مجموعة من الحركات «تشويحات» يقوم بها بيده، تلازمها بعض الصرخات لدب الحماس في كل من حوله، من الزملاء أو الجماهير، والمصورين ورجال الأمن أيضًا إن لزم الأمر، كاشفًا بها عن حبه للفريق، ورغبته الجارفة في الفوز وإسعاد الجماهير، وكأنه آخر نادٍ سيلعب له في حياته.

وإن لم يسر الأمر جيدًا على أرض الملعب، سيبحث عن البديل خارجه، عبر مشاهد أكثر درامية وتأثيرًا. مثلاً سيأخذ مكان المدرب المساعد ويصرخ بزملائه من على خط التماس، كما فعل رونالدو في نهائي يورو 2016 في رائعة «سدد يا إيدير»، أو سيقلد المصري شيكابالا ويذهب ليهتف مع جماهير فريقه ضد المنافس، لأن القائد الحق ينتمي للمدرجات، وفقًا لمذهب المشجعين الجدد.

ونؤكد لك، إن أتقن اللاعب تأدية واحد من المشاهد السابقة، ستظهر صورته على وسائل التواصل الاجتماعي، وبجوار اسمه عدد من «الإيموجي» المشتعلة. وما بين المبالغة السابقة أو قصر دور الكابتن في اختيار جانب العملة التي يلقي بها الحكم قبل اللقاء، يظل السؤال: هل تؤمن حقًا بوجود الكابيتانو؟

يوميات كتالوني في ميونيخ

في عام 2013، وتحديدًا في منتصف الموسم، أنهى «جوارديولا» الجدل الدائر حول وجهته التدريبية المقبلة، باختيار نادي بايرن ميونيخ، على أن يتسلم المهمة في بداية الموسم الجديد. لكن من حظه العثر، أنهى العملاق البافاري الموسم بقيادة مدربه «يوب هاينكس»، بالفوز بكل ما هو متاح، ثلاثية الدوري والكأس ودوري الأبطال.

وبعد أن كان المدرب الإسباني يحمل هم الاصطدام بالإرث الكروي الألماني وأفكارهم التدريبية، بات لزامًا عليه أن يجد طريقة ما لإقناع لاعبين هم بالفعل على قمة الهرم، بتغيير أسلوب لعبهم، وتقبل أفكاره، من أجل تحقيق النتيجة نفسها التي حققوها بالفعل بأسلوب آخر.

يمكنك الاطلاع على ما حدث من شد وجذب في كواليس الموسم الأول لـ«بيب» مع البايرن عبر كتاب «pep confedential»، للصحفي الإسباني «مارتي بيرارنو»، لكن ما يهمنا هو ما حدث بعد رباعية ريال مدريد في الدور قبل النهائي بدوري الأبطال.

اجتمع بيب بقائد الفريق «فيليب لام»، واستمر الاجتماع لأكثر من ساعة، شرح فيها مدرب برشلونة الأسبق بعضًا من أسبابه لاجراء ما أجراه من تعديلات، واعتذر عما ثبت خطئه، وكأن «جوارديولا» ما زال متشككًا في قناعة اللاعبين بأفكاره. اكتفى «لام» بالإنصات معظم الوقت، لكنه رد في الأخير مؤكدًا لمدربه أن الجميع يسانده، حتى نهاية الرحلة.

وفقًا لما ورد بالكتاب نصًا، فإن «لام» تحدث مع بقية اللاعبين، وشدد عليهم بضرورة مساندة المدرب والسير حسب أسلوبه وقناعاته. وبقدر ما يبدو الأمر عاديًا لكنه بالنسبة لغرفة خلع ملابس البايرن ليس كذلك، لأنها معروفة بتقلب مزاجها وعدم الصبر على أي مدرب، لولا «فيليب لام».

عندما اعتزل كابتن المنتخب الألماني السابق، كان «جوارديولا» مدربًا لمانشستر سيتي، لكنه أفرد له جزءًا من تصريحاته في المؤتمر الصحفي؛ حيث قال: «لم يكن سهلاً على مدرب كتالوني، المجيء إلى ألمانيا مع فريق فاز بالثلاثية، والتأقلم وتعلم اللغة الألمانية، لكن فيليب ساعدني كثيرًا داخل وخارج الملعب».

يمكننا القول إن تأثير «فيليب لام» ككابتن كان مختلفًا تمامًا عن اللقطات الصاخبة التي تفضلها الجماهير، لكنه دون شك كان واحدًا من العوامل المساعدة لنجاح فترة «جوارديولا» مع البايرن.

مورينيو والعمل القذر

ومن «جوارديولا» إلى نقيضه «مورينيو»، وموقف مشابه داخل الإطار نفسه. في أحد اللقاءات، كان المدرب البرتغالي يتحدث عن كباتن الفرق التي دربها، ليتذكر إحدى مبارياته عندما كان مدربًا لـبورتو البرتغالي، حيث كان الفريق متأخرًا بنهاية الشوط الأول، أمام نادي بيلينينسش، بنتيجة 0-2.

بين الشوطين، كان «مورينيو» يشتعل غضبًا، وفي طريقه لغرفة تبديل الملابس، فوجئ بكابتن الفريق «جورج كوستا» يطلب منه أن ينتظر دقيقتين في الخارج. أغلق «كوستا» الباب، وحسب «مورينيو»، قام الكابتن بالعمل القذر نيابةً عنه، ليفتح له الباب قائلاً: «تفضل، أعط تعليماتك الفنية».

اكتملت قصة مورينيو بتمكن بورتو من قلب النتيجة بثلاثة أهداف مقابل اثنين، أحرز منها قلب الدفاع «كوستا» هدفين، والذي كان «جوزيه» يعتقد أنه لم يحرز أهدافًا في حياته قط.

استطرد «مورينيو» في الشرح، وأوضح أن الجماهير تخلط دائمًا بين مفهوم القائد والكابتن، حيث يعتقدون خطئًا أن كل من يرتدي شارة الكابتن، يصلح لدور القيادة، وأضاف: «القادة، لا يمكن شراؤهم ولا صناعتهم، لكن إن كنت محظوظًا بامتلاك أحدهم، فإن فريقك يتقدم بخطوة على البقية».

وجود قادة كخافيير زانيتي أو جون تيري أو فيليب لام، يجعل المدرب أكثر تركيزًا على الجوانب الفنية، لأن ذلك القائد سيسهل عليه التعامل مع اللاعبين، وتوحيد صفهم، وغيرها من الأمور المتعلقة بالـ«Man Management»، التي باتت أهميتها تضاهي أو تزيد عن التكتيك.

مورينيو تحديدًا وإن كان لا يجرؤ على البوح بتلك الملاحظة، شهدت مسيرته تدهورًا في آخر تجربتين بسبب ذلك الأمر. في ولايته الثانية بتشيلسي، وبعد موسم ثانٍ جيد نسبيًا بالتتويج بلقب البريميرليج، انهارت علاقته بلاعبيه في بداية الموسم التالي، وبالصدفة كان ذلك بعد تدهور مستوى تيري وتراجع دوره، ورحيل بيتر تشيك ودروجبا، وتحول القيادة من هؤلاء إلى هازارد ودييجو كوستا.

في مانشستر يونايتد، وبعد موسم أول جيد جدًا، رحل إبراهيموفيتش وروني، وبنهاية الموسم التالي، اعتزل مايكل كاريك، خمن ماذا حدث بعدها؟ تولى بوجبا ومارسيال القيادة، ورحل جوزيه. بالطبع، لا ينفي ذلك أخطاء السبيشال وان على مستوى الفنيات أو انتداب اللاعبين، لكنه جزء لا يمكن إغفاله من القصة.

نظرة أخرى

ولا ينتهي التأثير عند مورينيو وجوارديولا فقط، بإمكانك المرور على تأثير «زلاتان إبراهميوفيتش» وهو في عمر الثامنة والثلاثين على ميلان، أو الحديث عن «جوردان هندرسون» في ليفربول رغم تناول الجماهير له بشيء من السخرية، وغيرها وغيرها مما قد يجعلك تعيد النظر كثيرًا في رؤيتك للكابتن.

وبدلاً من أن تنتظر منه تقبيلاً للقميص، أو انتقادًا للتحكيم، أو تصريحات ساخنة ضد المنافس، ستنتظر منه المزيد خلف الكواليس، باعتبار دوره جزءًا مهمًا من نجاح المنظومة. وشيئًا فشيئًا ستبدأ النظر إليه على أنه واجهة الفريق، وكونه لاعبًا جيدًا وقائدًا مخلصًا، قد يزيد إعجابك بالفريق نفسه، كتأثير مالديني وتوتي على سبيل المثال.

وفي أثناء البحث عما يدعم تلك النظرة المختلفة، وقع أمامي فيديو لقناة «oh my goal» على اليوتيوب، بعنوان «كرة القدم تحتاج لمزيد من اللاعبين كـ بويول». كارليس بويول هو أحد الكباتن الذين تتذكرهم جماهير برشلونة بالإخلاص والتفاني في الملعب، لكن الفيديو عرض لقطات صغيرة أخرى، سنعرضها وعليك أن تحدد ردة فعلك.

أشهر هذه اللقطات كان في مباراة ريال مدريد، عندما منع كارليس زميله بيكيه من الذهاب للحكم وفي يده قدّاحة، رميت عليه من جماهير ريال مدريد، وأخرى عندما منع داني ألفيش وتياجو من احتفالهما الراقص المستفز أمام جماهير رايو فاليكانو.

بويول يمنع ألفيش وتياجو من الاحتفال أمام جماهير رايو فاليكانو

وأخرى عندما طلب من أبيدال العائد من المرض أن يرفع كأس الليجا بدلاً عنه، وأخيرًا لقطة من مباراة ودية، جمعت ميلان وبرشلونة، عقب رحيل رونالدينيو صوب إيطاليا، حيث طلب بويول من الساحر البرازيلي أن ينضم إلى الفريق الكتالوني في الصورة التذكارية التي تؤخذ قبل المباراة.

لقطات بسيطة لا تملك إلا الإعجاب بصاحبها، وسترى أنها تعبر عن رقي، بات مفقودًا في ظل إفرازات السوشيال ميديا، التي أطلت علينا بمنح القيادة لمن يستفز المنافس، أو يؤدي بعض المشاهد التمثيلية بإتقان. الآن ستسأل نفسك: ماذا لو لم يمتلك فريقي قائدًا حقيقيًا؟ الإجابة بسيطة، لا تسمِّهَ الكابيتانو، ولا تبذل مجهودًا بمنحه تقديرًا لا يستحقه.