تتّبع الحرب على غزة سيناريو شبه متكرر عبر السنين، تطور حماس من قدراتها العسكرية بصفة مستمرة وتشعر إسرائيل بتنامي الخطر أيضا، سواء على جبهتها الداخلية أو على الحدود مع غزة، يتزايد التوتر لكن يبقى الطرفان في حالة هدوء حذر مُفضلين إبقاء التوتر عند حده الأدنى، ولكن وسط الهدوء المشوب بالترقب.

يحدث أمر ما، تنطلق صواريخ من غزة باتجاه إسرائيل؛ ربما تطلقها حماس أو في الغالب مجموعة من السلفيين الجهاديين، أو تقوم إسرائيل بعملية اغتيال ما أو قصف لأهداف داخل القطاع، يتوعد الطرفان بالرد وخطوة بعد خطوة تبدأ الحرب.


ما دون اغتيال الفقهاء

للأسف هناك الكثير من المؤشرات أن هذه الحرب على وشك البدء، فباغتيال إسرائيل للقائد الفلسطيني مازن فقهاء، أشعلت غضب حماس والتي توعدت بالرد، يأتي هذا في ظل أجواء مشتعلة أصلا، فوتيرة إطلاق الصواريخ من الجانب الفلسطيني وكذا وتيرة الطلعات الجوية الإسرائيلية أصبحت شبه يومية، ووفقا لتقارير إسرائيلية فإن أنشطة حماس في حفر الأنفاق متزايدة للغاية، وبعضها يصل إلى المناطق الإسرائيلية، وفي مناسبات متفرقة تعثر الدوريات الإسرائيلية على متفجرات مزروعة على الحدود.

كما استهدفت قوات الاحتلال، بنيران أسلحتها الرشاشة، المناطق الحدودية الواقعة إلى الشرق من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، في حين فتحت زوارق الاحتلال النار صوب مراكب الصيد في بحر دير البلح وسط القطاع، حيث اضطر الصيادون لمغادرة المنطقة وتغيير مواقع عملهم حفاظا على أرواحهم.

وعلى جانب آخر فإن الخلفية العسكرية للقائد الجديد لحماس في غزة، يحيى السنوار، تجعله أكثر قربا من لصف كتائب القسام في حالة تزايد التوتر العسكري.

وفي الداخل الإسرائيلي تفوح رائحة الحرب على غزة لأسباب سياسية بحته، بعد أن خرج تقرير مراقب الدولة وفضح جرائم نتنياهو في حرب 2014، وأذاع الفشل في إدارة الحرب، ووجّه التقرير انتقادات لقيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية تولت زمام الأمور في فترة الحرب، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه وقتها موشيه يعالون، ما قد وضع مستقبل نتنياهو السياسي على المحك، إذ كشف صراحةً عن عدم قدرة الأخير على هزيمة حماس.

في إسرائيل الحديث عن قطاع غزة لا ينقطع في ظل تصاعد الأوضاع مؤخرا، فنجد أن كبار القيادات العسكرية والسياسية يتحدثون بوضوح تام عن تأزم الأمور، وأظهر استطلاع أجرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن 43% من الإسرائيليين يُفضّلون العمل العسكري ضد حماس. وجاء الاستطلاع في مجمله سلبيا تجاه ليبرمان ووصفه بالضعيف في الأداء والتعامل. لذا، فمن المتوقع أن تفتح هذه الاستطلاعات شهية ليبرمان ونتنياهو لخوض حرب أخرى في القطاع ليحقق رغبة الجمهور الإسرائيلي الذي أعطاه وفق هذه الاستطلاعات الضوء الأخضر ليشن هذا العدوان.


دقت طبول الحرب

43% من الإسرائيليين يُفضّلون العمل العسكري ضد حماس، منتقدين ليبرمان وواصفين إياه بالضعيف في الأداء والتعامل مع المقاومة.

عدة رصاصات أطلقت من مسدس كاتم للصوت قتلت الشهيد مازن فقهاء، صعدت روحه إلى بارئها وبدأت طبول الحرب تدق على الجانبين.

حمّلت حماس المسئولية مباشرة إلى إسرائيل بصفتها المستفيد الوحيد من مقتل الفقهاء، حيث أكّد القيادي في حماس «أسامة حمدان» أن تداعيات اغتيال الشهيد مازن فقهاء ستكون أسوأ بكثير مما كان يظن الاحتلال و قال حمدان خلال لقاء عبر قناة القدس الفضائية: «إن محاولة الإسرائيلي فتح قواعد اشتباك جديدة مع المقاومة هو أمر متوقع في سلوك الاحتلال ولكن هل سيتحمل تداعيات ذلك؟»، موضحا أن إسرائيل تعاني من أزمة داخلية ولديها قلق من الوضع الإقليمي.

ثم في تصريح شديد الغرابة قال حمدان: «من الذي قال إن معركة قادمة على غزة ستظل قواعدها تقتصر على القتال في القطاع فقط؟ وما الذي يمنع أن تتحرك الأمة بمنطق مختلف في ظل حالة الاختلال القائمة في المنطقة والإقليم».

إذا قررت حماس تجنب معركة الصواريخ أو أي حل عسكري واسع، ولجأت إلى حلول أمنية مختلفة فإن ذلك سيؤدي إلى إشعال فتيل الحرب.

قد يبدو هذا التصريح للوهلة الأولى نوعا من الحرب الإعلامية، لكن هناك تصريحات إسرائيلية تؤكد وجود خطة لحماس للتحرك أيضا داخل الضفة الغربية، وربما شن هجوم واسع على الحدود بين القطاع والأراضي المحتلة.

ففي 22 مارس/آذار الماضي، كشف الشين بيت الإسرائيلي عن معلومات استخباراتية تكشف عن نية حماس القيام بعملية عسكرية واسعة في إسرائيل في الأعياد اليهودية في أبريل/نيسان، و قال مسئول أمني فلسطيني في الضفة الغربية للمونيتور إن السلطة الفلسطينية تتابع تحذيرات أمنية إسرائيلية بخصوص تحركات حمساوية داخل القطاع.

تزامن اغتيال الفقهاء أيضا مع تحركات إسرائيلية واسعة على الحدود مع قطاع غزة، في خطوة توحي بأن الجانب الإسرائيلي يتوقع ردا عسكريا من حماس على اغتيال الفقهاء، وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي قال في وقت سابق، إن القوات الإسرائيلية بدأت تمارين على مستوى الأركان العامة لقوات الاحتياط في المنطقة الجنوبية العسكرية، مضيفا أنه سيتم استدعاء قوات الاحتياط للتدرب على سيناريوهات عمليات متنوعة بخصوص الجبهة الجنوبية، وقال ضابط إسرائيلي بعد انتهاء التدريبات: «نحن الآن مستعدون لوقوع حدث مفاجئ».

وخُصّص التدريب حول قطاع غزة لفحص جهوزية القوات الإسرائيلية للمواجهة المقبلة مع قطاع غزة، حيث تم استدعاء 2000 ضابط وجندي إسرائيلي خلال 24 ساعة وبشكل مفاجئ لحضور التدريب، بحسب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية.

أما على جانب قطاع غزة، فيبدو أن حماس تريد انتهاج مقاربة مختلفة للصراع مع إسرائيل هذه المرة، فالمؤشرات الاقتصادية والمعيشية داخل القطاع متدهورة للغاية، وأي صراع عسكري على نطاق واسع سوف يرهق القطاع بالطبع، لذا فمن المحتمل أن حماس ترغب في تجنب الصراع العسكري المباشر لصالح حرب أمنية مختلفة، ما يؤكد هذا أن وكالة شهاب المقربة من الحركة نشرت مؤخرا فيديو قصيرا يحمل رسالة تهديد بالتصفية لكبار قادة إسرائيل العسكريين والأمنيين كرد على اغتيال الفقهاء.

وفي النهاية، إذا قررت حماس تجنب معركة الصواريخ أو أي حل عسكري واسع، ولجأت إلى حلول أمنية مختلفة فإن ذلك سيؤدي إلى إشعال فتيل الحرب، خاصة أن المشهد الدولي والإقليمي يصب في صالح إسرائيل، ولن تواجه إسرائيل معارضة كبيرة إذا قررت خوض الحرب سواء من الداخل الإسرائيلي أو من المجتمع الدولي في ظل تولي ترامب السلطة في الولايات المتحدة.. فهل تُقدم حماس على الانتقام لمقتل الشهيد مازن فقهاء أم تحافظ على الهدوء الحذر في المنطقة إلى أجل مسمى؟