الحكاية بدأت من الصفر ومن دون تخطيط، كانت رحلة شاقة، ولم يكن الطريق بهذه السهولة التي يعتقدها البعض.
المحلل المصري أحمد عفيفي

الحكاية هي قصة صعود مهندس مصري قرر اقتحام مجال تحليل كرة القدم قبل عشر سنوات، لم يكن يملك حينها أي أسلحة سوى قناة صغيرة على موقع يوتيوب، يبث عليها تحليلاته، وقلة من المتابعين كانت تتابع كتاباته في منتديات كرة القدم على الإنترنت، بحسب وصفه.

تتشابه هذه القصة مع معظم قصص من يُسَمون محللي السوشيال ميديا، الذين بات لهم الآن قاعدة جماهيرية كبيرة، وتغيرت معهم معالم الإعلام الرياضي، الذي ظلَّ لعقود يلفظ كل من تُسول له نفسه الاقتراب من أسواره، من خارج دوائر لاعبي كرة القدم السابقين.

والسؤال الآن، ما السبب وراء هذا التغير الصارخ في خارطة الإعلام الرياضي؟

لأن طرق المشاهدة تتغير

في العقد الأخير كان هناك تحول عالمي في الطريقة التي أصبحنا نستمتع بها بالترفيه، حيثُ ارتفع معدل الاستهلاك الرقمي لأعلى معدلاته، وبخاصة في العامين الماضيين.

كان موقع يوتيوب في عام 2022 في طليعة المواقع من حيث نسبة المشاهدات الرياضية الرقمية، وصل عدد المشاهدين للأحداث الرياضية الحية الكبرى في الولايات المتحدة مثل «Super Bowel»، إلى 57.5 مليون مشاهد، ومن المُتَوَقع أن يصل إلى 90 مليون مشاهد عام 2025.

مع انتقال الأحداث الرياضية من ملاعب المباريات وشاشات التلفاز إلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ تغيرت أمزجة المشاهدين في تناول البرامج التي تدور حول كواليس هذه المباريات، اقتحمت تلك الرغبة أمزجة كل الأجيال بمن فيهم الأطفال.

ففي استطلاع أجرته صحيفة Independent عام 2019 على بعض الأطفال الإنجليز، وجد أن الأطفال يفضلون أن يكونوا صناع محتوى على YouTube على أن يكونوا رواد فضاء.

وهو ما جعل الطريق ممهدًا لكل من كان يرغب في تقديم محتوى رياضي في الماضي، ولا يستطيع فعل ذلك.

ما الجديد؟

لا يوجد تعريف دقيق لوظيفة صانع المحتوى؛ وذلك بسبب وضع كل موقع من مواقع التواصل الاجتماعي مثل TikTok وTwitch وYouTube لقواعده الخاصة، وفقًا لما سيحقق له ربحًا أعلى، لكن الأكيد أن هذه القواعد واختلافها عن قواعد الإعلام سابقًا، أتاحت فرصًا ذهبية لصناع محتوى كُثر في الظهور.

ذكرت مجلة Forbes في عام 2022 أن هناك ما يقرب من مليوني منشئ محتوى محترف في جميع أنحاء العالم، والسؤال الآن، هل يمكننا حصر هذه القواعد؟

لكل شيخ طريقته، كما يُقال في الأمثال الشعبية، لكن هناك بعض الخيوط المشتركة التي قد تمكننا من وضع أُطر لهذه القواعد.

السخرية هي الحل، ستجد أحدهم يقدم لك محتوى رياضيًا بشكلٍ ساخر، وهذه الزاوية في التناول لم تكن مسموحة على شاشات التلفاز، وهو ما يُزيد إمكانية مشاهدة الجماهير لها.

واحدة من أشهر القنوات على اليوتيوب تُدعى Dude Perfect، تضم 878 مليون مشاهدة و59.4 مليون مشترك حتى الآن، يطلقون مقاطع فيديو تسخر من الرياضات مثل الجولف وكرة الطاولة والبولينج وكرة السلة الصغيرة، ومحاكاة ساخرة لما تدور حوله هذه الرياضات، يمكنك أن تجد نفس زاوية التناول هذه بكل اللغات وعلى كل الرياضات.

واحدة من الزاويا التي كانت مهملة أيضًا قبل ظهور محتوى السوشيال ميديا، هو المحتوى التفاعلي الذي يسمح للجمهور بالتفاعل المباشر مع الألعاب، حتى ولو كان هذا التفاعل خياليًا، مثل ألعاب الفانتازي وما يُقدم حولها من محتوى، سواء كان مرئيًا على اليوتيوب، أو مسموعًا فيما يسمى بالبودكاست.

وكذا المحتوى الإحصائي، الذي يهتم بكل صغيرة وكبيرة في اللعبة، والذي أصبح محط أنظار الجمهور العاشق للرياضات المختلفة.

في مقالة بعنوان كيف يكسب صناع المحتوى ثقة الجمهور؟ يُخبرنا محللو مجلة Forbes أنه من منظور تجاري صارم، تنتج منصات التواصل الاجتماعي جماهير لبيعها للمعلنين، ويُنظر إلى المحتوى أنه المادة الخام لعملية صناعة الجمهور.

لكن هناك خيطًا رفيعًا بين المحتوى الذي يُنشأ لاستغلاله، والمحتوى الذي يجذب الجمهور، هذه الشعرة تتمثل في صدق مُقدم المحتوى نفسه، وهو ما يستطيع الجمهور تمييزه بكل براعة.

اقتصاد صناع المحتوى

مع ازدياد شعبية صناع المحتوى،  فتحت منصات مثل Facebook وInstagram وTiktok عديدًا من السبل للرياضيين والمشاهير ليس فقط لإشراك معجبيهم، ولكن أيضًا لتوليد دخل كبير من خلال صفقات العلامات التجارية والعروض الترويجية والرعاية.

يتجه المعجبون من جميع الأعمار الآن إلى المنصات الاجتماعية لمتابعة المحتوى الرياضي، بما في ذلك:  يحصل 51% من المتفاعلين على محتوى رياضي على Facebook ، و 46% على موقع يوتيوب، و 31% على إنستجرام،  و25% على تويتر.

في المقابل فإن ما يُعرف باقتصاد محللي السوشيال ميديا قد زاد بنسبة 40% بحلول عام 2020، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة بحلول عام 2025. يكسب أكثر من 58٪ من صناع المحتوى الرياضي حول العالم ما يعادل 50 ألف دولار سنويًا، وتشكل شراكات العلامات التجارية أكثر من نصف إيراداتهم في المتوسط.

وهو ما جعل صناعة المحتوى غير مقتصرة على الهواة فقط، بل امتدت لتجذب أنظار اللاعبين أنفسهم.

مرة أنا وصديقي ألفونسو ديفيز

في نفس البرنامج الذي ذكرناه في البداية، والذي تحدث فيه عفيفي وصناع المحتوى الآخرون عن قصص نجاحهم لمضيفهم عمرو نصوحي، وهو أحد صناع المحتوى الرياضي هو الآخر، يستضيف البرنامج ذاته لاعبين شهيرين ولعدد مطول من الساعات.

مع تزايد جماهيرية صناع المحتوى الرياضي أدرك اللاعبون والمدربون أنهم في حاجة لمواكبة العصر، والظهور على تلك المنصات سواء كانوا ضيوفًا، أو كانوا هم صناع المحتوى.

من بين أشهر اللاعبين على منصات التواصل الاجتماعي، باولو ديبالا وكريستيان بوليسيتش، وربما الاسم الأكثر شهرة هو ألفونسو ديفيز من نادي بايرن ميونخ.

حيث حصل الكندي على ما يقرب من 800 ألف متابع وأكثر من 15 مليون إعجاب على تطبيق Tik Tok، مما عزز نفسه باعتباره اللاعب المحترف الأكثر شعبية بنهج فكاهي يستهدف فئة ديموغرافية أصغر سنًا.

ما خفي كان أعظم

أحد أهم الأشياء التي تجذب المتابعين لصناع المحتوى، هو نمط الحياة الذي يصدره عن نفسه، فما أجمل أن يكون مقر عملك داخل غرفة مزودة بكافة وسائل الترفيه، ووظيفتك هو التعليق على مشاهدة المباريات في رياضة ما.

ولكن وفقًا لصحيفة BBC، فإن ما يُصدر لنا عن حياة صناع المحتوى هي القشرة الخارجية فقط، وتحت هذه القشرة  يكمن الدخل غير المستقر وعدم المساواة في الأجور على أساس الجنس والعرق والإعاقة، بل إن معظم صناع المحتوى غالبًا ما تصبح مشاريعهم عملًا مجانيًا للعلامات التجارية، على الأقل لجزء كبير في البداية.

في تقرير صدر في أبريل/ نيسان 2022، حددت اللجنة الرقمية والثقافية والإعلامية والرياضية في البرلمان البريطاني التفاوت في الأجور باعتباره مشكلة رئيسية في صناعة المحتوى، حيث وُجدت فجوات في الأجور على أساس الجنس والعرق، أشار التقرير إلى أن الفجوة بلغت 35% بين صناع المحتوى البيض والسود.

نهاية يبدو أن خارطة الإعلام الرياضي تغيرت إلى الأبد بفضل صناع المحتوى هؤلاء، فهل ترى قصص صعودهم ملهمة أم أنك من الفريق الذي لا يستسيغ تلك الفكرة حتى الآن؟