كرة القدم هي الحرب ناقص إطلاق النار.
جوروج أورويل الأديب الإنجليزي

إذا كنت تُريد القراءة عن التجنيد الإجباري وما فعله بلاعبي كُرة القدم من تأثير على المستوى وأحيانًا إنهاء للمسيرة، فمن فضلك حاول أن تُغير بوصلة تفكيرك لتتابع قصص من أنهوا الحروب العظمى منتصرين أو منهزمين ثم لعبوا الكُرة. من قاتلوا في ميادين وأطلق عليهم الرصاص ثم قاتلوا في الملعب.

الآن سوف نستعرض الجانب الغامض من حياة مشاهير لعبوا لعبتنا الجميلة ولكنهم يومًا كانوا يُدافعون عن بلادهم وتعرضوا لخطر الموت، منهم من انتصر ومنهم من قبض عليه أسيرًا . قصص ملهمة كثيرة بدأت بحروب ضروس وانتهت بالحب الأكبر والشغف الأبدي الذي لا يترك أصحابه، حب الكُرة.

مُنذ عقود لم تقم حروب عظمى في العالم، ولكن التجنيد الإجباري كان مُستمرًا في الاستعداد الدائم لأي اعتداء. لكن ماذا عن وقت الحروب والدول المضطربة؟ بالتأكيد ألقت نيرانها على لاعبي الكرة في الأزمنة المختلفة أو ربما جعلتهم لاعبين أفضل بعد قصص ملهمة وأحيانًا أساطير!


توم برودبنت: من المطبخ إلى الحرب ولكني أحب الكُرة

شاب إنجليزي في الخامسة والعشرين من عمره، عمل في الطهي والنجارة وحاول في كُل اتجاه، حتى أنه كان يُقدم نفسه للأندية كلاعب كُرة قدم ولكنه كان دومًا يفشل في ذلك حتى انضم للجيش الإنجليزي في عمر الـ19. هذا هو توم برودبنت الذي يلعب الآن بنادي سويندون تاون الإنجليزي والذي حظي بأولى عقود احترافه وهو بعمر الـ25 وتحديدًا في السادس من أكتوبر/تشرين 2017 ليُحقق حلمه ويُصبح لاعبًا مُحترفًا في نادي بريستول روفرز.

كُنت صغيرًا في الحجم وسمينا إلى حد ما، حاولت اللعب في أندية كثيرة ولكن ذلك لم يحدث، عملت بتقديم الدجاج وعملت بالنجارة حتى قررت الانضمام للجيش بعمر الـ19
توم برودبنت عن طفولته

حتى الآن لا يوجد شيء مذهل بقصة ذلك الشاب ولكن قراءة التفاصيل قد تغير الوضع كثيرًا، الإثارة أيضًا ليست في شيء ما يتعلق بنجاته من الموت أو هكذا ولكن في التصميم وانحناء القدر لحبه للكُرة.

ذهبت مع الجيش إلى أفغانستان،لم يكن الوضع مُرعبًا لحسن الحظ. في الحقيقة كنت سعيدًا للذهاب هُناك، لم أكن أُريد أن أُنهي عملي بالجيش دون أن أفعل شيئًا مميزًا حتى أستطيع أن أرد على سؤال أحدهم. ذات مرة أُطلق علينا النار ولكني كنت محظوظًا لركوبي عربة مُصفحة، كُنت أركب في آخر السيارة وأستمع لأغنية ما زلت أتذكرها «scar tissue» حتى نبهني زميل لي فألقيت السماعات جانبًا!
برودبنت عن ذهابه لأفغانستان مع الجيش البريطاني

توم لم ينسَ الكُرة طوال فترة خدمته في الجيش، كان يُمارس الكُرة بطريقة شبه احترافية مع أندية في الدرجة السابعة مثل فارنوبوروه، حتى أتت لحظة كانت بمثابة إشارة من القدر لتوم بأنه سيحترف يومًا ما وتحديدًا في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2016 بين أرسنال وتشيلسي حينما وقع عليه الاختيار لتمثيل الجيش البريطاني في التقليد المعروف ليكون أحد ثلاثة يسلمون الميداليات لطرفي النهائي.

أتذكر تعليقات بعض اللاعبين يومها، لوفتس شيك مثلًا قال لي: ما هذا الحجم يا رجل؟ كما عصر عضلات ساعدي وقلت له حسنًا صديقي!

توم عن حضوره ملعب ويمبلي وتسليمه الميداليات الفضة لفريق تشيلسي

في تلك الأثناء أخبر قادته بالجيش أنه يُريد أن يلعب الكرة بشكل احترافي ويترك الجيش وبالفعل توسط له نيك دي لونج أحد صف ضباط الجيش البريطاني والذي كان يعمل مُدربًا ومديرًا لكرة القدم بالجيش البريطاني عن أحد الوكلاء وبالفعل تم قبوله في فترة معايشة ببريستول روفرز والبقية هو للتاريخ، من جُندي مقاتل إلى لاعب محترف!


بوشكاش وفريتز فالتر

فيرنيتس بوشكاش، فريتز فالتر
فيرنيتس بوشكاش، فريتز فالتر

إذا كان برودبنت قد حقق حلمه بلعب الكُرة وتغلب على الظروف وقاتل من أجل ذلك، فإن الوضع كان أسوأ بكثير مع أبطالنا الجُدد، قصص تقترب من كونها أساطير فهم لم يتطوعوا في الجيش مثل توم ولكن الحرب كانت تدق باب كل بيت، الشر الذي لابد منه. هل يُمكنك تخيل العالم حيًا صغيرًا؟ هذا هو الحل الوحيد لتجمع الصدفة بين فالتر وبوشكاش في نهائي كأس العالم 1954 بعد ماحدث لهما.

كان فالتر مجندًا في الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكنه كان أسوأ حظًا حينما وقع في قبضة السوفييت ووُضع في سجن للأسرى بـ«مارامور» الواقعة بين رومانيا وأوكرانيا. الكُرة هُنا كانت وسيلة الإنقاذ التي هبطت من السماء لفريتز حين وجد كُرة طائشة وظل يستعرض مهاراته بها أمام الأسرى حتى فُتن به الجميع وذهب البعض في القول بأنه نظم دوريًا خاصًا بهم وع الحُراس المجريين والسوفييت!

المُدهش وغير المفهوم أنه، على حسب الرواية، تعاطف معه أحد الحُراس المجريين وأخبر قائده بأن هذا الشخص نمساوي وليس ألمانيًا ليمنعه من الانتقال إلى السجن الدائم بسيبيريا ويودعه بتلك الكلمات : «لقد رأيتك هُناك في عام 1942، لقد كنت تلعب أمامنا نحن المجر عندما خسرنا 3-5».

بوشكاش كان أسعد حظًا بكثير فلم يكن له علاقة بالجيش من قريب أو من بعيد سوى أنه كان عضو دائم في المنتخب العسكري المجري حتى أنه كان يحصل على رتبة شرفية حتى وصل إلى رتبة رائد، وكان يُلقب بالرائد العدّاء!

قرر القدر أن يجمع بين الرائد العداء والجندي الألماني الهارب في نهائي كأس العالم 1954، ليس هذا فحسب بل كانا قائدي الفريقين! النهائي في حد ذاته كان مُعجزة يطلق عليها معجزة بيرن.


ياشين: العنكبوت صانع الرصاص

ليف ياشين حارس مرمى الإتحاد السوفيتي التاريخي
ليف ياشين حارس مرمى الإتحاد السوفيتي التاريخي
في عمر الثانية عشرة، طفل دون السن القانونية وضعت الحرب عليه وزرًا أن يُصنع المُعدات الحربية في المصانع الممولة للجيش السوفييتي. شغفه بالكُرة ظل يداعبه ويلعب مع فريق المصنع حتى أُصيب بانهيار عصبي بعمر الثامنة عشرة.
ليف ياشين عن تلك الفترة الصعبة

الباقي هو تاريخ لينضم ياشين من نادي المصانع الحربية إلى دينامو موسكو ويُصبح في نظر الكثيرين الحارس الأفضل في تاريخ اللعبة.


مُباراة الموت

أثناء الحرب العالمية الثانية تم القبض على الكثير من لاعبي دينامو كييف الأوكراني وإجبارهم على العمل في تصنيع الخُبز لصالح الألمان. القيادة الألمانية علمت بأن هُناك لاعبي كُرة بحوزتهم قرروا وبأسلوب بغيض إعلاء الروح المعنوية للألمان على الروس بمُباراة بين فريق ألماني وهذا الفريق وسط تحكيم ألماني لإذلالهم وإذاعة الخبر، ولكن ماحدث هو فوز الفريق الأوكراني 5-3.

بعد تلك الهزيمة رفض كبرياء الألمان الخضوع ووضعوا اللاعبين في المعتقل وصوبوا ناحيتهم النيران ليُطلق أحد اللاعبين صرخة تقول «فلتحيا الرياضة الحمراء».


دروس للحياة

هل كان اكتئابًا؟ لا أعلم! ربما كان الإرهاق مُتزايدًا عبر السنين جعل شيئاً ما يُكسر بداخلي.

قيم كُبرى من الممكن أن تظهر من كل المواقف السابقة، بداية من جسد برودبنت التالف الذي أصلحه التدريب في الجيش ليُصبح بعد ذلك مؤهلًا لمُمارسة الرياضة التي يعشقها. التصميم الذي عاشه الشاب ليحصل على حلمه في النهاية. التأقلم مع أي ظروف والتعامل معها كما كان يُفكر ساوثيجيت مُدرب المُنتخب الإنجليزي حين قرر إنزال الفريق مع قوات من المارينز لإخضاعهم لظروف صعبة ورصد قدرة تحملهم، تمامًا كما حدث مع ياشين وفرايتز ولكن عن طريق الصُدفة لتُنتج لنا الحرب أعظم حارس بتاريخ اللعبة رُبما وآخر يُعد أفضل لاعبي ألمانيا تاريخيًا حتى ظهور بيكنباور.

كُرة القدم هي اللعبة الأجمل فهي ستجبرك كل مُرة على احترام مشاعر كل عناصرها، يكفي أن يقوم مات كينجستون وبين ماكبين ثنائي الجيش الإنجليزي اللذين أُصيبا بأفغانستان بخلع أطرافهما الصناعية وتقديمها مع أقلام لديفيد بيكهام وجون تيري للتوقيع عليها حين سُمح لهم بحضور تدريب المُنتخب. أجمل ما في اللعبة هو الحلم الذي بدوره يعطيك القدرة على التصميم والتحمل في انتظار الأفضل دومًا.