاء وفي محافظات يمنية أخرى في الحادي عشر من فبراير 2011، في تظاهرة “يوم الغضب”، التي استبقها الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الثاني من فبراير، بتقديم تنازلات كبيرة للمعارضة، أمام البرلمان في جلسة استثنائية، لكن الاحتجاجات قد تواصلت، لتتوالى جمعة إلى أخرى تحت مُسَميات مختلفة، منها “اللاعودة” و”جمعة الإنذار”.

خرج اليمنيون من كل حَدَب وصَوب، يُنادون بإسقاط نظام علي عبدالله صالح؛ وقدموا ثمنًا لذلك، المئات من القتلى والجرحى على أيدي قواته؛ التي راحت تستخدم القوة ضد المتظاهرين، في صنعاء وعدن وتعز والبيضاء، وعدة محافظات أخرى.

كان من أبرز أحداث الثورة اليمنية انفراط التحالف الذي كان يربط علي عبدالله صالح، برفيق دربه وسلاحه، “اللواء ركن” علي محسن صالح، قائد الفرقة الأولى بالجيش ، عقب أحداث جمعة “الكرامة”، في الثامن عشر من مارس 2011. بعدها بأيام، انضمت قبيلة حاشد التي ينتمي لها الرئيس، إلى الثوار.

بعد أسابيع من مظاهرات مناهضة للنظام، شهد مطلع شهر أبريل، توجيه وزراء مجلس التعاون الخليجي، دعوة للرئيس اليمني ومعارضيه، لإقامة حوار بالممكلة العربية السعودية.

لقاءات استثنائية لوزراء خارجية دول الخليج تلاحقت، وأفضت إلى أربع مبادرات بشأن اليمن، ظلت تتطور تباعًا، حتى عُرِضَت أول مبادرة، في الثالث من أبريل لعام 2011، حددت المبادرة الخليجية، خريطة طريق لمرحلة الانتقال السياسي في اليمن، كانت أبرز نقاطها: إعلان تنحي صالح ونقل صلاحياته إلى نائبه، وعُدِلَت عدة مرات، لتستقر عند صياغة إصدار قانون الحصانة للرئيس المُتنحي، تقيه الملاحقة القضائية هو ورموز نظامه، بالإضافة إلى تشكيل حكومة وفاق وطني مناصفة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، على أن ترأسها شخصية معارضة، و إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، يُنتخب فيها رئيسًا توافقيًا لمدة عامين فقط، وتحقيق المصالحة الوطنية عبر عقد مؤتمر يضم كافة الأطراف، وصياغة دستور جديد للبلاد والاستفتاء عليه.

الثالث من شهر يونيو لنفس العام، شهد محاولة اغتيال صالح، داخل مسجد دار الرئاسة، بحي السبعين جنوب صنعاء، وقامت السعودية حينها بعلاجه والمسؤولين الآخرين الذين أصيبوا معه.

ظلت دعوة مجلس التعاون بتفاصيلها، قيد التداول والنقاش، حتى أواخر نوفمير 2011، حين وقع صالح عليها، بعد وضع آلية تنفيذها، وكان من أبرز ما نصت عليه، تفويض سلطاته إلى نائبه، الفريق عبدربه منصور.

الفريق عبدربه منصور هادي، حينها كان قد تولى منصب نائب الرئيس اليمني لمدة جاوزت الـ 16 عامًا، لكن العارفين بخبايا دار الرئاسة في صنعاء، يرون أنه كان للرجل صلاحيات محدودة حينها؛ فالرئيس علي عبدالله صالح الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طوال فترة حكمه، كان هو الشخص البارز والمُهَيمن على المشهد السياسي، على رغم العواصف العاتية التي مرت بها البلاد، ودائمًا ما كانت تظهر صورة هادي إلى العَلن كلما توترت الأحداث وازدادت سخونة، مُستعينًا به صالح لتهدئة الأمور.

المبادرة الخليجية لم تكن هي القوة التي أجبرت صالح وفقط، على التنحي عن الحكم بعد 33 عامًا قضاها في السلطة، بل كانت الثورة الشعبية التي انطلقت يوم 11 فبراير 2011 والتي قادها الشباب قبل أن تنضم إليها قوى سياسية وقبلية.

في مطلع عام 2012، وفي الحادي والعشرين من فبراير، توجه اليمنيون، إلى صناديق الاقتراع للتصويت لـ هادي، كرئيس جديد للبلاد، خلفًا، لـ علي عبدالله صالح، ليتم بعدها بستة أيام، تسليم صالح عَلَم البلاد لهادي، كرمز لانتقال السلطة.

انتخِب هادي المُرشح التوافقي بنسبة تصل إلى 99 بالمئة من الأصوات، في انتخابات كان فيها المرشح الوحيد، حيث أنه الشخص الوحيد الذي حَظِي بتوافق وقبول وثقة أغلب التيارات السياسية والقبلية في اليمن، كما حظي بدعم الدول الإقليمية والعالمية حينذاك. أما صالح ، الذي أُجبر على التنازل عن السلطة وفقًا للمبادرة الخليجية، فقد تمتع وعائلته بالحصانة من أي ملاحقات قضائية في المستقبل.

بموجب اتفاقية الانتقال السياسي، عُقِد مؤتمر الحوار الوطني، في مارس 2013، واستمر عدة أشهر، وذلك بمشاركة الأطراف اليمنية المختلفة.

تصدر المشاركة، حزب المؤتمر وحلفاؤه، والحِراك الجنوبي وحزب الإصلاح والحزب الإشتراكي بنسبٍ أقل، بينما كان نصيب الحوثيين الأقل بـ 35 مشاركًا.

في الخامس والعشرين من يناير من العام الماضي، تضمنت وثيقة مؤتمر الحوار عدة قرارات متعلقة بأسس بناء الجيش والأمن وغيرها.

بالموازاة مع ذلك.. سيطر الحوثيون على عدة محافظات، وحاصروا صنعاء مُعتصمين فيها بالخيام، بدءاً من الثامن عشر من أغسطس، وأحكموا عليها قبضتهم بالسلاح، في الحادي والعشرين من سبتمبر.

تمخض الوضع الضاغط بسلاح الحوثيين، عن توقيع اتفاق “السلم والشراكة”؛ لتسوية الأزمة.

ضمن الاتفاق تعيين حكومة كفاءات، وتعيين الرئيس هادي، مستشارين سياسيين، من حزبي أنصار الله والحراك الجنوبي، وتحقيق توافق على دستور جديد، إضافةً إلى تنفيذ نتائج الحوار الوطني، ولكن الرئيس منصور هادي، اتهم الحوثيين بنقض الاتفاق؛ وذلك بعد رفضهم التوقيع عليه، ودعاهم للانسحاب من صنعاء، ولم يكن توقيعهم لاحقًا، إلا إجراءً شكليًا بفعل ما كان يحدث حقيقةً على الأرض.

استمر حصار الحوثيين للعاصمة، وبلغ مداه بحصار القصر الرئاسي، في يناير الماضي واقتحامه، تبعته استقالة عبدربه منصور، وحكومة خالد بحاح.

كان من الملاحظ حينها وفق مراقبين، هو تحالف الحوثيين مع نظام “علي عبدالله صالح” التي قامت الثورة اليمنية لإسقاطه، فرغم محاولة علي عبدالله صالح، القول أنه غادر السلطة، إلا أنه استغل الإخفاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية، في عهد الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي أدار المرحلة الانتقالية؛ لضرب هذه المرحلة، عبر استغلاله مجموعة خيوط، وتوظيفها في الصراع. فتم توجيه اتهامات لصالح، بإدارة تنظيم القاعدة عبر الأجهزة الأمنية القديمة، والذهاب إلى تحالف مع جماعة الحوثي، نال فيها ممن انتفضوا عليه عام 2011، وهم “آل الأحمر والقبائل واللواء علي محسن وحزب الإصلاح”.

أربع سنوات من الأحداث المتلاحقة، منذ ثار الناس على نظام صالح، حصادها؛ رغبةٌ في انتقام النظام السابق، من ثورة شعبية سلمية، ومؤامرة على الدولة اليمنية الجديدة، لكن اليمنيين لا زالوا يعتقدون، أن مخاض الثورات العسير، ثمنه باهظ، ونجاحها لا يقاس بالأيام ولا بالأعوام.

إقرأ المزيد

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (1) : اليمن.. صراع التدخلات الخارجية

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (2) : عاصفة الحزم.. ضربة استراتيجية في اللحظة الفارقة

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (3) : ما قبل “عاصفة الحزم” : الصراع الايراني – السعودي في اليمن ( مترجم )