كان التأهل للدور الثاني من دوري أبطال أوروبا على شفا حفرة، ورغم ذلك لم تكن فرحة التأهل مسيطرة على لاعبي ليفربول في تدريبات اليوم التالي. ليس لأن التأهل بمثابة الوضع الطبيعي لحامل اللقب ومتصدر البريميرليج، لكن لأن شيئًا آخر شغل أذهان اللاعبين.

توجه اللاعبون الكبار واحدًا تلو الآخر إلى «يورجن كلوب» معبرين عن إعجابهم بصانع ألعاب فريق «ريد بول سالزبورج» صاحب الرقم 18، «تاكومي مينامينو». حيث طلبوا من مدربهم أن يلقي نظرة أقرب على اللاعب الياباني. لم يستطع «كلوب» إخفاء ابتسامته العريضة؛ لأن المدير الرياضي للريدز «مايكل إدواردز» كان يتفاوض معه بالفعل منذ 6 أسابيع، حتى تمت الصفقة بنجاح.

الحصول على لاعب موهوب بـ 7.25 مليون جنيه إسترليني فقط هو أمر نادر هذه الأيام، وقد يفسر السعر سرعة تحرك ليفربول لحسم الصفقة. لكنه ليس السبب الوحيد، فهذه الصفقة تحديدًا تمثل لليفربول ما هو أكبر من ذلك.

«مينامينو» التكتيكي

في البداية سنأخذك في جولة سريعة للتعرف على ما يقدمه «مينامينو» على أرض الملعب. نحن نتحدث عن لاعب يبلغ من العمر 24 عامًا، وقد أسهم في 199 مباراة خاضها مع «ريد بول سالزبورج» في كافة البطولات بإحراز 64 هدفًا، وصناعة 44. وبحساب عدد الدقائق التي شارك بها فعليًا، نجد أنه قد أسهم بهدف أو أسيسيت كل 110 دقائق تقريبًا، أرقام رائعة، لكن ما فائدتها في دوري ضعيف كالدوري النمساوي؟

معك كل الحق، لذلك لن نعتمد على الأرقام أكثر من اللازم وسنركز على قدرات الياباني. ما يجعل «تاكومي» مميزًا بشدة هو انخراطه داخل أسلوب لعب فريقه المتشابه كثيرًا مع أسلوب «يورجن كلوب». فهو اللاعب الخامس المنضم للريدز (بعد فيرمينو، ماني، نابي كيتا، ماتيب) وقد سبق له اللعب تحت قيادة المدرب الألماني «رالف رانجنيك» الذي يشغل حاليًا منصب مدير التطوير الرياضي بمجموعة أندية ريد بول.

«رانجنيك» هو الرجل الثاني من حيث التأثير على أفكار «كلوب» التدريبية بعد «فرانك وولفجانج». والذي يختصر أسلوبه في بضع كلمات: الفعل وليس رد الفعل، الضغط العالي، Counter-Pressing، التمريرات العمودية والوصول للمرمى بأسرع ما يمكن. ما رأيناه في مباراتي سالزبورج وليفربول لم يكن حدثًا عارضًا، بل كان تجسيدًا لأفكار «رانجنيك»، وكأننا نشاهد نسخة مصغرة من ليفربول.

لعبْ «مينامينو» تحت هذا الأسلوب سيسهل الطريق لكلوب، إضافة لإجادته بأكثر من مركز. حيث يستطيع اللعب في كل مراكز الخط الهجومي، صانع الألعاب، لاعب وسط (مركز 8). وبفضل مجهوده الخارق بالكرة ودونها، بجانب قدرته على الاستلام بين الخطوط فإنه سيقدم لليفربول بديلاً مميزًا لفيرمينو، وبإمكانك ملاحظة التشابه بين تحركات كليهما من الصورة التالية.

الخريطة الحرارية لمينامينو مقارنةً بفيرمينو
الخريطة الحرارية لمينامينو مقارنةً بفيرمينو
/ Football Whispers

المشروع الذكي

بالنظر لمهارات وقدرات اللاعب فإنه يبدو لائقًا تمامًا لليفربول، لكن – من وجهة نظرنا – هذا لا يفسر كل شيء. فهذه الصفقة تحديدًا تبدو من النوع المفضل لإدارة الريدز، لأنها تمثل ما يدور حوله مشروعهم، الذي حصره البعض، مؤخرًا، في أموال صفقتي أليسون وفان دايك. إذا نظرت لتشكيلة بطل أوروبا 2019، ستجد أنها مكونة من لاعبين قادمين من الأندية التالية: ساوثهامبتون، هال سيتي، نيو كاسل، سندرلاند، هوفنهايم، ستوك سيتي، روما، والأخير هو أكبر اسم تقريبًا.

أن تشكل فريقًا يصل لنهائي دوري الأبطال عامين متتاليين، ويخسر الدوري بـ97 نقطة، من لاعبين من الصف الثاني والثالث – لهو أمر عبقري. يمكن أن نقول إنه واحد من أذكى المشاريع الرياضية التي مرت وستمر علينا. وكان أبطاله من وراء الكواليس؛ مجموعة «Fenway Sports group» مالكة النادي، المدير الرياضي «مايكل إدواردز»، مدير البحوث «أيان جراهام».

يرتكز المشروع على استخدام تحليل البيانات بشكل أكثر حرفية، يمكِّنهم من رؤية ما لا يراه الآخرون لاقتناص المواهب. على سبيل المثال، يستخدم «أيان جراهام» وفريقه من محللي البيانات مقياسًا يسمى «goal probability added»، والذي يعتمد على تحليل كل حدث يقوم به اللاعب (تمريرة، تسديدة، عرقلة)، ثم طرح السؤال التالي: كم كانت فرصة إحراز الفريق لهدف بعد الحدث؟

تبدو طريقة مملة خاصةً إذا علمت أنهم يطبقونها على عدد كبير من اللاعبين، يُختصَر إلى 5000 لاعب بالنهاية، وهذا يمثل 5% من العدد الكلي. ونتيجة لذلك يتم فرز اللاعبين بشكل مختلف، نظرًا لتقييم كل لعبة في المباراة بمنظور آخر.

مثال «جراهام» المفضل على ذلك هو الظهير الأيسر «أندي روبيرتسون» لأنه بدأ اللعب في البريميرليج في سن الـ22 مع نادي هال سيتي، الذي قدم موسمًا كارثيًا خاصةً على المستوى الدفاعي. أضف إلى ما سبق أن هال سيتي نفسه كان يضم لاعبين أبرز من «روبيرتسون». لكن بفضل تحليل البيانات خاصتهم تمكنوا من الحصول عليه، مع توفير الظروف المناسبة والمدرب المناسب لنرى ذلك اللاعب الذي نراه اليوم. وعلى نفس المنوال، تأتي صفقة «مينامينو» ليعيد ليفربول الكرّة، ويزيدوا عليها بعض الإضافات خارج الميدان.

ضربة معلم خارج الميدان

يمكن القول إن التعاقد مع «مينامينو» هو جزء صغير من خطة ليفربول للهيمنة على السوق الآسيوي من جديد، بعد أن فقد الريادة في وقت سابق لصالح مانشستر يونايتد في عهد السير أليكس فيرجسون. كما يقولون، إذا هبت رياحك فاغتنمها، وليفربول لن يضيع تلك الفرصة التي تبدو متاحة أكثر من أي وقت مضى.

أوضح تقرير لقناة «Tifo Football» انخفاضًا حادًا في أعداد مشجعي اليونايتد مقارنة بليفربول أثناء متابعة مباراة الدور الأول (موسم 2019/2020) بين الفريقين، تحديدًا في المكان المفضل للجماهير اليابانية لمشاهدة البريميرليج؛ «Footnik bar» بالعاصمة طوكيو.

توجه الصحفي بجريدة «The Athletic» «دانيال تايلور» لسؤال «هيدياكي نايتو» رئيس رابطة مشجعي اليونايتد باليابان عن السبب، وكانت إجابته متوقعة؛ فأداء الفريق الحالي نفّر المشجعين، وأجبرهم على البحث عن بدائل سواء في الدوري المحلي أو لعبة البيسبول.

هنا قدم ليفربول نفسه وتجاوز مانشستر يونايتد في السوق الياباني. ومع انضمام «مينامينو» سيعضد ليفربول مكانته. في ذات اليوم الذي أٌعلنت فيها الصفقة، أنشأ النادي حسابًا باللغة اليابانية على تويتر، وبعد 4 أيام فقط تجاوز متابعيه 23 ألفًا، في انتظار المزيد.

أول تغريدة لحساب ليفربول الياباني

مدير تطوير الأعمال الدولية لليفربول، «جوناثان كين» أكد في مقابلة صحفية مع جريدة «The Nation» (مقرها في بانكوك) رغبتهم في زيادة عدد المشجعين في تلك المنطقة للحصول على مزيد من العوائد. ولعل التحول من شركة الملابس «New balance» إلى «نايكي» خطوة أخرى لتحقيق ذلك.

ما سبق يؤكد ما ذكرناه عن ذكاء مشروع ليفربول واعتنائهم بكافة التفاصيل. أما فيما يخص «مينامينو» وبعيدًا عن بيع القمصان وزيادة الشعبية، فنسبة نجاحه تحت قيادة كلوب تبدو أقرب من الفشل، وعلى جماهير ليفربول أن تنتظر منه الكثير.