مع مرور عامين على حملة عاصفة الحزم، التي شنّتها المملكة العربية السعودية في مارس/آذار 2015 على «حركة أنصار الله» – المعروفة إعلاميًا بـ«الحوثيين» – ذات الارتباط الكبير بإيران، في أول تحرك عسكري كبير ومباشر من جانب الرياض تجاه طهران، نجد أنه من المهم أن نلقي الضوء على آثار هذه الحملة العسكرية السعودية على المجموعات العسكرية المناوئة للنظام الإيراني في الداخل.

فلطالما كانت لطهران أذرع عسكرية خارجية تستخدمها في تحقيق مشروعها «السياسي – الديني»، فهي عبرت عن نفسها كدولة راعية للمذهب الشيعي في العالم وعملت على مدى سنوات على دعم مجموعات شيعية أو اختراق البيئات السنية من أجل إنشاء كيانات موالية، تستطيع عن طريقها توسيع نفوذها في الإقليم.

وشكلت دول سنية عدة حائط صد أمام محاولات إيران اختراق مجتمعاتها، إلا أنها نجحت في كسب النفوذ في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية، إلا أنه قبل اندلاع الربيع العربي كان النفوذ الإيراني ذا ثقل في العراق ولبنان، وذا علاقات وثيقة بنظام بشار الأسد في سوريا، لكن بعد الربيع العربي زاد النفوذ الإيراني العسكري بدرجة كبيرة.


قوميات إيرانية أعلنت دعمها لعاصفة الحزم

بدأت عاصفة الحزم في السادس والعشرين من مارس/ آذار عام 2015، وكان جيش العدل، الجناح العسكري لحركة المقاومة البلوشية – أكبر الحركات العسكرية السُنية المناوئة لإيران – أولى المجموعات المسلحة المعارضة للنظام الإيراني التي تعلن تأييدها للحملة السعودية، ونشر بيانًا بعد أقل من أسبوع من الحملة العسكرية يعلن فيه تأييده وترحيبه، داعيًا «الرياض» إلى «الاستمرار في عاصفة الخير حتى قطع كل أذرع الأخطبوط الفارسي».

وتضمن بيان جيش العدل تحريضًا للسعودية، لمساندته في عملياته ضد إيران، حيث ورد بالبيان دعوته «الرياض» إلى «أن تعين الشعوب المحتلة، للتحرر من قيد الفرس».

وفي الأحواز، أعلنت المجموعات الرئيسية للمعارضة المسلحة دعمها عاصفة الحزم، فقد دعمتها كل من حركة النضال العربي لتحرير الأحواز والمنظمة الوطنية لتحرير الأحواز «حزم»، التي ورد في بيانها: «تعلن الحركة استعدادها التام – إلى جانب شركائها – في المقاومة البلوشية والكردية لأي تصعيد ضد الاحتلال الفارسي وقواته الغازية إذا ما اقتضت الضرورة».

كما دعمت «جبهة الشعوب غير الفارسية»، التي تضم شعوب أذربيجان الجنوبية، بلوشستان، تركمانستان الجنوبية، كردستان الشرقية، الحملة الخليجية، وطالبت الجبهة بـ«دعم مالي وعسكري لثورة داخل إيران يكون أبطالها الشعوب غير الفارسية وتكون كفيلة بهزيمة إيران وتآكلها تمامًا من الداخل».

نركز في هذا المقال على الحركات المسلحة الناشطة وسط البلوش في إيران، وعلى عملياتها في العامين الأخيرين في مرحلة ما بعد عاصفة الحزم.


البلوش: تهميش وفقر

تعد محافظة سيستان وبلوشستان التي يتركز وجود البلوش فيها، من أكثر المحافظات تدهورًا في البلاد، حيث إن نصف عدد سكانها الذين تبلغ نسبتهم 3.4% من سكان البلاد، ليست لديهم بيوت يسكنون فيها وفق إحصائيات رسمية إيرانية، كما أن نسبة التعليم فيها هي الأقل في عموم إيران، ويعيش 45% من مواطني المحافظة تحت خط الفقر.

«جند الله» جماعة بلوشية مسلحة بلافتة «قومية – مذهبية»

نشأت جماعة «جند الله» في منطقة جبلية وعرة في مثلث حدودي بين باكستان وإيران وأفغانستان على يد عبد الملك ريجي، ولقبه هذا يعود إلى واحدة من كبرى القبائل البلوشية «ريجي»، وتتبنى تلك الجماعة قضية البلوش السنة في مواجهة نظام الحكم في إيران، حيث تشكّل «التنظيم» بدوافع «قومية – مذهبية»، «البلوش – السنة»، لمواجهة النظام الإيراني الذي يتبنّى، حسب «التنظيم» أيديولوجية «قومية – مذهبية»، «فارسية – شيعية».

نشط «التنظيم» بين عامي 2002 و2010 حتى أفل نجمه بإعدام مؤسسه «ريجي» على يد الحكومة الإيرانية، لكنه خلال هذه الفترة قام بعدد من العمليات العسكرية النوعية ضد الجيش الإيراني، كان أبرزها مذبحة «تاسوكي»، ومحاولة اغتيال الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في عام 2005 أثناء زيارته للمحافظة، حيث أسفرت العملية عن مقتل أحد حراس الرئيس الإيراني السابق.

كما قام «التنظيم» بقتل عشرات من عناصر الحرس الثوري الإيراني بين عامي 2005 و2010، كما قام بعدد من عمليات الاختطاف لقوات من حرس الحدود والحرس الثوري.

لكن أخطر عملياته، التي أدت إلى تصنيفه كتنظيم إرهابي، كانت قيامه بتفجير مؤتمر شعبي بعاصمة المحافظة زهدان، حيث قام انتحاري بتفجير نفسه وسط مدنيين وعسكريين، بينهم قيادات كبار بالحرس الثورى، وهذا إضافة إلى عملية تفجير حسينية على بن أبي طالب بزهدان أيضًا، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات.

وأدى إعدام مؤسس «التنظيم» عبدالملك ريجي من جانب السلطات الإيرانية وتولية محمد ظهير البلوشى، بدلًا منه، إضافة إلى قيام الولايات المتحدة بتصنيفه كتنظيم إرهابي، أدى إلى أفول نجمه.

جيش العدل البلوشي

تأسس جيش العدل بعد أفول نجم جماعة «جند الله»، ورغم خطابها السلفي الجهادي المتشبع بالإرث القومي البلوشي إلا أن الحركة اتخذت مسارًا مغايرًا لجماعة «جند الله» في عملياتها العسكرية للنظام الإيراني، حيث تجنّبت العمليات الانتحارية وقتل المدنيين، خوفًا من تصنيفها دوليًا كجماعة إرهابية، وركزت عملياتها على القوى الأمنية الإيرانية حصرًا، إضافة إلى بعض السياسيين.

وقد قامت الحركة منذ عام 2011 وحتى 2015 بعشرات من العمليات المسلحة، التي ركزت على قوات حرس الحدود الإيرانية بالمحافظة ومواقع الحرس الثوري الإيراني، حيث قتلت عشرات من القوات الإيرانية داخل المحافظة، وأسقطت عددًا من الطائرات العسكرية. ويقود تنظيم جيش العدل «عبدالرحیم ملازاده»، منذ عام 2012 ويصدر بياناته باسم «صلاح الدین فاروقي»، وكان في السابق ضمن جماعة «جند الله».

ويتشكل «جيش العدل» – حسب دراسة لبوابة الحركات الإسلامية – من ثلاث كتائب، تحمل أسماء ثلاثة من عناصر الجماعة الذين قتلوا في مواجهات عسكرية مع قوات النظام، أو أعدموا من قبَل النظام في السجن، وهم: عبدالملك ملازاده، نعمت الله توحيدي، والشيخ ضيائي، بالإضافة إلى كتيبة أمنية تقوم بمهام الرصد والاطلاع.

«جيش النصر» ينضم إلى «جيش العدل»

انضمت حركة جيش النصر البلوشي إلى جيش العدل في ديسمبر / كانون الأول 2016.

اتحاد جماعتي الأنصار والفرقان

تعد جماعة الفرقان البلوشية واحدة من أقوى التنظيمات السنية التي تقوم بعمليات نوعية ضد القوات الأمنية الإيرانية. وفي ديسمبر / كانون الأول 2013، صدر بيان أعلنت فيه جماعة الأنصار – التي تشكلت منذ ثلاث سنوات – اتحادها مع جماعة الفرقان، لتُشكل ما يُعرف بجماعة أنصار الفرقان، وتولى إمارتها المولوي صلاح الدين، بينما تولى أبوحفص البلوشي أمير جماعة الأنصار، المسئول العسكري لجماعة أنصار الفرقان.


عمليات عسكرية نوعية لتنظيمات بلوشية ضد القوات الإيرانية

بمتابعة البيانات الصادرة عن التنظيمات البلوشية السنية خلال العامين الماضيين، يتضح أن هناك تطورًا نوعيًا في العمليات العسكرية التي تقوم بها تلك التنظيمات، وأنها حصلت على أسلحة نوعية استطاعت بها أن تُكبّد القوات الإيرانية خسائر كبرى، إضافة إلى أسلحة مكّنتها من إسقاط عدد من الطائرات.

ومن وهذه العمليات:

في الثالث من أبريل / نيسان عام 2015، وبعد أيام من بدء عاصفة الحزم اندلعت اشتباكات بين مسلحين من حركة أنصار الفرقان وعناصر الحرس الثوري الإيراني، في مدينة قصر قند بإقليم بلوشستان، مما أسفر عن إسقاط مروحية ومقتل عدة عناصر من الحرس الثوري. وتبنت حركة جيش العدل البلوشي عمليتين عسكريتين، استهدفت خلالها عناصر من الحرس الثوري الإيراني وعناصر الباسيج في منطقتي سراوان وسرباز، مما أسفر عن مقتل 8 من الحرس الثوري.

كما دارت اشتباكات بين عناصر بلوشية سنية في بلوشستان والحرس الثوري، أسفرت عن مقتل وجرح 18 من الحرس الثوري. وفي منتصف يونيو / حزيران، أعلن جيش العدل البلوشي قيامه بعملية عسكرية أسفرت عن مقتل 30 عسكريًا إيرانيًا في كمين نصبه لمجموعة من ضباط الحرس الثوري الإيراني.

وبعدها بأيام نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن “قائم مقام” مدينة مهرستان أن مجموعة من «الأشرار»، وهي تسمية تطلقها على المجموعات البلوشية المسلحة المعارضة للنظام الإيراني، «قامت بنصب كمين لضابطين من جهاز الاتصالات التابع للحرس الثوري، وهما مرتضى محمد باقري ومحمد محمدي سليماني، في جبال (بيرك) بمنطقة مهرستان وأردتهما قتيلين فور نزولهما من الجبل».

وفي مايو/آيار، قام جيش العدل بنصب كمين لعدد من القوات التي كانت ذاهبة إلى معسكر تابع للحرس الثوري في منطقة نصرت آباد، وتمكن خلال هذه العملية من أسر 18 من هذه القوات، حسب بيان جيش العدل.

وفي السادس والعشرين من يونيو / حزيران أعلن جيش العدل قتل 16 جندياً إيرانيًا في نواحي مدينة سروان الحدودية بمحافظة سيستان البلوشية المحتلة جنوب شرق إيران. وفي يوليو /تموز، أعلن الجيش الإيراني قتل ضابط من حرس الحدود، وهو الملازم أول منصور توحيدي، أثناء اشتباكات مع تنظيم جيش العدل البلوشي، في منطقة ميرجاوة بإقليم بلوشستان جنوب شرق إيران.


اتهامات إيرانية لـ«الرياض» بدعم البلوش

نشرت صحيفة «وطن أمروز» التابعة للمحافظين في إيران تصريحات مثيرة عن وزير الاستخبارات الإيراني، يتهم فيها السعودية بدعم وتسليح المجموعات المسلحة البلوشية بإيران. وقالت الصحيفة الإيرانية إن جهاز الاستخبارات السعودية شكل 12 خلية ومجموعة مسلحة بلوشية في إقليم بلوشستان السني لتنفيذ عملياتها العسكرية داخل إيران.

وأضافت الصحيفة أن «كل مجموعة مسلحة تدعمها السعودية تتشكل من عشرة عناصر حتى يصعب على أجهزة الأمن الإيرانية كشفهم أو اعتقال جميع منتسبي وأعضاء الخلايا والمجاميع المسلحة التي تدعمها السعودية، كما عملت على تأسيس جميع هذه الخلايا في منطقة بلوشستان السنية».

ويشير هذا التغيّر النوعي في عمليات الحركات المسلحة الأحوازية والبلوشية إلى تغيّر كبير في دعم هذه العمليات، وهو ما يراه مراقبون دعمًا عربيًا في الأساس، حيث تسعى الدول العربية إلى دعم الحركات المناوئة لإيران في الداخل، لإشغالها بنفسها، كما تفعل مع الدول العربية بتحريك جزء من الشيعة العرب ضد أنظمة بلادهم.

يأتي هذا في ظل اتهامات تركية وردت عبر الكثير من وسائل إعلام أنقرة تتهم فيها – وبشكل واضح – طهران بدعم المسلحين الأكراد الذين يشنون عمليات واسعة ضد الحكومة التركية، وأسفرت عن مقتل العشرات.

ويأتي التنسيق والدعم التركي لعملية الحزم على الحوثيين في اليمن لتشكل منعطفًا جديدًا في الصراع التركي – الإيراني، وبعد التراشق وفتور العلاقات بين البلدين بسبب الدعم التركي لحركات المعارضة السورية في مواجهة نظام «الأسد» يبدو أن تركيا عازمة على الرد على إيران عن ملفات داخلية قد يكون من بينها الأكراد والبلوش.

ورغم السلام الحذر الذي استمر بين تركيا وإيران لـ700 عام، يبدو أنه مع تزايد هجمات الأكراد واستمرار الدعم التركي للمعارضة السورية والاقتراب التركي الأكبر من السعودية، أن تركيا ستبدو مستقبلًا أكثر قربًا وتحالفًا مع الخليج في مواجهة إيران ما بعد الاتفاق النووي.