محتوى مترجم
المصدر
KQED
التاريخ
2013/11/21
الكاتب
توم ماكهام

لا تزال تحديات تحويل العملية التعليم إلى نظام قادر على إلهام الطلاب، ليصبحوا محترفين ومبدعين وضالعين في حل المشكلات، تحديات تقع في النطاق المألوف حتى الآن، حيث ترتكز على أنواع المناهج والمعايير والمهارات والاستراتيجيات وتعديلات طرق التدريس بالصف الضرورية لفعل ذلك.

ولكن من المحتمل أن تثبت هذه التحديات ثانويتها، فبينما يعبر التعليم الفجوة بين النموذج الانتقالي ونموذج السؤال والشك، تظهر قضية أكثر إلحاحاً وهي: كيف نحدد ونجذب المدرسين الذين يميلون إلى البحث والسؤال، وننمِّي اهتماماتهم وندرِّبهم؟

لا يخفى علينا أنه عندما ينزل المعلم من منبره تاركاً مقدمة الغرفة ومنحنياً أمام الطالب ليوجهه أثناء حل مسألة ما ويقدم له نصائح صاغها خصيصاً لتعزيز الثقة والمثابرة، يمسي المعلم –حينئذ- شريكاً حقيقياً في عملية التعلم، وتلقائياً تتغير العلاقة بينه وبين الطالب. فلم يعد «التلقين» سيد الموقف، بل الإصغاء والملاحظة وخلق قنوات من الثقة لبدء تواصل حميم بين الأفراد، وهذه مهارات يمكن التدرب عليها.

يمكن تعلم أساسيات «التعليم الجيد» خاصة إذا كان هدفها مساعدة التلميذ على إجادة حل مسألة رياضية أو تحسين كتابة مقال أو إلقاء عرض جذَّاب. في حقيقة الأمر، لو كان هذا هو كل المتوقع من «النظام التعليمي القائم على السؤال» في المستقبل، فستأخذ مهارات التدريس مجراها الطبيعي بسهولة في التطور، مدعومة بشرط جديد، وهو: كيف تصبح مربياً مرشداً؟

هذه خطوة هامة في حد ذاتها، ولكن تحديثات العلم تخبرنا أن تدريب المعلمين على الفنيات وحدها لا يكفي، وبذلك فهي تكشف لنا أن ما سيصنع الفارق هو الصفات الشخصية للمدرس أكثر من التدرب على طرق التدريس والمنهج.

إن الطبيعة المتشابكة للإدراك هي مرئية في الأصل، وأياً كان المسمَّى -بيولوجيا الأعصاب بين الأفراد أو علم الأعصاب الاجتماعي– فإن أحدث ما توصل إليه العلم في مجال المشاعر الإيجابية والمرونة العصبية يؤكد أن الرسائل الانفعالية التي يتبادلها البشر تؤثر على العمليات النفسية والتركيبة البيولوجية للمخ والجسد، حيث تُسبِّب العلاقات المتجسدة بين الأفراد تغيرات في الشبكات العصبية وأداء الفص الأمامي بالمخ ومستويات الضغط النفسي وحتى الصفات الوراثية.

إن التوكيد الأخير على بث عقلية النمو في الطلاب -وفي ذلك قياس التغير في مستوى الذكاء- هو أول الخطوات لفهم أن العلاقة بين المدرس والطالب هي علاقة مركزية في العملية التعليمية.

يعتبر هذا البحث مهماً في فهم الطريقة التي سيحتاجها المعلم لتشجيع طلابه على السؤال والاستفسار، فالنظام القادم يتفوق الموقف فيه على حيل التعلم المعروفة، وتعتمد مشاركة الطلاب ومثابرتهم وفتح آفاقهم لإيجاد حلول جديدة على تكيفهم وعزمهم وفضولهم وإبداعهم وتعاطفهم، حيث يشير علماء النفس إلى هذه الصفات بـ «الأصول الشخصية»، ولكن تلك الصفات أكثر غموضاً بكثير من حساب بنكي، ولا يمكن استنباطها من مرجع، إذن كيف تسير العملية التعليمية؟

ظهر دليل مبدئي منذ أكثر من عشرين عاماً، وذلك في مجال نمو المراهقين ودراسات التكيف، ليتضح أن العلاقات التي تقوم على الرعاية والاهتمام هي العامل الأساسي في مساعدة الشباب على «الازدهار»، وهذا مصطلح يحمل في طياته سلوكيات جوهرية ضرورية لتعزيز السؤال بنجاح والتعلم بعمق. فلقد أمدَّنا العلم الآن بالحلقة المفقودة والدليل الدامغ أن التفاعلات الوجدانية بين المدرس والطالب تؤدي إلى تغيرات نفسية، وبالتالي إلى أداء فعَّال.

من هنا نعلم أن شخصية المعلم أمر فارق، ولكن هناك حقيقة إضافية جديدة قد تأخذ الأمر لمدى أبعد من ذلك، حيث إن واحدة من مزاعم النظام الحالي ترى أن ظهور العواطف في العملية التعليمية يعني تخفيض حدة وسقف الأحكام والعقوبات ضد الطلاب، لكن علم الأعصاب الاجتماعي يدحض هذه الرأي بشكل متزايد. فقوى التواصل لعلاقة ما لا تظهر إلا في وجود اهتمام صادق، حيث يتم التعبير عن الحب وتبادله عاطفياً ونفسياً، فالقبول غير المشروط يمنح أفضل النتائج.

خلاصة الأمر، إن كان النجاح مُقدراً للنظام القائم على السؤال والاستفسار، فسنحتاج إلى بشر في غرف الدراسة يعرفون مجالهم ويتألقون بنوع من الحب الإيجابي المجرَّد، الذي سيساعد الطلبة بدوره، ليفتحوا عقولهم وقلوبهم، وهو أمر يصعب إنجازه بالنسبة لأغلبنا ولا نعرف مصدره، لكنه سيكون جوهرياً لو بنينا اهتماماً صادقاً، وسيظهر من خلال الصفات الشخصية الراسخة للمدرس عن طريق وسائل متنوعة داخل الصف.

وعلى سبيل المثال قد يتفكَّر كل معلِّم فيما يلي:

هل أنت شخص متفائل؟

إن رؤية الدنيا خراب والمستقبل مظلم تغلق العقل بنشر الخوف. يعد الحفاظ على سلوك التفاؤل نوعاً من أنواع التعبير عن الحب، فالتشجيع على البحث والأمل يُحفِّز الصحة العاطفية والجسدية. فالتفاؤل أساسي للتعليم، وبدون أمل يختفي الدافع للتعلم.

هل أنت إنسان مُنفتِح؟

يحرِّك التفكير المتباين العالم وينعشه، وعلى الرغم من أن النتائج غامضة وخطيرة فإن الإيمان بالفكر المرن للعقل البشري يمكن أن يدِّعم الشباب حينما يختارون عالمهم الجديد ويمتلكون الحرية في اكتشاف حلول لم نرها حتى الآن، حيث ينشِّط السلوك المنفتح الفص الأمامي للمخ المسئول عن التدفق والإبداع.

هل تُظهِر التقدير للآخر؟

يسمح التقدير العميق بتقبل الفشل بدلاً من ممارسة العقاب كاستجابة خاطئة. فالتقدير يُمجِّد الوقفات والبدايات في التطور الإنساني، وينقل الرسالة المثالية لعالم متعايش: معاً في عالم واحد.

هل أنت مرن؟

لا تقل أهمية الرحلة عن مسافتها أثناء البحث، التأمل الدائم ضروري لتحسين التفكير والعمل، كما يحث الوعي بالذات على الحكمة وهو الهدف الأسمى لأي نظام تعليمي كفؤ. تُخبر المرونة العقل والقلب بأن يواصلا العمل، فالوصول للغاية قريب.

هل هدفك واضح؟

يُلزِم الهدف كلاً من المعلم والطالب بسعي نبيل وراء الحلول الفارقة، إنه السبب في نجاح التعليم «الحقيقي» وصراعات التعليم الزائف. فهو يقوِّي الروابط بين المتعلم والمعلم بطرق تثير الدافع الخلَّاق الفطري لتغيير وتطوير العالم.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.