يمكنك تلخيص الأهلي هذا الموسم بعنوان واحد: «الملل». تلك هي السمة الغالبة على أداء زعيم إفريقيا تحت قيادة الكابتن حسام البدري في ولايته الثالثة.

الأهلي هذا الموسم اكتسح بطولة الدوري، لا لشيء سوى أنه لا يوجد منافس حقيقي قادر على المواجهة، حتى محاولات المقاصة الشجاعة بقيادة أفضل مدرب في مصر حاليًا الكابتن إيهاب جلال، حتى تلك المحاولات لم تجد نفعًا. الأهلي حقق الدوري بشخصيته، لكنه كان قادرًا في كل مباراة كبيرة على إلحاق الضرر بنفسية مشجعيه. لأنه من غير المعقول أن يلعب البطل هكذا، ألا يستطيع الوصول للمرمى عن طريق هجوم منظم. من غير المعقول أن يسجل الأهلي فقط من هفوات مدافعي الخصم. من غير المعقول أن يلجأ الأهلي دومًا للكرات الطويلة أمام كل خصم يبدي بعض الرغبة في الضغط على دفاعنا.

كانت مباراة المقاصة نموذجًا جيدًا يكشف إمكانيات الكابتن حسام البدري بشكل تام. المقاصة لديه إصرار على التدرج بالكرة وبناء اللعب من الخلف رغم عدم امتلاكه نصف إمكانيات لاعبي الأهلي، وهذا ما جعلهم يكتسبون احترام الجميع، وفي المقابل اعتمد الأهلي على الكرات الطويلة العشوائية الموزعة من شريف إكرامي، رغم عدم إجادته التمرير الطولي الدقيق، ورغم عدم امتلاك الأهلي للاعب متميز في ألعاب الهواء يمكنه توزيع الكرة الثانية.

ما قيل عن مباراة المقاصة يمكن قوله بالضبط عن مباراة الوداد المغربي، وإن كانت مباراة الوداد أكثر بشاعة بسبب عدم قدرة كلا الفريقين على خلق فرص حقيقية طوال المباراة. وليس الحديث هنا عن الوداد، فعدم قدرة المغاربة على صنع فرص تهديف أمر ضروري، لكن ما هي الكيفية التي يجب بها إيقافهم، دفاع المنطقة أم الضغط العالي على دفاعهم وحارسهم. والأهم أن الأهلي في حالة حيازة الكرة لم يستطع بناء هجمة، لم يستطع الوصول إلى المرمى بشكل سلس، وهو أمر ليس بجديد، إنها كما قلت سمة الموسم وآفة الأهلي تحت قيادة مدرب عاد إلى الأهلي في غلطة تاريخية لن تغفرها جماهير الأهلي للإدارة.


عن أن تركن الأتوبيس!

أنهى الأهلي مباراة الوداد بأربعة لاعبين في خط الوسط جميعهم لا يجيدون سوى الدفاع، أربعة لاعبي ارتكاز أمام الوداد في برج العرب: السولية، وعاشور، وربيعة، وغالي، هل كان الأهلي يواجه ريال مدريد في السانتياجو برنابيو؟ هذا الإبداع وتلك العبقرية التكتيكية ليست جديدة أيضًا، فأمام بيدفيست في إياب الدور التمهيدي لعب البدري بثلاثة لاعبي ارتكاز منذ بداية المباراة كي يؤمن فوزًا ضئيلًا بهدف يتيم في مباراة الذهاب من كرة ثابتة حولها أحد قلبي دفاع الفريق إلى هدف. الأهلي لا يلعب كرة قدم ولكنه يفوز.

أعاد البدري الانضباط الذي افتقده الفريق في حقبة مارتن يول، انضباطًا فرض شخصيته السيكوباتية، التي يعرفها جماهير الأهلي جيدًا، فمن ينسى لقطة البدري في ولايته الثانية وهو يبصق استهجانًا من محمد ناجي جدو بعد إهداره إحدى الفرص. من ينسي أنه جعل بركات احتياطيًا أغلب مدة ولايته الثانية؟ حسام البدري كان مساعدًا لجوزيه لمدة كبيرة لكنه لم يتعلم منه شيئًا، إنه النقيض السلبي للبرتغالي.


عن صالح جمعة والآخرين

لدى الأهلي تخمة من اللاعبين، خاصة مركز الوسط المهاجم، حيث يستوي عبدالله السعيد ضامنًا مركزه تحت رأس الحربة سواء أدى أم لم يؤد، عبدالله يدرك أنه سيلعب في جميع الأحوال، وبالتالي يقدم السعيد واحدًا من أسوأ أداءاته مع الأهلي منذ انتهاء أمم إفريقيا.

ويبدو أن الأهلي أسير لمتلازمة الحب والكره التي تحكم اختيارات حسام البدري. هنا يقف صالح جمعة وعمرو بركات كشاهدين على أن الأهلي يهدر المستقبل لصالح الحاضر المريض. اشترى الأهلي صالح جمعة كبديل طبيعي لحسام غالي، تفاءل الجميع وانتظروا متوسط ميدان أهلاويًا يتسم بالحيوية والنشاط. وأكدت مشاركات صالح الأولى أن متوسط ميدان الأهلي الهجومي في أمان. تمريرات مبدعة كاسرة للخطوط، ماكينة بينيات لا تهدأ، وهو فوق ذلك مراوغ جيد يلعب بكلتا قدميه، لكنه كان ضحية التخبط الفني في الأهلي، وما أن وصل البدري حتى اكتشف الجميع أن صالح سيدفن حيًا.

أما عمرو بركات فقد اشتراه الأهلي كجناح أيمن وصانع ألعاب، لكنه إلى الآن لم يشارك مع الأهلي سوى بضع دقائق لا يذكرها أحد، رغم وجوده في الأهلي منذ انتقالات يناير. يصر البدري على الاعتماد على أهل الخبرة، فمحمد هاني يتم تجميده لصالح الرجل الحديدي، وأكرم توفيق لا أحد يذكر عنه شيئًا، هذا بالإضافة لصالح جمعة وعمرو بركات.

لعل الأمر المدهش حقًا هو كمية الركض التي يطلبها البدري من لاعبيه، خاصة ما يتم تكليف الأجنحة به من واجبات دفاعية، اركض اركض اركض وتصبح النتيجة أن الإنتاج الفني صفر بسبب كمية المجهود التي يبذلها اللاعبون، رغم وجود لاعبي ارتكاز لا هم لهم سوى تغطية المساحات التي يخلفها المتقدمون للهجوم. لكننا هنا نواجه معضلة حقيقية، فلاعبا الارتكاز ليسا كافيين لدى البدري، إنه يريد من الظهير أن يتولى مسئولية الخط في التحولات السريعة وحده، وبالتالي نجد أحمد فتحي خياره الأمثل، فهو الظهير الوحيد في العالم القادر على تغطية الجهة اليمني من استاد برج العرب ركضًا طوال المباراة، ومع ذلك تتوفر لديه طاقة لإرسال العرضيات إلى حدودنا مع ليبيا. على الجهة الأخرى يجد علي معلول نفسه موضع شك، لأن المجهود الذي يبذله التونسي يجعل عرضياته غير متقنة غالبًا رغم أنها إحدى مميزاته الأساسية.


العشوائي

في مباراة الوداد كان غريبًا أن تجد مؤمن زكريا يدافع داخل الـ 6 ياردات نفسها في الهجمة الوحيدة للوداد طوال المباراة. مؤمن هو أحد ألغاز الكرة، لقطة الهدف الأول تلخصه تمامًا، هو يجيد التوقع بشكل هائل، لم يتوقف ليشاهد أجاي في لقطة بديعة يتخلص من رقيبه بامتصاص عالمي للكرة، بل واصل الحركة ليجد الكرة في حلق المرمى، فقط لمسة، هدف. لكن مؤمن ما عدا الحركة، لا يعتبر لاعب كرة بالمفهوم الحقيقي.. لاعب لا يمتلك أي رؤية للملعب، مؤشر تمريراته للخلف فقط، اتخاذ القرار لديه عملية معقدة. لكن مؤمن ملائم جدًا للطريقة التي يفضلها البدري، البدري لا يريد لاعبي كرة، هو يريد خيولًا لا تتوقف عن الركض، ومن يتوقف يطلق عليه رصاصة دكة الاحتياط ويحيله إلى الاستيداع.

البدري لا يجلس وحيدًا مع نفسه بعد كل عرض أهلاوي مثير للقيء، بعد كل مباراة تمر دون أن يستطيع الأهلي خلق فرصة حقيقية، بعد كل مباراة لا يستطيع الأهلي فيها اللعب بشخصية البطل، بشخصية تليق بكبير القارة. البدري لا يفكر في كل هذا، وإن سأله أحدهم عن سوء الأداء فسيحدثنا عن الإرهاق والضغوط وما شابه، لكنه لن يلوم نفسه.

سفينة الأهلي تسير، الأهلي ينتصر بلا أداء، لكن ذلك لن يستمر، تلك سنة الكون، منتخب كوبر ظل يكسب بدون أن يقدم شيئًا، ثم -ولسخرية القدر- خسر النهائي أمام الكاميرون، أقل الفرق حظوظًا في البطولة. سفينة الأهلي تسير، ولكن حين تتراجع النتائج لا يجيد البدري سوى شيء واحد: الهرب.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.