أن يخسر الأتليتي نهائي دوري الأبطال أمام ميرينجي العاصمة في 2014، فهذا وارد الحدوث، فدائمًا هناك خاسر قد تحدده الإمكانيات سلفًا قبل انطلاق صافرة الحكم. ولكن أن تتكرر نفس الخسارة وبسيناريو مشابه للمرة السابقة أمام نفس الفريق لنفس النهائي اللعين، فذلك يدفعنا لما هو أكثر من التساؤل العابر.

الدهشة قد تنتابك حين تتابع ذلك النمط المتكرر في مسيرة أبناء «سيميوني» في كل موسم، من بداية قوية إلى التذبذب، ثم إلى الضياع المؤقت في دوامة الضغوط، مع احتدام المنافسة بل ورفض هدايا الكبار وتعثراتهم المحتملة، وفي النهاية رفع الراية والاستسلام الحتمي للكبار، ليرضوا بعدها بالقبوع كثالث المنافسين بعد قط وفأر إسبانيا. هذا قبل أن تقرر الإدارة عبثًا بيع نجومهم بشكل دوري، لتؤكد على هذه النمطية المستفزة لمن يرصدها.

دورتموند الألماني هو الآخر لا يختلف كثيرًا عن الأتليتي، بنمط يشابه كثيرًا سلوك الأخير، لا تملك الأسود الصفراء الثائرة إلا خيار الاستسلام لترويض عملاق ميونيخ، تمامًا كتحول ذئاب روما للوضع الداجن أمام عجوز إيطاليا، أو كخيبة أمل أهل توتنهام المتكررة لتعثرات ديوك لندن، حتى أمام من هم على شاكلة «فينجر»! والسؤال هنا هل رضيت هذه الأندية بوضعيتها تلك، أم أن هذا هو قدرهم المحتوم؟! هذا ما سنحاول الإجابة عنه فيما هو آت.


كبيران في المدينة كحد أقصى

مدريد تعني كبيرًا واحدًا، ريال المدينة الأقوى بوضعية مريحة، تميل فيها كفة التاريخ والشعبية والأموال لصالحه، ليغرق منافسيه في ظل عظمته وفرط سطوته. بالتأكيد فإن أكثر المتضررين منه هو جاره العنيد المكافح أتليتيكو، والذي إن أراد يومًا المجد؛ وجد نفسه مطالبًا إما بسلبه من كبير أوروبا العتيد، أو البقاء في ظله وانتظار ما يسقطه الريال سهوًا من قبضته، وغالبًا ما يختار البقاء في الظل مؤثرًا السلامة على المجازفة.

أما في لندن، فالوضع مزدحم قليلًا، كبيران هنا، أرسنال وتشيلسي. تبدو فرصة السبيرز توتنهام في المجد شبه منعدمة، فبين أموال الروس، وتاريخ أرسنال المجيد، نجد الديوك راضية مطمئنة بوضعية ثالث الترتيب في المدينة، مشكلين لأنفسهم أزمة نفسية بسبب وضعية الجيران، وضعية كانت كافية أن تضيع عليهم لقب الدوري الإنجليزي لصالح إعجاز ليستر في 2016.

أما عن روما وبروسيا دورتموند، فلا داعي هنا للحديث عن بلاد تحكمها أندية كاليوفي والبايرن بالحديد والنار، كمبرر لفشل من هم دونهم في فتات الألقاب.


أين أموالي؟

في دنيا تحكمها المادة، تبقى القوة الشرائية والبنية التحتية للنادي هي من تصنع مجده حاليًا، ففي الوقت الذي امتلك فيه الريال ملعبهم في الـ«سنتياجو برنابيو» منذ عام 1947، لم يتمكن جيرانهم الأتليتي من تصنيف الملعب ضمن ملاعب الـ«5 نجوم» من قبل الاتحاد الأوروبي بكرة القدم، إلا في عام 2003، بل ولم يتمكنوا من امتلاك ملعب يليق بمكانتهم الحالية إلا في بداية الموسم الحالي، حين انتقلوا للعب على ملعبهم الجديد «واندا ميتروبوليتانو».

أما إذا تحدثنا عن القوة الشرائية، فيكفي أن نذكر أنه حينما فرغ الريال من عصر الجلاجتيكوس الذهبي كان جيرانهم يخططون لبيع مهاجميهم واحدًا تلو الآخر لمن يدفع أكثر كتوريس ومن بعده أجويرو لنكتشف حجم الفجوة المادية بين ناديي العاصمة وتواضع طموح الأتليتي مقارنة بالجار الخارق.

أما توتنهام فيعاني الأمرّين بفريق من ناشئي النادي وملعب مهترئ يخضع للتطوير بشكل دوري، أمام جيران تنعم بالملاعب الفخمة والقدرة المالية الجيدة نسبيًا بالمقارنة. وبروسيا وروما اللذين خضعا لأزماتهما المادية – حتى وإن امتلكا الملعب– ليسقطا مبكرًا أمام الحضور المادي الجارف للمنافسين.


أزمة نفسية

هل ما سبق كافٍ لأن يسبب للنادي بلاعبيه ومدربيه، بل وبجماهيره، حاجزًا نفسيًا يجبرهم على الأحلام المتواضعة والطموح المحدود؟ الأمر أشبه بالحلقة المفرغة التي تأتي في الأساس بلاعبين ومدربين مغمورين، يرون في تلك الأندية أرضًا مؤقتة للتطور، وسلمًا في طريق مجدهم الشخصي نحو فريق أفضل بإمكانات أعلى مستقبلًا، أو آخرين موظفين بأنصاف الطموح والإمكانيات، لا يسعون لأي مجد شخصي كان أو جماعيًا، ولا يجلبون لأنديتهم إلا الخذلان الحتمي حين ترتفع حدة المنافسة وشراسة الخصوم.

فلا تتعجب سيدي القارئ إذا انضم «جريزمان» مثلًا من أتليتيكو للبرسا، أو «هاري كين» للريال، فلم تهتز دورتموند كثيرًا لرحيل «أوباميانج» صوب أرسنال، ولم تنفجر جماهير روما بالغضب حين باعت فرعونها «صلاح» لليفربول .


تغيير سياسة النادي

أيًا كانت تلك الطريقة التي تتعامل بها إدارات تلك الأندية مع وضعها الحالي فعليها تغييرها. قد تبدأ ذلك بالحفاظ على مواهبها الحالية من لاعبين ومدربين، ومن ثم التواجد بشكل قوي بسوق الانتقالات سعيًا وراء نجوم الصف الأول، ولنا هنا في باريس سان جيرمان والسيتي وتشيلسي خير مثال لذلك. فالتواجد القوي في الانتقالات ربما يكون كافيًا على الأقل للحفاظ على ما لديهم من نجوم، بل ورفع سقف الطموح للنادي وجماهيره، ليكون خير معين لهم في الخروج من ظلال المنافسين التقليدين على اللقب.

لن يتحقق هذا التواجد المالي إلا بتحقيق أرباح تسويقية ضخمة، وإدارة مالية حكيمة ومتمرسة، أو ربما بمعجزة روسية أو خليجية تدفع تلك الأندية نحو ملامسة المجد بكل تأكيد.

لحل تلك الأزمة النفسية من تواضع الطموح لدى أنديتنا تلك، ربما يكفي الاهتمام بتطوير قطاع الناشئين لتخريج لاعبين معززين بالانتماء لكيان أنديتهم، ولنا في برشلونة خير مثال على انتماء من تخرجوا من لاماسيا لكيان فريقهم، مقارنة بنيمار مثلًا الذي لهث وراء المادة. هذا إذا لم نفاجأ مثلًا ببيع توتنهام لناشئيها كين وآلي وإيريكسن لمن يدفع أكثر؛ لنوقن بعدها بحتمية وضعيتها تلك، ونتأكد من تحول عالم الكرة رسميًا لدنيا تحكمها المادة، وتتغير معها سمات البطل الذي ربما قد لا يكفيه الشغف وحده للتتويج في نهاية المشوار.