ارتأت التحليلات الإسرائيلية المختلفة التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، أن عملية خان يونس التي قامت بها قوة خاصة من الجيش الإسرائيلي جنوب شرقي قطاع غزة، كانت بمثابة نقطة تحول مهمة وخطيرة جدًا في العلاقة بين إسرائيل وحماس، وبداية مرحلة جديدة، من حيث النوع والكيفية، من المواجهة بين الطرفين.وكان ملحوظًا أن الإعلام الإسرائيلي لا سيما المكتوب فرض حالة من التعتيم والتكتم حول تفاصيل هذه العملية، إلا أن الكثير من التحليلات والآراء الإسرائيلية اعترفت بغموض العملية وفشلها في تحقيق ردع حماس، إضافة إلى تخبط هذه التحليلات حول تحديد الهدف منها لا سيما إن كان عسكريًا أم سياسيًا.


عملية معقدة وغامضة الهدف

رغم حالة التكتم والغموض التي سادت الساحة الصحفية الإسرائيلية حول عملية خان يونس، إلا أنه كان بارزًا وصفها بأنها كانت «عملية معقدة ونوعية» وأن «تفاصيلها ستظل سرية لعقود قادمة».فقد أكد رون بن يشاي المحلل العسكري بصحيفة يديعوت أحرونوت بمقاله بالصحيفة يوم 12 نوفمبر/ تشرين الثاني، أن عملية خان يونس كانت معقدة ونوعية واستهدفت القدرات النوعية لحركة حماس، ولم تكن مجرد استهداف لأحد قادة الحركة، وأنه فيما يبدو كانت مهمتها منع تفعيل قدرات الذراع العسكري لحماس خلال مواجهة كبيرة مع الجيش الإسرائيلي، وربما تم تنفيذ نفس العملية في أكثر من موقع وفي وقت متزامن. وأضاف بن يشاي، أنه بالإمكان الاستنتاج من بيانات وصور نشرتها حماس أن «تعقد العملية» كان نتيجة كمين أو عملية بادرت إليها القوة الخاصة لحماس، التي دافعت عن «الكنوز العسكرية التي سعت قوة الجيش الإسرائيلي إلى استهدافها».وشدد بن يشاي على أن هذه العملية تعد الأولى من نوعها التي ينفذها الجيش الإسرائيلي منذ سنوات، وتم تنفيذها في ظروف عسكرية ميدانية خاصة، إلا أنه من غير الواضح إذا كان هدفها استخباراتيًا أم لا. حول نفس الفكرة، أكد عاموس هرئيل، المحلل العكسري بصحيفة هاآرتس، بمقاله بالصحيفة يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني، إذ أشار إلى أن توقيت شن هذه العملية يضفي عليها المزيد من الغموض لا سيما وأنها جاءت ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في باريس، وفي ظل جهود إقليمية ودولية للتهدئة مع حماس. وأضاف هرئيل، أنه ليس واضحًا هدف العملية أو المكسب العكسري والميداني منها، إلا أنه يبدو أن الهدف الاستخباراتي كان قائمًا من ورائها، لا سيما في ظل حاجة الجيش الإسرائيلي لجمع المزيد من المعلومات عن البنية التحتية العسكرية لحماس، وربما تتعلق بوجود معلومات مرتبطة «بقضية حارقة» أخرى بالنسبة لإسرائيل في غزة، مثل قضية الأسرى والمفقودين.من جانبها، تساءلت صحيفة هاآرتس في افتتاحيتها يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني، لماذا يتم شن هذه العملية في هذا التوقيت؟ مشيرة إلى أن المستوى الرسمي في إسرائيل لم يعلن عن أية تفسيرات حول شن هذه العملية في هذا التوقيت، وأن الأمر بات غامضًا جدًا ومثيرًا للريبة. من جانبه، أكد المحلل العسكري الإسرائيلي روني دانيال في مقال له بموقع «ريشيت 13» الإخباري الإسرائيلي، أن عملية خان يونس تشبه العمليات التي قامت بها إسرائيل خلال اجتياحها عسكريًا للبنان، مشددًا على أن هذه العملية يكتنفها ضباب كثيف ولن يتلاشى في المستقبل القريب، منوهًا إلى أن هدفها الاستخباراتي لا يمكن إنكاره، وغالبًا سيكون اكتشاف مداخل ومخارج في جنوب غزة يمكن لقوات إسرائيلية الدخول والخروج منها بهدوء وأمان.


فشل الردع

منذ عدة سنوات والأدوار الأمنية والاستخباراتية والعكسرية الإسرائيلية تتحدث عن فكرة ردع كافٍ ضد حماس، يجعلها تكف عن هجماتها ضد إسرائيل، وذلك من خلال شن هجمات نوعية ضدها وضد قادتها، في ضوء فشل الحرب الشاملة ضدها.في هذا الصدد، يعلق المحلل العكسري الإسرائيلي بن كاسبت في مقاله بصحيفة معاريف يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني، على عملية خان يونس بالقول إنها إذا كانت تهدف لتحقيق الردع ضد حماس فإنها فشلت في ذلك، مبينًا أن إسرائيل فقدت التفوق النوعي لجيشها على حماس من خلال هذه العملية، وأنه إذا كانت حماس قد فقدت قائدًا كبيرًا فإن إسرائيل هي الأخرى فقدت قائدًا عسكريًا كبيرًا. وأضاف بن كاسبت، أن قوة الجيش الإسرائيلي واجهت صعوبات تنفيذية خلال هذه العملية، وأن تنفيذها كان أمرًا خطيرًا وحساسًا جدًا بدون ترتيب مسبق جيد، مؤكدًا أنه كان يجب دراسة هدف هذه العملية جيدًا قبل أن تقع إسرائيل في فخ الردع الذي تحاول أن تحققه بأية طريقة، حيث كل طرف يحاول إقناع نفسه بأنه حقق الردع ضد الطرف الآخر لكن بلا فائدة. واستدرك المحلل الإسرائيلي بالقول إن إسرائيل قوة إقليمية حقيقية تمتلك أكبر قوة عسكرية تقليدية بالمنطقة وسلاحًا نوويًا وقدرات تكنولوجية عالية جدًا، وفي المقابل حماس لا تجد أقل القليل، ومع ذلك فإسرائيل فشلت في تحقيق أي ردع لحماس، وعملية خان يونس أثبتت ذلك. في نفس الصدد، دعت صحيفة هاآرتس في افتتاحيتها اليوم التي حملت عنوان «لنتجنب حربًا شعواء»، إلى تجنب الدخول في مرحلة الردع والردع المضاد بين حماس وإسرائيل، مبينة أن إسرائيل فشلت في تحقيق الردع المطلوب ضد حماس. من جانبه، اعتبر الكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل في تحليله بصحيفة يديعوت أحرونوت يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني، أن عملية خان يونس تضع حماس وإسرائيل على حافة الحرب بعدما فشل كل طرف في تحقيق الردع اللازم ضد الآخر، لا سيما وأن العملية باءت بفشل ذريع، ولا تتواءم مع الإشارات السياسية التي خرجت من إسرائيل مؤخرًا وتفيد الرغبة في التهدئة مع حماس. واعتبر هرئيل أن عمليات إسرائيل العسكرية لا تحقق الردع، وأن إسرائيل باتت في حاجة ماسة إلى خلق طرق ووسائل جديدة لتحقق بها الردع المطلوب على جبهتها الجنوبية، مشددًا أنه على إسرائيل التفكير أكثر من مرة قبل أن ترسل طائراتها لقصف أهداف في غزة، إذ إن ذلك يثير حماس وسكان غزة ولا يحقق الردع. وأوضح هرئيل كيفية فشل إسرائيل في تحقيق الردع، بالقول إن سكان غلاف غزة (المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة) لا يمكنهم العيش تحت تهديد إطلاق النار المستمر من غزة، كما أن إسرائيل لا يمكن أن تستمر لأطول من ذلك في حرب استنزاف مع حماس، وبالتالي فإن ميزان الردع الإسرائيلي غير متكافئ ولم يتم تأسيسه بشكل يمكّنه من أن يستمر.