عدة أسباب يمكنك الوثوق بها والارتكان إليها، وأنت تستمع إلى موسي أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، في حواره الأخير، تشير إلى أن الحركة تسعى لإعلان وثيقة جديدة تثبت انفصالها تنظيميًا وإداريًا عن جماعة الإخوان المسلمين، في تسويغ براجماتي نادر، يتناسب مع الحالة الراهنة والأوضاع الاستثنائية في تاريخ الحركة الأم للتيار الإسلامي.


ثلاثة أعوام من تحصيل فواتير التنظيم الأم، هكذا يبدو لسان حال حماس وهي تسترجع مرارة السنوات الماضية، أثناء تحضيرها لوثيقة الانفصال المزعومة، للهرب من شبح المحاصرة المصرية والدولية، بسبب اقترانها بالتنظيم الأم. بعد 28 عامًا، كانت «حماس» حسب ميثاق تأسيسها، تعترف أنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين.

وخاضت حركة المقاومة الإسلامية عراكًا شرسًا مع النظام المصري، وجند الإعلام الحمساوي في غزة نفسه لخوض حرب ضروس ضمن كتائب إخوان مصر الإلكترونية والإعلامية، لكشف سوءات نظام السيسي؛ ما أقام بين الطرفين جدارًا عازلاً، سرعان ما تحول لكتلة من اللهب أضعفت من قوة حماس على كافة المستويات.

كشف موقع «بريتبارت» الأمريكي، عن تفاصيل «رسالة المصالحة» التي أرسلتها الحكومة المصرية إلى قيادات حماس، وذلك في ضوء شروط مصرية مُحددة.

ربما أكثر ما وضع حركة حماس في موقف كارثي لا تُحسد عليه، إغراق الأنفاق وتهديمها؛ ما أثر على تدمير قطاع البناء والإعمار في غزة، وتعطيل فرص عمل آلاف الفلسطينيين الذين اعتمدوا لفترات طويلة في جلب أرزاقهم على كل ما يخص عمل الأنفاق، بداية من الحفر والنقل، إلى التجارة في السلع الغذائية المستوردة من الجانب المصري، ومواد البناء والوقود والسيارات.

وكانت مواد البناء، ووقود السيارات المهرب عبر الأنفاق، من السلع الإستراتيجية التي يعتمد عليها الاقتصاد غير الرسمي لحكومة حماس، وتسبب إيقافه في عملية شلل للحياة بقطاع غزة، خاصة في ظل خلل اتفاقية المعابر الموقعة في 2005، والتي تعطي حق إدارة المعبر من الجانب الفلسطيني للسلطة الفلسطينية الممثلة حاليًا في الرئيس محمود عباس أبو مازن؛ ما يعني ابتعاد حماس عن المشاركة في إدارته، وهو المطلب الذي توجهت به بالفعل مرات عدة للحكومة المصرية التي رفضته هي والسلطة الفلسطينية على حد سواء.

وبجانب التعقيدات الإدارية، لا تسمح الاتفاقية إلا بعبور الركاب المسافرين فقط، بالإضافة إلى تجاهل إقامة منطقة للتجارة بين مصر وغزة، وتلاشي المشروع المتكامل الذي تقدمت به حماس للرئيس المعزول محمد مرسي، والذي لم يقدم بشأنه أي تعاون يذكر وقتها، ولم يحرك الملف للأمام خلال توليه حكم مصر.


وقد كشفت وسائل إعلام عربية في أغسطس/أب 2016، عن صور قيل إنها مسربة لأعضاء من حركة حماس تم القبض عليهم داخل الأراضي المصرية، قبل عام من تاريخ ظهور تلك الصور، ولم تعلن الحركة عن انتماء المحتجزين لها.

واكب ذلك صمت رسمي من الحكومة المصرية، قبل أن يتم الكشف عن هوية أصحاب الصور المسربة، وهما: ياسر زنون وعبد الدايم أبو لبدة، المنتميان لكتائب القسام، الذراع العسكري لحماس، حسبما أكد ذويهم في حديث لقناة الجزيرة القطرية، التي كانت أول من نشر التسريبات من داخل مقر، قيل إنه أحد فروع مباحث أمن الدولة المصرية.

وكان صمت الحركة يشي بضغوط قاسية تتعرض لها، لاسيما وأنها أعلنت في 2015 عما أسمته عملية أمنية لاختطاف 4 فلسطينيين في سيناء، وحمّلت السلطات المصرية مسئولية إعادتهم، إذ أدانت الحركة -حينئذ- في مناطحة ومبارزة وتحد نادر للنظام المصري، وبعبارات تصعيدية لم تكن مألوفة للقيادة السياسية المصرية، عملية القبض على رجالها، ووصفتها بالخطف الذي يكسر كل الأعراف الدبلوماسية والأمنية.

وفي المقابل، اتهمت السلطات المصرية حركة حماس بدعم المتطرفين الذين يستهدفون الجيش والشرطة في سيناء، فضلاً عن دعمها الكامل، إعلاميًا وسياسيًا، لجماعة الإخوان المسلمين.

واستمر التصعيد المصري علي كافة المستويات ضد الحركة، حتى أصدرت محكمة الأمور المستعجلة حكمًا في 28 فبراير/شباط 2015 باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية، وقالت في حيثيات حكمها إن الحركة تهدف إلى النيل من أمن مصر واستقرارها.

وصلت العلاقة بين حماس والنظام المصري إلى طريق مسدود بعد اختمار حالة التربص والتصعيد الإعلامي بين الطرفين، وربما أكثر ما عبّر عن الأزمة المناظرة التي عقدت قبل عامين، بين الكاتب الصحفي أسامة الدليل، المقرب من النظام المصري، وإبراهيم حبيب عميد كلية الشرطة الفلسطينية بغزة، والموالي لحركة حماس.

وشهدت المناظرة اتهامات شديدة من حبيب للنظام المصري، ووصفه بالانقلاب في تضامن واضح مع إخوان مصر، وأكد أنه يحاصر حماس لخدمة لإسرائيل بالتعاون مع حركة فتح؛ ما جعل الدليل يشن عليه حربًا بلا هوادة، وكال الاتهامات لحماس بالعمالة والخيانة للقضية الفلسطينية.


بقدر ما كانت المناظرة تشي بتحول جديد في نظرة النظام المصري الحاكم لحماس والمقاومة بشكل عام، كانت أيضًا كاشفة عن عمق الأزمة والتخبط الذي عايشته حركة المقاومة الإسلامية الشهيرة، والتي أدركت فيما بعد أن الدول العربية مجتمعة لا يمكن أن تغني فلسطين، وفي القلب منها حماس، عن مصر، بغض النظر عن موقفها في ظروف استثنائية بالغة الصعوبة من نظامها الحاكم.

اتضح لحماس أن العلاقة الجيوسياسية النادرة بين مصر وفلسطين، لا تسمح لها بالاستمرار في فتح «جبهة قلق» فلسطينية تقوِّض من شرعية النظام المصري.

كما اتضح لحماس أيضًا أن العلاقة الجيوسياسية النادرة بين مصر وفلسطين، والإرث التاريخي المشترك، لا يسمحان لها بالخضوع لدعوات القوى العربية المناوئة للنظام المصري، بالاستمرار في فتح «جبهة قلق» فلسطينية تقوِّض من شرعيته، ما جعلها تتراجع عن موقفها، وتتبنى مواقف جديدة.

وتلقفت الحركة أول طوق للنجاة من «الفخ المصري» بعدما تسبب طعن هيئة قضايا الدولة، صوت النظام الرسمي قضائيًا، على الحكم باعتبارها منظمة إرهابية، ما تسبب في إلغائه، فرحبت الحركة وأكدت على تمسك مصر بدورها القومي تجاه فلسطين، وألمحت إلى أن تداعيات هذا الإلغاء وآثاره الإيجابية ستظهر فورًا على علاقتها مع القاهرة.

وبالفعل، وبشكل ملفت، اختفت الحملات العدائية التي كانت تشنها الأذرع الإعلامية الحمساوية في غزة على النظام المصري، واختفت كلمة «انقلاب» تدريجيًا، في كل ما يخص أخبار النظام المصري، وإن عادت الكلمة على استحياء في بعض المواقف. إلا أن التوجه العام للإعلام الحمساوي يتحسس ما يقوله بعناية عن النظام الرسمي، خاصة وأنه كان أحد أسباب تأزم العلاقة مع الحركة.


هدوء الصراع بين السلطات المصرية وحماس لم يكن بالحدث التقليدي الذي يخفى عن إسرائيل وأجهزتها الأمنية ووسائل إعلامها، في ظل حالة القلق الإسرائيلي من وصول العلاقة بين الطرفين لتفاهمات لا تُبقي الصراع مشتعلاً، مثلما كانت تأمل في استمراره.

وكان موقع «بريتبارت» الأمريكي، المقرب من الحكومة الإسرائيلية، كشف عن تفاصيل «رسالة المصالحة» التي قال إن الحكومة المصرية بعثت بها إلى قيادات حماس، عبر وسطاء من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، والتي تتمتع بعلاقات مميزة مع الأجهزة الأمنية المصرية، مفادها إمكانية عودة العلاقات في ضوء شروط تضعها الحكومة المصرية؛ بما يشمل ترتيبات أمنية على طول حدود سيناء وقطاع غزة، والتعاون في ضرب تنظيم «داعش» بسيناء.

وافقت حماس على الفور، وبدأت حملة مداهمات واسعة النطاق ضد السلفيين الجهاديين؛ تقربًا للحكومة المصرية، وكي تثبت للعالم أنها تحارب الإرهاب على جبهاتها الداخلية، ما ينفي عنها دعمها له خارجها.

ختامًا، باتت حماس مُدركة تمامًا أن القوى العربية الصاعدة، والحاضرة سياسيًا بقوة في الوقت الحالي، وعلى رأسها دولة قطر، لن تغني عن مصر، المعبر الرسمي لمشروعية القضية الفلسطينية، في الوطن العربي، بل والعالم أجمع. وبالتالي، فإن إعلان فك الارتباط مع إخوان مصر -إن تم- لن يكون إلا محاولة أخيرة من الحركة للابتعاد عن شبح العزلة والحصار والتفكيك والانقسام الذي أصاب التنظيم الأم، لتحذو في ذلك حذو إخوان الأردن، وحركة النهضة التونسية.