في يوم من الأيام تفاجأ الجميع بتعديلات اقتصادية أعادت ترتيب المجتمع من جديد. عاد أفراد الطبقة الوسطى خطوة أو أكثر للخلف. الفقراء أصبحوا أكثر فقرًا. ماذا بعد؟ سيعمد الأغنياء إلى بناء مستعمراتهم، حتى يتسنى لهم الاستمتاع بأموالهم بعيدًا عن الطبقات الدنيا. حتى لا يلتبس عليك الأمر، فنحن هنا لسنا للحديث عن سوق العملة، والدعم والحقد الطبقي، لكننا نحاول أن نقربك من المشهد المتوقع حدوثه في كرة القدم.

تنص القاعدة على ضرورة صرف الأموال لتحقيق الفوز. فوز أياكس على ريال مدريد في دوري الأبطال هو حدث نادر لن تشاهده كثيرًا بسبب تلك الفوارق الطبقية. ومع ذلك، تريد الفرق الكبرى التحول إلى دوري خاص بها، كالذي تكوِّنه مع أصدقائك عند لعب الألعاب الإلكترونية. فقط ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ ويوفنتوس ومَن على شاكلتهم. تخيل تلك المواجهات تتكرر أسبوعيًّا، لكن قبل أن تأخذك الحماسة بإمكانك التفكير معنا قليلًا.


دوري النخبة

بدأت القصة مع تسريبات صحيفة «دير شبيجل» الألمانية، والتي كشفت وثيقة من 13 صفحة تم إرسالها بالبريد الإلكتروني إلى مساعد فلورنتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد. الوثيقة عبارة عن اتفاق مبدئي بين 11 ناديًا لتكوين مسابقة جديدة تسمى بـ «European Super League»، والمزمع انطلاقها في 2021. والأندية هي: ريال مدريد، برشلونة (إسبانيا)، مانشستر يونايتد، مانشستر سيتي، تشيلسي، أرسنال، ليفربول (إنجلترا)، باريس سان جيرمان (فرنسا)، بايرن ميوينخ (ألمانيا)، يوفنتوس، وميلان (إيطاليا).

يضاف إليهم خمس فرق، تم تسميتهم بالضيوف «Initial Guests»، وهم: إنتر ميلانو، بروسيا دورتموند، أتلتيكو مدريد، مارسيليا، روما. وفقًا للتسريبات، فإن الأندية المشاركة تناقشت حول مسألة مغادرة الدوريات المحلية أيضًا! ولم يكتفوا بذلك، حيث سينشئون امتدادًا لهذه البطولة يكون بمثابة الدرجة الأدنى، مع إتاحة الفرصة للأندية للترقي إلى الدرجة الأعلى. لكن التنافس سيكون مقصورًا على الضيوف فقط، لأن المؤسسين سيمنحون أنفسهم امتياز عدم السقوط للدرجة الأدنى لمدة 20 عامًا.

«أندريا أنييلي» رئيس نادي يوفنتوس، ورئيس رابطة الأندية الأوروبية «European Club Association»نفى التسربيات في نهاية عام 2018. لكن تصريحاته منذ أيام كانت مختلفة.

هكذا بدأت ملامح الطبقية في الظهور. الأثرياء يريدون مزيدًا من الثراء، وبعيدًا عن نظرائهم من المستوى الأقل. يمكن القول إن الموقف القانوني سيكون معقدًا، لكن موقف المشجعين سيكون أكثر تعقيدًا.


بادر بحجز فريق كبير من الآن

لو حاولت البحث في أسباب ذلك التحرك، فإن الأمر لن يخرج عن إطار المال. الخروج عن القواعد سيكون هو الوسيلة المتاحة الوحيدة. في إنجلترا، يتواجد ست فرق كبيرة، لكن القواعد الحالية تسمح بوجود أربع فرق فقط، لذا علينا القفز فوقها. في إيطاليا، يوفنتوس يحسم الدوري قبل بدايته، فلا عجب في سعيه نحو مزيد من الأموال ومزيد من المباريات القوية. في فرنسا، البي إس جي يفوز بالدوري فيحصل على أموال أقل من الهابط من البريميرليج.

من وجهة نظرهم الاقتصادية البحتة، يبدو الأمر منطقيًّا. لكننا سنوضح لك أنه ليس كذلك. لا يمكن اختزال كرة القدم في أرقام العوائد المادية، ولا يمكن تجاهل شغف الجماهير بهذه البساطة.

هل سألت نفسك لماذا تمتلئ مدرجات الدرجات الثانية والثالثة بالمشجعين في إنجلترا وألمانيا مثلًا؟ هؤلاء الحمقى يذهبون وراء أنديتهم الصغيرة، وهم يعلمون أن نسبة فوزهم ببطولة تكاد تكون منعدمة. لأن الشغف ليس حماقة، والتشجيع لا يرتبط بالفوز. حسنًا، هناك من شجع ناديه لأنه رآه يفوز، لكنه ليس السبب الوحيد. هناك من رأى لاعبًا تعلق به وبفريقه، أو تعلق بأسلوب لعب الفريق، أو رأى الفريق يخسر فتعاطف معه وشجعه، أو أن هذا هو نادي المقاطعة التي نشأ فيها.

أيًا كان السبب، فالشغف الذي يعيشه هؤلاء المشجعون في مساندة فرقهم، في رؤية الكبار ومحاولة إزعاجهم ولو لمباراة واحدة، هو جزء لا يمكن فصله من اللعبة. عالم بدون مشاعر ديربيات لاتسيو – روما، ليفربول – إيفرتون، لن يستسيغه أحد. والحل متاح، رغم أنه جشع أيضًا لكنه أقل حدة من ذلك الدوري الخاص.


نظام البطولة الحالية يكفي

ما زلنا في بداية العملية، وأمامنا الكثير من الاقتراحات والتحليلات. نحن نؤكد أن كثيرًا من الأندية يسعون لبطولة جديدة، وعلى رأسهم: يوفنتوس وبايرن وريال مدريد. سيتم الأمر بمنتهى الشفافية وبالتعاون مع اليويفا، دون أن ننسى مراعاة كل الأطراف.

في التسعينيات فاز نادي «ريد ستار بلجراد» الصربي بدوري أبطال أوروبا عام 1991، مارسيليا 1993، أياكس أمستردام 1995، بروسيا دورتموند 1997. لا يمكننا تصنيف هذه الأندية ضمن Class A، ولكنهم فعلوها. أما في الألفية الجديدة، فلم يفعلها سوى بورتو البرتغالي في 2004، مما يعني أن البطولة أصبحت منغلقة على الكبار، لأن نظام البطولة يسعى إلى ذلك.

في بطولة 2018 / 2019 يوزع اليويفا مبلغًا يصل إلى بليوني يورو على 32 فريقًا مشاركًا. 15% من المبلغ حسب القيمة التسويقية، وحقوق البث التلفزيوني، 30% حسب التقييم التراكمي في آخر عشرة مواسم، 55% مكافآت وفقًا لنتائج كل نادٍ. وجودك في دور المجموعات يكفل لك 15 مليون يورو، أما جائزة الفوز بالبطولة، فتصل إلى أكثر من 70 مليون يورو.

ثم يأتي الجزء الأهم، التقييم التراكمي، والذي يضمن للأندية الكبرى الوجود على قمة الهرم، والحصول على أعلى نسبة من العائدات. وإذا حاول أحد القدوم من بعيد، ومنافستهم فعليه الاستمرار في المنافسة لمدة ليست بالقصيرة وبحوافز مادية أقل.

إذا أضفنا تصنيف المستويات الأربعة عند سحب قرعة دور المجموعات، فإن الدائرة تصبح كالتالي: تقع الفرق الكبيرة في مجموعات سهلة، فتضمن عبورها للأدوار المتقدمة، فتحقق تصنيفًا تراكميًّا جيدًا، فتحصل على أموال أكثر، وهكذا. مما يقودنا إلى التساؤل: لماذا يريدون بطولة جديدة، ودوري أبطال أوروبا أصبح حكرًا عليهم؟

آخر اجتماعات رابطة الأندية الأوروبية تشير إلى اتفاق ببدء المحادثات حول تغيير سيحدث في دوري أبطال أوروبا في عام 2024، لم يصرح أحد بالتفاصيل لكن يبدو أن التسريبات لم تكن بعيدة. ولو سار الأمر كذلك، فعلينا أن نستعد للتخلي عن فرقنا الصغيرة التي نشجعها، ونحجز مقاعدنا على المقاهي لأن تكلفة مشاهدة هؤلاء الجشعين – أقصد الفرق الكبيرة – كل أسبوع ستكون باهظة.