في عام 1924 وفي مدينة ألمانية صغيرة تدعى »هيرتسوجيناوراخ« تقع ضمن إقليم بافاريا، أنشأ أدولف ورودولف داسلر مصنعًا للأحذية تحت اسم » الأخوين داسلر لصناعة الأحذية«. في هذه المدينة عاشا مع والدهما »كريستوفر« و»باولينا«، الأب كريستوفر كان يعمل في مصنع للأحذية، والأم كانت تملك مصبغتها الخاصة، رودولف الشقيق الأكبر كان يذهب بصحبة والده لتعلم المهنة، بينما أدولف كان صغيرًا يتابع دراسته وتعليمه، لكن في نهاية اليوم ساعدا والدتهما بتوصيل الملابس في المدينة وعُرِفا بأولاد المصبغة.سنتحدث في هذه الموضوع عن بداية أحد أوائل المصانع المختصة بالمنتجات الرياضية في أوروبا، لكن هذا الحديث سيوصلنا إلى أحد أكبر الصراعات التجارية العائلية في التاريخ. أدولف ورودولف داسلر، بدآ معًا في مصنع داسلر، وانتهى بهما الحال في أكبر شركتين مصنعتين للمنتجات الرياضية »أدولف-أديداس« و» رودولف- بوما« بسبب خلاف عائلي بينهما.

بداية الحكاية

عندما دقت طبول الحرب العالمية الأولى في عام 1914، تم استدعاء رودولف للقتال وبقي أدولف مع العائلة لأنه كان صغيرًا، الحرب التي امتدت لقرابة 4 أعوام استدعت أدولف في سنتها الأخيرة للحاق بأخيه والقتال في إحدى الجبهات، مع انتهاء الحرب عاد الأخوان داسلر إلى المدينة بسلام دون أي إصابة لحسن الحظ. بعد انتهاء الحرب لم تعد الحياة كما سابق عهدها، تم إقفال مصنع الأحذية وأقفلت والدتهما المصبغة؛ لأن إرسال الملابس إلى المصبغة أصبح يدخل ضمن إطار الرفاهية في ذلك الوقت. حينها قرر أدولف أن يبدأ العمل على مشروع جديد ومبتكر، حيث قرر تحويل مصبغة والدته إلى مصنع للأحذية الرياضية.لم تكن الحياة بعد الحرب سهلة على الإطلاق وخاصة بالنسبة لأدولف الذي وجد صعوبة بالغة في إيجاد المواد الأولية لتصنيع الأحذية في بداية عمله، حيث كان يذهب في جولات طويلة إلى الغابات المحيطة بالمدينة بحثًا عن خردوات من مخلفات الجنود كالخُوَذ والبذات العسكرية، وتمكن بعد عناء كبير من بناء محول كهربائي خاص به. وانضم إليه رودولف بعد 4 سنوات ليكون المعمل الأول في أوروبا المختص بتصنيع الأحذية الرياضية تحت مسمى «الأخوين داسلر لصناعة الأحذية».
أدولف داسلر، أديداس، أدوات رياضية
«أدولف داسلر» مؤسس مصنع داسلر وأديداس
على الرغم من التباين في شخصيتهما، لكن استطاعا التفاهم معا بشكل جيد، أدولف كان انطوائيًا لكنه يعمل بجد، وهو من قام بتصميم الأحذية وصنعها، أما رودولف كان منفتحًا وحماسيًا، وكان أقرب للمجال التسويقي بسبب شخصيته المميزة، وبالفعل أسس نفسه كرجل المبيعات في مصنع داسلر. كان رودي شابًا أكثر وسامة من أخيه الصغير آدي، لذلك كانت شعبيته طاغية بين النساء، وكان أكثر شهرة بسبب طبيعة عمله في التسويق، على عكس الشقيق الأصغر الذي كان منكبًا على العمل في المصنع.

أحذية المسامير والميداليات الأربع!

عادت الحياة إلى طبيعتها، وعادت الرياضة لتكون محور الاهتمام بعد سنوات الحرب الصعبة، فانتشرت الأندية الرياضية في أنحاء البلاد، وكانت جميع الأندية الكروية تأخذ مستلزماته من الأحذية من مصنع داسلر، ولم يقتصر الأمر على كرة القدم فحسب، بل جميع المنتخبات الألمانية في كافة الألعاب وخاصة ألعاب القوى.ذات يوم سمع أدولف صوت دراجة نارية في الخارج وأحدهم يسأل عنه، «جوزيف فايتزر» مدرب المنتخب الألماني لألعاب القوى أتى من ميونخ خصيصًا لرؤية الأحذية ذات المسامير التي سمع عنها كثيرًا وجاء من أجل تجربتها واختبارها. بعد حديث مع الشقيقين وتجربة الحذاء، حظيت داسلر للأحذية بثقة فايتزر، وكان المصنع مسئولًا عن تزويد كافة المنتخبات الألمانية المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية منذ عام 1928 في أمستردام.
أدولف داسلر، جوزيف فايتزر، أديداس، رودولف داسلر
أدولف داسلر (يمين) – جوزيف فايتزر (وسط) – رودولف داسلر (يسار)

كل شيء سار على ما يرام مع الأخوين داسلر، وازدهر العمل بشكل كبير جدًا، وأصبحت عائلة داسلر من أغنى العائلات في المدينة. في ذلك الوقت كانت ألمانيا أيضًا تسير نحو توجه مختلف، أدولف هتلر زعيمًا لألمانيا في عام 1933، ولم يتأخر الشقيقان بالانضمام للحزب النازي آنذاك. أحد أهم الأمور التي دعمها هتلر في بداياته هي المجال الرياضي، وحينها تحول المصنع ليغدو أكثر شهرة بسبب دعم هتلر للرياضة وازدياد الطلب على الأحذية الرياضية. في تلك الأثناء نشأ خلاف بين زوجتي أدولف ورودولف كان بالإمكان أن يوصل المصنع إلى الانقسام، لكن ازدهار العمل وضع هذا الخلاف جانبًا للتركيز على هدف أكبر، أولمبياد 1936 والتي استضافتها برلين آنذاك.الأخوان علما بأن تزويد المنتخب الألماني لوحده غير كاف لتحقيق الشهرة، لذلك استغلا فرصة الألعاب الأولمبية في عام 1936. ذهب أدولف إلى مركز تجمع المنتخبات وبيده حقيبة مليئة بالأحذية، حاول جاهدًا إقناع بعض منتخبات ولاعبي الدول الأخرى بتجريب أحذيته، وكان له ما أراد عندما وافق العداء الأمريكي جيسي أوينز على تجربة الحذاء، وبالفعل استطاع جيسي أوينز حصد 4 ميداليات ذهبية في تلك الدورة، ليصبح اسم داسلر للأحذية على كل لسان خلال البطولة.بعد انتهاء البطولة، لم يحتج الأخوان داسلر الكثير من الوقت لتلقي الطلبات من كافة أنحاء العالم، رسائل من أهم الرياضيين في تلك الآونة وصلت إلى» هيرتسوجيناوراخ – مصنع الأخوين داسلر للأحذية«، عَبَّرَ فيها الرياضيون عن رغبتهم بارتداء أحذية داسلر، وخلال تلك المدة وصلت مبيعات أحذية داسلر إلى 300 ألف حذاء في السنة.


مسمار في شجرة العائلة!

بداية التصدع بالعلاقة بين أدولف ورودولف كانت بسبب الخلافات المتكررة بين زوجتيهما، الأخوان داسلر ابتاعا قصرًا في المدينة في أواخر العشرينات، أدولف استقر في الدور الأرضي، ورودولف أخذ الطابق العلوي، والعيش داخل المنزل نفسه زاد من حدة الصراع بين الزوجتين.

رودولف تزوج من فتاة محلية تدعى فريدل، بينما أدولف تزوج بعده بـ6 أعوام فتاة من خارج المدينة تدعى كيت. على عكس شخصية أدولف الإنطوائية، كانت «كيت » امرأة ذات شخصية مستقلة ولديها أفكار جديدة و عصرية، بينما كانت «فريدل» امرأة ريفية محافظة إلى حد ما.بداية العلاقة بين الزوجتين كانت جيدة، لكن العيش في المنزل نفسه خلق العديد من المشاكل، وبدأ الصراع يحتدم أكثر فأكثر مع الوقت. فريدل كانت تعمل كمحاسبة في مصنع الأحذية، لكن بعد حملها وولادتها لم تذهب إلى المعمل كثيرًا، وهنا لعبت كيت دورها في المعمل لكن بطريقة مختلفة مع تدخل في العمل بشكل أكبر.هذه الخلافات بقيت حبيسة القصر الذي يسكناه ولم تؤثر كثيرًا على العمل، حتى قدوم الحرب العالمية الثانية، آنذاك كانت العلاقة متوترة بين الشقيقين، وقيل إن السبب هو إقامة رودولف علاقة عاطفية مع زوجة أخيه »كيت«، لكن لم يعرف سبب التوتر الحاصل بينهما.

الخيانة والشكوك!

في إحدى ليالي الحرب العالمية الثانية، قضى أدولف وعائلته الليلة في أحد الملاجئ، بينما بقيت عائلة رودولف التي تم استدعاؤه للجيش في المنزل، وبسبب شدة القصف حول المنزل اضطروا للذهاب إلى الملجأ أيضًا. بعد دخول زوجة رودولف وأطفالها بقليل عادت الطائرات للقصف مرة أخرى، فقال أدولف » تبا، لقد عاد الأوغاد الحقراء مجددًا «. آدي كان يقصد الطائرات، لكن فريدال ظنت أن أدولف يقصدهأ بسبب توتر العلاقة بين العائلتين.بعد انتهاء الحرب، تم اعتقال الأخوين داسلر من قبل قوات الولايات المتحدة الأمريكية بسبب عضويتهما في الحزب النازي. عندما انضما إلى الحزب النازي وبسبب الاختلاف في طباعهما، كان لكل شخص دور مختلف وتوجه معين داخل الحزب، أدولف حافظ على عضويته كمنتسب ليس إلا، بينما رودولف كان له دور أكبر وفاعل داخل الحزب، على وجه الدقة لم يعرف ما هو دوره، لكن يقال إنه كان عضوًا في الشرطة النازية السرية، حيث تم اعتقاله في إحدى المرات من قبل الشرطة السرية لكن تبين لاحقًا بأنه كان يعمل لحسابها.أدولف قضى فترة قصيرة في معسكر الاعتقال بسبب اقتصار دوره على العضوية، يينما رودولف قضى عامًا كاملًا في الاعتقال بسبب شكوك حول دوره داخل الحزب، ربما شفع لأدولف إقناع العداء الأمريكي جيسي أوينز بارتداء الحذاء وتحقيقه للميداليات ذهبية في أولمبياد برلين، حيث أبدى الأمريكيون إعجابهم بذلك آنذاك، مما سهل التحقيقات معه وأدى إلى خروجه خلال مدة قصيرة، أما رودولف تم إخباره خلال فترة اعتقاله بأن أحد الأشخاص المقربين له أفشى ببعض المعلومات عن دوره في الحزب، وهنا تذكر رودولف تلك الجملة التي قاله أدولف »لقد عاد الأوغاد الحقراء مجددا« واقتنع بأن أدولف كان يقصده بعد خيانته له بإخبار الأمريكيين بحقيقة دوره داخل الحزب.

نهاية الطريق!

أدولف داسلر، رودولف داسلر، أديداس
أدولف داسلر، رودولف داسلر، أديداس
رودولف داسلر، أدولف داسلر، أديداس
رودولف داسلر (يمين) – أدولف داسلر (يسار)

بعد خروجه من المعتقل كان رودولف غاضبًا جدًا، فقرر خوض غمار الحرب مجددًا، لكن هذه الحرب ستكون ضد أدولف وكيت، وخصيصًا بأن أدولف هو من انفرد بإدارة المصنع في تلك الفترة، وبدأ بصناعة أحذية خاصة بلعبتي كرة السلة والبايسبول بطلب من الأمريكيين.ظن رودولف بأن شقيقه حاول التخلص منه بعد إخبار الأمريكيين بدوره في الحزب، لم يكن لديه دليلًا دامغًا على ذلك، ولم يجد حلًا آنذاك إلا فض الشراكة بينهما بأسرع ما يمكن وحصل الانفصال في عام 1948. ذهب رودولف إلى المصنع وقال للعمال »من يرد العمل معي فليأت، و من يرد الاستمرار مع أدولف فليبق«. لم يفهم العمال حقيقة ما يجري، لكن أغلب من في قسم التسويق ذهبوا مع مديرهم، وقرر بقية العمال الاستمرار مع أدولف، بالنسبة لمدينة صغيرة يفوق عدد سكانها 25000 كان الخبر صادمًا جدًا يمكن اعتباره كصدى خبر هدم جدار برلين بالنسبة للألمان جميعًا.

بعد ذلك بدأت مرحلة العداء بين الشركتين والشقيقين، افتتح رودولف مصنعًا آخر في الجهة المقابلة لمصنع أخيه وسماهRudaليغيره لاحقا إلى»بوما«، وأدولف سمى مصنعهAdidas ، لأنه في العائلة كان لقبه Adi و أخذ أول 3 أحرف من الكنية ليصبح اسم شركته «أديداس»، المركز الرئيسي للشركتين ما يزال في المدينة نفسها ويبعدان عن بعضهما مسافة 2 كم فقط.