في الفترة الأخيرة صاحب انتقاد ارتفاع سعر صفقة ما جملة: هل ستدفع قيمة الصفقة من جيبك حتى تعترض؟، فماذا لو كنا ندفع أموال الصفقة من جيوبنا بالفعل! هل لنا حق الاعتراض؟


مصادر دخل الأندية

إذا تحدثنا عن مصادر دخل الأندية، يمكننا تقسيمها إلى «مصادر أولية»، مثل حقوق البث التلفزيوني، وعقود الرعاية التجارية، و«مصادر ثانوية» مثل: عوائد المباريات التي يلعبها الفريق طوال الموسم، وعوائد بيع القمصان وتذاكر المباريات وبعض الإعلانات التجارية. ما يهمنا الآن هو الحديث عن مصادر الدخل الأولية من حقوق بث وعقود رعاية، والبداية على النحو الآتي:

حقوق البث التلفزيوني

بدأت قيمة حقوق البث في الفترة الأخيرة تتضاعف، وخاصة تلك المتعلقة بالدوري الإنجليزي. فبعد أن بيعت في الفترة بين 2013 : 2016 بقيمة خيالية، لم تكتفِ الشركة المالكة لحقوق البث بذلك، وتم بيع الحقوق في الفترة بين 2016 : 2019 بزيادة تقدر بـ70% عن حقوق الفترة 2013 : 2016 التي حققت بدورها رقمًا قياسيًا وصل إلى 5 مليارات جنيه إسترليني، أي ما يعادل ثمان مليارات دولار تقريبًا. تم بيع الحقوق للشبكات التليفزيونية المختلفة مثل شبكة «Sky sport» و«bein sport».

ترتب على ذلك بعض التغييرات، لأن الشبكات التيفزيونية اضطرت لرفع قيمة الاشتراك، بالإضافة إلى رفع قيمة الإعلان عليها؛ لتعويض المبالغ التي أنفقتها في شراء حقوق البث. تُرفع القيمة بنفس قدر ارتفاع العقود الخاصة بحقوق البث التي حصلت عليها، مما يعني رفع سعر المنتج للمستهلك.

المشجعون يطالبون إدارات فرقهم بالتعاقد مع أفضل النجوم مهما بلغت قيمة الصفقة، معتقدين أن هذه الأموال تأتي من العدم، منتقدين كل من لا يعجبه ارتفاع أسعار اللاعبين، وفي نفس الوقت يعترضون على تشفير أو ارتفاع قيمة الاشتراك الخاص بالقناة التي يتابعون من خلالها المباريات!

لا نشعر بالرضا عن ارتفاع أسعار بعض المنتجات والخدمات التي يقدمها النادي، رغم أن الأموال تتوفر للنادي من تلك الخدمات وقيمة حقوق بث المباريات والرعاية التي يحصل عليها، إذن هنا بالفعل علينا أن نعترف أننا ندفع من جيوبنا، مقابل أن يتعاقد فريقنا مع أفضل وأغلى اللاعبين، وألا يجد النادي صعوبة في دفع رواتب وقيمة عقود اللاعبين، والتي بطبيعة الحال تساعده على التعاقد مع أفضل اللاعبين، وحماية نجوم الفريق من الإغراءات المادية، وتوفير كل متطلبات النادي التي قد تتعلق بالأموال.

عقود الرعاية التجارية

قيمة عقود الرعاية تُعد من أهم مصادر دخل الأندية، وتدخل في إطار تبادل المنفعة. تقوم شركات الملابس مثل «adidas» أو «Nike» برعاية قميص النادي مقابل مبلغ من المال. والذي ينص على أن تقوم الشركة ببيع قمصان النادي في متاجرها، وفي المقابل يحمل النادي العلامة التجارية الخاصة بالشركة على قميصه وعلى واجهة النادي.

على سبيل المثال حمل ريال مدريد شعار شركة «adidas» التي تدفع للنادي مبلغ مليار يورو بموجب عقد يعد هو الأعلى في تاريخ كرة القدم، والذي ينتهي بحلول عام 2024. استغلت الشركة هذا العقد حينها ورفعت سعر التيشيرت الخاص بفريق العاصمة الإسبانية بمقدار 10 دولارات، وبالطبع لن يحصل النادي إلا على حصة صغيرة من أرباح بيع القمصان.

هناك شكل آخر من أشكال عقود الرعاية التجارية، مثل أن ترعى الشركة النادي من خلال وضع علامتها التجارية على قميص الفريق، مثل رعاية شركة «طيران الإمارات» لريال مدريد وشركة «جنرال موتورز» الأمريكية لمانشستر يونايتد، وهناك أيضًا أشكال أخرى مثل أن تقوم الشركة برعاية الملعب الخاص بالفريق، لكن تقل مكاسبها المادية عن عقود الرعاية الأخرى، وهناك عدة عوامل تتحكم في قيمة العقد، مثل حجم شعبية النادي ومستوى الفريق خلال الموسم والنجوم الذي يحملون قميص الفريق.

على الجانب الآخر، هناك عشرات الشركات –مثل فودافون أو بيبسي أو كوكاكولا- التي تكون بمثابة راعٍ للدوريات المختلفة أو للبطولة. تبرم هذه الشركات عقودًا مع الاتحاد الرياضي في الدولة على أن تكون راعية للبطولة. ارتفاع قيمة العقود التجارية لهذه الدوريات والبطولات يضع الشركات الراعية في نفس الموقف الذي تحدثنا عنه، وهو أن تضطر لرفع أسعار المنتجات في مقابل ذلك.


تحويل الأندية إلى علامات تجارية

بعد أن أصبحت كرة القدم مجالًا استثماريًا يجذب المستثمرين والشركات الكبرى في العالم، سواء عن طريق الاستثمار في أسهم الأندية أو استخدام النادي بأن تكون الشركة راعية له أو حتى استخدام اللاعبين كعنصر مُروج لها، أصبح هناك تنافس بين الأندية خارج ملعب كرة القدم على الأرباح والعوائد المالية.

يمكننا القول إن الأندية تحولت إلى علامات تجارية ذات قيمة سوقية ضخمة بعد أن تطورت طرق الترويج والتسويق داخل الأندية، وأصبحت هناك مصادر دخل جديدة تعتمد على تسويق العلامة التجارية للنادي، ومن خلال ذلك يتم استغلال كل الموارد المتاحة للنادي للترويج للعلامة التجارية، على وجهات النادي الرسمية مثل الاستاد وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي أو الموقع الإلكتروني أو استخدام اللاعبين أنفسهم للترويج.

كل هذا يجعل هناك منافسة بين الأندية على الأرباح والحصول على أعلى ميزانية ممكنة، ففي إسبانيا على سبيل المثال نجد أن ريال مدريد وهو النادي الأكثر جماهيرية حول العالم، وذلك حسب دراسة لجامعة «هارفارد»، تُقدر ميزانيته السنوية بنحو 3.44 مليار دولار، بل إن هناك دولًا أصبحت لديها ميزانية خاصة تأتي سنويًا من كرة القدم عن طريق اتحاداتها الرياضية التي تدير اللعبة، مثل إنجلترا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا.

هناك أيضًا دول بدأت تعتمد على الاستثمار في كرة القدم، أبرزها في الآونة الأخيرة الدول الخليجية، التي تمتلك نصف أكبر 10 علامات تجارية لأندية كرة القدم في العالم، تستفيد من استثماراتها أو الملكية التي تعود إليها. فتعقد مثلًا شركات طيران خليجية اتفاقيات مع أندية عالمية مثل برشلونة، وريال مدريد، وأرسنال، وباريس سان جيرمان، لرعاية قمصان هذه الفرق الرياضية.

على الجانب الآخر تساعد هذه الرعاية على زيادة القيمة الوطنية للعلامة التجارية للدول، حيث ارتفعت قيمة الإمارات العربية المتحدة، كعلامة تجارية وطنية، من 249 مليار دولار إلى 293 مليار دولار خلال العام الماضي. وارتفعت قيمة المملكة العربية السعودية أيضًا من 420 مليار دولار إلى 463 مليار دولار، بينما زادت علامة قطر التجارية الوطنية من 184 مليار دولار، إلى 256 مليار دولار، ساعدها في ذلك بقدر كبير، علاقتها مع نادي باريس سان جيرمان وعقد الرعاية السابق مع برشلونة.

بشكلٍ عام أصبحت كرة القدم أكثر متعة للمستثمرين ورجالات الاقتصاد حول العالم أكثر منها للمشاهدين أو المشجعين، وما زال الاستثمار في كرة القدم في تزايد ملحوظ، ولا يعلم أحد إلى أي مدى سيصل هذا بكرة القدم في السنوات القادمة.