بينما كان لاعبو مانشستر سيتي يستعدون للاحتفال بالدرع الخيرية، لاحظ الصحفي المختص بأخبار ليفربول «جيمس بيرس» أمرًا غريبًا. غرد جيمس عبر تويتر قائلًا إن المدرب يورجن كلوب حرص على وجود كل لاعبي فريقه أسفل منصة التتويج، ليشاهدوا الغريم يفوز على حسابهم ببطولة جديدة وبفارق ضئيل للغاية.

يبرع كلوب في التعامل النفسي مع لاعبيه، وقد أراد خلق دافع جديد لديهم قبل بدء الموسم الذي سيشهد منافسة السيتي مجددًا على عرش إنجلترا. هذا هو الهدف الأول والأهم لرفاق فان ديك خلال الشهور القادمة، ولا بد أنهم سيحاولون تقديم نفس الأداء المتماسك للظفر بالبطولة التي طال انتظارها، لكن سؤالًا بعينه كان يحلق فوق ملعب ويمبلي بينما يتجمع لاعبو ليفربول حول يورجن كلوب: هل ظروف الفريق الحالية تؤهلهم لمنع المواطنين من الصعود مرة أخرى لمنصة التتويج في مايو/آيار القادم؟

حاجز الـ 110

طبعًا لا يوجد فريق يخسر الدوري قبل بدايته، خصوصًا عندما يكون بطلًا لأوروبا، وقد حصد 97 نقطة مطاردًا أكثر نسخ السيتي شراسة. هذا وجه واحد فقط من حقيقة الريدز، لكن هناك أوجهًا أخرى بحاجة للنظر إليها. أولها بالتأكيد أننا أمام فريق مرهق جدًّا على كل المستويات. 

هنا دعني استشهد بما جاء على لسان القائد «جوردان هيندرسون»، عندما اعترف مطلع الصيف باستنزاف طاقته النفسية والبدنية. والسبب يعود لحجم الدراما التي اتسم بها موسما ليفربول الأخيران محليًّا وأوروبيًّا، بالإضافة لتلاحم المباريات والسفر من بلد أوروبي لآخر لمواجهة خصوم مختلفة.

المثير هنا أن هيندرسون ليس أكثر لاعبي ليفربول مشاركة خلال العامين الآخرين، بل إن مجموع ما لعبه بقميص ليفربول الموسم الماضي يتجاوز بالكاد 2700 دقيقة.

تذكر تصريح جوردان جيدًا؛ لأن هناك من شارك أكثر منه، ولا بد أن الشعور نفسه ينتابه. روبرتو فيرمينو مثلًا خاض 90 مباراة خلال موسمين فقط مع ناديه ومنتخبه، زميله محمد صلاح شارك فيما يقرب من 100 لقاء.

أما ثالثهم ساديو ماني فهو يتجاوز 110 مباريات. 110 مباريات مع النادي ومنتخب بلاده في موسمين. ترى كم مرة سيلعب ليفربول بينما يقبع هدافه ساديو ماني على الدكة؟ ماني هو النموذج الأوضح لتلك الأزمة وتستطيع من خلال مراقبته في بداية الموسم الإجابة على سؤال: هل سيستطيع الليفر إكمال المشوار؟

هذه أرقام كبيرة للغاية، خصوصًا مع أسلوب لعب يقوم أساسًا على الضغط والركض والالتحام، وبالنظر أيضًا لتلك الرحلات المكوكية التي قطعوها من إنجلترا لروسيا، ثم لدول أوروبا كلها قبل السفر مجددًا، سواء لمصر أو البرازيل لخوض البطولات القارية. 

هذا يجعلنا أمام احتمالية كبيرة لإرهاق أو إصابة الثلاثي خلال الموسم الجديد، وتحديدًا الموسم الجديد؛ لأنه ببساطة سيكون أكثر إرهاقًا من الذي مضى، لماذا؟ لأن جدول الفريق يتضمن رحلتين إضافيتين. الأولى ستكون إلى تركيا بعد يومين لخوض مواجهة السوبر الأوروبي. والثانية، وهي الأصعب من ناحية المسافة والتوقيت، فستكون نحو قطر قبل الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول للحاق بنصف نهائي كأس العالم للأندية، وهنا سيضطر هيندرسون ورفاقه للحضور في طائرة لمدة سبع ساعات ذهابًا وإيابًا قبل دوامة الـ Boxing day التي تنتظرهم في إنجلترا. 

على كل الحال، هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها فريق تحدي الإرهاق. المشكلة أنه في حالة الريدز يبدو أكبر وأعنف من أي وقت مر على كتيبة المدرب الألماني. وهذا لا يترك لكلوب خيارًا سوى إراحة نجومه في بعض الأوقات، والدفع بالبدلاء. وهذا يقودنا للنقطة التالية.

63 بالمئة من القوة

من غير الدقيق حصر المشكلات التي تواجه ليفربول في الإرهاق فقط، بل هناك ما لا يقل أهمية، وهو يتمثل في قائمة الفريق التي تحتوي على ثغرات لا تخطئها العين أبدًا. صنع كلوب تشكيلًا أساسيًّا قويًّا للغاية. قوي لدرجة أن هناك ما لا يقل عن خمسة لاعبين يجوز وصفهم بلاعبي المستوى الأول، لكنه في المقابل لم يمنح نفس الاهتمام لدكة البدلاء، حتى اتسعت الهوة بين من يركض في الملعب ومن يجلس بجانب كلوب بصورة رهيبة.

لنشرح الأمر من خلال فيرمينو وصلاح وماني مرة أخرى. نشرت شبكة Skysports تقريرًا يقيس درجة اعتماد كل أندية القمة بإنجلترا على الخط الهجومي الأساسي في تسجيل الأهداف. ثلاثي هجوم السيتي سجل 51% من مجموع الأهداف بالدوري، وثلاثي الأرسنال سجل 56%، أما ثلاثي هجوم ليفربول فهو يتصدر الكل بنسبة وصلت لـ 63% من قوة الفريق التهديفية.   

تقرير لشبكة سكاي سبورت يوضح مدى اعتماد فرق المقدمة في الدوري الإنجليزي على خط هجومها في إحراز الأهداف.

وهذا يعني أن وجود الثلاثي في حالة فنية جيدة ضروري للغاية بالنسبة لكلوب، خصوصًا عند النظر لبدلاء كل لاعب منهم في حال تعرض للإيقاف أو الإصابة. بديل صلاح هو شيردان شاكيري. لاعب جيد لكنه متقلب المستوى، ولا يمتلك نفس قوة الجناح المصري أمام المرمى.

بديل ماني هو أليكس تشامبرلين العائد من إصابة خطيرة أبعدته موسمًا كاملًا عن الملاعب، ومن غير الوارد قدرته على تعويض السنغالي لفترة طويلة. أما بديل فيرمينو فهو ديفوك أوريجي الذي ارتبط في أذهان جمهور الريدز بأهدافه الحاسمة في مرمي إيفرتون، ونيوكاسل، وبالطبع برشلونة، لكن هل هو قادر على تأدية أدوار روبرتو في الضغط والاستخلاص وصناعة اللعب للجناحين؟ أشك.

الأمر نفسه عند تأمل الخط الدفاعي، هناك ظهير أيسر اسمه أندرو روبرتسون قدم موسمًا مذهلًا، لم يتوقف خلاله عن الركض وتنفيذ الضغط وإرسال العرضيات المتقنة. صنع 11 هدفًا في سابقة لا تتكرر لمدافعي البريميرليج. إلا أنه يعاني من عدم وجود بديل ضمن الفريق الأول بعد رحيل ألبرتو مورينو، وهو ما قد يحول نقطة قوة كبيرة لكلوب لنقطة ضعف في حال غياب الأسكتلندي. 

الأكيد أن غياب روبرتسون لن يوازي أبدًا غياب فيرجيل فان ديك، ذلك الهولندي الذي أضاف صلابة وتفوقًا دفاعيًّا غير معهود أبدًا لليفربول، وإذا غاب لبعض الوقت فهذا يعني فقدان الفريق للرجل الذي يفوز بأكثر من 4.7 كرة هوائية/المباراة، ويحقق عرقلات ناجحة بنسبة 74%، وهذا لحساب ديان لوفرين الذي يعيبه أصلًا خسارة التدخلات هوائية كانت أو أرضية! 

خلف فيرجيل، تألق بشدة الحارس أليسون بيكر في بطولتي الدوري والتشامبيونزليج، فائزًا بالقفاز الذهبي فيهما بالإضافة للكوبا أمريكا، لكن مجرد تخيل غيابه عن أي مباراة كان كفيلًا بإرباك حسابات أي مشجع لليفربول، لأن بديله كان سيمون مينيوليه الذي يرتكب أخطاءً ساذجة بل كوميدية في بعض الأحيان كان آخرها الهدف الذي تلقاه في مباراة سبورتنج لشبونة الودية. 

بصورة عامة لا يوجد فريق في العالم يحظى ببدلاء في نفس مستوى الأساسيين، لكن في الوقت نفسه يسعى أي مدرب لرفع كفاءة البديل، سواء بالعمل على تطوير فاعليته أو التعاقد مع من هو أفضل منه؛ لأن هذا اللاعب الاحتياطي سيتحول للاعب أساسي في لحظة ما، قد تكون أمام برايتون أو أمام مانشستر سيتي. 

طلبك موجود

هنا كان المتوقع من كلوب أن يقوم بما يبرع فيه، وهو النزول للسوق وانتداب لاعبين خارج اهتمامات الأندية الكبيرة، ومن ثم مفاجأة الكل بقدراتهم وانسجامهم مع أسلوب لعبه. ليفربول بحاجة لجناح هجومي وظهير أيسر وربما قلب دفاع، وقد أعلن السيد جون هنري مالك النادي استعداده لضخ الأموال لجلب مزيد من البطولات بعد التتويج الأوروبي، لكن كلوب لم يكن بحاجة إلا لـ 50 مليون يورو لسد احتياجاته، كيف؟ سأشرح لك. 

مطلع هذا الصيف، ارتبط ليفربول باسم الظهير الأيسر جونيور فيربو الذي ظهر بشكل لافت رفقة ناديه ريال بيتيس، لكن سرعان ما خرجت المصادر الموثوق فيها لتنفي الخبر. جونيور لاعب يمتلك إمكانيات فنية رائعة، وهو بحاجة للعمل مع مدرب له تاريخ مع تطوير المواهب مثل كلوب، وكان كفيلًا بإنهاء أزمة عدم وجود بديل لروبرتسون نظير مبلغ لا يتجاوز 20 مليون يورو. لماذا لم يحاول كلوب استقطابه؟ لا أعرف. 

اسم آخر ظهر على رادار النادي هو ممفيس ديباي، هذا الجناح الهولندي الذي سجل 33 هدفًا وصنع 30 آخرين بقميص ليون في الموسمين الأخيرين، كان ديباي فرصة جيدة إضافة نوعية لخط هجوم الريدز، خصوصًا على صعيد التوغل في دفاعات الخصم، وإطلاق التسديدات من خارج منطقة الجزاء، وذلك مقابل مبلغ يتراوح بين 35 و40 مليونًا كما هي قيمته التسويقية. 

طبعًا يعيب ديباي أمران؛ التكاسل وتقلب المزاج. وهذا ربما لا يدفع يورجن للترحيب به، لكن هناك حلًّا آخر متاحًا واسمه نبيل فقير. في الموسم الماضي، كان فقير قريبًا للغاية من الانضمام للنادي الإنجليزي، لكن الاتفاق النهائي لم يتم، سوى أنه انتقل هذا الصيف لريال بيتيس في صفقة بلغت بالكاد 20 مليون يورو، بالإضافة لـ10 آخرين كمتغيرات. رقم بسيط كهذا كان سيوفر خيارات أفضل إن أراد كلوب التحول من رسم 4/3/3 لـ4/2/3/1، لأن نبيل سبق أن ظهر كصانع ألعاب وجناح ومهاجم.

الأمر لا يختلف في حالة قلب الدفاع، يمكننا استعراض اسم واثنين وثلاثة دون تكلفة مالية كبيرة، وبجودة أفضل وسن أصغر من لوفرين الذي خرجت أخبار تربطه بنادي ميلان في صفقة كانت لتضخ ما لا يقل عن 20 مليونًا لخزينة ليفربول، تمامًا كما هو الحال مع بيع مينيوليه الذي أفاد النادي بـ6.5 مليون يورو عند رحيله، لكن أحدهم في الميلوود رفض التخلي عن لوفرين، لماذا؟ لا أعرف.

فيراري بقطع غيار فيات

المفاجأة أن المدرب الألماني لم يتخذ أيًّا من تلك القرارات في الميركاتو، ولكن اختار حلًّا غير متوقع ويجوز وصفه بالتهور، وهو الاكتفاء بما يمتلك والاعتماد حصرًا على تصعيد الناشئين لسد الفراغات في كل المراكز. وقد خرج بتصريحات لا تقل غرابة عن عدم رغبته في دفع أموال طائلة في سوق أصابه الجنون. أي أموال؟ هل طلب جمهور ليفربول التعاقد مع نيمار؟ هازارد؟ ديبالا؟ كل المطلوب كان ميزانية لا تتجاوز 50 مليونًا لترميم الفريق، وهو رقم لا يساوي الكثير بمعايير اليوم.

بالطبع لا أحد يكره تصعيد الناشئين، خصوصًا عندما يستحق أحدهم الفرصة، الفكرة أن ليفربول لا يمتلك رفاهية سد كل ثغراته عن طريق ناشئ قليل الخبرة، خصوصًا أنه ينافس فريقًا يمتلك دكة بدلاء على قدر عالٍ من الجاهزية بعد انتداب السيتي لـرودري، وكانسيلو. أضف لذلك عامل الضغط الذي سيطارد كل ناشئ بهدف إثبات ذاته واغتنام الفرصة.

الآن لو تعرض أندرو روبرتسون للإيقاف، فإن بديله الأول سيكون ياسر العروسي صاحب الـ 18 عامًا. ولو غاب فيرمينو وماني في مباراة واحدة، فالحل القائم هو الاستعانة بـ”ريان بروستر” أو “بوبي دانكان” إلى جانب أوريجي، الأول يمتلك 21 عامًا والثاني 18 عامًا، وكلاهما لا يحظى بأي خبرة تذكر.

هناك فارق ليس قليلًا في الجودة بين فريق يمتلك رياض محرز، جابرييل خيسوس، فرناندينيو، وأوتامندي على مقاعد البدلاء، وفريق آخر يمتلك تشامبرلين، شاكيري، لوفرين، وأوريجي رفقة حفنة من الناشئين. والحقيقة أن الفرصة جاءت لكلوب ليضيق هذا الفارق خلال الصيف، لكنه فاجأ الكل بقرار ليس له داعٍ قد يدفع الريدز خطوات إلى الخلف. 

ليفربول الحالي يشبه السيارة الفيراري التي تستعد لدخول سباق، كل شيء فيها رائع وجاهز وعلى أحدث طراز، إلا أن قطع الغيار ليست بنفس قدرة أو جودة تلك الأصلية. لا يعني هذا أن الفيراري خسرت السباق قبل أن يبدأ؛ لأن السباق يخضع لمتغيرات عديدة ومختلفة، لكن الأكيد أنها لا تملك نفس حظوظ سيارة أخرى لديها قطع غيار أقوى وأكثر جاهزية.