لعله المشهد الأبرز في البطولة حتى الآن، مشهد حارس مرمى جزر القمر الذي يضع يده خلف ظهره بينما ينفرد به مهاجم الكاميرون خوفًا من أن تلمس الكرة يده، كان مشهدًا حزينًا بالطبع، بطله «شاكر الهدهور» مدافع الفريق الذي اضطر للعب كحارس مرمى بعد إصابة حراس المنتخب الثلاثة، أصيب الأول في اللقاء الأخير في المجموعة، وخرجت مسحة الثنائي الآخر إيجابية قبل المباراة.

ليس الحارسين فقط، لكن معهما 10 إصابات أخرى شملت مدرب الفريق، ورغم ذلك أدى الفريق مباراة رائعة، وظهر بأداء شجاع ومبادر اكتسبوا معه الاحترام والتقدير، وفازت الكاميرون بسهولة في النهاية.

 ما حدث أثار شكوك الجميع، وطرح سؤالًا ضروريًّا، هل من المنطقي أن يصاب 12 فردًا مرة واحدة رغم أن البعثة لم تسجل أي حالة منذ بداية البطولة؟ وإذا لم يكن ذلك منطقيًّا، فهل يمكن أن تكون الكاميرون تلاعبت بنتائج المسحات؟

ليست الأولى

بعيدًا عن الكاميرون، فتاريخ كرة القدم مع محاولات التلاعب من البلد المضيف للبطولات الكبرى ليس مشرفًا، ومنذ يومها الأول تقريبًا بدأ ذلك ولم ينتهِ.

في 1934، استضافت إيطاليا المونديال، وأراد موسوليني تحقيق البطولة بشدة أيًّا كانت الوسيلة، حكَّام قبلوا الرشاوى، وآخرون تناولوا العشاء معه ليلة المباراة، وآخرون رفضوا فهددهم بالقتل، هذا إضافة لقانون الـ «أوريوندي» الذي أتاح له تجنيس الأرجنتينين ذوي الأصول الإيطالية، أو خطفهم بالأحرى وإجبارهم على اللعب مع المنتخب الإيطالي، ولعبوا دورًا مهمًّا في التتويج الذي حدث في النهاية.

بعد فوز إيطاليا بـ 80 عامًا كان بلاتيني يجري حوارًا مع صحيفة «France Bleu» – تذكَّر هذه الصحيفة سنحتاجها مجددًا – ليخبرهم أنه أثناء وجوده في اللجنة المنظمة لمونديال 1998 الذي استضافته فرنسا عمل مع اللجنة على وضع البرازيل وفرنسا في جهتين مختلفتين بحيث لا يلتقي الثنائي إلا في النهائي، لأنه كان النهائي الحلم من وجهة نظره، وقد نجحت خطته، وفازت فرنسا صاحبة الأرض على البرازيل بثلاثية في النهائي وتُوجت باللقب.

كان المونديال التالي في 2002 هو الأسوأ على الإطلاق في هذا السياق، أُقيم لأول مرة في التاريخ في آسيا وفي بلدين مختلفين؛ كوريا الجنوبية واليابان، وبطريقة أو بأخرى صعد الثنائي من المجموعات.

خرجت اليابان من دور الـ 16 على يد تركيا، واستمرت كوريا الجنوبية لتخوض مغامرة لن ينساها جمهور الكرة.

البداية كانت أمام إيطاليا في دور الـ 16، عنف زائد منذ الدقيقة الأولى، وطرد ظالم لفرانشيسكو توتي، وهدف ملغى لإيطاليا في الوقت الإضافي كان كافيًا لصعودها بقاعدة الهدف الذهبي المتبعة آنذاك، لكن أُلغي بداعي التسلل، لترتد الهجمة ويسجل منها المنتخب الكوري هدفًا ذهبيًّا صعد به للدور القادم.

قد تبدو معلومة بلا فائدة لكن حكم المباراة، كان المكسيكي بايرون مورينو، وقد ألقي القبض عليه في عام 2010 أثناء تهريبه للهيروين، دعنا منه الآن ولنكمل المغامرة.

كان الدور على إسبانيا هذه المرة، وبقيادة تحكيمية للمصري جمال الغندور، لكنه لم يكن المتهم الأول، لكن حكمي الراية، اللذين منعا إسبانيا من اللعب تمامًا، وأُعلنت تسللات عديدة بشكل خاطئ، وأُلغي هدف صحيح بشهادة الغندور نفسه بعد ذلك كان كافيًا لعبور الإسبان الذين خسروا في النهاية بركلات الترجيح، ووصلت كوريا للمربع الذهبي للمرة الأولى والأخيرة في تاريخها.

كان الهدف من ذلك واضحًا بالطبع، استمرار المنتخب المضيف يعني اهتمامًا أكبر بالبطولة، وحضورًا أكبر في المدرجات، وفي ذلك الوقت كان سيعني اهتمامًا أكبر من الآسيويين بكرة القدم.

هناك الكثير من الأمثلة، مونديال 1966 الذي فازت به إنجلترا على أرضها بهدف مشبوه، روسيا في مونديال 2018 الذي استضافته ولعبت فيه بشكل رائع، لكن ثبت أن لاعبيها حصلوا على منشطات. البرازيل في كأس العالم 2014، مهلًا نعتذر، هؤلاء تحديدًا لم تنفعهم الأرض بشيء وخسروا من الألمان بسباعية.

والأكيد أن مضيفي البطولات الكبرى يحاولون في المعتاد أن يوجهوا البطولة لصالحهم، لكن تختلف الدرجة، من مجرد تلاعب في القرعة، أو تصل لمساعدة تحكيمية واضحة، أو شيء جديد عرفناه منذ سنتين فقط.

covid 19

منذ اليوم الأول الذي اكتشف فيه العالم هذا الفيروس، وطرأ على مباريات كرة القدم سبب جديد للغياب عن المباريات، وهو مسحة كورونا قبل المباراة، وعلامة الإيجاب تعني غيابًا نهائيًّا عن المباراة.

فتح هذا بابًا للغياب، وفي مجال يعمه الفساد ككرة القدم، فقد كان بابًا للتلاعب أيضًا، وشهدت كرة القدم عدة حالات حاول المسئولون فيها تزوير هذه المسحات لصالح فرقهم.

بطل أحد الحالات كان فريق لاتسيو، الذي خضع للتحقيق من جانب الاتحاد الإيطالي لأنهم اتفقوا مع أحد المعامل المحلية الذي أقر بسلبية المسحات، رغم إيجابية 3 منها في فحوصات الويفا التي أُجريت في نفس الفترة.

كانت فضيحة كبرى بالطبع، كادت أن تصل إلى هبوط لاتسيو أو خصم بعض النقاط، لكن اكتفى الاتحاد الإيطالي بتغريم النادي، ومعاقبة الفريق الطبي والإداريين فقط.

الدوري المصري كذلك له مساهمة، حين اتُّهم فريق المصري بتزوير مسحة حارسه أحمد مسعود، وتطورت الأزمة حتى أوشك الحارس على الاعتزال.

هل تلاعبت الكاميرون بالمسحات؟

لنعد لبطولة أمم أفريقيا الجارية، استفادت الكاميرون من فحوصات كورونا الإيجابية مرتين، الأولى في المباراة الافتتاحية حين غاب أربعة لاعبين من بوركينا فاسو، والثانية أمام جزر القمر في دور الـ 16 حين غاب 7 لاعبين عن الفريق، مع رفض مشاركة أحد الحراس الذي خرجت مسحته سلبية قبل المباراة بدعوى حاجته للعزل لـ 5 أيام، في حين لم يغب عن المنتخب الكاميروني أي لاعب، وهو ما جعل الجميع يتشكك في حدوث تلاعب.

أريد توضيح شيء بخصوص الاختبارات، الوكالة المختارة لإجراء الاختبارات ليست تحت إشراف الكاميرون، بل تحت إشراف الاتحاد الأفريقي 100%، وأعتقد أن قواعد اللعب كانت معروفة للجميع قبل بداية البطولة، أنا لا أقبل بالغش، وأتمنى احترامي واحترام بلادي أكثر من ذلك.
صامويل إيتو في تصريحات للقناة الفرنسية Canal+

كلام إيتو صحيح بالفعل، واللجنة المنظمة للبطولة والتي تضم رئيس الكاف ورئيس الاتحاد السنغالي ورئيس الاتحاد النيجيري هي المسئولة عن القرارات الإدارية وليس الاتحاد الكاميروني.

لكن نعتذر للسيد إيتو، هذه مغالطة منطقية واضحة، تفترض أنه ما دام الأمر ليس خاضعًا للاتحاد الكاميروني مباشرةً فلم يحدث التلاعب، وتفترض أن الاتحاد الأفريقي نزيه ولا يمكن أن يشارك في ذلك.

والحقيقة أن وصف الاتحاد الأفريقي بالنزاهة أو افتراض ذلك مجرد نكتة سخيفة، ينفيها النظر البسيط في تاريخه، خرج الرئيس السابق أحمد أحمد من الاتحاد متهمًا في قضايا فساد، وسابقه الكاميروني عيسى حياتو لم يكن أقل فسادًا.

وإسناد البطولة للكاميرون من الأصل وموافقة الاتحاد الحالي على إقامتها هناك في ظل التجهيزات الضعيفة والتنظيم السيئ الذي شاهده الجميع لا يخلو من مجاملة من جانب أفراد الاتحاد الحالي.

والمؤكد أن الكاميرون لم تستضف البطولة لأن شعبها يحب كرة القدم، لكن الرئيس بول بيا وحكومته يعوِّلون عليها في تمرير عدد من قراراتهم السياسية، وكنس الكثير من فسادهم تحت سجاد البطولة، وبطريقة أو بأخرى لا يمكن أن يودِّعوا البطولة مبكرًا.

هذا لا يجعلنا نقر بتلاعب الكاميرون، ولا يجعلنا نتهم الاتحاد الأفريقي بالمجاملة، لكننا لا يمكننا أن نبرِّئ ساحتهم من الفساد كذلك، وربما الأيام القادمة تحمل معها قرائن أخرى تؤكد تلك الشكوك أو تنفيها.

ما يمكننا أن نجزم به هو أن لعب الكاميرون لجميع مبارياته في الملعب الأوليمبي بياوندي أفضل ملاعب البطولة لم يكن سوى صدفة، صدفة كالتي جعلت إنجلترا تلعب جميع مبارياتها في مونديال 1966 على ملعب ويمبلي، والأخرى التي جعلت فرنسا تلعب المباريات الثلاث الأصعب في مونديال 1998 في استاد دو فرانس الذي تبلغ سعته مرة ونصف أي ملعب ثانٍ من ملاعب البطولة.

هذه صدف بالطبع، مشكلتها أنها متكررة، ومشكلتها الأخرى أن بلاتيني في حواره مع مجلة France Bleu التي أوصيناك بتذكرها وتعليقًا على تلاعبه بقرعة المونديال، سأل سؤالًا فارقًا: هل تظن أن أي دولة مضيفة لم تفعل ذلك؟ ربما هذا السؤال يقدم إجابة لا نستطيع تقديمها.